خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/122"> الشيخ عبد الرحيم الطحان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/122?sub=8329"> سلسلة مباحث النبوة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
مباحث النبوة - مكانة أمهاتنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ما سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فقد انتهينا من مدارسة خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع آل بيته وزوجاته الطيبات الطاهرات، ووعدت أن نتدارس ترجمة موجزة لأمهاتنا أزواج نبينا عليه صلوات الله.
إن أزواج نبينا عليه صلوات الله وسلامه هن أمهاتنا بنص القرآن، ولهن علينا حقوق كثيرة، ولهن في الإسلام منزلة عظيمة، والله يقول في كتابه: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الأحزاب:6]، فقوله: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب:6] أي: في المحبة والنصرة، فيقدم على النفس في المحبة وفي النصرة وفي الطاعة.
وسيأتينا هذا ضمن مبحث خاص من مباحث النبوة في حق النبي عليه الصلاة والسلام علينا، وواجبنا نحوه.
وقوله: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6] أي: في الحرمة والإكرام، والمنزلة والاحترام، والتوقير والإعظام فهن كالأمهات، بل أغلى وأعلى من أمهاتنا، بل ومن أنفسنا من أجل نبينا عليه صلوات الله وسلامه.
ولا يعني هذا أن لها أحكام الأم، أي: يجوز أن تخلو بها، وأن تراها، وأن تمسها، وأن ترث منها، لا ثم لا، إنما هي في حكم الأم بالاعتبارات التي بينتها من الاحترام والتوقير والإكرام والإعظام، كأمك التي ولدتك.
حكم تسمية أمهات المؤمنين بأمهات المؤمنات
لعلمائنا في ذلك قولان منقولان عن السلف:
القول الأول: لا؛ لأن النص أخبر بأن أزواج النبي أمهات للمؤمنين، وهذا خطاب للذكور العقلاء، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، فهن أمهات الرجال، ولم يذكر النساء، فلا يقال لواحدة منهن: إنها أم للمؤمنات، إنما يقال: أم للمؤمنين.
هذا القول ثبت في سنن البيهقي وطبقات ابن سعد عن أمنا عائشة رضي الله عنها من رواية مسروق : أن امرأة قالت لها: يا أماه! قالت: لست لك بأم، إنما أنا أم رجالكم، ثم تلت قول الله جل وعلا: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، وهذا القول صححه أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن.
والقول الثاني: نقل أيضاً في طبقات ابن سعد عن أم سلمة رضي الله عنها، أن كل واحدة من أزواج نبينا عليه صلوات الله وسلامه يقال لها: أم للمؤمنين وأم للمؤمنات، وهذا الذي رجحه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن، وهو أولى بالترجيح، وإن كان اللفظ يدل على أن الواحدة من أزواج نبينا أم للمؤمنين، فهي أم للمؤمنات أيضا في الاحترام والتوقير والإكرام والإعظام.
وكأن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها تريد أن النص ورد بما يفيد أن أزواج النبي عليه الصلاة والسلام أمهات للمؤمنين الرجال، فإذاً: نقف عند هذا، لكن كما قلت ما نقل عن أمنا أم سلمة فيما يظهر هو أولى، فما يثبت للرجال يثبت للنساء، فمنزلتهن على النساء وعلى الرجال واحدة، من باب أن يكرمن من قبل الذكور والإناث.
منزلة أقارب أمهات المؤمنين
نقل عن العلماء الكرام في ذلك قولان، والذي ذهب إليه أبو عبد الله الشافعي أن ذلك يقال، فيقال لـفاطمة : إنها أختنا، ويقال لـمعاوية : إنه خالنا، وقال ابن كثير في تفسيره: إن هذا من باب إطلاق العبارة لا إثبات الحكم، أي: لا يلزم من حكم تلك العبارة أنه ينطبق علينا.
فإذاً: هي أخت لنا من باب إطلاق العبارة، بما أن أمها أم لنا وهي خديجة رضي الله عنها، فبناتها أخوات لنا في المنزلة والاحترام والإكرام، لا من باب إثبات الحكم، أي: في المحرمية، ويحرم علينا أن نتزوجها ونرثها، لا ثم لا، والأمر كما قلت فيه سعة، ومنقول عن أئمتنا، وإذا كان الأمر من باب إطلاق العبارة فلا حرج أن يعمم اللفظ المتقدم: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، وأمهات للمؤمنات، وبناتهن أخوات أيضاً للمؤمنين والمؤمنات، وإخوتهن أخوال للمؤمنين والمؤمنات.
