شرح الترمذي - مقدمات [6]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الرحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

إخوتي الكرام! وصلنا إلى ترجمة الإمام المبارك أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن الضحاك البوغي الترمذي ، ووعدت أن نتدارس في هذه الموعظة المباركة ما يتعلق بحياته وترجمته ومكانته، والأمر الثاني فيما يتعلق بكتابه ومنزلته من كتب السنة، وغالب ظني أننا سنقصر حديثنا ومدارستنا في هذه الليلة على الأمر الأول إن شاء الله، وهو على مكانة الإمام الترمذي ورتبته، والدرجة العالية التي كان يتبوؤها في الحياة العلمية، ونسأل الله أن يجمعنا معه في نعيم الجنات مع عباده المقربين، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، ويأتي في نهاية ترجمته شيء من التعليق؛ لذلك قد يطول الوقت فلا نتمكن بعد ذلك من مدارسة منزلة ومكانة كتابه في كتب السنة، وقبل أن أتكلم على ترجمة هذا الإمام المبارك أحب أن أنبه على أمرين اثنين:

أحدهما: سؤال وجه لي من بعض الإخوة الكرام في الليلة الماضية.

وأمر ثانٍ: يتعلق بقصة كنت وهمت وأخطأت فيها، والخطأ كان فيما يتعلق بتسمية الأشخاص وتعيينهم، لا فيما يتعلق بموضوع القصة وواقعها، هذه القصة هي المتعلقة بما جرى مع الإمام يحيى بن معين مع أبي حنيفة ، وكنت ذكرت هذه القصة عند بيان منزلة المحدثين والفقهاء، وقلت: الفقهاء أطباء، والمحدثون صيادلة، ومن جمع الفقه والحديث فهو طبيب وصيدلي، فذكرت قصة أبين فيها منزلة الفقهاء، والأخ يقول لي: أبو حنيفة توفي سنة: ثلاثٍ وستين ومائة، والإمام ابن معين عليهم جميعاً رحمات رب العالمين ولد سنة: ثمانٍ وخمسين ومائة، فقلت له: موت أبي حنيفة عليه رحمة الله سنة: خمسين ومائة بيقين، قال: إذاً: هو من باب أولى؛ إذ كيف يحدثه بهذه القصة التي تقع وهو ولد بعد موته بثمان سنين؟ يعني: ولادة يحيى بن معين سنة: ثمانٍ وخمسين ومائة، ووفاة أبي حنيفة سنة: خمسين ومائة، قلت: هذا وهم وخطأ قطعاً وجزماً، أما أن القصة ثابتة ومروية فوالله لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب، أو أن أقول ما لم أعلمه، لكن إذا أخطأ الإنسان في تسمية الأسماء فهذا موضوع آخر، أما القصة فإنها ثابتة، قال: نعم، أريد فقط التحقق منها، وأقرأ عليكم القصة إخوتي الكرام، وأقرأ لكم ما يشبهها مما جرى مع أبي حنيفة ، لكن ليس مع يحيى بن معين ، إنما أذكر في أول الأمر قصة ابن معين التي ذكرتها، وأن حيضة أمنا عائشة ليست في يدها.

هناك كتاب اسمه: (المحدث الفاصل بين الراوي والواعي) بعض الناس يخطئون في الضبط ويقولون: المحدث الفاضل، وهذا لحن وتصحيف وخطأ، والصواب: المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للإمام الرامهرمزي ، وقد شاع بين طلبة العلم أنه أول كتاب ألف في علم مصطلح الحديث؛ لأنه توفي سنة: ستين وثلاثمائة للهجرة، وأنا أقول: نعم، إذا كان على سبيل التجريد والاستقلال، فأول كتاب مجرد ومستقل في المصطلح هو كتاب المحدث الفاصل، أما بالنسبة للتنويه بقواعد المصطلح وذكرها لكن ليس على سبيل الاستقلال والتجريد فأول من فعل هذا هو صاحب الترجمة المباركة الذي سنتدارس سيرته العطرة ألا وهو الإمام الترمذي ؛ فكتابه أول ما وصلنا من كتب المصطلح كما سيأتينا، وأول ما وصلنا أيضاً من كتب الفقه المقارن بأقوال العلماء، وهو أيضاً مع ذلك كتاب حديث، فنجمع هذه المزايا عندما سنتدارس منزلة هذا الكتاب من كتب السنة إن شاء الله.

قصة أبي ثور ويحيى بن معين مع غاسلة الموتى

يقول الإمام الرامهرمزي في المحدث الفاصل في باب: القول في فضل من جمع بين الرواية والدارية في صفحة: خمسين ومائتين بعد أن روي بإسناده، يقول: وقفت امرأة على مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة وخلف بن سالم في جماعة يتذاكرون الحديث، فسمعتهم يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: يسندون إلى من يقول: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام من الصحابة، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه فلان، وما حدث به غير فلان، فسألتهم المرأة عن الحائض تغسل الموتى؟ وكانت غاسلة، أي: مهمتها غسل الأموات، فلم يجبها أحد منهم، وهم ثلاثة من المحدثين: يحيى بن معين وأبو خيثمة وخلف بن سالم ، وجعل بعضهم ينظر إلى بعض، فأقبل أبو ثور وليس أبا حنيفة ، وهو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي الفقيه صاحب الإمام الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله، كان أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً وورعاً وفضلاً، وكان ثقة، توفي ببغداد سنة: أربعين ومائتين للهجرة، أي: كانت وفاته بعد أبي حنيفة بتسعين سنة، ويحيى بن معين ولد سنة ثمانٍ وخمسين ومائة، وتوفي سنة: ثلاثٍ وثلاثين ومائتين، فإذاً: اجتمع بـأبي ثور قطعاً وجزماً، فيقول: فأقبل أبو ثور فقيل لها: عليك بالقادم، فالتفتت إليه وقد دنا منها فسألته عن سؤالها الماضي: هل يجوز للمرأة أن تغسل الميت وهي حائض؟ فقال: نعم، تغسل الميت؛ لحديث عثمان بن الأحنف عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا إن حيضتك ليست في يدك ).

والحديث هذا أخرجه الإمام مسلم وغيره في صحيحه، ولفظ الحديث تاماً: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في المسجد، فقال لأمنا عائشة رضي الله عنها: ناوليني الخمرة )، والخمرة قطعة صغيرة تصنع من جريد النخل يسجد عليها المصلي ليقي جبهته شدة الحر إذا كان شديداً، فهي سجادة صغيرة؛ قيل لها: خمرة لأنها صغيرة تخمر الوجه وتستره.

