خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/122"> الشيخ عبد الرحيم الطحان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/122?sub=8329"> سلسلة مباحث النبوة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
مباحث النبوة - تمتع المؤمنين بزوجاتهم في جنات النعيم [2]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
إخوتي الكرام! لا زلنا نتدارس مقاصد النكاح العامة وحكمه الأساسية، وقد تقدم معنا أن الحكمة من مشروعيته تدور على أمور كثيرة، أبرزها خمسة أمور:
أولها: تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية، سواء كانت حسية أو معنوية.
وثانيها: إنجاب الذرية التي تعبد وتوحد رب البرية.
وثالثها: تحصيل الأجر للزوجين عن طريقين اثنين: حسن عشرة كل منهما لصاحبه، ومساعدته في نفقته.
رابع هذه الحكم ورابع المقاصد كما تقدم معنا: تذكر لذة الآخرة.
وما قبلها مر الكلام عليه موضحاً مفصلاً، وكنا نتدارس هذه الحكمة، ولعلنا ننتهي منها في هذه الليلة المباركة إن شاء الله.
والحكمة الخامسة كما تقدم معنا: ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل صاحبه وعشيرته.
إخوتي الكرام! الحكمة الرابعة أخذنا فيها وقتاً غير قليل في مدارستها، ألا وهي أن لذة النكاح في هذه الحياة تذكر بلذة النكاح التي تكون في نعيم الجنات، عند تمتع المؤمنين بالمؤمنات والحوريات، وتقدم معنا أن هذه الشهوة هي أعظم المشتهيات عند المخلوقات، وهي ألذ اللذائذ الحسية، مع ما فيها من آفات ردية، وإذا تعلقت النفس البشرية بهذه الشهوة في هذه الحياة مع ما فيها من آفات، فحري بها أن تتعلق بها في الدار الآخرة حيث لا يوجد فيها آفة من الآفات.
ولذلك ما ذكر الله في الجنة من نعيم عظيم، ينبغي أن يحث ذلك التذكير والذكر هممنا إلى ما رغبنا فيه ربنا، ورحمة الله ورضوانه على سيد المسلمين وإمامهم الإمام الحسن البصري عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، عندما كان يقول: ما حلى الله الجنة ولا جلاها لأحد من الأمم السابقة كما حلاها وجلاها لهذه الأمة.
يعني: ما نعت الله الجنة بالأوصاف التي فيها بحيث كأنهم يرونها أمام أعينهم، ما نعت الله هذه الدار لأحد من الأمم السابقة كما نعتها لهذه الأمة، والسبب في ذلك أنها آخر الأمم، وهي أحب الأمم إلى الله جل وعلا، ومن أجل ذلك نعت الله ما في الجنة لعباده المؤمنين، لأتباع نبينا الأمين عليه وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه، من أجل أن يشتاقوا ويتطلعوا إلى هذه الجنة، وإلى ما أعد الله لهم فيها.
ثم قال الحسن البصري عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: وليس فينا عاشق لها، يعني: مع أن الله جل وعلا حلاها لنا وجلاها لنا ورغبنا فيها، فليس فينا من يعشقها، ويتعلق بها، ويرغب فيها، وحقيقة عجيب أمر الجنة نام طالبها، وعجيب أمر النار نام هاربها.
إخوتي الكرام! تقدم معنا أن عدداً من الصالحين عليهم جميعاً رحمات رب العالمين كانوا يرون في منامهم ما رغبوا فيه في آخرتهم، وتقدم معنا أن عدداً من الصالحين رأوا الحور العين، تقدم معنا هذا في أخبار من تقدم من التابعين، وحُكي هذا عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وأفتتح هذه الموعظة بعبد صالح أيضاً رأى حورية جميلة، وأنشدته بعض الأبيات الشعرية فحفظها وضبطها لنا، ألا وهو مالك بن دينار عليه وعلى أئمتنا رحمة العزيز الغفار.
وتقدم معنا هذا عن بعض أصحاب منصور بن عمار سابقاً وعن غيره، وهنا عن مالك بن دينار عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وتقدم معنا هذا عن أبي سليمان الداراني ، وتقدم معنا عن تابعي أو صحابي كما في كتاب الزهد لـهناد بن السري ، وهنا هذه القصة عن مالك بن دينار ويرويها الإمام القرطبي في التذكرة في بيان أحوال الموتى وأمور الآخرة (ص:576) عن هذا العبد الصالح، وهو مالك بن دينار ، وهو من أئمتنا الأخيار الأبرار، نعته الإمام ابن حجر في التقريب فقال: صدوق عابد، توفي سنة (130هـ)، وقد أخرج حديثه الإمام البخاري في صحيحه معلقاً وأهل السنن الأربعة.