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، إذاً: كل واحدة من أزواج نبينا عليه صلوات الله وسلامه هي لنا بمنزلة الأم في الاحترام والإكرام والتوقير والإعظام، وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن خير أمته خيرهم لأهله، أي: لأزواجه عليه صلوات الله وسلامه، وكما تقدم معنا أن خير هذه الأمة خيرهم لنسائهم، وخير هذه الأمة -أيضاً- خيرهم لأزواج نبينا عليه الصلاة والسلام، ففي حياتهن نقدم حاجتهن على حاجة أنفسنا، وبعد مماتهن نذكرهن بخير، ونترضى عليهن، وتتعلق قلوبنا بهن إجلالاً لهن وإكراماً لنبينا عليه صلوات الله وسلامه، فهذا من حقهن علينا رضوان الله عليهن أجمعين.
وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر في الأحاديث الصحيحة الكثيرة الثابتة عنه، ففي مستدرك الحاكم في الجزء الثالث صفحة إحدى عشرة وثلاثمائة، وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي ، ورواه أبو يعلى والبزار كما في مجمع الزوائد في الجزء التاسع صفحة أربع وسبعين ومائة، وإسناد الأثر رجاله ثقات، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وكما قلت إن الأثر صحيح ثابت من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خيركم خيركم لأهلي من بعدي )، وفي رواية ابن عساكر والبزار: ( خياركم خياركم لنسائي )، وفي رواية ( خيركم خيركم لنسائي ).
إكرام الصحابة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم
وثبت في سنن الترمذي ومستدرك الحاكم أن عبد الرحمن بن عوف أوصى لأمهات المؤمنين بحديقة بيعت بعده بأربعين ألف دينار، وفي رواية الترمذي بأربعمائة ألف درهم، وفي رواية البزار : فأوصى لهن بكذا وكذا، أي: بحديقة، فبيعت بأربعمائة ألف درهم.
والروايتان بمعنى واحد، فأربعون ألف دينار، اضربها في عشرة؛ لأن الدينار يعادل عشرة دراهم، فتصبح أربعمائة ألف درهم، وليس هذا فعله معهن فقط بعد موته، وإنما كان يقدم لهن في حياته رضي الله عنه وأرضاه، تطبيقاً لهذا الحديث: ( خيركم خيركم لأهلي من بعدي ).
نعم: إن صلة المرأة بزوجها صلة وثيقة قوية متينة، وأوثق الناس بنبينا عليه الصلاة والسلام نساؤه، فمن إكرامه إكرامهن، ولا يطعن في واحدة منهن إلا من هو مشكوك في أصله، ولو كان ابن حلال لما وقع في الطعن في عرض نبينا عليه صلوات الله وسلامه، وكيف سيقابل النبي عليه الصلاة والسلام من يطعنون في عرضه، ويقعون في أزواجه بعد موته، ثم يزعمون بعد ذلك أنهم يتعلقون بآل البيت، ويدخل في آل البيت دخولاً أولياً نساؤه اللاتي يمثلن عرضه، كما أن فاطمة رضي الله عنها من آل البيت، فأمنا عائشة وأمها خديجة وهكذا سائر أزواج نبينا من آل البيت، ولذلك كيف سيكون جرم الإنسان عند الله عندما يطعن في واحدة من أزواج رسول الله عليه صلوات الله وسلامه؟!
وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن أعظم شيء يُهمه بعد موته نساؤه، وهذا هو الحاصل في كل أحد، فكل رجل يفكر في الزوجة المسكينة التي كانت تصاحبه، وهي لباس له، وهو لباس لها، ويبذل ما يستطيع في الإحسان إليها بعد موته، هذا لمن يقدر الإحسان والمعروف، ونبينا عليه الصلاة والسلام هو خير الخليقة لأهله، فكيف سيكون شعوره نحو نسائه بعد موته.
فضل إكرام أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
وفي رواية في مسند الإمام أحمد عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( أحنى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: انحنى عليها ومال إليها- فقال: إنكن لأهم ما أترك إلي وراء ظهري، والله لا يعطف عليكن إلا الصابرون الصادقون )، وهذا القول الذي ثبت عن أمنا عائشة فيما نقلته عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه، نقل -أيضاً- عن أمنا أم سلمة، بل قاله جميع أزواج نبينا التسع بعد موته، وأنهن سمعن ذلك منه في قصة جرت لهن مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين.
