مباحث النبوة - علامات صدق النبي صلى الله عليه وسلم


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فهناك علامات وأمور يعرف بها صدق النبي والرسول على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وقبل أن نطرق هذا الموضوع نتناول أمراً يسيراً وهو بيان عدة أنبياء الله ورسله على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، كم عدد الأنبياء؟ وكم عدد الرسل عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه؟ لعلمائنا الكرام أهل الهدى أهل السنة قولان في بيان عدد الأنبياء والرسل:

القول الأول: أنه لا يعلم عددهم إلا الله تعالى

القول الأول: ونسب إلى الجمهور كما في شرح الطحاوية للإمام ابن أبي العز في صفحة اثنتين وستين ومائتين، قال: نعلم ونوقن ونجزم أن أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه عددهم كثير، وهم جمٌ غفير، لكن ليس عندنا علم بعدد معين لهم، إنما نعلم أنهم عدد كثير، جم غفير، فما من أمة إلا وقد بعث الله فيها نذيراً، وما من أمة إلا وقد جاءها نذير، وهذا القول -كما قلت- نسب إلى الجمهور، وقرروه بدليلين معتبرين محكمين من حيث الظاهر:

الدليل الأول: قالوا: لم يرد خبر صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام في بيان عدد أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وطريق الكلام في هذه المسألة هو النقل لا العقل، فلا يجوز للعقل أن يحدد عدداً معيناً لأنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وعلى هذا القول يقولون: لم يرد خبر صريح صحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام في بيان عدد أنبياء الله ورسله، فنمسك عن بيان العدد، ونوقن بأن جميع الأمم السابقة جاءها أنبياء، وبعث إليها رسل، وقد بلغوا دعوة الله جل وعلا على أتم وجه وأكمله، هذا الدليل الأول، وهو يعتمد على النفي، أنه ما ورد نص صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام في بيان عدد أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

والدليل الثاني: قالوا: نص الله جل وعلا في القرآن على أن كثيراً من أنبياء الله ورسله الكرام على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، أن كثيراً من أنبياء الله ورسله ما ذكر شأنهم وخبرهم وأمرهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام، مما يدل على أن عددهم مسكوت عنه، قال الله جل وعلا في سورة النساء: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ [النساء:163-164]، انتبه لموطن الدلالة: وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164].

إذاً هناك عدد من أنبياء الله ورسله ما قص الله خبرهم، ولا ذكر شأنهم، ولا أعلم نبينا عليه الصلاة والسلام بحالهم وأمرهم على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، فلهذين الدليلين يقول جم غفير من أهل السنة الكرام: لا يعلم عدد أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

إذاً: نمسك عن بيان عددهم والإخبار بعدتهم، ونقول: إنهم جم غفير وعدد كثير، فما من أمة إلا قد خلا فيها نذير.

القول الثاني: تحديد عدد الأنبياء والرسل بما ذكر في السنة الصحيحة

القول الثاني: وهو فيما يظهر لي والعلم عند ربي أقوى القولين، وإن نسب القول الأول إلى جمهور أهل السنة من باب التجوز، ففيما وقفت عليه أن كثيراً من العلماء نصوا على القول الثاني وأخذوا به واعتمدوه، ووجد ما يقرره ويدل عليه، والقول الأول حكي فقط، يقال: هو قول الجمهور، والذي يبدو لي -والعلم عند ربي- أن النسبة فيها شيء من التجوز والتساهل، وأن هذا ليس بقول الجمهور، ولعل القول الثاني هو قول الجمهور والعلم عند العزيز الغفور.

القول الثاني: خلاصته: أننا نعلم عدد أنبياء الله ورسله، أما الرسل فهم ثلاثمائة وخمسة عشر رسولاً، وأما الأنبياء فهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، وقد تقدم معنا بيان الفارق بين النبي والرسول في المبحث الماضي على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وقد ثبت الحديث بذلك، فقولهم في الدليل الأول: لم يرد خبر صحيح، هذا على حسب علم القائل، وإلا فقد ورد خبر صحيح، أما الرسل على نبينا وعليهم جميعاً أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، فقد ثبت في بيان عددهم خبر صحيح إسناده كالشمس، ذكره الحاكم في المستدرك وصححه، وهكذا وافقه عليه الإمام الذهبي في تلخيص المستدرك، وقد نصا الحاكم والذهبي بعده على أن إسناد الحديث على شرط الإمام مسلم ، والحديث في الجزء الثاني صفحة اثنتين وستين ومائتين.

