خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/122"> الشيخ عبد الرحيم الطحان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/122?sub=8327"> تفسير سورة لقمان
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
تفسير سورة لقمان - الحروف المقطعة في أوائل السور [3]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير، اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، وأنت رب الطيبين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
معشر الإخوة الكرام! كنا نتدارس معنى الحروف المقطعة في أوائل سور القرآن، وكنا نتدارس تفسير أوائل سورة لقمان الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [لقمان:1-2]، وقررت أن الحروف المقطعة في أوائل بعض سور القرآن الكريم اتفق في أمرٍ على معناها، واختلف بعد ذلك في أمرٍ يتعلق في معناها، أما المتفق عليه فقلت: إن الإجماع وقع على أنها ذكرت لحكمة، ولها معنى، وقررت هذا بأدلةٍ.
وأما الذي اختلف فيه فهل ذلك المعنى يعلم من جميع الوجوه، أو ندركه من وجهٍ دون وجه؟ على أقوالٍ كثيرة زادت على ثلاثين قولاً، قلت: سأقتصر منها على عشرة أقوال، وأبين قيمة كل قولٍ منها إن شاء الله جل وعلا.
إذاً: هل يعلم تفسير تلك الأحرف من جميع الوجوه، أو يعلم من وجهٍ دون وجه؟ اختلفوا في هذا في أول الأمر على قولين كما تقدم معنا:
الأمر الأول: نعلم هذا من وجهٍ دون وجه، فهي من المتشابه، غاية ما نقول: حروفٌ من حروف لغة العرب، الله أعلم بمراده منها.
والقول الثاني: يعلم معناها من جميع الوجوه، وهؤلاء اختلفوا على ثلاثين قولاً أو أكثر كما تقدم معنا.
استعرضنا القول الأول في بيان ما قيل في معناها وهي أنها إشارةٌ إلى إعجاز الناس عن الإتيان بمثل هذا القرآن، فالقرآن مؤلفٌ من هذه الحروف التي منها كلامهم وبها ينطقون، وهي حروف اللغة العربية من الألف واللام والميم والكاف والهاء والياء والعين والصاد وغير ذلك، فإذا كنتم تزعمون أن هذا القرآن ليس من عند الرحمن وهو من تأليف نبينا محمدٍ عليه الصلاة والسلام، فهاتوا قرآناً مثله بواسطة هذه الأحرف التي تألف منها القرآن الكريم.
وقلت: هذا القول ذهب إليه جمعٌ من المحققين، وذكرت أدلته أيضاً فيما تقدم.
والقول الثاني ذكرته وقررته، وأريد أن أكمله بجزءٍ يسيرٍ، ثم أنتقل إلى القول الثالث إن شاء الله.
القول الثاني: قلت: إن هذه الأحرف المقطعة هي أسماء للسور التي ذكرت فيها، فسورة (ن) سورة القلم تسمى بنون، سورة (ق) تسمى بقاف، سورة البقرة تسمى بألف لام ميم، ولكن تمييزاً لها عن غيرها يقال: (الم) البقرة، (الم) آل عمران، (الم) الروم، لكن هذه الحروف المقطعة هي أسماءٌ للسور التي ذكرت فيها، وذكرت من قال بهذا القول، وحجة هذا القول من كلام العرب، وما ورد أيضاً في الشرع مما يقرره ويدل عليه.
قبل أن أنتقل إلى القول الثالث، يدخل في القول الثاني ما ورد من أن هذه الأحرف هي أسماءٌ للقرآن العظيم، قلت: إنها أسماء للسور التي ذكرت فيها، ونقل عن عددٍ من السلف أنها أسماء للقرآن العظيم، ثبت هذا في تفسير الطبري عن قتادة ومجاهد عليهم جميعاً رحمة الله، وقد علل الإمام ابن كثير هذا القول الذي اعتبره بعض الأئمة قولاً مستقلاً وأدخلته أنا في هذا القول الثاني، علله بما يئول إلى القول الثاني، فقال: لعلهم يقصدون -أي: من قال إن (الم) اسمٌ للقرآن- لعلهم يقصدون أنها اسمٌ للسورة التي هي من القرآن؛ لأن القرآن يطلق على مجموع السور، ويطلق على كل سورةٍ من سور القرآن أنها قرآن، فسورة البقرة قرآن، وسورة آل عمران قرآن، وسورة الناس قرآن، فمن قال: إن (الم) اسمٌ للقرآن يقصد بذلك اسمٌ للسورة التي هي بعضٌ من القرآن، وجزءٌ من القرآن.