والإمام الذهبي في السير ترجمه (5/362) فقال: علم العلماء الأبرار مالك بن دينار ، ثم قال: حديثه في درجة الحسن، رحمة الله ورضوانه عليه.
ومن مناقبه وأخباره الطيبة: أنه دخل عليه مرة بعض اللصوص فلم يجد في بيته شيئاً يسرقه، فقال: يا هذا! هل وجدت شيئاً؟ قال: لا، قال: إن دللتك على شيء تفعله؟ قال: نعم، قال: توضأ وصل ركعتين، فتوضأ وصلى ركعتين ثم تعلق بهذا العبد الصالح مالك بن دينار ، وصار من تلاميذه الأخيار، فقال: جاء ليسرق فسرقناه، أي: سرقناه من الشيطان وصار من جند الرحمن.
يقول هذا العبد الصالح: قرأت مرة وردي ثم نمت، فرأيت جارية أضوأ من الشمس، وأبهى من القمر، فقلت لها: من أنت؟ فقالت: ألا تعلم من أنا؟! أنا أُربى لك في الخدر منذ كذا وكذا، نحن نربى لك في خيام الجنة وأنت نائم، ثم أنشدته أبياتاً من الشعر حفظها وضبطها ونقلها لنا رحمة الله ورضوانه عليه، قال: فقالت له:
لهاك النوم عن طلب الأماني وعن تلك الأوانس في الجنان
تعيش مخلداً لا موت فيها وتلهو في الخيام مع الحسان
وإذا كنت الحوراء تخاطب مالك بن دينار بهذا فماذا تقول عنا:
لهاك النوم عن طلب الأماني وعن تلك الأوانس في الجنان
وقولها: (تعيش مخلدا لا موت فيها) أي: لا تموت في الجنة إذا دخلت فيها، حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72] .. فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ [الرحمن:70]
وتلهو في الخيام مع الحسان
تنبه من منامك إن خيراً من النوم التهجد بالقران
فقام وواصل ورده رحمة الله ورضوانه عليه.
إخوتي الكرام! من استقرأ أخبار الصالحين وجد هذا مبثوثاً في سيرهم بكثرة، إذا نام الواحد منهم يكون نومه مطية له إلى الآخرة، ولذلك قد يحصل من الفوائد والفرائد في نومه ما لا يحصله في يقظته، فإذا نام اجتمع بالنبي عليه الصلاة والسلام، إذا نام التقى بالحور الحسان، إذا نام كلمه ذو الجلال والإكرام، وهذه لا تحصل في اليقظة، يعني: رؤية النبي عليه الصلاة والسلام لا تحصل لواحد منا في اليقظة بعد انتقال نبينا عليه وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه إلى الرفيق الأعلى، لا تحصل لنا رؤيته في اليقظة، لكن إذا نمنا نراه، وهكذا الحور الحسان، وهكذا ذو الجلال والإكرام لا نراه في هذه الحياة في اليقظة، ونسأل الله أن يكرمنا بلذة النظر إلى وجهه الكريم، في جنات النعيم، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
لكن رؤية الله في المنام جائزة بإجماع أهل السنة، فإذا نام الإنسان يرى ربه، يرى نبيه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، يرى الحور الحسان تخاطبه، تقول: أنت ما تعلم من أنا؟ فتسألني: من أنت؟ أربى لك في الخدر في الخيام منذ كذا وكذا، يا مالك بن دينار ، فشد العزم في طاعة العزيز القهار سبحانه وتعالى.
كما قلت إخوتي الكرام: أخبار الصالحين في ذلك كثيرة كثيرة.
وكنا نستقرئ ونتدارس في المواعظ السابقة ما ورد في وصف الحور الحسان من أخبار عن نبينا المختار عليه الصلاة والسلام، وبعد أن تدارسنا وصفهن في كتاب الله، انتقلت إلى وصفهن في أحاديث نبينا رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكما قلت في الموعظة الماضية: سأختم الحديث عنهن بأمرين اثنين: الأمر الأول: في لذة التمتع بهن، والأمر الثاني: أن الواحدة منهن تعود بكراً كلما قام زوجها عنها.
آخر ما تكلمت عليه في الموعظة الماضية، وقلت سأكمله في أول هذه الموعظة، حديث لقيط بن عامر رضي الله عنه وأرضاه، لقيط من بني المنتفق كما تقدم معنا، وقلت: إن الحديث في زيادات سيدنا عبد الله بن أحمد ولد سيدنا الإمام المبجل أحمد بن حنبل عليهم جميعاً رحمة الله، في زياداته على المسند، ورواه أيضاً في السنة، ومروي في غير ذلك من دواوين الإسلام، ونقلت كلام الإمام ابن قيم الجوزية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية، في تصحيح هذا الحديث وتقويته من كتابين من كتبه: كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، وكتاب زاد المعاد في هدي نبينا خير العباد، على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.
