تفسير سورة لقمان - الحروف المقطعة في أوائل السور [5]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.

اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، وأنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

معشر الإخوة الكرام! كنا نتدارس تفسير الحروف المقطعة من بعض سور القرآن، وقدمت أن هذه الحروف لها معنىً بإجماع علماء الإسلام، الله أمرنا بتدبر القرآن كله، وتحدانا بالإتيان بمثل سورةٍ من سور القرآن، وكلٌ من الأمرين لا يتمان إلا إذا كان جميع ما في القرآن له معنى، لكن هل ذلك المعنى يعلم من جميع الوجوه، أو من وجهٍ دون وجه؟ فهذا الذي اختلف فيه علماء الإسلام كما قلت على قولين:

القول الأول: أن الحروف المقطعة يعلم معناها من وجهٍ دون وجه، فهي حروفٌ من حروف لغة العرب، أوردها الله جل وعلا في كتابه لحكمةٍ يعلمها ولا نعلمها، ونسبت هذا القول إلى من قال به.

القول الثاني: أن هذه الأحرف المقطعة يمكن أن نقف على معناها من جميع الوجوه، وأن ندرك الحكمة التي من أجلها ذكرت في أوائل بعض سور القرآن، وقلت: إن الذين قالوا بهذا القول اختلفوا فيما بينهم على أقوالٍ كثيرة زادت على الثلاثين قولاً، وذكرت أنني سأقتصر على عشرة منها وأبين قيمة كل قولٍ إن شاء الله، وقد ذكرت ثمانية أقوال فيما تقدم وتدارسناها، وكنا نتدارس القول التاسع، فأتكلم عليه إن شاء الله بعد أن أشير إلى الأقوال الثمانية المتقدمة على طريق الإيجاز.

القول الأول: قلنا إنها: إشارة إلى إعجاز القرآن الكريم، فهو مرتبٌ من هذه الحروف التي يترتب منها الكلام، فإذا كنتم تشكون في أن هذا القرآن من عند الرحمن جل وعلا، فرتبوا قرآناً من هذه الأحرف كما رتبها محمدٌ عليه الصلاة والسلام، فإذا عجزتم وأنتم عاجزون ولا شك، تبين أن هذا القرآن من كلام الرحمن جل وعلا، وليس لأي خلقٍ مهما كان شأنه مدخلٌ في هذا القرآن.

والقول الثاني: أن هذه الأحرف المقطعة هي أسماء للسور التي ابتدئت وافتتحت بها.

والقول الثالث: أنها فواتح وبداية أسماءٍ محذوفة، وما ذكر يدل على ما حذف، سواءٌ كانت تلك الأسماء لما يعود على الله جل وعلا، أو ما يعود على غيره، كما بينت هذا مفصلاً.

والقول الرابع: أن هذه الأحرف هي أسماءٌ لله جل وعلا.

والقول الخامس: أنها حروفٌ للتنبيه، فذكرت لأجل شد السامعين، وجذب انتباههم لما يكون بعدها من كلام رب العالمين.

والقول السادس: هي أسماء مسمياتها الحروف المبسوطة، وفي ذلك إشارة إلى أن منزل هذا القرآن هو الرحمن؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم أمي، ومعرفة هذا الأمر هو من خواص العلماء.

القول السابع: هي أمارة ودلالة وعلامة لأهل الكتاب على صدق نبينا عليه الصلاة والسلام، فلعل الله جل وعلا ذكر في الكتب السابقة أنه سيرسل خاتم النبيين عليه صلوات الله وسلامه، وسينزل عليه كتاباً يفتتح بعض سوره بحروفٍ مقطعة.