( ناوليني الخمرة، فقالت: إني حائض )، أي كيف أناولك هذه الخمرة وأنا حائض؟! وعلى حسب ما يتبادر لها أن الحائض كأنها متنجسة، فلا يجوز أن تعطي النبي عليه الصلاة والسلام شيئاً، فقال عليه الصلاة والسلام: ( ألا إن حيضتك ليست في يدك )، هذا هو الضبط الصحيح، وقال بعض أهل اللغة: لحن المحدثون في ضبط هذه اللفظة، وضبطها: (حِضتك) بكسر الحاء، أي: الحالة التي أنتِ فيها، وهذا خطأ؛ إنما المراد من الحيضة المرة التي تخرج والدم الذي يخرج؛ هذا لا تحيضينه في يدك: ( ألا إن حيضتك ليست في يدك )، وهذا ثابت في الصحيحين وهذا القول الأول.

القول الثاني: ( كنت أفرق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء وأنا حائض )، قال أبو ثور : فإذا فرقت رأس الحي بالماء، فالميت أولى به، إذاً يجوز لها أن تفرق رأسه بالماء وأن تغسله، فلما رجعت إليهم وذكرت لهم حديث عائشة قالوا: نعم، رواه فلان، ونعرفه من طريق كذا، وخاضوا في الطرق والروايات، فقالت المرأة: فأين كنتم عندما سألتكم؟ لم ما أجبتم مادمتم تحفظون هذا من طرق وروايات، وكل واحد يسرد من حدثه به من الأئمة، وكم يحفظ لهذا الحديث من طريق؟

قصة تعجب الأعمش من فقه أبي حنيفة

هذه القصة جرى نظيرها ومثيلها لكن لغير موضوع الحيضة، جرى مع أبي حنيفة مع محدث آخر وهو الإمام سليمان بن مهران الأعمش سيد المحدثين في زمنه رحمه الله ورضي عنه.

جاء في الجزء الثاني صفحة: (131) من جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي في روايته وحمله، بعد أن ساق الحديث بإسناده إلى عبيد الله بن عمرو ، قال: كنت في مجلس الأعمش ، فجاءه رجل فسأله عن مسألة فلم يجبه، ونظر فإذا أبو حنيفة ، فقال: يا نعمان ! قل فيها -والنعمان هو أبو حنيفة - قال: القول فيها كذا وكذا، قال: من أين دليلك؟ قال: من حيث ما حدثتني به، وبدأ يروي له الحديث الذي حدث به الأعمش ، فقال الأعمش : نحن الصيادلة وأنتم الأطباء.

ولذلك قال أئمتنا: إن من يحمل الحديث ولا يعرف فيه التأويل كالصيدلاني، وهذا الكلام الذي قاله الأعمش لـأبي حنيفة : نحن الصيادلة وأنتم الأطباء، قاله الإمام أبو جعفر الطحاوي لمحدث دمشق أبي سليمان الربعي -بإسكان الباء- محمد بن عبد الله بن ربيعة ، قال عنه الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ في الجزء الثالث صفحة: (997): ثقة مأمون، يقول أبو سليمان الربعي : استعار مني أبو جعفر الطحاوي بعض كتبي ومصنفاتي، فنظر فيها ثم أعادها إلي، فقال: أنتم معشر المحدثين صيادلة ونحن الفقهاء، يعني: عندكم هذه الكنوز، وهذه الآثار، لكن استنباطكم منها قليل قليل، وهي عندما تئول إلينا نفتحها بالاستنباط ونبين المراد منها. انتهى من تذكرة الحفاظ.

فـأبو جعفر الطحاوي قال كما قال الأعمش رحمة الله على الجميع.

ومن مناقب هذا العبد الصالح أبي سليمان الربعي محدث دمشق الذي توفي سنة (379هـ): أنه رأى الحق جل وعلا في منامه، ورؤية الله جل وعلا في المنام جائزة، وكل واحدٍ يراه حسب إيمانه، فقيل له: كيف رأيته؟ قال: رأيت نوراً، والقصة ثابتة في تذكرة الحفاظ، في ترجمة هذا العبد الصالح في المكان الذي أشرت إليه آنفاً.

وقد جرى من الإمام الأعمش قصص كثيرة تشبه هذه القصة مع أبي حنيفة أيضاً، انظروها في كتاب الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء: أبي حنيفة ومالك والشافعي عليهم جميعاً رحمة الله، لحافظ المغرب وإمام الدنيا في زمنه: الإمام ابن عبد البر ، الذي توفي سنة: (463هـ).

فالقصة ثابتة، لكن أخطأت في تعيين من جرت له القصة مع ابن معين ، فهي لم تجر بين ابن معين وأبي حنيفة ، إنما هي بين ابن معين وأبي ثور رحمهم الله جميعاً ورضي عنهم، ونسأل الله أن يعفو عن زللنا وعن تقصيرنا، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

يقول الإمام الرامهرمزي في المحدث الفاصل في باب: القول في فضل من جمع بين الرواية والدارية في صفحة: خمسين ومائتين بعد أن روي بإسناده، يقول: وقفت امرأة على مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة وخلف بن سالم في جماعة يتذاكرون الحديث، فسمعتهم يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: يسندون إلى من يقول: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام من الصحابة، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه فلان، وما حدث به غير فلان، فسألتهم المرأة عن الحائض تغسل الموتى؟ وكانت غاسلة، أي: مهمتها غسل الأموات، فلم يجبها أحد منهم، وهم ثلاثة من المحدثين: يحيى بن معين وأبو خيثمة وخلف بن سالم ، وجعل بعضهم ينظر إلى بعض، فأقبل أبو ثور وليس أبا حنيفة ، وهو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي الفقيه صاحب الإمام الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله، كان أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً وورعاً وفضلاً، وكان ثقة، توفي ببغداد سنة: أربعين ومائتين للهجرة، أي: كانت وفاته بعد أبي حنيفة بتسعين سنة، ويحيى بن معين ولد سنة ثمانٍ وخمسين ومائة، وتوفي سنة: ثلاثٍ وثلاثين ومائتين، فإذاً: اجتمع بـأبي ثور قطعاً وجزماً، فيقول: فأقبل أبو ثور فقيل لها: عليك بالقادم، فالتفتت إليه وقد دنا منها فسألته عن سؤالها الماضي: هل يجوز للمرأة أن تغسل الميت وهي حائض؟ فقال: نعم، تغسل الميت؛ لحديث عثمان بن الأحنف عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا إن حيضتك ليست في يدك ).

والحديث هذا أخرجه الإمام مسلم وغيره في صحيحه، ولفظ الحديث تاماً: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في المسجد، فقال لأمنا عائشة رضي الله عنها: ناوليني الخمرة )، والخمرة قطعة صغيرة تصنع من جريد النخل يسجد عليها المصلي ليقي جبهته شدة الحر إذا كان شديداً، فهي سجادة صغيرة؛ قيل لها: خمرة لأنها صغيرة تخمر الوجه وتستره.