كما نقلت في بداية الكلام عن هذا الحديث توثيق الإمام الهيثمي لجميع رجال إسناد الحديث، وقال: إسناده متصل، ورجاله ثقات، فأذكر لفظه لأتكلم على ما قيل من اعتراض على الإمام ابن قيم الجوزية في تصحيحه لهذا الحديث.
تقدم معنا إخوتي الكرام! أن الحديث طويل، وأخذ قرابة صفحتين من المسند كما قلت، وقلت إنه في مسند الإمام أحمد (4/13) فما بعدها، ومحل الشاهد منه: (وإن الجنة لها ثمانية أبواب) بعد أن قال: (لعمر إلهك إن النار لها سبعة أبواب، ما منها بابان يسير الراكب بينهما سبعين عاماً، وإن الجنة لها ثمانية أبواب، ما منها بابان يسير الراكب بينهما سبعين عاماً، قلت: يا رسول الله! فعلام نطلع من الجنة؟ قال: على أنهار من عسل مصفى، وأنهار من خمر ما بها صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لا يتغير طعمه، وماء غير آسن، وفاكهة، ولعمرك إلهك ما تعلمون) يعني: يوجد أشياء لا تعلمونها، (ولعمر إلهك ما تعلمون، وخير من مثله معه وأزواج مطهرة، قلت: يا رسول الله! أولنا فيها أزواج أو منهن مصلحات؟)، هذا موجود في القرآن الكريم وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [البقرة:25] كما تقدم معنا، (فقال عليه الصلاة والسلام: المصلحات للصالحين)، وفي لفظ: (الصالحات للصالحين، تلذونهن ويلذونكم مثل لذاتكم في الدنيا)، وقلنا: المثلية من وجه دون وجوه متعددة، فاللذة حاصلة، لكن شتان شتان ما بينهما من حقيقة اللذة، فالبون بينهما كالبون بين دار الآخرة ودار الدنيا.
إخوتي الكرام! هذا الحديث تقدم معنا أن الإمام الهيثمي قال إنه متصل، ورجال إسناده ثقات، والإمام ابن القيم أطال في تصحيح هذا الحديث وتقويته، وقلت: إن بعض المعلقين في هذه الأيام على بعض الكتب ما ارتضى مسلك الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، ورد عليه، ثم بعد ذلك قال: ينبغي أن نحتاط نحو كلام الإمام ابن القيم إذا وافق كلامه مشربه، أي: إذا صحح أحاديث توافق مشربه ينبغي أن نحتاط فيها، فأحياناً يتساهل، فقد يكون الحديث مردوداً ضعيفاً متروكاً منكراً، ويأتي الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فيصححه.
نقل كلام الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في التعليق على ابن القيم
يقول: أما الإمام ابن القيم فمع جلالة قدره، -هنا يتكلم على الكتب التي تحوي الأحاديث الواهية، فذكر نماذج من الكتب المتقدمة والمصنفين لها، ثم جاء إلى الإمام ابن القيم قال: أما ابن القيم فمع جلالة قدره ونباهة ذهنه ويقظته البالغة، فإن المرء ليعجب منه رحمه الله كيف يروي الحديث الضعيف والمنكر في بعض كتبه، كمدارج السالكين، من غير أن ينبه عليه، بل تراه إذا روى حديثاً جاء على مشربه المعروف!! بالغ في تقويته وتمتينه كل المبالغة حتى يخيل للقارئ أن ذلك الحديث من قسم المتواتر، في حين أنه قد يكون حديثاً ضعيفاً أو غريباً أو منكراً، ولكن لما جاء على مشربه جمع له جراميزه.
وكنت ذكرت هذه العبارة سابقاً عنه، وقلت: المراد من الجراميز أطراف البدن، والمقصود جمع كله، وحشد طاقته لتقوية هذا الحديث، يقال: جمع جراميزه يعني تقبض وانجمع وجمع أطرافه ليثب، جمع جراميزه، وأخذت الشيء بجراميزه: أي بحذافيره وكله.
قال: جمع له جراميزه وهب لتقويته وتفخيم شأنه بكل ما أوتيه من براعة بيان وقوة لسان.
ثم ذكر هذا الحديث مثالاً على ذلك، وهو حديث لقيط من بني المنتفق رضي الله عنه وأرضاه، قال: وأكتفي على سبيل المثال بالإشارة إلى حديث واحد من هذا النمط، رواه رحمه الله في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد -على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه- أثناء كلامه عن وفد بني المنتفق.
وكنت ذكرت أن هذا موجود في الجزء الثالث في صفحة سبع وسبعين وستمائة وما بعدها وما قبلها، حول هذا الكلام، لكن محل الشاهد الذي قرأته في هذا المكان (3/677).
