أرشيف المقالات

أمم أمثالكم

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
أُمَم أمثالكم
 
ما زال الشيطانُ يُوحي بأفكاره ويُرسِل ذَراريه لبني الإنس تحريضًا لهم على ارتكاب ما استطاع أن يُوقِعَهم فيه من الشرور، فما لبثنا حتى صَبَّحَتْنا المنصَّاتُ الإعلاميةُ والمواقعُ الإخباريةُ بفيديوهات وصورٍ لما أسْمَوه "إعدام الكتاكيت" في مصر؛ لعدم وجود كميات الأعلاف اللازمة لتغذيتها.
 
كيف يتم التخلُّص من كل هذه "الكتاكيت" بهذا الشكل الإجرامي؟! وكأنها ليست أرواحًا، قال الله في حقِّها: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام: 38].
 
كيف وبدون أيِّ منفعة يتم التخلُّص من أرواح خلق من خلق الله يُسبِّحونه بكل هذه الجهالة والاستهانة والتحدِّي والتجبُّر في الأرض؟! وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].
 
يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: "أي وما من شيء من المخلوقات إلَّا يُسبِّح بحمد الله؛ ولكن لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس؛ لأنها بخلاف لُغتكم، وهذا عامٌّ في الحيوانات والنبات والجماد".
 
هل ملأت الحياةُ الماديةُ المبنيَّة على حسابات المكسب والخسارة (فقط) قلوبَنا وعقولَنا لهذا المستوى حتى انسلخ البعضُ عن عبادة التوكُّل على الله؟! حتى نسينا قول الله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6].
 
يقول الإمام السعدي في تفسيره: "جميعُ ما دَبَّ على وَجْهِ الأرض؛ من آدميٍّ، أو حيوانٍ بريٍّ أو بحريٍّ، فالله تعالى قد تكفَّل بأرزاقهم وأقواتهم، فرِزْقُها على الله، يعلم مستقرَّ هذه الدوابِّ، وهو: المكان الذي تقيم فيه وتستقر فيه، وتأوي إليه، ومستودعَها: المكان الذي تنتقل إليه في ذهابها ومجيئها، وعوارض أحوالها.
 
فليس الأمر هيِّنًا؛ بل إنه عظيم لدرجة أن الله عز وجل عاتب نبيًّا من الأنبياء في مثله عندما حَرَّق قريةً للنمل بعد أن قرصته نملةٌ واحدةٌ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: ((قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأنْبِيَاءِ، فأمَرَ بقَرْيَةِ النَّمْلِ، فَأُحْرِقَتْ، فأوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ: أنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ!))؛ [أخرجه البخاري (3019) واللفظ له، ومسلم (2241)].
 
وقد أمر الرسول بالرحمة والإحسان حتى في توقيع القتل على مَنْ وجب عليه الحدُّ رغم أنه استحقَّ الحدَّ، وعند ذبح الأضحية رغم النفع العائد من ذبحها، فعن شداد بن أوس قال: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ))؛ [صحيح مسلم: 1955].
 
نسأل الله أن يرزقنا الرحمةَ والإحسانَ، وأنْ يُجنِّبَنا طُرُق الشيطان.

شارك الخبر

المرئيات-١