وهذا القول كما قلت منقولٌ عن قتادة ومجاهد من أئمة التابعين عليهم رحمات رب العالمين، وهذا المعنى الذي أوّل به وعلل به الإمام ابن كثير كلام هذين الإمامين يعود إلى ما تقدم، وهو أن الحروف المقطعة في أوائل السور اسمٌ للسور التي ذكرت فيها، لكن الإمام ابن جرير الطبري عليه رحمة الله ذهب مذهباً آخر، فحمل هذا القول على ظاهره، فقال: هي أسماءٌ لكل القرآن، لا للسورة التي هي قطعةٌ من القرآن، ثم قال: (الم) معناها: والقرآن ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، فـ (الم) اسمٌ للقرآن.
إذاً: إما أن يحمل الكلام على ظاهره وهو أن هذه الأحرف اسمٌ للقرآن بكامله، أو اسمٌ للسورة التي هي قطعةٌ من القرآن، أي للسورة التي ورد في بدايتها هذه الأحرف المقطعة، والعلم عند الله جل وعلا.
القول الثالث، في بيان معنى الأحرف المقطعة التي ذكرت في تسعٍ وعشرين سورة: قيل: هي فواتح أسماءٍ محذوفة:
أي: كل حرفٍ من هذه الأحرف المقطعة هو فاتحة وبداية وأول حرفٍ لاسمٍ محذوف يدل عليه هذا المذكور، وهذه الأسماء المحذوفة التي ذكرت هذه الأحرف المقطعة للدلالة عليها اختلف في تعيينها وفي بيانها، فقيل: إنها خاصةٌ بأسماء الله جل وعلا.
ذكر ما ورد عن الصحابة من أن الحروف المقطعة فواتح أسماء محذوفة
قال ابن عباس رضي الله عنهما كما في المستدرك بإسنادٍ صحيحٍ أقره عليه الذهبي (2/372): كهيعص [مريم:1]، الكاف من كريم، والهاء هاء من هادٍ، والياء من حكيم، وعين من عليم، صاد من صادق، وعليه فهي دلالةٌ على أسماءٍ خمسة لربنا جل وعلا: كريمٌ، هادٍ، حكيمٌ، عليمٌ، صادق.
وفي روايةٍ في المستدرك أيضاً في المكان المشار إليه بسندٍ صحيح، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الكاف من كريم، والهاء من هادٍ كما تقدم، والياء من أمين، والعين من عزيز، والصاد من صادق.
اتفقت الروايتان على تفسير ثلاثة أحرف بثلاثة أسماء: الكاف كريم، والهاء هادٍ، والصاد صادق، لكن الروايتين اختلفتا بعد ذلك في تفسير ياء عين، فالياء في الرواية الأولى من حكيم، وفي الرواية الثانية من أمين، والعين في الرواية الأولى من عليم، وفي الرواية الثانية من عزيز.
فإذاً: (الم) هذه فواتح أسماءٍ محذوفة هي أسماءٌ لله جل وعلا تدل عليها هذه المذكورات، نقل هذا كما قلت عن صحابيين جليلين: عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن ابن مسعود رضي الله عنه، وفيما يبدو لي -والعلم عند ربي جل وعلا- أن مثل هذا القول لا يمكن أن يصدر عن الرأي المجرد، فلعله يكون له حكم الرفع، والعلم عند الله، وأما أن يقول صحابي: إن كاف هذه دلالة على اسم الله الكريم بمجرد اجتهاده ورأيه واستنباطه، ففيما يبدو لي أنه لا طريقة للعقل ليدرك ذلك، فالعقل لا يستطيع أن يدرك هذا بمجرده، فلعلهم وقفوا على شيءٍ من الإشارة من النبي صلى الله عليه وسلم على هذا التفسير، والعلم عند ربنا الجليل.
إذاً: هي بداية وفواتح أسماءٍ محذوفة، وهذه الأسماء المحذوفة التي تدل عليها هذه الأحرف المقطعة في أوائل بعض السور، هي أسماء لله جل وعلا.
وقيل: إنها بداية أسماءٍ لله ولغيره، فليس المحذوف هو اسمٌ من أسماء الله جل وعلا، وذكرت هذه الأحرف لتدل عليه، إنما هذا شامل لأسماء الله ولغيره.