قال: وحديثه على وفد بني المنتفق، قلت: أخذ قرابة عشر صفحات، هذا محل الشاهد.
هنا يقول: فقد ساق هناك حديثاً طويلاً جداً، ثم ذكر بعض فقرات من هذا الحديث الذي قلت أخذ صفحتين من مسند الإمام أحمد ، ثم قال المعلق: وبعد أن ساق الحديث المشار إليه أتبعه بكلام طويل في تقويته استهله بقوله: هذا حديث جليل كبير، تنادي جلالته وفخامته وعظمته على أن قد خرج من مشكاة النبوة، لا يعرف إلا من حديث عبد الرحمن بن المغيرة المدني ...، ثم استرسل -كما يقول الشيخ المعلق- في توثيق عبد الرحمن ومن رواه عنه استرسالاً غريباً، كما أنه سرد الكتب التي روي الحديث فيها.
وتقدم معنا أنه روي في المسند، وكتاب السنة للإمام عبد الله ، وروي أيضاً في السنة لـابن أبي عاصم وغير ذلك، كما أنه موجود في غير ذلك من الكتب كما تقدم معنا.
يقول: استرسل في ذلك، سرد الكتب التي روي الحديث فيها وهي كتب معروفة بشيوع الحديث الضعيف والمنكر والموضوع فيها، وهو من أعلم الناس بحالها، ولكن غلبته عادته ومشربه فذهب يسردها ويطيل بتفخيم مؤلفيها تهويلاً بقوة الحديث وصحته، مع أن الحديث حينما رواه صاحبه الحافظ ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتابه البداية والنهاية، أعقبه بقوله: هذا حديث غريب جداً، وألفاظه في بعضها نكارة، وكذلك الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في تهذيب التهذيب، أنه نقل هذا الكلام وذكره في ترجمة عاصم بن لقيط بن عامر بن المنتفق العقيلي بعد أن أشار للحديث ومن رواه من المؤلفين، قال الحافظ ابن حجر : وهو حديث غريب جداً.
يقول الشيخ المعلق على كتاب الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة: فحينما يقول الحافظ ابن حجر في الحديث المشار إليه: حديث غريب جداً، وألفاظه في بعضها نكارة، ترى الشيخ ابن القيم يسهب ويطنب في دعمه وتصحيحه حتى نقل مرتضياً قول من قال: ولا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتاب والسنة.
هذا نقله الإمام ابن القيم كما تقدم معنا، ونقله غالب ظني عن الإمام ابن منده كما تقدم معنا، يقول: قال ابن منده : روى هذا الحديث محمد بن إسحاق الصنعاني وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهما، وقد رواه بالعراق جماعة من الأئمة منهم أبو زرعة الرازي وأبو حاتم وأبو عبد الله محمد بن إسماعيل ولم ينكره أحد، ولم يتكلم في إسناده، بل رووه على سبيل القبول والتسليم، ولا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتب والسنة.
هذا كلام أبي عبد الله ابن منده ، وهو ما سماه، يقول: حتى نقل مرتضياً قول من قال، ولا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتاب والسنة.
ثم ختم الشيخ المعلق كلامه بقوله: فصنيع ابن القيم هذا يدعو إلى البحث والفحص عن الأحاديث التي يرويها من هذا النوع ويشيد بها في تآليفه، وهي من كتب يوجد فيها الحديث الضعيف والمنكر والموضوع.
فهذا الكلام حقيقة مردود ولا بد من أن نقف عنده أيضاً.
الأمر الأول في تعليق أبو غدة والرد عليه
طيب ما مشرب الإمام ابن القيم ؟ مشربه مشرب أهل السنة والجماعة، فإذا كان عنده مشرب آخر لا بد من تحديد المشرب، وأين هذا الحديث وافق ذلك المشرب، حتى ينظر هل هذا الأمر كذلك أو لا.
الأمر الثاني في تعليق أبو غدة والرد عليه
ثم قال: ورواه أهل السنة في كتبهم، وتلقوه بالقبول وقابلوه بالتسليم والانقياد. وهذا موضوع آخر للحديث، لكن في الكلام على هذين الراويين في سطرين، فهل هذا استرسال؟! قال: استرسل استرسالاً غريباً في توثيق عبد الرحمن بن المغيرة ومن رواه عنه، وفي الحقيقة لا يوجد استرسال بل كلام في منتهى الاختصار.