( ناوليني الخمرة، فقالت: إني حائض )، أي كيف أناولك هذه الخمرة وأنا حائض؟! وعلى حسب ما يتبادر لها أن الحائض كأنها متنجسة، فلا يجوز أن تعطي النبي عليه الصلاة والسلام شيئاً، فقال عليه الصلاة والسلام: ( ألا إن حيضتك ليست في يدك )، هذا هو الضبط الصحيح، وقال بعض أهل اللغة: لحن المحدثون في ضبط هذه اللفظة، وضبطها: (حِضتك) بكسر الحاء، أي: الحالة التي أنتِ فيها، وهذا خطأ؛ إنما المراد من الحيضة المرة التي تخرج والدم الذي يخرج؛ هذا لا تحيضينه في يدك: ( ألا إن حيضتك ليست في يدك )، وهذا ثابت في الصحيحين وهذا القول الأول.

القول الثاني: ( كنت أفرق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء وأنا حائض )، قال أبو ثور : فإذا فرقت رأس الحي بالماء، فالميت أولى به، إذاً يجوز لها أن تفرق رأسه بالماء وأن تغسله، فلما رجعت إليهم وذكرت لهم حديث عائشة قالوا: نعم، رواه فلان، ونعرفه من طريق كذا، وخاضوا في الطرق والروايات، فقالت المرأة: فأين كنتم عندما سألتكم؟ لم ما أجبتم مادمتم تحفظون هذا من طرق وروايات، وكل واحد يسرد من حدثه به من الأئمة، وكم يحفظ لهذا الحديث من طريق؟

هذه القصة جرى نظيرها ومثيلها لكن لغير موضوع الحيضة، جرى مع أبي حنيفة مع محدث آخر وهو الإمام سليمان بن مهران الأعمش سيد المحدثين في زمنه رحمه الله ورضي عنه.

جاء في الجزء الثاني صفحة: (131) من جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي في روايته وحمله، بعد أن ساق الحديث بإسناده إلى عبيد الله بن عمرو ، قال: كنت في مجلس الأعمش ، فجاءه رجل فسأله عن مسألة فلم يجبه، ونظر فإذا أبو حنيفة ، فقال: يا نعمان ! قل فيها -والنعمان هو أبو حنيفة - قال: القول فيها كذا وكذا، قال: من أين دليلك؟ قال: من حيث ما حدثتني به، وبدأ يروي له الحديث الذي حدث به الأعمش ، فقال الأعمش : نحن الصيادلة وأنتم الأطباء.

ولذلك قال أئمتنا: إن من يحمل الحديث ولا يعرف فيه التأويل كالصيدلاني، وهذا الكلام الذي قاله الأعمش لـأبي حنيفة : نحن الصيادلة وأنتم الأطباء، قاله الإمام أبو جعفر الطحاوي لمحدث دمشق أبي سليمان الربعي -بإسكان الباء- محمد بن عبد الله بن ربيعة ، قال عنه الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ في الجزء الثالث صفحة: (997): ثقة مأمون، يقول أبو سليمان الربعي : استعار مني أبو جعفر الطحاوي بعض كتبي ومصنفاتي، فنظر فيها ثم أعادها إلي، فقال: أنتم معشر المحدثين صيادلة ونحن الفقهاء، يعني: عندكم هذه الكنوز، وهذه الآثار، لكن استنباطكم منها قليل قليل، وهي عندما تئول إلينا نفتحها بالاستنباط ونبين المراد منها. انتهى من تذكرة الحفاظ.

فـأبو جعفر الطحاوي قال كما قال الأعمش رحمة الله على الجميع.

ومن مناقب هذا العبد الصالح أبي سليمان الربعي محدث دمشق الذي توفي سنة (379هـ): أنه رأى الحق جل وعلا في منامه، ورؤية الله جل وعلا في المنام جائزة، وكل واحدٍ يراه حسب إيمانه، فقيل له: كيف رأيته؟ قال: رأيت نوراً، والقصة ثابتة في تذكرة الحفاظ، في ترجمة هذا العبد الصالح في المكان الذي أشرت إليه آنفاً.

وقد جرى من الإمام الأعمش قصص كثيرة تشبه هذه القصة مع أبي حنيفة أيضاً، انظروها في كتاب الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء: أبي حنيفة ومالك والشافعي عليهم جميعاً رحمة الله، لحافظ المغرب وإمام الدنيا في زمنه: الإمام ابن عبد البر ، الذي توفي سنة: (463هـ).

فالقصة ثابتة، لكن أخطأت في تعيين من جرت له القصة مع ابن معين ، فهي لم تجر بين ابن معين وأبي حنيفة ، إنما هي بين ابن معين وأبي ثور رحمهم الله جميعاً ورضي عنهم، ونسأل الله أن يعفو عن زللنا وعن تقصيرنا، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

هنا سؤال له تعلق وثيق بما ذكرناه في الفائدة الثانية التي يحصلها طالب حديث النبي عليه الصلاة والسلام ومتعلم سنته، وهي: كثرة الصلاة والسلام على النبي عليه الصلاة والسلام خير الأنام، بعد ذلك يتعلق بهذه الفائدة ما ذكرته في ترجمة الإمام الترمذي عليه رحمة الله من أن من رأى النبي عليه الصلاة والسلام أو رأى من رآه لا تمسه النار، كما في حديث الترمذي الذي رواه عن جابر رضي الله عنه بإسناد حسن.

فإذا تعلق طالب علم الحديث بالنبي عليه الصلاة والسلام، وأكثر من الصلاة والسلام عليه عليه صلوات الله وسلامه، سيترتب على هذا خيرات كثيرة، من جملة هذه الخيرات: أنه سيراه في المنام، والإنسان يرى النبي عليه الصلاة والسلام بمقدار تعلقه به على نبينا صلوات الله وسلامه، وقد كان أنس رضي الله عنه كما في المسند يقول: ( قل ليلة تأتي إلا وأنا أرى فيها خليلي عليه صلوات الله وسلامه )، وأنس يقول ذلك وعيناه تذرفان، وكان بعض أئمتنا الكرام يتمنى رؤية النبي عليه الصلاة والسلام فما رآه إلا في آخر حياته، ففرح فرحاً عظيماً ثم مات بعد ذلك بأيام، فأعطاه الله أمنيته لكن جاءه الأجل، نسأل الله حسن الخاتمة.