القول الثامن: وقلت: إن هذه الأقوال السبعة المتقدمة كلها يمكن قبولها، أما القول الثامن والتاسع والعاشر فهي نموذج للأقوال الضعيفة الباطلة المردودة التي قيلت في معنى وفي بيان الحروف المقطعة، فالقول الثامن هو المنقول عن الربيع بن أنس، بأنه ليس حرفٌ منها إلا بداية اسمٍ من أسماء الله جل وعلا، وقلت: ليس في قبول هذا غضاضة، لكن بعد ذلك ما جاء في كلامه مما يدل على أن هذا القول منكرٌ باطلٌ مردود، وليس حرفٌ منها إلا في آلائه وبلائه، وليس حرفٌ منها إلا في مدة أقوامٍ وآجالهم، في ولادة أناسٍ وفناء أناسٍ وموت أناس، وقلت: هذا القول بعد ذلك قال به الحكيم الترمذي، وزاده تسليماً، والقول ازداد بعد ذلك بعداً وضعفاً، وقال ما حاصله: إن جميع أحكام السور التي افتتحت بالأحرف المقطعة موجودةٌ في الحروف المقطعة، ولا يعلم تلك الحكم والأحكام إلا نبيٌ أو ولي، وبينت ما في هذا القول من شططٍ وبعدٍ عن الحقيقة، وهذا القول لا شك أنه باطل، وأنه يفضي بنا إلى متاهات، وما ينسب إلى علي رضي الله عنه من أنه لو شاء أن يوقر وأن يحمل سبعين بعيراً من تفسير سورة الفاتحة، ويستنبط من كل حرفٍ ومن كل كلمةٍ، ومن كل جملةٍ، دلالات خفية باطنة، ما ينقل عن علي رضي الله عنه، فهذا لا يثبت كما قرر أئمتنا الكرام.

يقول الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله في مجموع الفتاوى (13/244): وهذا إن صح عن علي -أي وهو لا يصح- فمراده أنه سيذكر باطناً يوافق الظاهر، وأما أن يذكر باطناً يخالف الظاهر ولا يدل الظاهر عليه، فهذا باطلٌ لا يمكن لـعلي رضي الله عنه ولا لغيره أن يقوله، وكنت سألت شيخنا المبارك الشيخ محمد المختار الشنقيطي عليه رحمة الله عن صحة هذا الأثر، وصحة نسبته لعلي رضي الله عنه، فقال: هذا من المبالغات والمجازفات، فلا يثبت الأثر عن علي رضي الله عنه ولا عن غيره، أنه لو شاء أن يوقر أو يحمل سبعين بعيراً من تفسير سورة الفاتحة.

وهنا جميع أحكام السورة بالأحرف المقطعة، وهذه الأحكام والحكم لا يعلمها إلا نبيٌ أو ولي، وذكرت لهذا نظائر من كلام الصوفية، وقلت: إن هذا القول باطل، ويفضي بنا بعد ذلك إلى متاهات الباطنية وضلالهم.

القول التاسع: قال السهيلي عليه رحمة الله: لعلها تشير إلى مدة أجل وعمر هذه الأمة، ومدة بقائها على حسب حساب الجمّل، وقلت: ورد ما يشير إلى ذلك في حديثٍ ضعيف، وهو ما ذكر عن بعض اليهود: حيي بن أخطب وأبي ياسر بن أخطب، لكن هذا من ضلالهم وسوء سهوهم، وانتكاس بصيرتهم، فلما مر أبو ياسر على النبي عليه الصلاة والسلام وهو يسمع (الم) اعتراه روعٌ، ثم ذهب بعد ذلك إلى حيي بن أخطب وقال له: ما علمت أن الله أعلم نبياً عليه الصلاة والسلام بمدة أجله ومدة بقاء أمته إلا هذا النبي، ثم أخبره بأنه أنزل عليه (الم)، وقلت: إنها تساوي في حساب الجمّل إحدى وسبعون سنة، فالألف بسنة، واللام بثلاثين، والميم بأربعين، فإذاً مدة عمره وبقاء أمته إحدى وسبعون سنة.