وأنا أقول: عبد الرحمن بن المغيرة من رجال البخاري وأبي داود في السنن، كما قال الإمام ابن القيم : روى عنه الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل شيخ المحدثين، وهكذا الراوي عنه وهو تلميذه إبراهيم بن حمزة الزبيري أيضاً روى له البخاري وأبو داود والنسائي ، هذا موجود في تقريب التهذيب، فالأول روى له البخاري وأبو داود ، والثاني البخاري وأبو داود والنسائي ، وهو ثقة عدل إمام صدوق مبارك، فهما من رجال البخاري ، فأين استرسل؟ ما استرسل، بل إن الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، عند الكلام الذي ينبغي أن يسترسل فيه وأن يتكلم عليه وأن يزيل الإشكال نحوه، طوى عنه الصفحة، يعني: هو لا إشكال في هذين الراويين، وهما الراوي الذي روى عنه عبد الله بن الإمام أحمد وهو شيخ له، وهو إبراهيم بن حمزة ، عن عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني ، هذان لا كلام عليهما، كل منهما من رجال البخاري ، لكن الكلام في الراوي الثالث والرابع والخامس، والإمام ابن القيم ما تكلم لا على الثالث ولا على الرابع ولا على الخامس، أما هذان فمن رجال البخاري ، وقوله: استرسل في ترجمة عبد الرحمن ومن روى عنه، يعني: تلميذه وهو إبراهيم بن حمزة وإبراهيم بن حمزة هذا شيخ عبد الله ولد الإمام أحمد ، فإذاً لا يوجد استرسال الآن، هنا الاسترسال لو أطال في ترجمة حولها كلام، لكنه قال فقط: هذان احتج بهما البخاري ، فاختصر غاية الاختصار، لكن الإمام ابن القيم المكان الذي ينبغي أن يتكلم عليه وأن يزيل الإشكال نحوه طوى عنه الصفحة، فلو تكلم هناك واسترسل لربما قيل: تكلم.
فقول الشيخ المعلق هنا: استرسل في توثيق عبد الرحمن ومن رواه عنه استرسالاً غريباً، حقيقة الحكم عليه بأنه استرسل في توثيق هذين الرجلين، وهذا غريب من ابن القيم ، الحكم عليه بالغرابة غريب!
الأمر الثالث في تعليق أبو غدة والرد عليه
إذاً: قوله: هذه الكتب التي نقل منها هذا الحديث يشيع فيها الضعيف والمنكر والموضوع، بالنسبة للموضوع وإدخال هذا الوصف في المسند ثقيل ثقيل ثقيل.
الأمر الرابع في تعليق أبو غدة والرد عليه
وقلت مراراً إخوتي الكرام: إدخال العقل في أمور الغيب أشنع عيباً، إياك أن تدخل عقلك في المغيبات، ونحن آمنا بربنا جل وعلا، وهذا أول ركن في الإيمان، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:2-3]، فآمنا بربنا جل وعلا، فينبغي أن نقف عند حدنا، ولا يجوز أن ندخل عقولنا في تكييف ربنا، كما لا يجوز أن ندخل عقولنا في نفي الصفات عن إلهنا جل وعلا، فمعنى الحديث ثابت، وهذه الجزئية التي معنا: إن الإنسان له زوجات في الجنة ويلذهن، وأيضاً هن يتلذذن به، كل هذا ثابت في آيات وأحاديث ثابتة قطعية، فأي محذور فيه؟ يعني: لو حدد المحذور في الحديث ليحصل حوله كلام لكان الأمر واضحاً.
إذاً: معناه كما قلت ثابت، أما من حيث السند فيبقى هذه قضية لها كلام، إذا اختلف فيه أئمتنا فينبغي نحن أن ننظر إلى هذا الكلام حسب قواعد علم الحديث، ولا داعي بعد ذلك أن نرد قولاً بشدة على حساب قول.
نعم، هذا الحديث أئمتنا تكلموا حول سنده، واختلفوا في أمره، فالإمام الهيثمي يرى أن جميع رجال الإسناد ثقات عليهم جميعاً رحمة الله، ولا يجوز أن تحكم عليه بكلام غيره، والإمام ابن القيم إذا ارتضى هذا فهذا أيضاً إمام من الأئمة، نعم عندما بحث أئمتنا في الترجمة التفصيلية لرواة هذا الحديث، أنقل لكم ترجمته بما يبين أن الحديث فيه ضعف يسير ينجبر هذا الضعف بوجود متابع أو شاهد فقط، كما في رجال الإسناد من تكلم فيه أو جرح، غاية ما فيه أنه يوجد في بعض رجال الإسناد من لم يرو عنهم إلا راو واحد، وقد وثقهم ابن حبان ، والإمام الهيثمي ينص على توثيقهم، وبعض الأئمة لا يقبلون هذا، لكن الحديث لا يصل إلى درجة نكارة ووضع، وما حكم على بعض ألفاظه بنكارة سيأتينا توجيه هذا في كلام أئمتنا، بما يسميه الشيخ المحقق إن شاء الله، فانتبهوا لذلك إخوتي الكرام.
تقدم معنا أن الراوي الأول من رجال البخاري ، وهو إبراهيم بن حمزة ، وهذا ممن جاوز القنطرة وارتفع عنه القيل والقال.