هذا الأخ الكريم صاحب الهمة العالية يقول: إذا حصل للإنسان هذا التعلق بالنبي عليه الصلاة والسلام ورآه في المنام، أيشمله قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تمس النار مسلماً رآني أو رأى من رآني )؟ وهو يدلل على هذا، يقول: لأن من رأى النبي عليه الصلاة والسلام في المنام فقد رآه حقاً، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( فالشيطان لا يتمثل بي )، أو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، يعني: هل الذي يراه في المنام يثبت له شرف الصحبة، وتحرم عليه النار ويحرم عليها؟

الجواب: إن الإنسان لا تثبت له شرف الصحبة برؤية النبي عليه الصلاة والسلام في المنام، ولا يعني أنه ليس له على هذه الرؤية خيرات وأجور حسان عظام، إنما شرف الصحبة هذا خاص بمن رأى النبي عليه الصلاة والسلام وآمن به والنبي عليه الصلاة والسلام حي، وأما إذا لم يحصل هذا للإنسان في حياة النبي عليه الصلاة والسلام فلا يكون صحابياً، ولذلك لو رأى النبي عليه الصلاة والسلام ولم يؤمن به ثم آمن به بعد موته فليس بصحابي، ويصح تحمله، وهذا كما يقوله أئمتنا في المصطلح: مما يلغز به، فيقال: تابعي يقول: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام وحديثه متصل، كيف هذا؟ يقال: هذا في حق من رأى النبي عليه الصلاة والسلام وهو كافر، ثم آمن به بعد موته، ويمثل له أئمتنا في المصطلح فيقولون: كـالتنوخي رسول كسرى، لما جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام أو رسول هرقل، لا أذكر تماماً، لما جاءه لم يؤمن به، ثم آمن به بعد موته عليه صلوات الله وسلامه.

فما سمعه الإنسان من النبي عليه الصلاة والسلام في حال كفره إذا أداه في حال الإيمان يصح منه، كالصغير إذا سمع في الصغر ثم أدى في الكبر يصح منه التحمل، فإذاً: التابعي الذي يقول: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام وحديثه متصل هو من رأى النبي عليه الصلاة والسلام ولم يكن مؤمناً به، فلما قبض النبي عليه الصلاة والسلام آمن وشرح الله صدره للإسلام، فعندما يحدث بما سمعه منه قبل أن يؤمن به يكون حديثه متصلاً، لكن الراوي تابعي، وهنا إذا رأى الإنسان النبي عليه الصلاة والسلام في المنام لا يثبت له شرف ومنزلة الصحابة الكرام؛ نعم له أجر كبير، وهذا يدل -إن شاء الله- على تعلقه بالنبي عليه الصلاة والسلام وعلى حبه له.

فإن قيل: إن رؤيته للنبي عليه الصلاة والسلام حق، والشيطان لا يتمثل به، نقول: نعم، لكن ذلك الفضل وشرف الصحبة لا يناله الإنسان إلا إذا رأى النبي عليه الصلاة والسلام حياً وهو يؤمن به، أما الرؤيا التي تكون في المنام ونبينا عليه الصلاة والسلام في عالم البرزخ لا يتعلق بها حكم الصحبة، ولا يثبت بها شرف الصحبة، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة )، زاد الإمام البخاري في روايته: ( ومن رآني فقد رآني )، أي: قد رآني حقاً، ( فإن الشيطان لا يتمثل بي )، وفي رواية مسلم ، لكن عن جابر : ( ومن رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي ).

فضل الرؤيا الصالحة

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة )، لقد كثر تفسير أئمتنا لهذه الجملة المباركة وبيان المراد منها، والذي يظهر لي والعلم عند ربنا -جل وعلا- أن هذا من باب تشبيه الرؤيا الصالحة بمرحلة من مراحل النبوة جرت لنبينا عليه الصلاة والسلام، وهذه المرحلة هي الإيحاء إليه عن طريق المنام وعن طريق الرؤيا، وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره عن أمنا عائشة رضي الله عنها: ( أن نبينا عليه الصلاة والسلام أول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء عليه الصلاة والسلام، فجاءه جبريل في غار حراء ).

يقول أئمتنا الكرام: مدة الرؤيا الصالحة استمرت بنبينا عليه الصلاة والسلام ستة أشهر، يوحى إليه عن طريق المنام، وكان إذا رأى الشيء في منامه يتحقق في يقظته، فتأتي كفلق الصبح ولا يتخلف منها شيء، فكان يوحي إليه بهذا الأمر في روعه عند نومه فيتحقق في يقظته، هكذا ستة أشهر، ونسبتها إلى مدة بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام من أولها إلى آخرها والتي كانت ثلاثاً وعشرين سنة، نسبتها واحد من ستة وأربعين؛ لأن ثلاثاً وعشرين سنة لو قسمتها قسمين تصبح: ستاً وأربعين جزءاً؛ لأن السنة ستة أشهر وستة أشهر، فستة أشهر إذاً: جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، أي: كأن ما حصل لك إذا كانت الرؤيا صالحة صادقة، يشبه مرحلة من مراحل النبوة كانت حاصلة لنبينا عليه الصلاة والسلام، وهي الوحي عن طريق المنام في أول أمره مدة ستة أشهر، وليس معنى هذا أنها صارت جزءاً من النبوة، والعلم عند الله جل وعلا.

معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة)

ثبت في الصحيحين أيضاً من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، أو لكأنما رآني في اليقظة )، قوله: ( سيراني في اليقظة ) ذكر أئمتنا في تفسيره قولين، كل منهما حق معتبر:

قيل هذا في حق من كان في عصر النبي عليه الصلاة والسلام ولم يره، فرآه في المنام، فهذه بشارة له أنه لن يموت حتى يجتمع بالنبي عليه الصلاة والسلام ويراه، والاجتماع به ممكن، افرض أن رجلاً من الأعراب بلغته دعوة النبي عليه الصلاة والسلام فآمن، ثم استيقظ وقال: رأيت النبي عليه الصلاة والسلام في المنام، نقول: أبشر! ستراه في اليقظة عما قريب فتهاجر إليه، وترى نور وجهه عليه الصلاة والسلام، وهذا التأويل حق وصدق ولا إشكال فيه، لكن لا يمنع التأويل الثاني، وهو حق وصدق إن شاء الله، ولعله أظهر المعنيين وأقواهما، وإن كنت لا أرد المعنى الأول، وهو معتبر؛ أن هذه بشارة إلى أن من رأى النبي عليه الصلاة والسلام في المنام سيراه في اليقظة حتماً وجزماً، وإذا ما أمكن أن يراه في هذه الحياة في اليقظة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قد قبض وأصبح في الرفيق الأعلى في عالم البرزخ، فسيراه في جنات النعيم، فإذاً: هنا بشارة له بدخول الجنة إن شاء الله، وقد ثبت عن ابن سيرين في مسند الدارمي : (أن من رأى ربه، أي: في الرؤيا، دخل الجنة)، يعني: تأويلها أنه سيدخل الجنة؛ ووجه ذلك: أن رؤية الله يقظة في هذه الحياة لا يمكن أن تقع، فهي ممتنعة من جهة الشرع لا من جهة العقل، فإذا استحالت من جهة الشرع، وأننا لا نرى ربنا حتى نموت، فالذي يرى الله في الرؤيا ما تأويل رؤياه؟ تأويلها: أنه سيدخل الجنة ويراه هناك حقيقة.