قال الإمام القرطبي عازياً التفسير إلى ابن عباس رضي الله عنهما: (الم) الألف من الله جل وعلا، واللام من جبريل، والميم من محمدٍ عليه الصلاة والسلام، فكأن الله يقول في مطلع هذا القرآن بعد الفاتحة: أنا الله جل وعلا، أرسلت جبريل إلى محمدٍ عليه الصلاة والسلام بهذا القرآن الذي لا ريب فيه هدىً للمتقين)، الله جبريل محمدٌ عليه صلوات الله وسلامه، الألف بداية وإشارة مأخوذة من لفظ الجلالة الله، واللام من جبريل، والميم من محمدٍ عليه الصلاة والسلام.
وهذا القول الثالث يدخل فيه ما رواه ابن جرير في تفسيره عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال السيوطي في الإتقان: بإسنادٍ صحيح، ورواه ابن جرير أيضاً في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما بإسنادٍ صحيح: أن هذه الأحرف المقطعة هي اسم الله الأعظم.
وفي كونها اسم الله الأعظم يقرر الإمام ابن عطية هذا القول فيقول: إنها تدل على اسم الله الأعظم إذا ألفنا ما بينها، بحيث يكون التأليف بين هذه الأحرف دليلاً على اسم الله الأعظم، لكننا لا نعرف تأليف اسم الله الأعظم من هذه الأحرف.
فإذاً: هي تدل على اسم الله الأعظم بشرط أن نهتدي إلى كيفية التأليف بين هذه الأحرف لتدل على اسم الله الأعظم، وقد روى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن عامر الشعبي من أئمة التابعين أنه قال: إذا وصلتها كانت اسماً من أسماء الله جل وعلا.
إذاً: (الم) هذه توصل مع بقية الأحرف المقطعة بحيث تدل بعد ذلك على اسم الله الأعظم، لكن كيفية وصلها، وما الاسم الذي سيكون منها هو اسم الله الأعظم لا نهتدي إليه.
فإذاً يمكن أن يئول هذا إلى ما تقدم من أنها تدل على أمرٍ استأثر الله بعلمه، تدل إذا وصلت بما بينها على اسم الله الأعظم، لكننا لا نهتدي إلى وجه ذلك، ولا إلى كيفية ذلك، فذلك مما استأثر الله بعلمه.
ذكر شواهد عربية تدل على أن الحروف المقطعة فواتح أسماء محذوفة
قلنا لها قفي فقالت قاف لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف
من أشعار العرب ومن كلامهم: قلنا لها قفي فقالت قاف، أي: وقفت، فالقاف من كلمة (وقفت)، ذكرتها لتدلل على تلك الكلمة المحذوفة، وقوله: (لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف)، إيجاف الدابة هو حثها على السير والانطلاق والعزم والمشي.
والشاهد أنها أطلقت قاف وأرادت بها (وقفت)، فذكرت حرفاً من كلمة تدلل بهذا الحرف على هذه الكلمة.
ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى فيما نسبه إليه الإمام القرطبي ، والشيخ شاكر في تعليقه على المسند يقول: هذا الشعر لـتميم بن أوس:
بالخير خيراتٍ وإن شراً فا ولا أريد الشر إلا أن تا
بالخير خيراتٍ: نجازيك بالخير خيراتٍ، وإن شراً فا: أي: فشرٌ، ولا أريد الشر إلا أن ت: إلا أن تريد، إلا أن تشاء، فإذا شئت الشر وأردته أعاقبك عليه.
بالخير خيراتٍ وإن شراً فا ولا أريد الشر إلا أن تا
وهذا من كلام زهير بن أبي سلمى وهو من أشعار العرب، وكلامه يحتج به في مثل هذه المواطن، فذكر إذاً حرفاً ليدلل به على كلمة محذوفة.
ومنه أيضاً قول الشاعر العربي:
نادوهم ألا الجموا ألا تا قالوا جميعاً كلهم ألا فا
نادوهم ألا الجموا، أي: ضعوا اللجام على فم الفرس لننطلق للغزو والنفير.
ألا تا، أي: ألا تركبون على ظهور الخيل، أي: ألجموا الخيل واركبوا على ظهورها.