والراوي الثاني وهو عبد الرحمن بن المغيرة من رجال البخاري أيضاً.
الراوي الثالث الذي معنا: روى الحديث عبد الرحمن بن المغيرة عن عبد الرحمن بن عياش السمعي المدني حكم عليه الحافظ في التقريب بأنه: مقبول، وقال: من رجال أبي داود، وقال الخزرجي في الخلاصة: وثقه ابن حبان ، وقال الذهبي في الكاشف (2/160) وثق.
هذا عبد الرحمن بن عياش السمعي لم يتكلم عليه ابن القيم ، مع أنه قد وثق، وثقه ابن حبان ، الإمام ابن حجر يقول: مقبول، إذا وجد متابع ووجد شاهد لهذا الحديث فقد اعتضد وتقوى.
عبد الرحمن بن عياش : انفرد بالرواية عنه عبد الرحمن بن المغيرة ، لم يرو عنه إلا هذا، يعني ليس هناك جرح في عبد الرحمن بن عياش السمعي ، ما قيل فيه جرح، ولا اتهم بشيء، لكن الجهالة ما زالت عنه برواية راو على اصطلاح الجمهور، لذلك قال عنه الذهبي في الميزان: لم يرو عنه إلا عبد الرحمن بن المغيرة ، وهو صاحب حديث: (لعمر إلهك)، وعبد الرحمن بن المغيرة تقدم معنا عن عبد الرحمن بن عياش من رجال البخاري .
إذاً: هذا الراوي الأول على حسب اصطلاح الجمهور حوله كلام، ومع ذلك فيه نزاع، الذهبي في الكاشف يقول: وثق، وابن حبان يوثقه، والهيثمي يطلق القول: جميع الرجال ثقات.
الراوي الرابع: وهو شيخ عبد الرحمن بن عياش فيه ما فيه التلميذ، لم يرو عنه إلا تلميذه وهو عبد الرحمن بن عياش ، والشيخ هو دلهم بن الأسود بن عبد الله العقيلي حجازي مقبول، قال الحافظ في التقريب: من رجال أبي داود فقط، قال الخزرجي في الخلاصة ما قاله في عبد الرحمن بن عياش السمعي المدني تماماً: وثقه ابن حبان ، وقال الذهبي في الكاشف ما قاله في تلميذه عبد الرحمن بن عياش السمعي: وثق.
هذا راو ثان حوله كلام، وعلى حسب اصطلاح الجمهور كما قلت فيه جهالة؛ لأنه لم يرو عنه إلا راو واحد، قال الذهبي في الميزان: دلهم لم يرو عنه إلا عبد الرحمن وحده، ثم قال: وثقه ابن حبان .
والراوي الثالث: دلهم روى هذا الحديث عن أبيه، لم يرو عن والد دلهم وهو الأسود إلا الولد دلهم .
فهؤلاء الثلاثة لم يرو عن كل واحد منهم إلا راو واحد، فالحافظ ابن حجر حكم على الثلاثة بالقبول، قال: مقبول مقبول، وكل واحد من هؤلاء كما تقدم معنا وثق.
إذاً: دلهم روى الحديث عن أبيه، وأبوه هو الأسود بن عبد الله العقيلي حجازي، قال الحافظ في التقريب: مقبول، قال الذهبي في الميزان في ترجمته (1/256): ما روى عنه سوى ولده، له حديث واحد رواه عن عمه عاصم بن لقيط ، وهو الحديث الذي تقدم معنا.
إذاً: إخوتي الكرام! فمعنا عبد الرحمن بن عياش ودلهم ووالده، وهو الأسود بن عبد الله ، هؤلاء الثلاثة وثقوا، والحافظ ابن حجر حكم عليهم بالقبول، فقال في ترجمة كل منهم: مقبول، هؤلاء الثلاثة كما تقدم معنا وثقوا كما قال الحافظ الذهبي ، بالنسبة للأخير فهو تابعي، يروي الحديث عن صحابي، وروى عنه راو ولا يعلم فيه جرح، فالأمر فيه يسير، ومن بعده نقل أيضاً توثيقه عن ابن حبان وعن غيره، والذهبي كما تقدم معنا يقول: وثق.
