وسائل تقوية الإيمان


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

أرحب بكم في بيت من بيوت الله عز وجل، وأرجو قبل أن نبدأ أن نستشعر المكان الذي نحن فيه، وأن نستشعر الليلة التي نحن فيها، وأن نستشعر الكلام الذي نسمعه، كم من الناس الآن في هذه اللحظة التي تستمعون فيها إلي الآن؛ ربما يسهر على أفلام ومسلسلات!

كم من الناس الآن في المقاهي يدخن!

كم من الناس الآن من يتجول في الأسواق!

كم من الناس الآن من يعاكس الفتيات، وربما يسهر على الغناء وربما يفعل ويفعل!

الناس شتى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [الليل:4] وانظر إلى اصطفاء الله عز وجل لك من بين الناس أن جاء بك إلى هذا المسجد لتسمع ذكره جل وعلا، وهذا يحتاج إلى شكرٍ وإلى استغفار، من أنا حتى يختارني الله عز وجل من بين الناس، أتعرف كم إنسان يعيش في الأرض؟

اليوم يعيش أكثر من خمسة مليارات إنسان على وجه الأرض، أكثر من خمسة آلاف مليون لا يعرفون الله جل وعلا.

ومليار ومائتا مليون مسلم؛ منهم من يعبد حجراً.. منهم من يعبد قبراً.. منهم من يعبد خيطاً.. منهم من يعبد رجلاً.. منهم من يشرك مع الله غيره، انظر إلى اصطفاء الله لك حين جعلك من الموحدين: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17] الله هو الذي هداك.

أول قضية قبل أن نبدأ في وسائل تقوية الإيمان ألا تحتقر الناس، لا تقل: أنا أصلي وأصوم وأتصدق، والناس لا يفعلون شيئاً من ذلك، إياك من احتقار الناس، لا تنظر إلى أهل المعاصي فتقول: أنا خير منهم، احتقر المعصية لكن لا تحتقر الناس، ربما هو يندم ويستغفر ويكون أقرب إلى الله منك، وربما نحن نعجب بأعمالنا وصلاتنا وصيامنا فيرد الله علينا العمل، لا تحتقر الناس، قل دوماً: أنا أضعف منهم، أنا أقل منهم منزلة، أنا أقل الناس ديناً وإيماناً، احتقر نفسك دوماً.

قصة رجل من بني إسرائيل اغتر بعمله

اسمع للقصة في بني إسرائيل يقصها النبي عليه الصلاة والسلام، قصة رجل عابد داعية؛ لكن اغتر بنفسه، كان يرى كل يوم رجلاً صاحب معصية فيقول له: يا فلان! اتق الله ودع ما أنت فيه.

تخيل لو أنك تمر على رجل -والعياذ بالله- وهو يشرب خمراً أو رجل -والعياذ بالله- فاحش، أو امرأة منظرها قبيح، كان يقول له: اتق الله ودع ما أنت فيه فيرد العاصي على الداعي إلى الله، يقول له: إليك عني، أجعلت علي رقيباً؟

أي: هل أحد سلطك علي؟

ردٌّ غير حسن، وكل يوم يدعوه؛ لكن الخطورة أن الشيطان استطاع إغواء الداعية، فإذا بالداعية يغتر بنفسه وهنا الخطورة؛ أن ترى لنفسك فضلاً على الناس، وأن ترى أنك أفضل من غيرك، وأن تحتقر الناس؛ فإذا به يقول: والله لا يغفر الله لك، من قال لك: أن الله لا يغفر له؟

قال: والله لا يغفر الله لك، فإذا بربنا جل وعلا يرد عليه يقول: (من ذا الذي يتألى علي؟) من الذي نصب نفسه رباً وحكماً وإلهاً على الناس قال: (قد غفرت له -يعني: للعاصي- وأحبطت عملك) أبو هريرة يعلق على هذا الحديث بقوله: [قال كلمة أوبقت دنياه وآخرته] إياك أن تحتقر الناس، وقل دائماً: يا رب! حبب إلي الإيمان وزينه في قلبي.