ولفظ الحديث عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قلت: ( يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! كم كانت عدة الرسل؟ فقال: ثلاثمائة وخمسة عشر)، إذاً الحديث صحيح في بيان عدد الرسل.

وأما عدد الأنبياء مع بيان عدد الرسل معهم، فقد ورد ذلك في حديثٍ ضعيف لكن من عدة طرق، وقد صحح الحديث بعض أئمتنا كما سأذكر فتتقوى هذه الطرق ببعضها، ويصبح إذاً عندنا حديث ثابت في بيان عدد الرسل، وحديث ثابت بطرقه في بيان عدد الرسل والأنبياء على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

أما الحديث الذي فيه التصريح ببيان عدد أنبياء الله ورسله، وأن عدة الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، وأن عدة الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر، فقد ورد ذلك في مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان ، وأورده في صحيحه وصححه، ورواه الحاكم في المستدرك وصححه، لكن تعقبه الذهبي بأن في الإسناد ضعفاً، والحديث مروي من رواية أبي أمامة راوي الحديث الأول، ومن رواية أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين، وفيه أن كل واحد من هذين الصحابيين المباركين عليهما وعلى الصحابة الكرام رضوان الله جل وعلا سألا النبي عليه الصلاة والسلام عن عدة الأنبياء وعن عدة الرسل؟ فأجيب كل واحد منهما بأن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، وأن عدد الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر.

والحديث -كما قلت- صححه ابن حبان ، وأورده الحافظ في الفتح في الجزء السادس صفحة إحدى وستين ومائتين في أول كتاب أحاديث الأنبياء في شرح صحيح البخاري ، ونسب الإمام الحافظ ابن حجر تصحيح الحديث إلى ابن حبان ولم يعقب عليه بشيء، وعلى حسب شرط الحافظ الذي ذكره في مقدمة شرحه لصحيح البخاري في هدي الساري في صفحة أربعة، يقول: كل حديث أذكره إذا لم أضعفه فلا ينزل عن درجة الصحة أو الحسن، وعلى هذا فقد حكى تصحيح الحديث عن ابن حبان ولم يعترض عليه، مما يدل -والعلم عند الله- أن الحافظ ابن حجر يميل إلى تصحيح الحديث وقبوله.

وقد ذهب إلى هذا القول الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في زاد المعاد في الجزء الأول صفحة ثلاث وأربعين في الطبعة الحديثة التي هي في خمس مجلدات، ففي بداية الكتاب عند قول الله جل وعلا: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68]، تكلم على اختيار الله فقال: واختار الله جل وعلا من العالم الأنبياء، وعدتهم مائة ألف وأربعمائة وعشرون ألفاً، واختار من الأنبياء الرسل، وعدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، وهذا ورد في رواية، لكن الرواية التي رويت من عدة طرق ثلاثمائة وخمسة عشر وهي رواية المستدرك الأولى بإسناد صحيح على شرط مسلم كما تقدم معنا، ولا منافاة بين ذكر القليل والكثير، فإذا أقررت لك بمائة لا يعني أنني أنكر أن يكون لك علي ألف، فمائة أقر بها ثم أقر بألف، لا منافاة بين القليل والكثير كما يقول أئمتنا، فالرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر، وهم أيضاً يزيدون على ذلك رجلين بحيث يصلون إلى ثلاثمائة وخمسة عشر جمعاً بين الروايات.

يقول: واختار من الأنبياء الرسل على نبينا وعليهم جميعاً أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، واختار الله من الرسل أولي العزم الخمسة، وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب:7]، شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى [الشورى:13]، واختار من الرسل أولي العزم، واختار من أولي العزم الخليلين. ووقف عند هذا.