فقال: أنت سمعت هذا منه؟ ثم جاء حيي إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: بلغنا أن الله أنزل عليك شيئاً من القرآن، فاستقرأه فقرأ (الم) ثم قال: هل نزل عليك غيرها؟ فقال: نعم، (المص)، فقال: هذه أعظم وأطول وأثقل، وهي كما قلنا: إحدى وستون ومائة سنة، قال: هل نزل عليك غيرها؟ قال: نعم، (الر)، فقلت: إنها مائتان وإحدى وثلاثون سنة، قال: هل نزل عليك غيرها؟ قال: (المر) مائتان وإحدى وسبعون سنة، ثم قال له: يا محمد! قد أشكل علينا أمرك ولبسنا علينا أمرك، فلن نتبعك!

قلت: إن هذا الأثر رواه محمد بن إسحاق في كتابه السير، ورواه ابن جرير في تفسيره، ورواه البخاري عليه رحمة الله في التاريخ الكبير، وقلت: إنه ضعيفٌ تالف لأنه من رواية محمد بن السائب الكلبي، وأقل ما قيل فيه: إنه متروك، بل اتهم بالكذب، كما أنه أقرّ على نفسه بالكذب كما قلت، وقال لـسفيان الثوري: كل ما حدثتك به عن أبي صالح عن ابن عباس فهو مكذوب، لم أسمعه من أبي صالح . رضي الله عن أبي صالحٍ وعن ابن عباس وعن المسلمين والمسلمات أجمعين.

فإذاً: أقر على نفسه بالكذب، ومثل هذا الخبر لا يؤخذ به ولا يعول عليه، وبينت تناقض الإمام ابن جرير عليه رحمة الله نحو هذا القول، أعني القول التاسع، وبعد أن أعرض عنه وقال: في نقلته ورواته من لا يعول عليه، ولا يعتبر من أئمة النقل والرواية، ثم عاد بعد ذلك رحمه الله فاعتمد على هذا الأثر، وذكره على أنه من جملة الأقوال المأخوذة في تفسير الحروف المقطعة.

وهذا القول نقلت عن الإمام ابن كثير عليه رحمة الله أنه باطل، ومن زعم أن هذه الأحرف المقطعة تدل على معرفة المدد، وما يستخرج منها الآجال، ويعرف أيام الفتن وحوادث الفتن وصفتها، فقد ادعى ما ليس له، وطار في غير مطاره.

إذاً: على القول التاسع أن هذه الأحرف المقطعة هي من حساب الجمّل، وقلت: إن القول بذلك فيه نوعٌ وضربٌ وشعبةٌ من الكَهانة أو الكِهانة -بالفتح أو الكسر- وهي ادعاء علم الغيب، وسأفصل الكلام إن شاء الله في هذه الموعظة على هذا القول إن شاء الله.

تفسير الأحرف المقطعة، وأنها تدل على مدة بقاء هذه الأمة، وأنه يمكن أن يستنبط منها معرفة ما يقع في المستقبل من آجالٍ وفتن وملاحم، هذا منكرٌ باطل، لعدة أمورٍ معتبرة أبرزها أمران:

جعل الحروف المقطعة دلالة على عمر الأمة يحملها ما لا تحتمل

الأمر الأول: في ذلك تحميل للكلام ما لا يحتمل (الم)، (الر) (ن) (ق)، وما شاكل هذا من الأحرف التي ذكرت في مطلع وبداية بعض سور القرآن الكريم، أن يقول: إنها تدل على مدة بقاء هذه الأمة، ونستنبط منها الحوادث والملاحم التي ستقع، هذا تحميل للكلام، وهو لا يحتمل ذلك، (الم) لا تحتمل هذه المعاني، و(ق) لا تحتمل هذه المعاني، وهذا صدع إذاً في القول، وخروجٌ عن الطريق المستقيم.

تفسير الحروف المقطعة بالدلالة على عمر الأمة يحتاج إلى توقيف

الأمر الثاني: لو كانت هذه الأحرف تدل على حساب الجمّل على حسب اصطلاح أبي جاد كما تقدم معنا ذلك، فتنزيل تلك المدد على مدة بقاء هذه الأمة، واستنباط الحوادث والفتن والملاحم في المستقبل بتلك الأحرف، هذا يحتاج إلى توقيف عن النبي عليه الصلاة والسلام، أن حادثة كذا تدل عليها الحروف المقطعة من أواخر سورة مريم مثلاً، فاجمعوا حسابها، فإذا وصلت تلك السنة التي تشير إليها أحرف هذه السورة على حسب حروف الجمل ستقع.