اسمع للقصة في بني إسرائيل يقصها النبي عليه الصلاة والسلام، قصة رجل عابد داعية؛ لكن اغتر بنفسه، كان يرى كل يوم رجلاً صاحب معصية فيقول له: يا فلان! اتق الله ودع ما أنت فيه.

تخيل لو أنك تمر على رجل -والعياذ بالله- وهو يشرب خمراً أو رجل -والعياذ بالله- فاحش، أو امرأة منظرها قبيح، كان يقول له: اتق الله ودع ما أنت فيه فيرد العاصي على الداعي إلى الله، يقول له: إليك عني، أجعلت علي رقيباً؟

أي: هل أحد سلطك علي؟

ردٌّ غير حسن، وكل يوم يدعوه؛ لكن الخطورة أن الشيطان استطاع إغواء الداعية، فإذا بالداعية يغتر بنفسه وهنا الخطورة؛ أن ترى لنفسك فضلاً على الناس، وأن ترى أنك أفضل من غيرك، وأن تحتقر الناس؛ فإذا به يقول: والله لا يغفر الله لك، من قال لك: أن الله لا يغفر له؟

قال: والله لا يغفر الله لك، فإذا بربنا جل وعلا يرد عليه يقول: (من ذا الذي يتألى علي؟) من الذي نصب نفسه رباً وحكماً وإلهاً على الناس قال: (قد غفرت له -يعني: للعاصي- وأحبطت عملك) أبو هريرة يعلق على هذا الحديث بقوله: [قال كلمة أوبقت دنياه وآخرته] إياك أن تحتقر الناس، وقل دائماً: يا رب! حبب إلي الإيمان وزينه في قلبي.

أهل الإيمان الكامل ما هي صفاتهم؟

الله عز وجل يقول عنهم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2] القلب يوجل إذا ذكر الرب.

أبو حنيفة قال له طفل: يا إمام! اتق الله، فاصفر لونه، وتغير وجهه لأنه ذكره بالله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2] أول صفة من صفات أهل الإيمان الكامل أن إذا سمع القرآن أو الأذان أو الذكر؛ اضطرب القلب، واضطربت الجوارح واهتزت.

قصة علي بن الفضيل مع القرآن

علي بن الفضيل بن عياض؛ هذا رجل عابد، وأبوه رجل عابد يسمى: عابد الحرمين وهو الفضيل بن عياض، كنيته أبو علي عنده ولد اسمه علي صار علي أشد عبادة من أبيه.

في يوم من الأيام يقول: دخلت في البيت فوجدته يجول في الغرفة ويبكي ويبكي فقلت له: يا بني! لمَ تبكي؟

قال: يا أبي تفكرت في النار وكيف الخلاص منها فبكيت.

بكى لأنه تذكر النار, ثم قال: يا أبي! سل الذي وهبك إياي في الدنيا أن يهبني إياك في الآخرة في الجنة، ادع الله إذا دخلت الجنة أن يحلقني لك.

كان الفضيل إذا صلى الصلاة وعلم أن ابنه يصلي وراءه لا يرتل، ويقرأ قراءة عادية؛ لماذا؟

يعرف أن ابنه لا يتحمل ترتيل القرآن، بكاؤه شديد، ينقطع قلبه ويضطرب، في يوم من الأيام كبر وابنه لم يكن وراءه، فدخل في الصلاة وأبوه يصلي ما علم أن ابنه دخل، والأمر الآخر أنه قرأ آية تتفطر منها القلوب، وتتكسر منها الصخور، وتتصدع منها الجبال، فأيُّ آية تلك؟

إنها قول الله جل وعلا: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47] فسمع صوت ابنه يبكي فخفف الصلاة وأتمها فوجدوا ابنه قد أغمي عليه من شدة البكاء، لكن نحن لا نصل إلى هذا المستوى؛ لكن نقول: أين التأثر؟

أين التدبر؟

أين دمعة العين؟

لوحدك ليس أمام الناس والأمر كالسر، كانوا يصلون فيبكي الواحد منهم ولا يدري من بجانبه، وينام مع زوجته على وسادة واحدة يبكي ما تدري عنه زوجته، إخلاص.. دمعة تنزل؛ لكن لله لا شهرة ولا سمعة حتى يقال: فلان بكاء وفلان خاشع، لا.. لا يبالون بالناس أصلاً.