ثبت ذلك في طبقات ابن سعد عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه: ( إن الذي يحافظ عليكن بعدي لهو الصادق البار ).
والمحافظة تشمل نوعين: إذا كن على قيد الحياة نقوم بواجبهن، ونقدمهن على النفس والأهل وما عدى ذلك، وبعد مماتهن نذكرهن ونطيب المجالس بحديثهن.
قصة عبد الرحمن بن عوف مع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
ثبت ذلك في طبقات ابن سعد وغيره، وكان أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف يقول لأمنا عائشة رضي الله عنها: يا أماه! فاقنا عروة بدخوله عليك، أي: تقدم علينا وغلبنا في أخذ الحديث منك، وكثرة الدخول عليك، وعروة بن الزبير يدخل على أمنا عائشة ؛ لأنها من محارمه فهي خالته، وأبو سلمة بن عبد الرحمن لا يستطيع أن يدخل؛ لأنه من الأجانب، وكان كلما أراد أن يدخل، قالت: وأنت يا أبا سلمة ! إذا أردت فاجلس من وراء الحجاب فسلني عما أحببت، وبذلك تستوي مع عروة ، فإنا لم نجد أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى لنا من أبيك، فقد أوصى أبوك لنا بحديقة بيعت بأربعين ألف دينار، أي: بأربعمائة ألف درهم، وكذلك كان في حياته كلما حصل مغنماً وخيراً ومالاً أرسله إلينا وتعهدنا.
وفي طبقات ابن سعد في الجزء الثامن صفحة إحدى عشرة ومائتين: أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه باع حديقة من عثمان بن عفان رضي الله عنه بأربعين ألف دينار، ثم دعا المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود ، وقال: قد اجتمع هذا المال عندي، وأنا بادئ بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فوزن لكل واحدة منهن ألف دينار، فجزينه خيراً وكل واحدة تقول لـأبي سلمة بن عبد الرحمن عندما يأتي بهذه الدنانير: سقى الله أباك من سلسبيل الجنة، سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحافظ عليكن بعدي إلا الصادق البار )، ثم قسم عبد الرحمن بن عوف ما بقي في أهله، فما قام وبين يديه شيئاً.
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمان للأمة
قيل لـابن عباس رضي الله عنهما وهو في المسجد بعد صلاة الفجر: ماتت فلانة، قال: فسجد مباشرة، فقيل له: أتسجد هذه الساعة؟ ونحن نهينا عن التنفل بعد طلوع الفجر حتى تطلع الشمس، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا رأيتم آية فاسجدوا )، وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي عليه الصلاة والسلام؟
إذا رأيتم آية فاسجدوا، أي: إذا حصل كسوف، وإذا حصلت ظلمة شديدة، أو رياح قوية، فاسجدوا لله، فنلجأ إليه بأن يكشف الكرب عنا، فأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي عليه الصلاة والسلام؟! فهذه السيدة الفاضلة التي كان نبينا عليه الصلاة والسلام يعاشرها ويقترن بها وجودها في هذه الحياة أمان لمن هي معهم، فإذا ذهبت ما بقي لنا أمان إلا أن نلجأ إلى الله بالذكر والعبادة، وأما هذه الندامة فينا فحالها كما قال الله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33]، فذهاب أمهات المؤمنين دليل على أنه رفعت البركة، ورفع الخير من الناس في ذلك الوقت، فلابد أن يعوض هذا بكثرة عبادتهم وسجودهم وطاعتهم لربهم جل وعلا، وإلا قد تحصل والعقوبة للعباد بسبب ما حصل من ضياع الخير وذهاب البركة.
وفي رواية في سنن البيهقي قال عكرمة : فقلت: سبحان الله! تسجد ولم تطلع الشمس بعد، وأنت منهي عن التنفل بعد طلوع الفجر؟
قال: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيتم آية فاسجدوا )؟ فأي آية أعظم من أن يخرج أمهات المؤمنين من بين أظهرنا؟!
وفي رواية البيهقي ورد التصريح بأن صفية هي المتوفاة رضي الله عنها.
بركة الصالحين
هذا الأمر.. صرنا في زماننا الذي أظلم فيه كل شيء، إذا ذكرته يستغرب الناس، يقول أحدهم: إنسان فيه البركة، إنسان إذا ذهب من الحياة ذهبت البركة!