وأما أن يتخرص إنسانٌ هذا المعنى لتلك الأحرف ويحسبها، ثم يستنبط منها بعد ذلك ما سيقع في المستقبل، وأن هذه الأمة مدة أجلها كذا وكذا، هذا لو ثبت أن تلك الأحرف تدل على حساب الجمّل فلا يمكن استنباط شيءٌ منها مخصص، ولا تنزيلها على حادثةٍ من الحوادث التي ستقع في المستقبل إلا بواسطة نبيٍ معصوم لا ينطق عن الهوى، وأما الجري وراء التشهي فهذا لا يصح.

ولذلك من زعم أنه يستنبط من هذه الأحرف شيئاً من أمور الغيب، فقد دخل في نوعٍ من أنواع الكهانة؛ لأن الكهانة هي ادعاء الإنسان معرفة علم الغيب بسببٍ من الأسباب، وعندما يأتي لهذه الحروف المقطعة ويقول: هذه تدل على واقعة كذا في المستقبل، وسيقع كذا في المستقبل، وهذه الأمة ستنقرض بعد فترةٍ محددة يحددها بواسطة هذه الأحرف المقطعة، فقد ادعى غيباً، وهذا نوعٌ من الكهانة، والقول في ذلك كبيرٌ عظيمٌ إذا استحله الإنسان يخرج به من دائرة الإيمان.

وقد حذرنا نبينا عليه الصلاة والسلام من الكهانة وادعاء علم الغيب، والرجم بالغيب وادعائه واتباعه، ففي مستدرك الحاكم بسندٍ صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبي، والحديث رواه أبو داود بسندٍ صحيحٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد) عليه صلوات الله وسلامه.

(من أتى كاهناً أو عرافاً)، العراف: هو الذي يدعي معرفة أمور الغيب وهكذا الكاهن، (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل الله على محمدٍ) عليه صلوات الله وسلامه، ومن استنبط من الأحرف المقطعة شيئاً من أمور الغيب، وصدق بهذا القول، فهذا القول فظيع عظيم كما قلت، يخرج الإنسان من دائرة الإيمان.

وثبت في صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، سماها الحميدي أنها حفصة كما في جامع الأصول (4/165)، قال الحميدي: روى أبو مسعود الدمشقي هذا الحديث في مسندها.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وذكر بعض الرواة: أن المراد من بعض أمهات المؤمنين في هذه الرواية حفصة ، والعلم عند الله.

عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من أتى عرافاً أو كاهناً، لم تقبل له صلاةٌ أربعين ليلة)، وفي الأثر الأول: (فقد كفر بما أنزل الله على محمد) عليه صلوات الله وسلامه.

وورد معنى الأثر الأول بأنه يكفر بما أنزل الله على محمدٍ على الصلاة والسلام من رواية جابر وعمران بن حصين، وأنس بن مالك، وواثلة بن الأسقع مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام.

وروي عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه موقوفاً بسندٍ صحيح، ورود معنى الأثر الثاني: (أن من أتى عرافاً أو كاهناً لا تقبل له صلاة مدة أربعين يوماً) من رواية عمر وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين، فانظروا تلك الروايات ودرجتها في مجمع الزوائد (5/113)، في باب السحر والكهانة، وفي الباب الذي بعده فيمن أتى كاهناً أو عرافاً، قال الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله (10/217): وإنما اختلف الوعيد إلى قسمين: (لم تقبل له صلاةٌ أربعين ليلة)، (فقد كفر بما أنزل الله على محمد) عليه صلوات الله وسلامه؛ لاختلاف حال من يأتي الكهان والعرافين، فإذا ذهب إليهم وصدقهم فقد كفر بما أنزل الله على محمدٍ عليه الصلاة والسلام، وإذا ذهب إليهم لمجرد سؤالٍ واستخبارٍ دون تصديقهم، لا يقبل الله له صلاةً أربعين ليلة.