إذا اختلف أئمتنا في توثيق بعض رجال الحديث، فهل يجوز إذا جاء واحد منا واستدل بكلام بعض الأئمة في توثيق هذا الحديث، ممن وثقه الهيثمي وابن حبان والذهبي ؛ لو أن واحداً منا جاء في هذا الوقت وقال: أنا أرى أن هذا الحديث على حسب ما نص هؤلاء الأئمة حديث صحيح، وهو في دواوين الإسلام، هل يجوز أن يقال: إنه جمع جراميزه لتقويته لأنه يوافق مشربه في إثبات الصفات لله جل وعلا؟
هذا في الحقيقة كلام لا يقال إطلاقاً، والحقيقة ليست كذلك، والإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ما صحح هذا الحديث لأنه يوافق مشرباً معيناً، إنما هذا الحديث أصول أهل السنة تشهد له، وليس فيه ما يوجب تركاً ولا نكارة، بل فيه ضعف يسير محتمل على التسليم بأن الجهالة ما زالت عن الأسود ولا عن ولده دلهم ولا عن عبد الرحمن بن عياش ، بقي أنه روى عنهم راو يحتاج إلى متابع أو إلى شاهد ليتبين لنا أن الحديث له مخرج آخر، وأنه ليس فيه خطأ ولا وهم.
وهذا الحديث قد شهدت له الأحاديث الثابتة، والإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وقفت على مسلكه فيما يشبه هذا كثيراً، وتقدم معنا في دروس سنن الترمذي في حديث أبي إمامة الباهلي ، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، لما طرد الله الشيطان الرجيم من الجنة، وقال: (رب طردتني ولعنتني.. إلى آخر الحديث، اجعل لي كتاباً، قال: كتابك الشعر) إلى آخره، الحديث تقدم معنا، يقول الإمام ابن القيم بنفسه: ضعيف، وتقدم معنا الحديث وتخريجه من معجم الطبراني الكبير وغيره، يقول: لكن لكل فقرة من فقراته شواهد ثابتة من الكتاب والسنة، وهنا كذلك.
فالطبقة المتقدمة وهي آخر الإسناد عندنا عبد الله بن أحمد ومن روى الحديث عنه، ومن رواه عن هؤلاء الثلاثة أئمة أعلام، هؤلاء رووا الحديث في بلاد الإسلام وقبلوه، كأنه أراد أن يخبرنا أنه متلقى بالقبول عند أئمة الإسلام، ثم محل الإشكال ما بحث فيه على الإطلاق، وهو عبد الرحمن بن عياش السمعي ومن بعده، كأنه يقول: هذا الحديث لو كان فيه محذور لما تلقاه أئمتنا بالقبول، ثم قال: تنادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة، ويوجد شواهد ثابتة له، وعليه الحديث معتمد، هذا الذي يريد أن يقوله، ثم ختم كلامه بكلام الإمام ابن منده عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، أنه لا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتاب والسنة.
فليس إذاً الكلام أنه ساق حديثاً وسكت عنه حتى تقول لنا: احترسوا لأنه قد يروى الضعيف أحياناً، فإنه ساق حديثاً وبين كلام أئمة الإسلام نحوه، وأنه روي في أمصار المسلمين من غير نكير، بل علق عليه أئمة المسلمين، فقالوا: هذا الحديث لا يرده إلا جاهل أو جاحد أو مكابر، فاختلف الأمر عما إذا رووا حديثاً بالإسناد أو بدون إسناد وسكتوا، قد تقول هناك: رووه لبيان الجمع، وبيان ما نقل في هذه المسألة، ثم أنت محص، أما هنا فقد رووه وعلقوا عليه، قال: انتبه هذا حديث كل جملة من جمله وفقرة من فقراته تشهد له شواهد ثابتة، وبناءً عليه لا يرده إلا جاهل أو جاحد أو مكابر، إلى آخر كلام أئمتنا.
فالحديث كما قلت معناه لا نزاع فيه، إسناده نعم فيه شيء من الكلام، والشيخ الألباني في تعليقه على كتاب السنة لـابن أبي عاصم ضعفه، وأنا أعجب له كما أعجب لهذا الشيخ أيضاً هنا؛ لأن الحديث إذا وجد له شواهد وضعفه يسير محتمل يزول عنه الضعف، والشيخ
أقرأ لكم كلام هذا المعلق، ثم بعد ذلك نتدارس منزلة هذا التعليق إن شاء الله، المعلق هو الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة، وهو شيخ جليل لكنه في الحقيقة قسا على الإمام ابن قيم الجوزية في تعليقه، فلا بد من بيان قيمة هذا التعليق، انظروا التعليق كما قلت في هذا الكتاب (ص:130) أقرأ لكم تعليقه ثم أناقشه بعد ذلك فيه. يقول: أما الإمام ابن القيم فمع جلالة قدره، -هنا يتكلم على الكتب التي تحوي الأحاديث الواهية، فذكر نماذج من الكتب المتقدمة والمصنفين لها، ثم جاء إلى الإمام ابن القيم قال: أما ابن القيم فمع جلالة قدره ونباهة ذهنه ويقظته البالغة، فإن المرء ليعجب منه رحمه الله كيف يروي الحديث الضعيف والمنكر في بعض كتبه، كمدارج السالكين، من