ابن المنكدر وقصته مع القرآن

محمد بن المنكدر هل سمعتم به؟

أبو عبد الله العابد الزاهد؛ دخل البيت يوماً فأخذ يبكي، ومن أول أسباب تقوية الإيمان: أن تتأثر بالذكر وبالقرآن: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً [الأنفال:2].

ابن المنكدر بكى في البيت فقالت زوجته: يا أبا عبد الله! هون على نفسك لِمَ كل هذا البكاء؟

قال: إليكِ عني، أنت لا تعلمين ما الذي أصابني، فخرجت زوجته وخافت على زوجها، فذهبت إلى صاحبه أبي حازم فقالت: يا أبا حازم! تعال إلى صاحبك فقد قطع البكاء قلبه، فجاء أبو حازم وقال: يا أبا عبد الله! ما الذي جرى؟

قال: يا أبا حازم! آية مرت علي من القرآن، توقفت عندها ما تحملتها قال: أي آية؟ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47] تعرف ما معنى الآية؟

بعض الناس يظن أنه قد أصاب الفردوس وأنه يدخل الجنة وأنه من المتقين المؤمنين الصادقين، فإذا جاء يوم القيامة وجد الأمر على غير ما كان يظن، وجد الأمر ضد ما كان يظن، جاء يوم القيامة فإذا به يرى الحسنات سيئات، يرى الجنة ناراً، أعماله الصالحة صارت هباءً منثوراً: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47] فإذا به يبكي فبكى أبو حازم واشتد بكاؤهما: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً [الأنفال:2].

القرآن يثبت القلب ويزيد في الإيمان

أعظم أسباب تقوية الإيمان القرآن: كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ [الفرقان:32] يثبت القلب، ويزيد الإيمان، كم كان النبي بحاجة للقرآن في حياته؟

ما نزل القرآن جملة واحدة؛ لماذا؟

حتى يثبت النبي عليه الصلاة والسلام، سورة بعد سورة، آية بعد آية، حتى يثبت القلب ويطمئن، تأتيه امرأة عجوز حقيرة تقول: يا محمد! ما أرى شيطانك إلا قد هجرك -تقصد: الوحي تستهزئ بالنبي عليه الصلاة والسلام- فحزن وضاق صدره فأنزل الله: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:1-5] يأتون ليستهزئوا به فينزل الله عز وجل آيات تصبره وتثبته.

في يوم من الأيام جاءه رجل، يقول له: اعدل يا محمد، هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، وذلك بعد حنين - قال: (ويحك! من يعدل إن لم أعدل؟).

هذا من رءوس الخوارج، ومن الذين كانوا يُكَفّرون بالمعصية، واعتدوا حتى على مقام النبوة، يتهم النبي عليه الصلاة والسلام بالظلم، من يعدل إذا ما عدل النبي صلى الله عليه وسلم؟

لكنها السفاهة والسفالة، سفهاء أحلام حدثاء أسنان، فقال خالد: دعني أضرب عنقه -أي: أقتل هذا المرتد الذي يتهم النبي عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تقتله؛ حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ثم قال: رحم الله موسى أوذي أكثر من هذا فصبر) موسى عليه السلام يذهب يكلم ربه، فيرجع، فيجد قومه يعبدون العجل، موسى عليه السلام لما كلمه الرب جل وعلا وسمع بعض العباد -عباد بني إسرائيل الذين ذهبوا يستغفرون الله لبني إسرائيل- قالوا لموسى عليه السلام: لن نؤمن لك، وهم أعبد بني إسرائيل، قال: لِمَ لا تؤمنون لي؟

قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون، أخذ الله أرواحهم وماتوا، ثم بعثهم الرب جل وعلا، فقد كان بنو إسرائيل معاندين لما قال لهم: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ [المائدة:21] ماذا قالوا لموسى عليه السلام في نهاية الأمر؟ قالوا: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24] انظروا أذى بني إسرائيل لموسى عليه السلام.