واختلف حال الذين يذهبون إلى الكهان ما بين مصدقٍ وما بين ذاهب، فمن ذهب وصدق كفر، ومن ذهب ولم يصدق لا يقبل الله له صلاةً أربعين ليلة، زجراً له عن الذهاب إلى ذلك المشعوذ الضال المخرف المهووس.

وقد جاء في رواية: (من أتى كاهناً أو عرافاً وهو غير مصدقٍ لا يقبل الله له صلاةً أربعين ليلة، فإن صدقه فقد كفر بما أنزل الله على محمدٍ عليه الصلاة والسلام).

وعليه فادعاء أمور الغيب، ومعرفة الحوادث والملاحم التي ستقع في المستقبل من الأحرف المقطعة، هذا نوعٌ من الكهانة، وهذا نوعٌ من ادعاء الإنسان علم الغيب، وهذا باطلٌ لا يجوز للإنسان أن يقول به، ولا أن يصدق من قاله.

وقد وصل الهوس ببعض الناس أن حدد -كما قلت في الموعظة السابقة- وقت قيام الساعة، مستنبطاً ذلك من قول الله جل وعلا: لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [الأعراف:187]، وقال: إنها تقوم في سنة (1407هـ) على حسب حروف الجمّل فينبغي أن تكون الساعة قد قامت من سنين، ولا زلنا لم ندرك ذلك!!

وعلى القول الثاني: لما رأوا أنها لم تقم في هذا الوقت، قالوا: الهاء هنا هو في الضبط تاء ثانية، فتصبح سنة (1802هـ)، فإذاً باقي لها ما يقارب أربعمائة سنة تقريباً، وأيضاً هذا قولٌ باطل، وقد وجد في القرن التاسع للهجرة من جزم وألف في ذلك رسالة، بأنه لا يمر القرن العاشر إلا وقد قامت الساعة، والكتاب نشر سنة (898هـ)، قبل وفاة السيوطي عليه رحمة الله بثلاثة عشرة سنة، لأنه توفي سنة (911هـ).

وألف السيوطي كتاباً في الرد عليه، سمى الكتاب: الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف، لكنه رد على ذلك الهوى والخرافات بشيءٍ وقع فيه بمثل ما رد به ذلك الكتاب، بشيءٍ من الهوس والخرافات، فجزم السيوطي في هذا الكتاب عن مجاوزة الأمة الألف، والكتاب مطبوع ضمن الحاوي للفتاوى (2/30)، جزم السيوطي في هذا الكتاب بأن هذه الأمة لا تزيد مدتها على ألف، لكن لم تجاوزه المائة سنةٍ بعدها مهما طال، بل وخمسمائة، وجزم في كتابه: بأنه إذا خرج الدجال بناءً على آثارٍ مستنبطة من هذا، ينزل عيسى بن مريم على نبينا عليه صلوات الله وسلامه فيمكث أربعين، يقول: وما بين المدتين أربعون، ثم بعد ذلك يمكث الناس بعد طلوع الشمس من مغربها مائةٌ وعشرين سنة، فهي ستقع إذاً بعد الألف ودون ألف وخمسمائة، إذاً: خروج الدجال ينبغي أن يخرج قطعاً على حسب كلام السيوطي على أقصى حد إلى سنة ألف ومائتين، ولا بد، وقد جاء ذلك التاريخ ومضى ما بعده ولم يخرج الدجال ولم ينزل عيسى بن مريم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.

وهو يقول: يستحيل أن يخرج أيضاً، ولا يمكن أن يخرج الدجال وينزل عيسى إلا في بداية القرن، وعليه فقد دخلنا الآن نحن في القرن الخامس، وفي هذا لا يمكن، لابد أن يأتي القرن السادس -بداية ألف وخمسمائة وكذا- حتى يخرج، وعلى حسب حسابه ينبغي أن تعيش الأمة بعد ذلك مائتي سنة، هذا كله هوس يطال العقل البشري في غير مجاله، عندما يتكلم الإنسان في علم الغيب يهلوس هذا الهوس.