قال البخاري عقب سرد رواية رؤية النبي صلى الله عليه وسلم: قال ابن سيرين : هذا فيمن رآه حقاً، يعني: على الصفة التي هو عليها، وأما إذا لم ير النبي عليه الصلاة والسلام بالصورة التي كان عليها فيدل على أنه ما حصلت له رؤيا للنبي عليه الصلاة والسلام على وجه التمام والكمال، وقد يحصل تلاعب بعد ذلك من الشيطان به عندما لا يرى النبي عليه الصلاة والسلام بالصورة التامة التي كان عليها، فإذا رأيت النبي عليه الصلاة والسلام -نسأل الله العافية- وهو أعور فهذه ليست برؤيا للنبي عليه الصلاة والسلام، وإنما هذا مثال لنقص دين الرائي، فجدد إيمانك وتب إلى ربك، وعندك بدعة وزيغ وضلال، وليست هذه الصورة للنبي عليه الصلاة والسلام، فالشيطان لا يتمثل بصورته الحقة الكاملة التامة، ولذلك ثبت في المستدرك بإسناد صحيح عن عاصم بن كليب ، قال: قلت لـابن عباس رضي الله عنهما: رأيت النبي عليه الصلاة والسلام في المنام، قال: صفه لي، يقول عاصم بن كليب : فتذكرت الحسن بن علي ، فقلت: يشبه الحسن بن علي ، أشبهه به، قال: لقد رأيت حقاً، نعم كان النبي عليه الصلاة والسلام يشبه الحسن بن علي ، رضي الله عن الحسن وعن علي ، وعلى نبينا وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه، وثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري وأبي قتادة رضي الله عنهم أجمعين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من رآني في المنام فقد رأى الحق، فإن الشيطان لا يتمثل بي ).

إذاً: الحديث صحيح في أن من رأى النبي عليه الصلاة والسلام في منامه فقد رآه حقاً؛ لأن الشيطان لا يتمثل به إذا كانت الرؤيا صادقة لنعت النبي عليه الصلاة والسلام ولصفته التي كان عليها عليه صلوات الله وسلامه، وإن ثبت لك هذا فهو يدل -إن شاء الله- على أنك صاحب خير وعلى خير وعلى هدى، وأسأل الله أن يحرم بدنك وأبداننا جميعاً على النار، إنه أرحم الرحمين وأكرم الأكرمين، لكن لا يثبت لك شرف الصحبة ولا منزلة الصحابة، ولا يثبت لك شرف التابعين ولا منزلتهم، وإن كانت هذه الرؤيا تدل على حالة حسنة إن شاء الله.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة )، لقد كثر تفسير أئمتنا لهذه الجملة المباركة وبيان المراد منها، والذي يظهر لي والعلم عند ربنا -جل وعلا- أن هذا من باب تشبيه الرؤيا الصالحة بمرحلة من مراحل النبوة جرت لنبينا عليه الصلاة والسلام، وهذه المرحلة هي الإيحاء إليه عن طريق المنام وعن طريق الرؤيا، وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره عن أمنا عائشة رضي الله عنها: ( أن نبينا عليه الصلاة والسلام أول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء عليه الصلاة والسلام، فجاءه جبريل في غار حراء ).

يقول أئمتنا الكرام: مدة الرؤيا الصالحة استمرت بنبينا عليه الصلاة والسلام ستة أشهر، يوحى إليه عن طريق المنام، وكان إذا رأى الشيء في منامه يتحقق في يقظته، فتأتي كفلق الصبح ولا يتخلف منها شيء، فكان يوحي إليه بهذا الأمر في روعه عند نومه فيتحقق في يقظته، هكذا ستة أشهر، ونسبتها إلى مدة بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام من أولها إلى آخرها والتي كانت ثلاثاً وعشرين سنة، نسبتها واحد من ستة وأربعين؛ لأن ثلاثاً وعشرين سنة لو قسمتها قسمين تصبح: ستاً وأربعين جزءاً؛ لأن السنة ستة أشهر وستة أشهر، فستة أشهر إذاً: جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، أي: كأن ما حصل لك إذا كانت الرؤيا صالحة صادقة، يشبه مرحلة من مراحل النبوة كانت حاصلة لنبينا عليه الصلاة والسلام، وهي الوحي عن طريق المنام في أول أمره مدة ستة أشهر، وليس معنى هذا أنها صارت جزءاً من النبوة، والعلم عند الله جل وعلا.

ثبت في الصحيحين أيضاً من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، أو لكأنما رآني في اليقظة )، قوله: ( سيراني في اليقظة ) ذكر أئمتنا في تفسيره قولين، كل منهما حق معتبر:

قيل هذا في حق من كان في عصر النبي عليه الصلاة والسلام ولم يره، فرآه في المنام، فهذه بشارة له أنه لن يموت حتى يجتمع بالنبي عليه الصلاة والسلام ويراه، والاجتماع به ممكن، افرض أن رجلاً من الأعراب بلغته دعوة النبي عليه الصلاة والسلام فآمن، ثم استيقظ وقال: رأيت النبي عليه الصلاة والسلام في المنام، نقول: أبشر! ستراه في اليقظة عما قريب فتهاجر إليه، وترى نور وجهه عليه الصلاة والسلام، وهذا التأويل حق وصدق ولا إشكال فيه، لكن لا يمنع التأويل الثاني، وهو حق وصدق إن شاء الله، ولعله أظهر المعنيين وأقواهما، وإن كنت لا أرد المعنى الأول، وهو معتبر؛ أن هذه بشارة إلى أن من رأى النبي عليه الصلاة والسلام في المنام سيراه في اليقظة حتماً وجزماً، وإذا ما أمكن أن يراه في هذه الحياة في اليقظة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قد قبض وأصبح في الرفيق الأعلى في عالم البرزخ، فسيراه في جنات النعيم، فإذاً: هنا بشارة له بدخول الجنة إن شاء الله، وقد ثبت عن ابن سيرين في مسند الدارمي : (أن من رأى ربه، أي: في الرؤيا، دخل الجنة)، يعني: تأويلها أنه سيدخل الجنة؛ ووجه ذلك: أن رؤية الله يقظة في هذه الحياة لا يمكن أن تقع، فهي ممتنعة من جهة الشرع لا من جهة العقل، فإذا استحالت من جهة الشرع، وأننا لا نرى ربنا حتى نموت، فالذي يرى الله في الرؤيا ما تأويل رؤياه؟ تأويلها: أنه سيدخل الجنة ويراه هناك حقيقة.