وأنا أقول: واختار من الخليلين أحب خلقه وأفضلهم عنده ألا وهو نبينا عليه الصلاة والسلام، فهو خير خلق الرحمن، فما خلق الله ولا ذرأ ولا برأ نفساً أطهر من نبينا عليه الصلاة والسلام، ولا أكرم عليه من نبينا عليه الصلاة والسلام.

وأفضل الخلق على الإطلاق نبينا فمل عن الشقاق

ويفهم من تفسير ابن كثير في الجزء الأول صفحة ست وثمانين وخمسمائة عند آية النساء المتقدمة: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء:164]، أنه يميل إلى هذا القول، فبعد أن ذكر الحديث، وأنه ضعف من قبل إسناده، ذكر له روايات متعددة، كأنه يشير إلى أن تلك الروايات تشد بعضها بعضاً والعلم عند الله جل وعلا.

وخلاصة القول: ورد بذلك حديث صحيح في عدد الرسل، بالاتفاق أن الحديث صحيح، وبالنسبة لعدة الأنبياء مع الرسل في الحديث الذي جمع بين عدد الأنبياء والرسل حول إسناده ضعف، وقد صحح من قبل أئمتنا، لكن طرقه يعضد بعضها بعضاً فيتقوى ويصل إلى درجة القبول والعلم عند العزيز الغفور.

إذاً: هذا الدليل الأول، وهو يرد دليل أصحاب القول الأول بأنه لم يرد خبر صحيح في بيان عدد أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم الصلاة والسلام.

لا تعارض بين قوله تعالى: (ورسلاً لم نقصصهم عليك) وبين تحديد عدد الأنبياء والرسل في السنة

الدليل الثاني الذي استدلوا به: قول الله جل وعلا: وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء:164]، إذاً هناك أنبياء ما ذكر أمرهم ولا شأنهم لنبينا عليه الصلاة والسلام، وهذا يقرر القول الأول؛ لأنه لا تعلم عدة الأنبياء والرسل على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

والجواب: أنه لا إشكال في ذلك، فقد أزال أئمتنا الإشكال الذي قد يرد في ذهن بعض الناس من بيان عدد الأنبياء والرسل مع هذه الآية، فهناك بين لنا عدة الأنبياء، وهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، والرسل ثلاثمائة وخمسة عشر، وهنا قال: وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء:164]، فكيف ذكر لنا عددهم وهنا ذكر أن هناك رسلاً ما قص علينا خبرهم؟

قال أئمتنا كالإمام الألوسي وغيره: لا منافاة بين الآية وبين المقرر عند أهل السنة؛ لأن الآية غاية ما نفته هو أن الله ما بين لنبيه عليه الصلاة والسلام خبر جميع الأنبياء مفصلاً، كما هو الحال في بعض الأنبياء، فكثير من أنبياء الله ورسله طوي الحديث عنهم، فليس عندنا في القرآن مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي ذكرت أخبارهم، فقد فصل خبر عدد منهم، أعلم الله نبيه بعدتهم إجمالاً، ثم أخبر ببعضهم تفصيلاً، ولم يخبر بتفصيل أحوال بعضهم الآخر.

إذاً: لا تعارض بين الأمرين، فقوله: وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء:164]، أي: لم نفصل لك أخبارهم كما فصلنا أخبار من ذكرنا لك شأنهم وأحوالهم، وأما عددهم فهو عدد إجمالي، فذكر العدد المجمل لا يتنافى مع عدم تفصيل أحوالهم، ذكر عددهم مجملاً، لكن لم يفصل شأن كثير منهم، وعليه فلا تدل الآية على أنه لا تعلم عدة الأنبياء والرسل على نبينا وعليهم جميعاً أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.

وهذا القول -فيما يظهر لي ويبدو والعلم عند ربي- أنه أقوى القولين.

وخلاصة الكلام على هذه الجزئية اليسيرة والنقطة الأخيرة: أن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، وأن عدد الرسل من الأنبياء ثلاثمائة وخمسة عشر والعلم عند الله جل وعلا.