ولما كنت في أبها فاجأني بعض الإخوة، وهو مذعور، وهو ممن يدرسون في أمريكا، يقول: يا شيخ قرأت هذه الرسالة: الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف، وأنا أتوقع أن تقوم الساعة إذاً، يعني إما هذا اليوم وإما غداً؛ لأنه لا يمكن أن تنتهي ألف وخمسمائة سنة إلا وقد قامت الساعة.

قلت: وما الذي يدريك أن هذه الأمة سيمد الله في حياتها بأكثر مما مضى من عمرها؟

قال: هذا موجود في رسالة السيوطي .

قلت: هذا لا يعلمه السيوطي، ولا يعلمه ملكٌ مرسل، ولا نبيٌ مقرب، على أنبياء الله ورسله من البشر والملائكة صلوات الله وسلامه، هذا لا يعلمه أحد، لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ [الأعراف:187]، (وما المسؤول منها بأعلم من السائل)، وقال الله جل وعلا في كتابه في سورة الجن، آمراً النبي عليه الصلاة والسلام أن يقول: قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا * عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن:25-27].

ولذلك قال الإمام ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية من سورة الجن: ما روي من أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يمكث في قبره أكثر من ألف سنة حتى تقوم الساعة، كل هذا من الخرافات، ولم يثبت ذلك في شيء من كتب الحديث.

إذاً: الادعاء بأن هذه الأحرف المقطعة تدل على معرفة ما سيقع في المستقبل، وعلى تحديد مدة بقاء هذه الأمة، هذا نوع من ادعاء علم الغيب، وهذا نوع من الكهانة، فلا يجوز قبول هذا القول ولا تصديق من قال به بشكل من الأشكال.

قال الإمام السيوطي عليه رحمة الله في الإتقان، بعد أن نقل كلام السهيلي المتقدم، بأن هذه الأحرف المقطعة لعلها إشارة إلى ما سيقع في المستقبل وإلى مدة بقاء هذه الأمة، قال في الإتقان (3/30): قال الحافظ ابن حجر : هذا باطل، أي: القول بأن معنى هذه الحروف المقطّعة ما تشير إليه من حساب الجمّل إلى مدة بقاء هذه الأمة، هذا باطل لا يعتمد عليه.

الأمر الأول: في ذلك تحميل للكلام ما لا يحتمل (الم)، (الر) (ن) (ق)، وما شاكل هذا من الأحرف التي ذكرت في مطلع وبداية بعض سور القرآن الكريم، أن يقول: إنها تدل على مدة بقاء هذه الأمة، ونستنبط منها الحوادث والملاحم التي ستقع، هذا تحميل للكلام، وهو لا يحتمل ذلك، (الم) لا تحتمل هذه المعاني، و(ق) لا تحتمل هذه المعاني، وهذا صدع إذاً في القول، وخروجٌ عن الطريق المستقيم.

الأمر الثاني: لو كانت هذه الأحرف تدل على حساب الجمّل على حسب اصطلاح أبي جاد كما تقدم معنا ذلك، فتنزيل تلك المدد على مدة بقاء هذه الأمة، واستنباط الحوادث والفتن والملاحم في المستقبل بتلك الأحرف، هذا يحتاج إلى توقيف عن النبي عليه الصلاة والسلام، أن حادثة كذا تدل عليها الحروف المقطعة من أواخر سورة مريم مثلاً، فاجمعوا حسابها، فإذا وصلت تلك السنة التي تشير إليها أحرف هذه السورة على حسب حروف الجمل ستقع.

وأما أن يتخرص إنسانٌ هذا المعنى لتلك الأحرف ويحسبها، ثم يستنبط منها بعد ذلك ما سيقع في المستقبل، وأن هذه الأمة مدة أجلها كذا وكذا، هذا لو ثبت أن تلك الأحرف تدل على حساب الجمّل فلا يمكن استنباط شيءٌ منها مخصص، ولا تنزيلها على حادثةٍ من الحوادث التي ستقع في المستقبل إلا بواسطة نبيٍ معصوم لا ينطق عن الهوى، وأما الجري وراء التشهي فهذا لا يصح.