قالوا جميعاً كلهم ألا فا. أي: فاركبوا، وأجيبوا هذا الداعي الذي يدعوكم إلى هذا:
وهذا مما يدل على شيءٍ محذوف، ذكر حرف ليدل على كلمة، وقد روي في السنة ما يشير إلى هذا كما قال الإمام القرطبي عليه رحمة الله، ورد في سنن البيهقي وسنن ابن ماجه، ولو قلت: ثبت لا يضر؛ لأن المراد من ثبت يعني روي ووقع ووجد وحصل وليس المراد من الثبوت ثبوت الصحة، كما سأبين إن شاء الله قيمة الأثر؛ لأنني أحياناً أقول: ثبت مثلاً في صحيح ابن خزيمة، ثبت في سنن ابن ماجه، أي: الحديث وقع وروي، فليس المراد من الثبوت الصحة؛ لأنني أبين بعد ذلك حاله!
فهنا روي في سنن البيهقي وابن ماجه، أو ثبت أي: ثبت مروياً في سنن ابن ماجه والبيهقي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعان على قتل مسلمٍ ولو بشطر كلمة، لقي الله وهو مكتوبٌ بين عينه آيسٌ من رحمة الله).
قال سفيان بن عيينة: ومعنى الإعانة بشطر كلمه، أن يقول له في اقتل: اق، يقول: أقتله، فيقول: اق، وما يكمل الكلمة، وقوله: (أعان على قتل مسلمٍ بشطر كلمة) بجزء كلمة، أن يقول في اقتل: اق، فالحديث ضعيف، فيه يزيد بن أبي زياد قال عنه الحافظ في التقريب: متروك، ثم رمز له بالتاء والقاف، للإشارة إلى أنه من رجال الترمذي وابن ماجه القزويني عليهم جميعاً رحمة الله.
وقال الذهبي في الميزان في ترجمته: إنه منكر الحديث، وقد سئل ابن أبي حاتم عن هذا الحديث فقال: باطلٌ موضوع، نعم، إن الإعانة على قتل المسلم كبيرةٌ عظيمة، لكن هذا اللفظ ما صح عن نبينا عليه الصلاة والسلام، (من أعان على قتل مسلمٍ ولو بشطر كلمة، لقي الله يوم القيامة وهو مكتوبٌ بين عينه آيسٌ من رحمة الله).
إذاً: (الم) (الر) هذه فواتح أسماءٍ محذوفة، إما أن تكون تلك الأسماء أسماء لله جل وعلا، وإما أن تكون تلك الأسماء أسماء لله جل وعلا ولغيره، هذا المعنى الذي ذهب إليه عددٌ من أئمة الإسلام وقواه الزجاج، استبعده الإمام ابن كثير في تفسيره وضعفه، فقال: قلت: هذا لا يفهم إلا بتوقيف، وما أنشدوه من الشعر في الكلام ما يدل عليه بخلاف ما هنا، فهناك بالخير خيراتٍ وإن شراً فا، عندنا ما يدل عليه: إن شراً فشرٌ، ولا أريد الشر إلا أن تا، إلا أن تريد، وأما هنا عندما نقول: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ [الروم:1-3]، الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [يونس:1]، الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2]، كيف ستدل هذه الأحرف على أسماءٍ محذوفة وليس في الكلام إشارةٌ إلى ذلك، فهناك في المذكور دلالة على المحذوف، وأما هنا فلا يوجد دليلٌ على هذا!
لكنني أقول: إن تضعيف الإمام ابن كثير عليه رحمة الله لهذا القول الذي نقل كما تقدم معنا عن صحابيين جليلين: ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم، ثم قال به بعد ذلك جمٌ غفيرٌ من التابعين، وقرره بعض علماء الإسلام، إن تضعيف هذا القول مع جلالة من قال به من الصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم في الحقيقة غير مسلم.
لا مانع أن يقول الإنسان: لا يظهر لي هذا القول، وأرى رجحان غيره، أما أن يقول: إنه ضعيف، وقد نقل عن صحابةٍ بأسانيد صحيحة، فالكلام في الحقيقة -كما قلت- إنه غير مسلم، ورحمة الله على علماء الإسلام جميعاً.
إذاً: هذا القول الثالث: هذه الأحرف المقطعة هي بداية وفواتح تدل على أسماءٍ محذوفة، إما أن تكون تلك الأسماء من أسماء الله جل وعلا، وإما أن تكون من أسماء الله جل وعلا ومن أسماء غيره، هذا المعنى الثالث للأحرف المقطعة على القول بأنه يدرك معناها ويمكن أن نقف عليه من جميع الوجوه، والعلم عند الله جل وعلا.