والحديث الذي يدل على هذا هو في الصحيحين، وفي مسند أحمد من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفيه دلالة عظيمة على ما فهمه حبر الأمة.
وكنت ذكرته في أول مجيئي إلى هذه البلاد المباركة في موعظة محبة أولياء الله، وعلقت عليه بما علقت هناك.
وكثير من الناس إذا لم يرق لهم الأمر يتهمون ويشتطون بالكلام، وهذا كلام نبينا عليه الصلاة والسلام في المسند والصحيحين، بأنه يحصل النصر للمؤمنين بوجود صحابي فيهم، ويوجد نصر للمؤمنين بوجود تابعي فيهم، ويحصل النصر للمؤمنين بوجود تابعي من أتباع التابعين، واحد فقط، هؤلاء إذا وجد واحد في الجيش به ينصر الله الجيش، هذا ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وهذا ما كان يفهمه ابن عباس وغيره من الصحابة رضي الله عنهم، والبلاد الآن تعرضت لنقص فيها، فينبغي أن نعوضه بكثرة الذكر والالتجاء إلى الله جل وعلا.
فضل القرون الثلاثة
قال الحافظ ابن حجر في شرح هذه الترجمة في فتح الباري في الجزء السادس صفحة ثمان وثمانين: أي: استعان ببركتهم ودعائهم، إذا الجيش خرج للقتال في سبيل الله يأخذ بعض الصالحين معه ليدعو الله جل وعلا أن ينزل النصر، على هذا الجيش، بوجود هذا الصالح فيهم، سواء كان سيقاتل أم لا، وقد لا يستطيع أن يجاهد لأنه ضعيف.
أورد هذا الحديث وفيه: ( يأتي على الناس زمان يغزو فيه فئام من الناس فيقال لهم: هل فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام -أي: هل فيكم أحد رأى بعض الصحابة؟- فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام )، يعني من صاحب التابعين ورآهم، هل فيكم أحد من أتباع التابعين؟ ( فيقولون: نعم، فيفتح لهم )، وفي رواية: ( فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ في الأولى، فيقولون: نعم، فيفتح لهم )، رؤية فقط، وبهذه الرؤية صار له قدر واعتبار.
وتقدم معنا أن رؤية النبي عليه الصلاة والسلام مرة فقط تعدل عبادة آلاف السنين، ومن رأى النبي عليه الصلاة والسلام رؤية فقط إذا أنفق مداً من شعير فأجره عند الله الجليل أعظم مما لو أنفقت أنت كل يوم مثل أحد ذهباً في سبيل الله جل وعلا، لما حصل له من الخيرية والبركة من رؤية خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، وكل من رأى النبي عليه الصلاة والسلام يشع النور من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه، ويحصل له من المنزلة ما لم تحصل لمن بعده مهما اجتهد وعبد.
والحديث في الصحيحين، وهذا المعنى يحتاج لبشر يعي ويفقه لا إلى من غضب الله عليه، ويشوش في هذه الأيام.
وقد يقال من باب النقد: هذه خصوصية للصحابة بأن تنصر الأمة ويفتح للجيش بوجود واحد رأى صحابياً؛ لأن هؤلاء من القرون المفضلة، فأثر النظر والنور امتد إلى الصحابة والتابعين وأتباعهم.
وفي رواية لـمسلم يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يأتي على الناس زمان يبعث فيهم البعث، فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحداً من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ )، فيوجد الرجل الواحد فقط فيفتح لهم ببركته، وهذا ما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح الجزء (6/88)، يقول: باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، قال: ببركتهم ودعائهم.
ولا أزال أردد وأقول: أنقل عن أئمتنا الذي جاء ديننا عن طريقهم، فإذا كان عندكم نقل آخر عن أئمتنا فبينوه، وإلا فقفوا عند حدكم واعرفوا قدركم، ولا تكثروا الشغب بالباطل، فلا تأتنا بآراء وأفكار من بنيات أذهانك في هذا الوقت، فتقول: هذا التبرك غلو، وهذا شرك، سبحان ربي العظيم! إن هذا الذي تنكره يقوله شراح السنة، ونقلة أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام.
وأنا أعجب غاية العجب ممن يدعي أنه من أهل الحديث ثم يشتغل بلهو الحديث، ويقع في أهل الحديث ومحدثيهم، شراح سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
شأن أهل العلم والفضل في أمة محمد
وقلت: لا خير فيمن لم يعظك لحظه كما يعظك لفظه، وفينا من ينفر عن الله عز وجل، وهذه بلية البلايا، وهذا حالنا.