ولذلك من زعم أنه يستنبط من هذه الأحرف شيئاً من أمور الغيب، فقد دخل في نوعٍ من أنواع الكهانة؛ لأن الكهانة هي ادعاء الإنسان معرفة علم الغيب بسببٍ من الأسباب، وعندما يأتي لهذه الحروف المقطعة ويقول: هذه تدل على واقعة كذا في المستقبل، وسيقع كذا في المستقبل، وهذه الأمة ستنقرض بعد فترةٍ محددة يحددها بواسطة هذه الأحرف المقطعة، فقد ادعى غيباً، وهذا نوعٌ من الكهانة، والقول في ذلك كبيرٌ عظيمٌ إذا استحله الإنسان يخرج به من دائرة الإيمان.

وقد حذرنا نبينا عليه الصلاة والسلام من الكهانة وادعاء علم الغيب، والرجم بالغيب وادعائه واتباعه، ففي مستدرك الحاكم بسندٍ صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبي، والحديث رواه أبو داود بسندٍ صحيحٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد) عليه صلوات الله وسلامه.

(من أتى كاهناً أو عرافاً)، العراف: هو الذي يدعي معرفة أمور الغيب وهكذا الكاهن، (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل الله على محمدٍ) عليه صلوات الله وسلامه، ومن استنبط من الأحرف المقطعة شيئاً من أمور الغيب، وصدق بهذا القول، فهذا القول فظيع عظيم كما قلت، يخرج الإنسان من دائرة الإيمان.

وثبت في صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، سماها الحميدي أنها حفصة كما في جامع الأصول (4/165)، قال الحميدي: روى أبو مسعود الدمشقي هذا الحديث في مسندها.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وذكر بعض الرواة: أن المراد من بعض أمهات المؤمنين في هذه الرواية حفصة ، والعلم عند الله.

عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من أتى عرافاً أو كاهناً، لم تقبل له صلاةٌ أربعين ليلة)، وفي الأثر الأول: (فقد كفر بما أنزل الله على محمد) عليه صلوات الله وسلامه.

وورد معنى الأثر الأول بأنه يكفر بما أنزل الله على محمدٍ على الصلاة والسلام من رواية جابر وعمران بن حصين، وأنس بن مالك، وواثلة بن الأسقع مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام.

وروي عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه موقوفاً بسندٍ صحيح، ورود معنى الأثر الثاني: (أن من أتى عرافاً أو كاهناً لا تقبل له صلاة مدة أربعين يوماً) من رواية عمر وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين، فانظروا تلك الروايات ودرجتها في مجمع الزوائد (5/113)، في باب السحر والكهانة، وفي الباب الذي بعده فيمن أتى كاهناً أو عرافاً، قال الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله (10/217): وإنما اختلف الوعيد إلى قسمين: (لم تقبل له صلاةٌ أربعين ليلة)، (فقد كفر بما أنزل الله على محمد) عليه صلوات الله وسلامه؛ لاختلاف حال من يأتي الكهان والعرافين، فإذا ذهب إليهم وصدقهم فقد كفر بما أنزل الله على محمدٍ عليه الصلاة والسلام، وإذا ذهب إليهم لمجرد سؤالٍ واستخبارٍ دون تصديقهم، لا يقبل الله له صلاةً أربعين ليلة.

واختلف حال الذين يذهبون إلى الكهان ما بين مصدقٍ وما بين ذاهب، فمن ذهب وصدق كفر، ومن ذهب ولم يصدق لا يقبل الله له صلاةً أربعين ليلة، زجراً له عن الذهاب إلى ذلك المشعوذ الضال المخرف المهووس.

وقد جاء في رواية: (من أتى كاهناً أو عرافاً وهو غير مصدقٍ لا يقبل الله له صلاةً أربعين ليلة، فإن صدقه فقد كفر بما أنزل الله على محمدٍ عليه الصلاة والسلام).