قال البخاري عقب سرد رواية رؤية النبي صلى الله عليه وسلم: قال ابن سيرين : هذا فيمن رآه حقاً، يعني: على الصفة التي هو عليها، وأما إذا لم ير النبي عليه الصلاة والسلام بالصورة التي كان عليها فيدل على أنه ما حصلت له رؤيا للنبي عليه الصلاة والسلام على وجه التمام والكمال، وقد يحصل تلاعب بعد ذلك من الشيطان به عندما لا يرى النبي عليه الصلاة والسلام بالصورة التامة التي كان عليها، فإذا رأيت النبي عليه الصلاة والسلام -نسأل الله العافية- وهو أعور فهذه ليست برؤيا للنبي عليه الصلاة والسلام، وإنما هذا مثال لنقص دين الرائي، فجدد إيمانك وتب إلى ربك، وعندك بدعة وزيغ وضلال، وليست هذه الصورة للنبي عليه الصلاة والسلام، فالشيطان لا يتمثل بصورته الحقة الكاملة التامة، ولذلك ثبت في المستدرك بإسناد صحيح عن عاصم بن كليب ، قال: قلت لـابن عباس رضي الله عنهما: رأيت النبي عليه الصلاة والسلام في المنام، قال: صفه لي، يقول عاصم بن كليب : فتذكرت الحسن بن علي ، فقلت: يشبه الحسن بن علي ، أشبهه به، قال: لقد رأيت حقاً، نعم كان النبي عليه الصلاة والسلام يشبه الحسن بن علي ، رضي الله عن الحسن وعن علي ، وعلى نبينا وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه، وثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري وأبي قتادة رضي الله عنهم أجمعين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من رآني في المنام فقد رأى الحق، فإن الشيطان لا يتمثل بي ).

إذاً: الحديث صحيح في أن من رأى النبي عليه الصلاة والسلام في منامه فقد رآه حقاً؛ لأن الشيطان لا يتمثل به إذا كانت الرؤيا صادقة لنعت النبي عليه الصلاة والسلام ولصفته التي كان عليها عليه صلوات الله وسلامه، وإن ثبت لك هذا فهو يدل -إن شاء الله- على أنك صاحب خير وعلى خير وعلى هدى، وأسأل الله أن يحرم بدنك وأبداننا جميعاً على النار، إنه أرحم الرحمين وأكرم الأكرمين، لكن لا يثبت لك شرف الصحبة ولا منزلة الصحابة، ولا يثبت لك شرف التابعين ولا منزلتهم، وإن كانت هذه الرؤيا تدل على حالة حسنة إن شاء الله.

السؤال الثاني للأخ الكريم عن أمر نعيشه في هذه الأيام، وأنا أرى أن نستبعد الأسئلة التي لا تتعلق بموضوع موعظتنا، وأن نترك الإجابة بعد ذلك على كل سؤال لا يتعلق بموضوع الموعظة إلا النادر إذا كان له أهمية والأمة الإسلامية بحاجة إليه.

الأخ الكريم يسأل عن الجماعات المتعددة في بلاد الإسلام، أيها أفضل وأقرب إلى الصدق والسنة؟ فإذا لم يكن هناك جماعة فماذا تنصحني به وإخواني المستمعين؟

تعددت الجماعات واختلفت طريقتهم في الدعوة، وهذا أدى إلى كثرة الخلافات بينهم، واضطراب الناس بينهم، وحقيقة الأمة الإسلامية تعيش هذه المشكلة في هذه الأيام، ولا أريد أن أقول: جماعة فلان على حق، وجماعة فلان على هدى، لكني أريد أن أقول للأخ الكريم:

ينبغي أن تكون كل جماعة على هدي السنة والجماعة، فإذا لم تكن كذلك فاحذرها، وانصحها وحذرها مما فيها من ضلالات، فإذا قال قائل: أهل السنة والجماعة عندهم جماعات متعددة فماذا نعمل؟

أقول: نشارك كل مسلم فيما عنده من الحق ونوافقه، ونبتعد عن كل من عنده باطل؛ فإذا كانت هذه الجماعات كلها على هدى، وتسير على مسلك أهل السنة والجماعة، فنحن نشاركها جميعاً، وأما أننا نلتزم بواحدة، ثم بعد ذلك نتخلى عن إخواننا المسلمين فلا ثم لا.

التحذير من تضليل الأمة

وعليه ينبغي أن تنتبه إلى أمرين قل أن تخلو جماعة من الجماعات عن واحد منهما أو عن الاثنين معاً:

أولهما: كل من يقول: طائفتنا هي المهتدية ومن عداها ضال ويضلل أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فهذا على خطأ مبين فانصحه، ووافقه على ما عنده من حق، وحذره عما عنده من ضلالة، إنما لو قدر أنه من أهل السنة وقال: نحن اجتهدنا في طاعة الله ونرى أن هذا الطريق -إن شاء الله- ينقذ المسلمين مما هم فيه، وإخواننا الآخرون على خير وهدى ورشد، لهم طريقة أخرى في الدعوة والاجتهاد؛ يرون أنهم على خير ينقذون المسلمين مما هم فيه، ففرقة -مثلاً- اعتنت بالحديث صدقاً، وفرقة اعتنت بالدعوة والتطواف على الناس، وفرقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفرقة اعتنت بتصحيح عقائد الناس مما فيها من دنس وشوائب، وهكذا، وكل واحد يقول: جهودنا يكمل بعضها بعضاً، نحن اجتهدنا ورأينا أن الأمة فيها ثغرة من هذه الجهة فأردنا أن نسد، وأنتم رأيتم أن الأمة فيها ثغرة من جهة أخرى فتسدون، ونتعاون فيما بيننا على البر والتقوى، فهذا لا بأس به، أما إذا كانت طائفة تقول: نحن.. نحن، ومن عدانا فليس بشيء. فهذا ضلال، إنما نحن مجتهدون في طاعة الله وغيرنا كذلك، وطريق الآخرة يسعنا، ونسأل الله أن يتقبل منا.

