آيات من سورة القلم بتفسير الإمام الزركشي
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
آيات من سورة القلم بتفسير الإمام الزركشي﴿ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ﴾ [القلم: 6]
قوله تعالى: ﴿ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ﴾ [القلم: 6]، كتبت بياءين، تخصيصًا لهم بالصفة لحصول ذلك وتحقُقه في الوجود؛ فإنهم هم المفتونون دونه، فانفصل حرف "أي" بياءين لصحة هذا الفرق بينه وبينهم قطعًا، لكنه باطن فهو ملكوتي، وإنما جاء اللفظ بالإبهام على أسلوب المجاملة في الكلام، والإمهالِ لهم، ليقع التدبر والتذكار كما جاء: ﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [سبأ: 24][1]، ومعلوم أنَّا على هدى وهم على ضلال[2].
وقوله: ﴿ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ﴾ [القلم: 6] أي: الفتنة[3].
وقال أبو الحسن[4]: ﴿ بِأَيِّكُمُ ﴾ [القلم: 6] متعلق باستقرار محذوف مخبر عنه بـ﴿ الْمَفْتُونُ ﴾ [القلم: 6]، ثم اختلف فقيل: "المفتون" مصدر بمعنى الفتنة، وقيل: الباء ظرفية، أي في أيكم الجنون[5].
﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ﴾ [القلم: 10]
قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 10، 11][6]، قيل، إنه الأخنس بن شريق[7].
﴿ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 11]
قوله تعالى: ﴿ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 11]، فإن الهمّاز هو المغتاب، وذلك لا يفتقر إلى شيء بخلاف النميمة[8].
﴿ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ﴾ [القلم: 16]
قوله تعالى: ﴿ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ﴾ [القلم: 16]، عبّر بالأنف عن الوجه[9].
﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ [القلم: 20]
قوله تعالى: ﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ [القلم: 20]، قيل: معناه كالنهار مبيضة لا شيء فيها، وقيل: كالليل مظلمة لاشيء فيها[10].
﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [القلم: 42]
قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾ [القلم: 42]، قال قتادة: عن شدة، وقال إبراهيم النخعي[11]: أي عن أمر عظيم[12].
قال الشاعر:
وقامت الحرب عن ساق[13]
وأصل هذا: أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى معاناة وجدَّ فيه شمَّر عن ساقه، فاستعيرت الساق في موضع الشدة[14].
[1] سورة سبأ: 24.
[2] البرهان: علم مرسوم الخط - زيادة الياء 1 /270.
[3] المصدر السابق: بيان حقيقته ومجازه - إقامة صيغة مقام أخرى 2 /178.
[4] (هو الأخفش) انظر: البرهان في علوم القرآن، تحقيق د.
يوسف المرعشلي 3 /159.
[5] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - زيادة الباء 3 /56.
[6] سورة القلم: 10 - 11.
[7] أبُيُّ بن شَرِيق ويعرف بالأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبي سلمة الثقفي يكنى أبا ثعلبة، لمَّا أشار على بني زهرة بالرجوع إلى مكة في وقعة بدر، فقبلوا منه فرجعوا، قيل: خنس بهم فسمي الأخنس، وكان حليفًا لبني زهرة، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المؤلفة قلوبهم، وتوفي في أول خلافة عمر بن الخطاب.
(أسد الغابة 1/166 رقم الترجمة (29).
البرهان: علم المبهمات - تنبيهات 1 /119.
[8] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - ما قدم والمعنى له من أسبابه الرتبة 3 /159.
[9] المصدر السابق: بيان حقيقته ومجازه - إطلاق اسم الكل على الجزء 2 /164.
[10] المصدر السابق: معرفة تفسيره وتأويله - الإجمال ظاهرًا وأسبابه 2 /132.
[11] هو الإمام، الحافظ، فقيه العراق، أبوعمران، إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن سعد بن مالك النخعي، اليماني ثم الكوفي، أحد الاعلام، وهو ابن مليكة أخت الأسود بن يزيد، روى عن خاله، ومسروق، وعلقمة بن قيس، وعبيدة السَّلماني، وخلق سواهم من كبار التابعين، ولم نجد له سماعًا من الصحابة المتأخرين الذين كانوا معه بالكوفة، كان بصيرًا بعلم ابن مسعود واسع الرواية، فقيهَ النَّفس، كبيرَ الشأن، كثير المحاسن، رحمه الله، وكان مفتي أهل الكوفة هو والشعبي في زمانهما، وكان رجلاً صالحًا، فقيهًا، متوقيًّا، قليل التَّكَلُّف وهو مختفٍ من الحجاج، مان سنة ستٍ وتسعين.
(تهذيب سير أعلام النبلاء 1 /164 رقم الترجمة (590).
[12] انظر قول قتادة والنخعي في: تفسير الطبري 23 /187-189.
[13] صدر البيت: (صبرًا أمام إن شرَّ باق.) ذكره أبو حيان في تفسيره البحر المحيط 8 /310.
[14] البرهان: حكم الآيات المتشابهات الواردة في الصفات 2 /55.