والذي يتأمل هذا المبحث ويعمل النظر فيه يعلم رفق الله بعباده، وإحسان الله إلى عباده، ورحمة الله بعباده، كيف أرسل لهم هذا العدد الكثير لهدايتهم في كل وقت، مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً يبلغون دعوة الله، والمؤمن عندما يعلم هذا العدد يشد أزره ويقوي نفسه، ويعلم أن نسبه عريق عريق، قديم قديم، ثابت ثابت، هذا أقوى نسب أنك تنتسب إلى دين بعث الله به مائة ألف وأربعة وعشرين ألفاً، فهذا هو صراط الله المستقيم، وهذا هو الطريق السليم، وما عداه بنيات متعرجة توصلك إلى مَهلكة مُهلكة، ولذلك أعرق نسب على وجه الأرض هو نسب الإسلام: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، به بعث الله آدم، وبه ختم الله بعثة الرسل بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فكل رسول كان يقرر هذا الأمر كما سيأتينا: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]. هذا فيما يتعلق بهذه المسألة.

القول الأول: ونسب إلى الجمهور كما في شرح الطحاوية للإمام ابن أبي العز في صفحة اثنتين وستين ومائتين، قال: نعلم ونوقن ونجزم أن أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه عددهم كثير، وهم جمٌ غفير، لكن ليس عندنا علم بعدد معين لهم، إنما نعلم أنهم عدد كثير، جم غفير، فما من أمة إلا وقد بعث الله فيها نذيراً، وما من أمة إلا وقد جاءها نذير، وهذا القول -كما قلت- نسب إلى الجمهور، وقرروه بدليلين معتبرين محكمين من حيث الظاهر:

الدليل الأول: قالوا: لم يرد خبر صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام في بيان عدد أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وطريق الكلام في هذه المسألة هو النقل لا العقل، فلا يجوز للعقل أن يحدد عدداً معيناً لأنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وعلى هذا القول يقولون: لم يرد خبر صريح صحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام في بيان عدد أنبياء الله ورسله، فنمسك عن بيان العدد، ونوقن بأن جميع الأمم السابقة جاءها أنبياء، وبعث إليها رسل، وقد بلغوا دعوة الله جل وعلا على أتم وجه وأكمله، هذا الدليل الأول، وهو يعتمد على النفي، أنه ما ورد نص صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام في بيان عدد أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

والدليل الثاني: قالوا: نص الله جل وعلا في القرآن على أن كثيراً من أنبياء الله ورسله الكرام على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، أن كثيراً من أنبياء الله ورسله ما ذكر شأنهم وخبرهم وأمرهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام، مما يدل على أن عددهم مسكوت عنه، قال الله جل وعلا في سورة النساء: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ [النساء:163-164]، انتبه لموطن الدلالة: وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164].

إذاً هناك عدد من أنبياء الله ورسله ما قص الله خبرهم، ولا ذكر شأنهم، ولا أعلم نبينا عليه الصلاة والسلام بحالهم وأمرهم على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، فلهذين الدليلين يقول جم غفير من أهل السنة الكرام: لا يعلم عدد أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

إذاً: نمسك عن بيان عددهم والإخبار بعدتهم، ونقول: إنهم جم غفير وعدد كثير، فما من أمة إلا قد خلا فيها نذير.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
مباحث النبوة - الرضاعة حق للطفل 3298 استماع
مباحث النبوة - أزواج المؤمنين في جنات النعيم 3252 استماع
مباحث النبوة - النكاح مفتاح الغنى [1] 3232 استماع
مباحث النبوة - الآفات الردية في الشهوة الجنسية [1] 3207 استماع
مباحث النبوة - النكاح مفتاح الغنى [3] 3166 استماع
مباحث النبوة - صفات النبي صلى الله عليه وسلم خلقاً وخلُقاً 3151 استماع
مباحث النبوة - الآفات الردية في الشهوة الجنسية [2] 3123 استماع
مباحث النبوة - كرم النبي صلى الله عليه وسلم وجوده 3095 استماع
مباحث النبوة - قوت النبي صلى الله عليه وسلم [1] 3006 استماع
مباحث النبوة - ضرب المرأة بين المنع والإباحة 2950 استماع