التحذير من الولاء والبراء بناء على الجماعات والشخصيات

الأمر الثاني: هذه الطائفة يحرم عليها تحريماً أكيداً شديداً أن يكون العداء والولاء والحب والبغض فيما بينها وبين الناس وبينها وبين أفرادها على حسب تقوقعها وحزبها وجماعتها، فمن كان معنا أحببناه، ومن كان خارجاً عنا كرهناه، هذا ضلال، وهذا هو الهوى بعينه، وإن صاموا وصلوا وحجوا واعتمروا وقرءوا القرآن والسنة، هم على ضلال بذلك، وفرقوا أمة النبي عليه الصلاة والسلام وكانوا شيعاً، نحن نعامل الناس جميعاً معاملة واحدة على حسب كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فلو التحقنا بجماعة من الجماعات كالتي رأت أن تدارس حديث النبي عليه الصلاة والسلام تركنا صلتنا بالمسلمين، ولو وجدنا واحداً من هؤلاء الجماعات الذين نجتمع معهم وبيننا وبينهم لقاءات متعددة نسبة صلاحه والتزامه ستين بالمائة، ووجدنا واحداً آخر من جماعة أخرى نسبة صلاحه والتزامه ودعوته سبعون بالمائة لوجب علينا أن نحب هذا أكثر من ذاك، أما أن نكون إذا التقينا من هو في جماعتنا عانقناه وبششنا في وجهه، وهذا إذا قابلناه أعرضنا عنه، وإذا سلمنا عليه أو رددنا عليه السلام فبطرف شفتينا فهذا حرام؛ ونحن بهذا ما أحببنا لله، ولا أبغضنا لله، وبدأنا نحب لهوانا، وهذا هو الضلال، لذلك قال العبد الراشد الخليفة المهتدي: عمر بن عبد العزيز -وهذا الكلام مما ينبغي أن يكتب على قلوب أهل الإيمان لا في الصحف ولا في الكتب ولا في الدفاتر- يقول: لا تكن ممن يقبل الحق إذا وافق هواه، ويرده إذا خالفه، فإنك تعاقب في الحالتين، فأنت أحببت هذا من أجل أنه من جماعتك وحزبك وشيعتك، ما أحببته لأنه مطيع لله، وذاك أعظم طاعة لله منه، وأتقى منه وما أحببته.

لا تكن ممن يقبل الحق إذا وافق هواه، ويرده إذا خالف هواه، فإنك تعاقب في الحالتين، أي: تعاقب عند قبوله وتعاقب عند رده، ما قبلته لله وما رددته أيضاً لله، فانتبه لهذا، فإذاً: نحن نقبل الحق سواء وافق هوانا أم لا، ونرد الباطل سواء وافق هوانا أم لا، أما حق وافق هوانا قبلناه، وإذا خالف هوانا رددناه، هذا من جماعتنا أحببناه، وإذا كان من جماعة أخرى فارقناه، فهذا ضلال نعوذ بالله منه، وهذا حال الأمة الآن: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159]. وهذا موجود ولا ينجو منه إلا قلة في هذه الأيام، ونسأل الله حسن الختام، ترى أناساً أحياناً يطوفون البلدان، يذهب أحدهم إلى آخر الدنيا من أجل أن يحضر مجلس وعظ هناك، تراه يأتي من هناك ويقول: حصل وحصل وخير لا يوصف، وفي بلاده توجد مجالس وعظ لا يحضرها، لم لم يحضر هنا مجالس الذكر والعبادة والعلم والتعليم؟ صاحب هوى، لقد ذهب إلى هناك لكونهم من جماعته، أما هؤلاء فليسوا من جماعته فلم يحضر عندهم، أوليست سنة النبي عليه الصلاة والسلام؟ لم التطواف من جميع الجهات إلى ذلك المكان، وهنا سنة النبي عليه الصلاة والسلام تدرس وتعلم فلا تأتي؟ نعم إذا كنت تذهب إلى هناك لتشارك في خير فشارك في الخير الذي هنا وأنت على هدى.

أذكر لكم قصتين أنا على علم بهما في بلاد الشام: أعرف بعض المخرفين، كان يذهب من البلدة التي أنا فيها تبعد عن حلب تسعين كيلو متراً، يذهب كل أسبوع ليحضر حلقة الذكر، وهي حلقة رقص في الحقيقة في بيت الله باسم الذكر، يدفع أجرة السيارة هو وزوجته ويذهب كل أسبوع ويعود، والنقل كان فيه صعوبة شديدة، لاسيما في هذه الأيام إذا لم يكن عند الإنسان سيارة ويركب في سيارات أجرة، ودروس الذكر الشرعية ومجالس العلم في بلده ما يحضر شيئاً منها.

أعرف واحداً آخر من الصالحين لا تفوته موعظة في تلك البلدة، ويوجد في يوم من أيام الأسبوع وهو يوم الجمعة بعد العصر وعظ لبعض المشايخ الصالحين في حلب، فكان هذا يذهب كل أسبوع إلى ذلك المكان.

انظر للفارق بينهما، هذا حضر المواعظ التي في بلده وما فاته شيء منها وانتفع، وهناك موعظة أخرى أيضاً إن يحصلها فذهب إليها فهو مأجور في الحالتين، وأما ذاك فعليه وزر في الحالتين؛ لأنه فرط في مجالس العلم التي في بلده وما حضر شيئاً منها، ثم شد الرحل ما بين الحين والحين من أجل أن يحضر ذلك الاجتماع وذلك اللقاء وذلك الذكر، فإذا سألته: يا عبد الله! لم؟ قال: أولئك من جماعتي أو من طريقتي، وأما هؤلاء فليسوا من جماعتي، عجباً، هل هم يهود أو نصارى؟! أليسوا من أهل السنة يفسرون كلام الله ويقرءون حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام؟

فهذا الأمر ينبغي أن ننتبه له؛ لقد صار حبنا وبغضنا الآن من أجل مصالح شخصية نكسوها بعد ذلك ثوب الشرع، ونجعل الشرع مطية ذلولاً لنا لكل شهوة وحاجة وأربٍ، وبعد ذلك ندعي أننا نطيع ربنا.

إخوتي الكرام! هذا الأمر ينبغي أن نحذره، فمن يقول: نحن نحن ومن عدانا فليس بشيء يحذر، ومن يقول: نحن على هدى ومن عدانا على هدى، وحصل فيما بينهم التئام ووئام، وفيما عداهم فرقة وانقسام، فاحذرهم أيضاً.

فرق بين أهل الإسلام وغيرهم، والذي سينبغي أن نقوله لبعضنا: نحن على هدى وأنتم على هدى، وبيننا وبينكم تواصي بالحق وتواصي بالصبر؛ نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، لا يمنع أن يكون لنا لقاء خاص فيما بيننا، لكن ليس معنى هذا أنني لا أحضر عند أولئك وإذا التقيت بهم أعرض عنهم، ولا يمنع أنني إذا كنت مسئولاً وجاء شخص من جماعتي نسبة الصلاح فيه -كما قلت-: سبعين وذاك ثمانين أقدم ذاك عليه، وكون هذا من جماعتك موضوع آخر، نعم إذا كان بيننا لقاء خاص نجتمع فيه، ونجتمع مع المسلمين في أمور الخير، لكن لما يأتي بعد ذلك أمر الشرع فيقدم على رأي كل أحد وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ [التوبة:62].