أعظم ما يقوي إيمانك يا عبد الله! القرآن، اقرأ القرآن.. قصص الأنبياء.. توحيد الله وآياته.. المعجزات في القرآن، عندما تقرأها يزداد إيمانك، كل ليلة يسهر الرجل على الأفلام الخليعة إلى آخر الليل، والرب يقول: (هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟).

وآخر يقيم على الأفلام الخليعة يقول لي صاحبه: والله إذا أذن المؤذن لصلاة الفجر ضاق صدره، واشمأز، وأغلق النافذة، ورفع صوت التلفاز حتى لا يسمع الأذان؛ يكره حتى صوت الأذان: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [الزمر:45] مطرب أو مطربة إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45] ما عنده مانع من أن يحضر حفلة غنائية ثلاث ساعات؛ لكن خطبة الجمعة ثقيلة، ما عنده مانع أن يقف أربع ساعات أمام التلفاز؛ لكن نصف ساعة يصلي التراويح صعبة فيقول: أطال علينا الإمام.

لا يرتاح إذا سمع ذكر الله، أما إذا سمع من دونه أهل الغناء والطرب يبشر ويفرح، هل سمعتم بالمشركين كيف تأثروا بالقرآن؟ هل تعلم أن أبا جهل فرعون هذه الأمة كان يذهب أحياناً في الليل خفية يستمع إلى قراءة النبي للقرآن، ورآه بعض المشركين، وإذا به يعتذر أنه فقط يسمع هكذا، ولكنه كان يتلذذ بقراءة القرآن، فلماذا لم يؤمن؟

عناد وكبر؛ حتى لا يقال: إن الإمارة والسيادة صارت لغيره، فقط لهذا ما آمن ولكنهم كانوا يعرفون أن القرآن حق، وأنه كلام الله، يسمعونه رطباً من النبي عليه الصلاة والسلام.

إسلام جبير بن مطعم عند سماع القرآن

جبير بن مطعم يقول: كان أبغض رجل لدي محمد صلى الله عليه وسلم يقول: فذهبت إلى المدينة -ربما يريد قتله- فجئت في صلاة المغرب.

تخيل المدينة في صلاة المغرب كيف حالها؟

هل هناك أحد فاتح محله ليبيع أو يتمشى في شوارع المدينة؟ رجالهم، نساؤهم، حتى أطفالهم في المسجد؛ لأن جميع الناس في المسجد، مَنْ إمامهم؟

محمد عليه الصلاة والسلام يقرأ فيهم في ذلك اليوم في صلاة المغرب سورة الطور، والحديث في البخاري يقول جبير قبل إسلامه: سمعت القرآن. الكل في هدوء وإنصات وخشوع فإذا النبي يقرأ: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ [الطور:35] وكانت قراءته هادئة آية آية، السؤال موجه للمشركين؛ الله يقول لهم: هل أنتم خلقتم من غير شيء؟

هل خلقتم من عدم؟

طبعاً لا. إذاً من خلقكم؟

اسمع الآية الثانية: أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] أنت خلقت نفسك يا جبير؟

طبعاً لا. الآن بدأ يناقش نفسه، إذاً هناك خالق وأنا لم أخلق نفسي؛ إذاً من الذي خلقنا؟

يا جبير! انظر للسموات السبع.. للأرض.. للجبال أكبر من خلق الناس؛ مَنْ خلقها؟

أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ [الطور:35-36] يقول جبير: وقر الإيمان في قلبي -سمع آيتين أو ثلاث آيات- وانتهت الصلاة، يقول: جلست مع النبي صلى الله عليه وسلم وسأله بعض الأسئلة، فإذا بـجبير يقول أمام الناس: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، يقول: فصار أحب إنسان في قلبي محمد عليه الصلاة والسلام.

أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].

شاب يتوب بعد سماعة آية واحدة

يقول أحد العسكريين: كنت حارساً في معسكر وما صليت لله منذ سنين يقول: صادف ذلك اليوم عند المعسكر مسجد، وجاءنا شيخ يتحدث في المسجد، والسماعات الخارجية مفتوحة، فكنت أسمع وأنا حارس في الخارج، يقول: أخذت أسمع والشيخ يتحدث عن آية واحدة يشرحها وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18] ماذا قدمت؟

يقول: فأخذت أسمع ثم -والله- بدأ الدمع ينزل من عيني؛ بدأ يبكي؛ أول مرة يسمع هذه الآية، موت، قبر، جنة، نار، ماذا قدمت لغد؟ هل استعد كل واحد منا وجهز لذلك اليوم؟ والشيخ يتحدث فقال لي أصحابي: ما الذي جرى؟

فاستأذنت منهم وخرجت، فذهبت إلى المسجد، فدخلت إحدى دروات المياه -أجلكم الله- وكان فيها مسبح فاغتسلت، يقول: لم أغتسل من جنابة منذ سنين، ولهذا ظل في نجاسته سنوات يقول: ثم خرجت ودخلت المسجد ولا زال الشيخ يحدث، فصليت ركعتين، وأخذت أستمع والدموع تنهمر، وأنا أبكي طوال الحديث يقول: والله ما أن انتهى الشيخ من حديثه إلا وقررت أن أبدأ حياة جديدة. وانشرح صدري وأنار الله قلبي: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ [الزمر:22] انشراح الصدر بالطاعة.. بالذكر.. بالصلاة، يقول فجلست مع الشيخ بعد الحديث دقائق معدودة يكتب قصته وهو يقول: أنا الآن -بفضل الله- أحد الدعاة إلى الله عز وجل، لم يصلح فحسب بل بدأ يصلح غيره، آية يا عبد الله: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّه [الحشر:21].

شاب يسمع آية في المنام فيهتدي

أحياناً: يسمع الإنسان الآية قدَرَاً، فيمر في طريقٍ ويسمع إماماً من إذاعة أو من شريط، اسمعوا لهذا الشاب متى سمع الآية وأين سمعها؟

يقول: كنت مولعاً بالغناء، لا أسمع القرآن ولا أصلي ولا أعرف الدين، أمي عجوز تنصحني وكنت لا أستمع لحديثها يقول: وعندي جار داعية كلما رآني نصحني فأقول له: إن شاء الله، وأذهب أخدعه، يقول: في ذلك اليوم أغلظ عليَّ في النصيحة، فقلت: إن شاء الله أعدك أني سوف أصلي، لكن بعد أن ذهب لم أصل وما استقمت، يقول: فنمت تلك الليلة فرأيت في المنام رؤيا؛ رأيت أنني أمشي على شاطئ البحر، فسمعت صوت أحسن مغنية عندي، أُحِبُّ صوتها وعندي أشرطتها، فسمعت صوتها في المنام فاتجهت باتجاه الصوت حتى أخذ بكتفي رجل في المنام، فالتفت فإذا هو رجل ذو لحية بيضاء ووجه مضيء فقلت له: دعني دعني! قال: لن أدعك، قلت له: دعني سوف أذهب للصوت قال: والله لن أدعك، قلت له: ماذا تريد؟

قال: اسمعني أكلمك ثم تذهب قلت: تفضل قال: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22] يقول: بدأت أقرأ القرآن معه في المنام هو يقرأ وأنا معه نرتل الآية يقول: حتى استيقظت من نومي وأنا أبكي، لماذا أبكي؟

لا أدري، يقول: فوجدت نفسي أبكي وأردد الآية، فدخلت علي أمي فقالت: يا بني! ما الذي أصابك؟

فقلت: يا أماه! رأيت في المنام رؤيا، وقصصت عليها الرؤيا وأخذت أقرأ الآية وأنا أبكي وأمي تبكي: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22].