فإذاً: هي بداية وفواتح أسماءٍ لله جل وعلا محذوفة، ذكر من كل اسم بدايته الذي يدل عليه، ثبت هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الطبري، ومستدرك الحاكم بسندٍ صحيح، وثبت أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه في كتاب الأسماء والصفات للبيهقي، وفي تفسير الطبري.
قال ابن عباس رضي الله عنهما كما في المستدرك بإسنادٍ صحيحٍ أقره عليه الذهبي (2/372): كهيعص [مريم:1]، الكاف من كريم، والهاء هاء من هادٍ، والياء من حكيم، وعين من عليم، صاد من صادق، وعليه فهي دلالةٌ على أسماءٍ خمسة لربنا جل وعلا: كريمٌ، هادٍ، حكيمٌ، عليمٌ، صادق.
وفي روايةٍ في المستدرك أيضاً في المكان المشار إليه بسندٍ صحيح، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الكاف من كريم، والهاء من هادٍ كما تقدم، والياء من أمين، والعين من عزيز، والصاد من صادق.
اتفقت الروايتان على تفسير ثلاثة أحرف بثلاثة أسماء: الكاف كريم، والهاء هادٍ، والصاد صادق، لكن الروايتين اختلفتا بعد ذلك في تفسير ياء عين، فالياء في الرواية الأولى من حكيم، وفي الرواية الثانية من أمين، والعين في الرواية الأولى من عليم، وفي الرواية الثانية من عزيز.
فإذاً: (الم) هذه فواتح أسماءٍ محذوفة هي أسماءٌ لله جل وعلا تدل عليها هذه المذكورات، نقل هذا كما قلت عن صحابيين جليلين: عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن ابن مسعود رضي الله عنه، وفيما يبدو لي -والعلم عند ربي جل وعلا- أن مثل هذا القول لا يمكن أن يصدر عن الرأي المجرد، فلعله يكون له حكم الرفع، والعلم عند الله، وأما أن يقول صحابي: إن كاف هذه دلالة على اسم الله الكريم بمجرد اجتهاده ورأيه واستنباطه، ففيما يبدو لي أنه لا طريقة للعقل ليدرك ذلك، فالعقل لا يستطيع أن يدرك هذا بمجرده، فلعلهم وقفوا على شيءٍ من الإشارة من النبي صلى الله عليه وسلم على هذا التفسير، والعلم عند ربنا الجليل.
إذاً: هي بداية وفواتح أسماءٍ محذوفة، وهذه الأسماء المحذوفة التي تدل عليها هذه الأحرف المقطعة في أوائل بعض السور، هي أسماء لله جل وعلا.
وقيل: إنها بداية أسماءٍ لله ولغيره، فليس المحذوف هو اسمٌ من أسماء الله جل وعلا، وذكرت هذه الأحرف لتدل عليه، إنما هذا شامل لأسماء الله ولغيره.
قال الإمام القرطبي عازياً التفسير إلى ابن عباس رضي الله عنهما: (الم) الألف من الله جل وعلا، واللام من جبريل، والميم من محمدٍ عليه الصلاة والسلام، فكأن الله يقول في مطلع هذا القرآن بعد الفاتحة: أنا الله جل وعلا، أرسلت جبريل إلى محمدٍ عليه الصلاة والسلام بهذا القرآن الذي لا ريب فيه هدىً للمتقين)، الله جبريل محمدٌ عليه صلوات الله وسلامه، الألف بداية وإشارة مأخوذة من لفظ الجلالة الله، واللام من جبريل، والميم من محمدٍ عليه الصلاة والسلام.
وهذا القول الثالث يدخل فيه ما رواه ابن جرير في تفسيره عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال السيوطي في الإتقان: بإسنادٍ صحيح، ورواه ابن جرير أيضاً في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما بإسنادٍ صحيح: أن هذه الأحرف المقطعة هي اسم الله الأعظم.
وفي كونها اسم الله الأعظم يقرر الإمام ابن عطية هذا القول فيقول: إنها تدل على اسم الله الأعظم إذا ألفنا ما بينها، بحيث يكون التأليف بين هذه الأحرف دليلاً على اسم الله الأعظم، لكننا لا نعرف تأليف اسم الله الأعظم من هذه الأحرف.