الواجب في ظل تعدد الجماعات الإسلامية

ثم يقول: فبماذا تنصحني وإخواني المسلمين؟

أنصحك أخي الكريم! بتعلم العلم النافع بالطريقة الشرعية؛ فهذا أعظم ما يقوم به المسلم في هذا الوقت، بل في كل وقت، وإذا تسلحت بهذا فهنيئاً لك.

ينقل الإمام الذهبي عليه رحمة الله في سير أعلام النبلاء في الجزء العاشر صفحة ثمانِ عشرة وخمسمائة عن العبد الصالح يحيى بن معين أبي زكريا -الذي تقدم معنا حاله وأمره- أنه قال: الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله: وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان:52]، فقيل: يا أبا زكريا ! المجاهد ينفق ماله ويقتل نفسه، والذي يتعلم الحديث والعلم أفضل منه؟ قال: أفضل منه بكثير، هذا أعظم الجهاد: وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان:52].

وينقل العبد الصالح الذهبي في الجزء العاشر صفحة: (619) عن الحميدي شيخ الإمام البخاري -عليهم جميعاً رحمة الله- واسمه هو أول اسم في صحيح البخاري ؛ لأنه راوي حديث: ( إنما الأعمال بالنيات )، وهو من تلاميذ الإمام الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله، يقول هذا العبد الصالح: لأن أغزو الذين يردون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أغزو عدتهم من الكفار، فهذا الإمام يقول: غزو من يردون حديث النبي المختار عليه الصلاة والسلام وتطهير الأرض منهم أحب إليه من غزو الكفار، وحقيقة عندما يأتيك مسلم ضال مضل، صاحب بدعة وضلالة يرد حديث النبي عليه الصلاة والسلام من أوله إلى آخره برأيه، ويخدع بعد ذلك المسلمين بأنه يؤمن بالقرآن والسنة، وإذا أتيته بالقرآن أوله، وإذا أتيته بالسنة طرحها وردها، وقال: أحاديث آحاد لا يؤخذ بها، والله غزو هذا أفضل من غزو الكفار؛ لأن الكافر كافر، وأما هذا فإنه يستطيل علينا ويقول: أنتم على ضلال ونحن على هدى، أنتم حشوية وأما نحن ففرقة مرضية، لا إله إلا الله!

رحمة الله على الإمام أبي حاتم الإمام العلم، كان يقول: علامة الزنادقة أنهم يصفون المحدثين بأنهم حشوية، إن علامة الزنديق الكافر العاتي المارد أنه يأتي إلى المحدثين ويقول: هؤلاء حشوية، رذالة الناس وحثالتهم، يتعلقون بالمأثور، ما عندهم عقول، لقد كان أول من قال هذا القول المبتور، هو الضال المضل: عمرو بن عبيد ، وفيمن قاله؟ قاله في الصحابي الجليل العابد الزاهد عبد الله بن عمر ، قال ابن عبيد هذا: كان ابن عمر حشوياً، يعني: من رذالة الناس، وأما عمرو بن عبيد هذا الضال المضل فإنه من خيرة الناس! وانظروا الآن لكلام أهل البدع، ما عندهم إلا حشوية، والحق أنك إذا أردت أن تمدح قلت: هذا متمسك بالسنة، وإن أردت أن تذم قلت: هذا لا يأخذ بالسنة، حتى يظهر من الذي يستحق المدح ومن الذي يذم، أما حشوية، ما حشوية؟ قل: أنتم لا تأخذون بالسنة، قلنا لكم: حديث الرؤية متواترة، لا خلاف بين المحدثين في هذا الأمر، فرددتموها وقلتم: الذين يقولون بالرؤية حشوية، إن أردتم أن تذموا فقولوا: أنتم تردون سنة النبي عليه الصلاة والسلام، هذه هي المذمة، أما لقب حشوية فكل واحد سيخترع من الألقاب ما شاء وينبز بها أهل الألباب، وهذا فعل التباب، أما أن ترموا كل واحد بالحشوية، ففلان حشوي، وفلان حشوي، وبعضهم يجعجع في شريط له ويقول: ابن تيمية إمام الحشوية، يا عبد الله! بين ماذا تقصد بالحشوي؟ إذا كنت تقصد أهل الحديث فأنت من أهل لهو الحديث، وكفى الله المؤمنين القتال، قل: هذا يأخذ بالسنة أو لا يأخذ، وأنت تأخذ أو لا تأخذ، هنا المدح وهنا الذم.

فأوصيك أخي الكريم وأوصي نفسي بأن تتعلم العلم النافع بشروطه لتتسلح به في هذه الأيام التي تموج بالفتن ونسأل الله حسن الختام.

نوعية الخلاف بين الجماعات

إخوتي الكرام! بعض الإخوة يسأل عن موضوع الجماعات، وهل خلافهم خلاف تنوع أو تضاد؟ الجواب: إنه إذا كانت مجالس ذكر وعبادة وعلم وتعلم ودعوة إلى الله، فنقول: كلنا نتعاون على هذا، وجهودنا يكمل بعضها بعضاً فليس هذا اختلافاً، إنما هذا من باب أن كل أناس يقومون بأمر من الأمور الواجبة عليهم، ويتقون الله في شأنهم وحالهم، فيحضرون مواسم الخير مع غيرهم.

ثم ماذا تقصد بتنوع وتضاد؟ هل تعني أن هذه تعادي هذه؟ هذا هو البلاء، وهذا الضلال، لو قدرنا أن في قطر في هذا الوقت عشرين من حلق الذكر ومجالس العلم، هل نقول: هل هذه اختلاف تنوع أو تضاد؟ نقول: كلها مشروعة، وكلهم على هدى، وأنت احضر أينما شئت، ونسأل الله أن يتقبل، ولا داعي لأحد أن يقول: احضر عندنا وفارق المجالس الأخر، وإذا أمكن أن تشارك في الجميع فهذا خير عظيم، فلابد أن نحدد مدلول التنوع والتضاد، فالوقوف عند مصطلحات لا يحدد مدلولها غلط.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [4] 4049 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [6] 3982 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [9] 3908 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [46] 3795 استماع
شرح الترمذي - مقدمات [8] 3788 استماع
شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [2] 3773 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [18] 3576 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [24] 3487 استماع
شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] 3468 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [59] 3418 استماع