علي بن الفضيل بن عياض؛ هذا رجل عابد، وأبوه رجل عابد يسمى: عابد الحرمين وهو الفضيل بن عياض، كنيته أبو علي عنده ولد اسمه علي صار علي أشد عبادة من أبيه.

في يوم من الأيام يقول: دخلت في البيت فوجدته يجول في الغرفة ويبكي ويبكي فقلت له: يا بني! لمَ تبكي؟

قال: يا أبي تفكرت في النار وكيف الخلاص منها فبكيت.

بكى لأنه تذكر النار, ثم قال: يا أبي! سل الذي وهبك إياي في الدنيا أن يهبني إياك في الآخرة في الجنة، ادع الله إذا دخلت الجنة أن يحلقني لك.

كان الفضيل إذا صلى الصلاة وعلم أن ابنه يصلي وراءه لا يرتل، ويقرأ قراءة عادية؛ لماذا؟

يعرف أن ابنه لا يتحمل ترتيل القرآن، بكاؤه شديد، ينقطع قلبه ويضطرب، في يوم من الأيام كبر وابنه لم يكن وراءه، فدخل في الصلاة وأبوه يصلي ما علم أن ابنه دخل، والأمر الآخر أنه قرأ آية تتفطر منها القلوب، وتتكسر منها الصخور، وتتصدع منها الجبال، فأيُّ آية تلك؟

إنها قول الله جل وعلا: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47] فسمع صوت ابنه يبكي فخفف الصلاة وأتمها فوجدوا ابنه قد أغمي عليه من شدة البكاء، لكن نحن لا نصل إلى هذا المستوى؛ لكن نقول: أين التأثر؟

أين التدبر؟

أين دمعة العين؟

لوحدك ليس أمام الناس والأمر كالسر، كانوا يصلون فيبكي الواحد منهم ولا يدري من بجانبه، وينام مع زوجته على وسادة واحدة يبكي ما تدري عنه زوجته، إخلاص.. دمعة تنزل؛ لكن لله لا شهرة ولا سمعة حتى يقال: فلان بكاء وفلان خاشع، لا.. لا يبالون بالناس أصلاً.

محمد بن المنكدر هل سمعتم به؟

أبو عبد الله العابد الزاهد؛ دخل البيت يوماً فأخذ يبكي، ومن أول أسباب تقوية الإيمان: أن تتأثر بالذكر وبالقرآن: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً [الأنفال:2].

ابن المنكدر بكى في البيت فقالت زوجته: يا أبا عبد الله! هون على نفسك لِمَ كل هذا البكاء؟

قال: إليكِ عني، أنت لا تعلمين ما الذي أصابني، فخرجت زوجته وخافت على زوجها، فذهبت إلى صاحبه أبي حازم فقالت: يا أبا حازم! تعال إلى صاحبك فقد قطع البكاء قلبه، فجاء أبو حازم وقال: يا أبا عبد الله! ما الذي جرى؟

قال: يا أبا حازم! آية مرت علي من القرآن، توقفت عندها ما تحملتها قال: أي آية؟ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47] تعرف ما معنى الآية؟

بعض الناس يظن أنه قد أصاب الفردوس وأنه يدخل الجنة وأنه من المتقين المؤمنين الصادقين، فإذا جاء يوم القيامة وجد الأمر على غير ما كان يظن، وجد الأمر ضد ما كان يظن، جاء يوم القيامة فإذا به يرى الحسنات سيئات، يرى الجنة ناراً، أعماله الصالحة صارت هباءً منثوراً: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47] فإذا به يبكي فبكى أبو حازم واشتد بكاؤهما: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً [الأنفال:2].