فإذاً: هي تدل على اسم الله الأعظم بشرط أن نهتدي إلى كيفية التأليف بين هذه الأحرف لتدل على اسم الله الأعظم، وقد روى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن عامر الشعبي من أئمة التابعين أنه قال: إذا وصلتها كانت اسماً من أسماء الله جل وعلا.
إذاً: (الم) هذه توصل مع بقية الأحرف المقطعة بحيث تدل بعد ذلك على اسم الله الأعظم، لكن كيفية وصلها، وما الاسم الذي سيكون منها هو اسم الله الأعظم لا نهتدي إليه.
فإذاً يمكن أن يئول هذا إلى ما تقدم من أنها تدل على أمرٍ استأثر الله بعلمه، تدل إذا وصلت بما بينها على اسم الله الأعظم، لكننا لا نهتدي إلى وجه ذلك، ولا إلى كيفية ذلك، فذلك مما استأثر الله بعلمه.
هذا القول الثالث مقبول، وقد مال إليه عددٌ من علماء الإسلام وعلماء العربية، ومنهم الإمام الزجاج، وقرر الإمام الزجاج في كتابه معاني القرآن هذا القول فقال: أذهب إلى أن كل حرفٍ منها يؤدي عن معنى، وقد تكلمت العرب بالحروف المقطعة نظماً لها ووضعاً، بدل الكلمات التي الحروف منها، ثم أورد شواهد على هذا من كلام العرب، وكيف كانوا يتكلمون بالحرف ليدللوا به على كلمةٍ محذوفة، وهنا كذلك ذكر الحرف ليدل على اسمٍ وكلمةٍ محذوفة:
قلنا لها قفي فقالت قاف لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف
من أشعار العرب ومن كلامهم: قلنا لها قفي فقالت قاف، أي: وقفت، فالقاف من كلمة (وقفت)، ذكرتها لتدلل على تلك الكلمة المحذوفة، وقوله: (لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف)، إيجاف الدابة هو حثها على السير والانطلاق والعزم والمشي.
والشاهد أنها أطلقت قاف وأرادت بها (وقفت)، فذكرت حرفاً من كلمة تدلل بهذا الحرف على هذه الكلمة.
ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى فيما نسبه إليه الإمام القرطبي ، والشيخ شاكر في تعليقه على المسند يقول: هذا الشعر لـتميم بن أوس:
بالخير خيراتٍ وإن شراً فا ولا أريد الشر إلا أن تا
بالخير خيراتٍ: نجازيك بالخير خيراتٍ، وإن شراً فا: أي: فشرٌ، ولا أريد الشر إلا أن ت: إلا أن تريد، إلا أن تشاء، فإذا شئت الشر وأردته أعاقبك عليه.
بالخير خيراتٍ وإن شراً فا ولا أريد الشر إلا أن تا
وهذا من كلام زهير بن أبي سلمى وهو من أشعار العرب، وكلامه يحتج به في مثل هذه المواطن، فذكر إذاً حرفاً ليدلل به على كلمة محذوفة.
ومنه أيضاً قول الشاعر العربي:
نادوهم ألا الجموا ألا تا قالوا جميعاً كلهم ألا فا
نادوهم ألا الجموا، أي: ضعوا اللجام على فم الفرس لننطلق للغزو والنفير.
ألا تا، أي: ألا تركبون على ظهور الخيل، أي: ألجموا الخيل واركبوا على ظهورها.
قالوا جميعاً كلهم ألا فا. أي: فاركبوا، وأجيبوا هذا الداعي الذي يدعوكم إلى هذا:
وهذا مما يدل على شيءٍ محذوف، ذكر حرف ليدل على كلمة، وقد روي في السنة ما يشير إلى هذا كما قال الإمام القرطبي عليه رحمة الله، ورد في سنن البيهقي وسنن ابن ماجه، ولو قلت: ثبت لا يضر؛ لأن المراد من ثبت يعني روي ووقع ووجد وحصل وليس المراد من الثبوت ثبوت الصحة، كما سأبين إن شاء الله قيمة الأثر؛ لأنني أحياناً أقول: ثبت مثلاً في صحيح ابن خزيمة، ثبت في سنن ابن ماجه، أي: الحديث وقع وروي، فليس المراد من الثبوت الصحة؛ لأنني أبين بعد ذلك حاله!
فهنا روي في سنن البيهقي وابن ماجه، أو ثبت أي: ثبت مروياً في سنن ابن ماجه والبيهقي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعان على قتل مسلمٍ ولو بشطر كلمة، لقي الله وهو مكتوبٌ بين عينه آيسٌ من رحمة الله).