وتقدم معنا أن الأمة ما رأت في زماننا عالماً ربانياً يقتدى بشكله وهيئته وصفته قبل أن يقتدى بكلامه، إنهم كانوا دواءً يتداوى به، فصرنا داءً لا دواء له، كان العاصي إذا أراد أن يتعظ يذهب ليرى وجه العالم فقط، ليرى الخشوع والإخبات والسكينة في أسارير وجهه، وفي كل ذرة من ذراته، فيعظه هذا، ولا خير في من لم يعظ بحاله، أما أنه يعظ بمقاله فقط فلا يؤثر وعظ المقال إذا نفر الحال.
وانظر لحال أمير جيش المسلمين قتيبة بن مسلم عندما اصطف المسلمون مع الترك وكان محمد بن واسع يدعو ويرفع أصبعه يشير بها إلى السماء، وهو معتزل تحت شجرة يلجأ إلى الله، فقال قتيبة : والله إن تلك الأصبع لـمحمد بن واسع أحب إلي من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير، أي: في حداثة شبابه، وفي عنفوان قوته، مائة ألف سيف مع مائة ألف شاب، كل هؤلاء لا يعدلون أصبح محمد بن واسع ، وقال لهم: جاءنا النصر، ورحمة الله ستأتينا وهو على كل شيء قدير.
وهذا ما أشار إليه البخاري كما أسلفنا، فالأمة لا تنصر ولا ترزق إلا بضعفائها، بدعائهم والتجائهم إلى ربهم جل وعلا.
أراد مرة بعض الأمراء أن يولي محمد بن واسع القضاء فامتنع، قال: والله لأجلدنك ثلاثمائة جلدة إذا لم تلي القضاء، قال: إن تفعل فإنك مسلط، وإن ذليل الدنيا خير من ذليل الآخرة، أي: القضاء لا يمكن أن أقربه ولا أن أباشره لما يحصل فيه، وإن جلدتني حتماً فهذا ذل في الدنيا، ولكن ذل الدنيا خير من ذل الآخرة، فقال له الأمير بعد ذلك: إنك أحمق، نعرض عليك القضاء وتأبى، قال: ما زال يقال عني هذا وأنا صغير، يعني ماذا جرى؟
إن محمد بن واسع لما عوتب من بعض الأمراء؛ لأنه لا يزورهم، ويخشون من أنه يكرههم، قال لهم هذه المقولة الطيبة النافعة: والله لخياركم أحب إلينا من أبنائنا، وليس إذا اعتزلناكم أننا نبغضكم.
وهل يقال لأزواج نبينا: أمهات للمؤمنات أيضاً؟
لعلمائنا في ذلك قولان منقولان عن السلف:
القول الأول: لا؛ لأن النص أخبر بأن أزواج النبي أمهات للمؤمنين، وهذا خطاب للذكور العقلاء، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، فهن أمهات الرجال، ولم يذكر النساء، فلا يقال لواحدة منهن: إنها أم للمؤمنات، إنما يقال: أم للمؤمنين.
هذا القول ثبت في سنن البيهقي وطبقات ابن سعد عن أمنا عائشة رضي الله عنها من رواية مسروق : أن امرأة قالت لها: يا أماه! قالت: لست لك بأم، إنما أنا أم رجالكم، ثم تلت قول الله جل وعلا: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، وهذا القول صححه أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن.
والقول الثاني: نقل أيضاً في طبقات ابن سعد عن أم سلمة رضي الله عنها، أن كل واحدة من أزواج نبينا عليه صلوات الله وسلامه يقال لها: أم للمؤمنين وأم للمؤمنات، وهذا الذي رجحه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن، وهو أولى بالترجيح، وإن كان اللفظ يدل على أن الواحدة من أزواج نبينا أم للمؤمنين، فهي أم للمؤمنات أيضا في الاحترام والتوقير والإكرام والإعظام.
وكأن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها تريد أن النص ورد بما يفيد أن أزواج النبي عليه الصلاة والسلام أمهات للمؤمنين الرجال، فإذاً: نقف عند هذا، لكن كما قلت ما نقل عن أمنا أم سلمة فيما يظهر هو أولى، فما يثبت للرجال يثبت للنساء، فمنزلتهن على النساء وعلى الرجال واحدة، من باب أن يكرمن من قبل الذكور والإناث.