أعظم أسباب تقوية الإيمان القرآن: كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ [الفرقان:32] يثبت القلب، ويزيد الإيمان، كم كان النبي بحاجة للقرآن في حياته؟

ما نزل القرآن جملة واحدة؛ لماذا؟

حتى يثبت النبي عليه الصلاة والسلام، سورة بعد سورة، آية بعد آية، حتى يثبت القلب ويطمئن، تأتيه امرأة عجوز حقيرة تقول: يا محمد! ما أرى شيطانك إلا قد هجرك -تقصد: الوحي تستهزئ بالنبي عليه الصلاة والسلام- فحزن وضاق صدره فأنزل الله: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:1-5] يأتون ليستهزئوا به فينزل الله عز وجل آيات تصبره وتثبته.

في يوم من الأيام جاءه رجل، يقول له: اعدل يا محمد، هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، وذلك بعد حنين - قال: (ويحك! من يعدل إن لم أعدل؟).

هذا من رءوس الخوارج، ومن الذين كانوا يُكَفّرون بالمعصية، واعتدوا حتى على مقام النبوة، يتهم النبي عليه الصلاة والسلام بالظلم، من يعدل إذا ما عدل النبي صلى الله عليه وسلم؟

لكنها السفاهة والسفالة، سفهاء أحلام حدثاء أسنان، فقال خالد: دعني أضرب عنقه -أي: أقتل هذا المرتد الذي يتهم النبي عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تقتله؛ حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ثم قال: رحم الله موسى أوذي أكثر من هذا فصبر) موسى عليه السلام يذهب يكلم ربه، فيرجع، فيجد قومه يعبدون العجل، موسى عليه السلام لما كلمه الرب جل وعلا وسمع بعض العباد -عباد بني إسرائيل الذين ذهبوا يستغفرون الله لبني إسرائيل- قالوا لموسى عليه السلام: لن نؤمن لك، وهم أعبد بني إسرائيل، قال: لِمَ لا تؤمنون لي؟

قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون، أخذ الله أرواحهم وماتوا، ثم بعثهم الرب جل وعلا، فقد كان بنو إسرائيل معاندين لما قال لهم: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ [المائدة:21] ماذا قالوا لموسى عليه السلام في نهاية الأمر؟ قالوا: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24] انظروا أذى بني إسرائيل لموسى عليه السلام.

أعظم ما يقوي إيمانك يا عبد الله! القرآن، اقرأ القرآن.. قصص الأنبياء.. توحيد الله وآياته.. المعجزات في القرآن، عندما تقرأها يزداد إيمانك، كل ليلة يسهر الرجل على الأفلام الخليعة إلى آخر الليل، والرب يقول: (هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟).

وآخر يقيم على الأفلام الخليعة يقول لي صاحبه: والله إذا أذن المؤذن لصلاة الفجر ضاق صدره، واشمأز، وأغلق النافذة، ورفع صوت التلفاز حتى لا يسمع الأذان؛ يكره حتى صوت الأذان: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [الزمر:45] مطرب أو مطربة إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45] ما عنده مانع من أن يحضر حفلة غنائية ثلاث ساعات؛ لكن خطبة الجمعة ثقيلة، ما عنده مانع أن يقف أربع ساعات أمام التلفاز؛ لكن نصف ساعة يصلي التراويح صعبة فيقول: أطال علينا الإمام.

لا يرتاح إذا سمع ذكر الله، أما إذا سمع من دونه أهل الغناء والطرب يبشر ويفرح، هل سمعتم بالمشركين كيف تأثروا بالقرآن؟ هل تعلم أن أبا جهل فرعون هذه الأمة كان يذهب أحياناً في الليل خفية يستمع إلى قراءة النبي للقرآن، ورآه بعض المشركين، وإذا به يعتذر أنه فقط يسمع هكذا، ولكنه كان يتلذذ بقراءة القرآن، فلماذا لم يؤمن؟

عناد وكبر؛ حتى لا يقال: إن الإمارة والسيادة صارت لغيره، فقط لهذا ما آمن ولكنهم كانوا يعرفون أن القرآن حق، وأنه كلام الله، يسمعونه رطباً من النبي عليه الصلاة والسلام.