قال سفيان بن عيينة: ومعنى الإعانة بشطر كلمه، أن يقول له في اقتل: اق، يقول: أقتله، فيقول: اق، وما يكمل الكلمة، وقوله: (أعان على قتل مسلمٍ بشطر كلمة) بجزء كلمة، أن يقول في اقتل: اق، فالحديث ضعيف، فيه يزيد بن أبي زياد قال عنه الحافظ في التقريب: متروك، ثم رمز له بالتاء والقاف، للإشارة إلى أنه من رجال الترمذي وابن ماجه القزويني عليهم جميعاً رحمة الله.
وقال الذهبي في الميزان في ترجمته: إنه منكر الحديث، وقد سئل ابن أبي حاتم عن هذا الحديث فقال: باطلٌ موضوع، نعم، إن الإعانة على قتل المسلم كبيرةٌ عظيمة، لكن هذا اللفظ ما صح عن نبينا عليه الصلاة والسلام، (من أعان على قتل مسلمٍ ولو بشطر كلمة، لقي الله يوم القيامة وهو مكتوبٌ بين عينه آيسٌ من رحمة الله).
إذاً: (الم) (الر) هذه فواتح أسماءٍ محذوفة، إما أن تكون تلك الأسماء أسماء لله جل وعلا، وإما أن تكون تلك الأسماء أسماء لله جل وعلا ولغيره، هذا المعنى الذي ذهب إليه عددٌ من أئمة الإسلام وقواه الزجاج، استبعده الإمام ابن كثير في تفسيره وضعفه، فقال: قلت: هذا لا يفهم إلا بتوقيف، وما أنشدوه من الشعر في الكلام ما يدل عليه بخلاف ما هنا، فهناك بالخير خيراتٍ وإن شراً فا، عندنا ما يدل عليه: إن شراً فشرٌ، ولا أريد الشر إلا أن تا، إلا أن تريد، وأما هنا عندما نقول: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ [الروم:1-3]، الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [يونس:1]، الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2]، كيف ستدل هذه الأحرف على أسماءٍ محذوفة وليس في الكلام إشارةٌ إلى ذلك، فهناك في المذكور دلالة على المحذوف، وأما هنا فلا يوجد دليلٌ على هذا!
لكنني أقول: إن تضعيف الإمام ابن كثير عليه رحمة الله لهذا القول الذي نقل كما تقدم معنا عن صحابيين جليلين: ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم، ثم قال به بعد ذلك جمٌ غفيرٌ من التابعين، وقرره بعض علماء الإسلام، إن تضعيف هذا القول مع جلالة من قال به من الصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم في الحقيقة غير مسلم.
لا مانع أن يقول الإنسان: لا يظهر لي هذا القول، وأرى رجحان غيره، أما أن يقول: إنه ضعيف، وقد نقل عن صحابةٍ بأسانيد صحيحة، فالكلام في الحقيقة -كما قلت- إنه غير مسلم، ورحمة الله على علماء الإسلام جميعاً.
إذاً: هذا القول الثالث: هذه الأحرف المقطعة هي بداية وفواتح تدل على أسماءٍ محذوفة، إما أن تكون تلك الأسماء من أسماء الله جل وعلا، وإما أن تكون من أسماء الله جل وعلا ومن أسماء غيره، هذا المعنى الثالث للأحرف المقطعة على القول بأنه يدرك معناها ويمكن أن نقف عليه من جميع الوجوه، والعلم عند الله جل وعلا.
القول الرابع: هذه الأحرف المقطعة هي أسماءٌ لله جل وعلا، ليست بداية أسماء، ولا بعض أسماء الله جل وعلا، ولا فواتح أسماءٍ لله جل وعلا، وتلك محذوفة، إنما هي أسماءٌ لله جل وعلا، ثبت هذا في كتاب الأسماء والصفات للبيهقي، وبوب عليه (ص:94)، فقال: باب؛ بأن الحروف المقطعات لأوائل السور هي من أسماء الله عز وجل. ثم روى عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن ابن مسعود، وهكذا الأثر روي في الطبري أنهما قالا: هي قسمٌ أقسم الله به، وهي من أسمائه، (الم) أقسم بألف لام ميم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، ن وَالْقَلَمِ [القلم:1]، أقسم بنون، وبالقلم الذي يسطرون به مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم:2]، أقسم بهذه الأحرف المقطعة.