غير أن ينبه عليه، بل تراه إذا روى حديثاً جاء على مشربه المعروف!! بالغ في تقويته وتمتينه كل المبالغة حتى يخيل للقارئ أن ذلك الحديث من قسم المتواتر، في حين أنه قد يكون حديثاً ضعيفاً أو غريباً أو منكراً، ولكن لما جاء على مشربه جمع له جراميزه. وكنت ذكرت هذه العبارة سابقاً عنه، وقلت: المراد من الجراميز أطراف البدن، والمقصود جمع كله، وحشد طاقته لتقوية هذا الحديث، يقال: جمع جراميزه يعني تقبض وانجمع وجمع أطرافه ليثب، جمع جراميزه، وأخذت الشيء بجراميزه: أي بحذافيره وكله. قال: جمع له جراميزه وهب لتقويته وتفخيم شأنه بكل ما أوتيه من براعة بيان وقوة لسان. ثم ذكر هذا الحديث مثالاً على ذلك، وهو حديث لقيط من بني المنتفق رضي الله عنه وأرضاه، قال: وأكتفي على سبيل المثال بالإشارة إلى حديث واحد من هذا النمط، رواه رحمه الله في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد -على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه- أثناء كلامه عن وفد بني المنتفق. وكنت ذكرت أن هذا موجود في الجزء الثالث في صفحة سبع وسبعين وستمائة وما بعدها وما قبلها، حول هذا الكلام، لكن محل الشاهد الذي قرأته في هذا المكان (3/677). قال: وحديثه على وفد بني المنتفق، قلت: أخذ قرابة عشر صفحات، هذا محل الشاهد. هنا يقول: فقد ساق هناك حديثاً طويلاً جداً، ثم ذكر بعض فقرات من هذا الحديث الذي قلت أخذ صفحتين من مسند الإمام أحمد ، ثم قال المعلق: وبعد أن ساق الحديث المشار إليه أتبعه بكلام طويل في تقويته استهله بقوله: هذا حديث جليل كبير، تنادي جلالته وفخامته وعظمته على أن قد خرج من مشكاة النبوة، لا يعرف إلا من حديث عبد الرحمن بن المغيرة المدني ...، ثم استرسل -كما يقول الشيخ المعلق- في توثيق عبد الرحمن ومن رواه عنه استرسالاً غريباً، كما أنه سرد الكتب التي روي الحديث فيها. وتقدم معنا أنه روي في المسند، وكتاب السنة للإمام عبد الله ، وروي أيضاً في السنة لـابن أبي عاصم وغير ذلك، كما أنه موجود في غير ذلك من الكتب كما تقدم معنا. يقول: استرسل في ذلك، سرد الكتب التي روي الحديث فيها وهي كتب معروفة بشيوع الحديث الضعيف والمنكر والموضوع فيها، وهو من أعلم الناس بحالها، ولكن غلبته عادته ومشربه فذهب يسردها ويطيل بتفخيم مؤلفيها تهويلاً بقوة الحديث وصحته، مع أن الحديث حينما رواه صاحبه الحافظ ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتابه البداية والنهاية، أعقبه بقوله: هذا حديث غريب جداً، وألفاظه في بعضها نكارة، وكذلك الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في تهذيب التهذيب، أنه نقل هذا الكلام وذكره في ترجمة عاصم بن لقيط بن عامر بن المنتفق العقيلي بعد أن أشار للحديث ومن رواه من المؤلفين، قال الحافظ ابن حجر : وهو حديث غريب جداً. يقول الشيخ المعلق على كتاب الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة: فحينما يقول الحافظ ابن حجر في الحديث المشار إليه: حديث غريب جداً، وألفاظه في بعضها نكارة، ترى الشيخ ابن القيم يسهب ويطنب في دعمه وتصحيحه حتى نقل مرتضياً قول من قال: ولا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتاب والسنة. هذا نقله الإمام ابن القيم كما تقدم معنا، ونقله غالب ظني عن الإمام ابن منده كما تقدم معنا، يقول: قال ابن منده : روى هذا الحديث محمد بن إسحاق الصنعاني وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهما، وقد رواه بالعراق جماعة من الأئمة منهم أبو زرعة الرازي وأبو حاتم وأبو عبد الله محمد بن إسماعيل ولم ينكره أحد، ولم يتكلم في إسناده، بل رووه على سبيل القبول والتسليم، ولا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتب والسنة. هذا كلام أبي عبد الله ابن منده ، وهو ما سماه، يقول: حتى نقل مرتضياً قول من قال، ولا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتاب والسنة. ثم ختم الشيخ المعلق كلامه بقوله: فصنيع ابن القيم هذا يدعو إلى البحث والفحص عن الأحاديث التي يرويها من هذا النوع ويشيد بها في تآليفه، وهي من كتب يوجد فيها الحديث الضعيف والمنكر والموضوع. فهذا الكلام حقيقة مردود ولا بد من أن نقف عنده أيضاً.