جبير بن مطعم يقول: كان أبغض رجل لدي محمد صلى الله عليه وسلم يقول: فذهبت إلى المدينة -ربما يريد قتله- فجئت في صلاة المغرب.

تخيل المدينة في صلاة المغرب كيف حالها؟

هل هناك أحد فاتح محله ليبيع أو يتمشى في شوارع المدينة؟ رجالهم، نساؤهم، حتى أطفالهم في المسجد؛ لأن جميع الناس في المسجد، مَنْ إمامهم؟

محمد عليه الصلاة والسلام يقرأ فيهم في ذلك اليوم في صلاة المغرب سورة الطور، والحديث في البخاري يقول جبير قبل إسلامه: سمعت القرآن. الكل في هدوء وإنصات وخشوع فإذا النبي يقرأ: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ [الطور:35] وكانت قراءته هادئة آية آية، السؤال موجه للمشركين؛ الله يقول لهم: هل أنتم خلقتم من غير شيء؟

هل خلقتم من عدم؟

طبعاً لا. إذاً من خلقكم؟

اسمع الآية الثانية: أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] أنت خلقت نفسك يا جبير؟

طبعاً لا. الآن بدأ يناقش نفسه، إذاً هناك خالق وأنا لم أخلق نفسي؛ إذاً من الذي خلقنا؟

يا جبير! انظر للسموات السبع.. للأرض.. للجبال أكبر من خلق الناس؛ مَنْ خلقها؟

أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ [الطور:35-36] يقول جبير: وقر الإيمان في قلبي -سمع آيتين أو ثلاث آيات- وانتهت الصلاة، يقول: جلست مع النبي صلى الله عليه وسلم وسأله بعض الأسئلة، فإذا بـجبير يقول أمام الناس: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، يقول: فصار أحب إنسان في قلبي محمد عليه الصلاة والسلام.

أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].

يقول أحد العسكريين: كنت حارساً في معسكر وما صليت لله منذ سنين يقول: صادف ذلك اليوم عند المعسكر مسجد، وجاءنا شيخ يتحدث في المسجد، والسماعات الخارجية مفتوحة، فكنت أسمع وأنا حارس في الخارج، يقول: أخذت أسمع والشيخ يتحدث عن آية واحدة يشرحها وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18] ماذا قدمت؟

يقول: فأخذت أسمع ثم -والله- بدأ الدمع ينزل من عيني؛ بدأ يبكي؛ أول مرة يسمع هذه الآية، موت، قبر، جنة، نار، ماذا قدمت لغد؟ هل استعد كل واحد منا وجهز لذلك اليوم؟ والشيخ يتحدث فقال لي أصحابي: ما الذي جرى؟

فاستأذنت منهم وخرجت، فذهبت إلى المسجد، فدخلت إحدى دروات المياه -أجلكم الله- وكان فيها مسبح فاغتسلت، يقول: لم أغتسل من جنابة منذ سنين، ولهذا ظل في نجاسته سنوات يقول: ثم خرجت ودخلت المسجد ولا زال الشيخ يحدث، فصليت ركعتين، وأخذت أستمع والدموع تنهمر، وأنا أبكي طوال الحديث يقول: والله ما أن انتهى الشيخ من حديثه إلا وقررت أن أبدأ حياة جديدة. وانشرح صدري وأنار الله قلبي: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ [الزمر:22] انشراح الصدر بالطاعة.. بالذكر.. بالصلاة، يقول فجلست مع الشيخ بعد الحديث دقائق معدودة يكتب قصته وهو يقول: أنا الآن -بفضل الله- أحد الدعاة إلى الله عز وجل، لم يصلح فحسب بل بدأ يصلح غيره، آية يا عبد الله: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّه [الحشر:21].