إن قيل: ما معناها؟ نقول: هي من أسماء الله عز وجل، (الم) اسمٌ لله العظيم، وهكذا (حم)، (كهيعص)، إذاً: هذا منقولٌ عن هذين الصحابيين الجليلين.
وتقدم معنا -إخوتي الكرام- أنه ثبت في تفسير الطبري عن هذين الصحابيين بسندٍ صحيح، أن هذه الأحرف المقطعة هي اسم الله الأعظم، ومال الإمام ابن عطية والشعبي إلى أنه لو ألفنا بينها لخرج منها اسم الله الأعظم، وأما هنا فيقول: هي بنفسها اسمٌ من أسماء الله جل وعلا، وهذا القول يفهم من كلام الإمام الألوسي عليه رحمة الله في روح المعاني أنه يميل إليه، فقال (1/103) عند تفسير (الم) في بداية سورة البقرة: أنا أميل إلى هذا القول، فعندي: أن الله جل وعلا أشار إلى اسمه الظاهر في سورة الفاتحة، فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الفاتحة:2] إلى اسمه: الله، والرحمن، والرحيم، وأما في سورة البقرة فأشار ربنا جل وعلا إلى اسمه الباطن، وإنما قدم الظاهر للإشارة إلى أنه هو الذي ينبغي أن نقدمه في حياتنا، وأن يكون حكمنا على حسب الظاهر، لا على حسب الباطن، فذكر الله جل وعلا في الفاتحة اسمه الظاهر لفظ الجلالة (الله)، وذكر في سورة البقرة اسمه الباطن (الم).
وقد ذكر الإمام ابن حجر في فتح الباري (8/555) ما يشير إلى أن علياً رضي الله عنه كان يميل إلى هذا، فقال: ذكر الحسن بن المظفر السمعاني في كتابه مأدبة الأدباء قال: كان شعار علي رضي الله عنه في موقعة الجمل وفي حروبه (حم)، أي: يا الله، يا كريم، يا عظيم، لأنها اسمٌ من أسمائه جل وعلا!
وتقدم معنا إخوتي الكرام عند القول الثاني كلام الشاعر:
يذكرني (حم) والرمح شاجرٌ فهل تلا (حم) قبل التقدم
للإشارة لأنها اسمٌ من أسماء السورة، كأنه يقصد أنه يذكرني بهذا الشعار الذي نقول: (حم)، كان شعار علي وجيش علي (حم).
وورد في تفسير ابن أبي حاتم كما في كتاب الإتقان للإمام السيوطي: أن علياً رضي الله عنه كان يقول: يا (كهيعص) اغفر لي، أي أنه اسمٌ من أسماء الله، فكما أن له أسماء ظاهرة له أسماء باطنة، هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ [الحديد:3]، فـ(كهيعص) اسمٌ من أسماء الله الباطنة، كما أن لفظ جلالة: الله الرحمن الرحيم اسمٌ من أسماء الله الظاهرة؛ ولذلك كان علي رضي الله عنه يقول: يا كهيعص اغفر لي.
وروى أشهب عن الإمام مالك عليهم جميعاً رحمة الله أنه قيل له: هل يجوز للرجل أن يتسمى بـ(يس)؟ فقال: لا يجوز، هذا اسمٌ تسمى به ربنا جل وعلا، أي: (يس) اسمٌ من أسماء رب العالمين، (ن) اسمٌ من أسماء الله الكريم، (ق) كذلك، وهكذا بقية الحروف المقطعة اسمٌ من أسماء الله الباطنة، فلا يجوز أن يتسمى بـ(يس)، وهذا كما قلت نقله أشهب عن الإمام مالك عليهم جميعاً رحمة الله تعالى.
إذاً: هذا القول الرابع: هي أسماء لله جل وعلا، وإذا ثبت الأثر بذلك عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، فمثل هذا ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أن له حكم الرفع، فلا مدخل للعقل ولا للاجتهاد في ذلك؛ لأن أسماء الله جل وعلا وصفاته توقيفية تؤخذ مما هو منقولٌ مأثور، لا مما هو مستنبطٌ معقول، فلا دخل للقياس ولا للاجتهاد فيها، وما يقوله الصحابي: هذا من أسماء الله، له حكم الرفع إلى نبينا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه، والعلم عند الله جل وعلا.