وعليه فادعاء أمور الغيب، ومعرفة الحوادث والملاحم التي ستقع في المستقبل من الأحرف المقطعة، هذا نوعٌ من الكهانة، وهذا نوعٌ من ادعاء الإنسان علم الغيب، وهذا باطلٌ لا يجوز للإنسان أن يقول به، ولا أن يصدق من قاله.

وقد وصل الهوس ببعض الناس أن حدد -كما قلت في الموعظة السابقة- وقت قيام الساعة، مستنبطاً ذلك من قول الله جل وعلا: لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [الأعراف:187]، وقال: إنها تقوم في سنة (1407هـ) على حسب حروف الجمّل فينبغي أن تكون الساعة قد قامت من سنين، ولا زلنا لم ندرك ذلك!!

وعلى القول الثاني: لما رأوا أنها لم تقم في هذا الوقت، قالوا: الهاء هنا هو في الضبط تاء ثانية، فتصبح سنة (1802هـ)، فإذاً باقي لها ما يقارب أربعمائة سنة تقريباً، وأيضاً هذا قولٌ باطل، وقد وجد في القرن التاسع للهجرة من جزم وألف في ذلك رسالة، بأنه لا يمر القرن العاشر إلا وقد قامت الساعة، والكتاب نشر سنة (898هـ)، قبل وفاة السيوطي عليه رحمة الله بثلاثة عشرة سنة، لأنه توفي سنة (911هـ).

وألف السيوطي كتاباً في الرد عليه، سمى الكتاب: الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف، لكنه رد على ذلك الهوى والخرافات بشيءٍ وقع فيه بمثل ما رد به ذلك الكتاب، بشيءٍ من الهوس والخرافات، فجزم السيوطي في هذا الكتاب عن مجاوزة الأمة الألف، والكتاب مطبوع ضمن الحاوي للفتاوى (2/30)، جزم السيوطي في هذا الكتاب بأن هذه الأمة لا تزيد مدتها على ألف، لكن لم تجاوزه المائة سنةٍ بعدها مهما طال، بل وخمسمائة، وجزم في كتابه: بأنه إذا خرج الدجال بناءً على آثارٍ مستنبطة من هذا، ينزل عيسى بن مريم على نبينا عليه صلوات الله وسلامه فيمكث أربعين، يقول: وما بين المدتين أربعون، ثم بعد ذلك يمكث الناس بعد طلوع الشمس من مغربها مائةٌ وعشرين سنة، فهي ستقع إذاً بعد الألف ودون ألف وخمسمائة، إذاً: خروج الدجال ينبغي أن يخرج قطعاً على حسب كلام السيوطي على أقصى حد إلى سنة ألف ومائتين، ولا بد، وقد جاء ذلك التاريخ ومضى ما بعده ولم يخرج الدجال ولم ينزل عيسى بن مريم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.

وهو يقول: يستحيل أن يخرج أيضاً، ولا يمكن أن يخرج الدجال وينزل عيسى إلا في بداية القرن، وعليه فقد دخلنا الآن نحن في القرن الخامس، وفي هذا لا يمكن، لابد أن يأتي القرن السادس -بداية ألف وخمسمائة وكذا- حتى يخرج، وعلى حسب حسابه ينبغي أن تعيش الأمة بعد ذلك مائتي سنة، هذا كله هوس يطال العقل البشري في غير مجاله، عندما يتكلم الإنسان في علم الغيب يهلوس هذا الهوس.

ولما كنت في أبها فاجأني بعض الإخوة، وهو مذعور، وهو ممن يدرسون في أمريكا، يقول: يا شيخ قرأت هذه الرسالة: الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف، وأنا أتوقع أن تقوم الساعة إذاً، يعني إما هذا اليوم وإما غداً؛ لأنه لا يمكن أن تنتهي ألف وخمسمائة سنة إلا وقد قامت الساعة.

قلت: وما الذي يدريك أن هذه الأمة سيمد الله في حياتها بأكثر مما مضى من عمرها؟

قال: هذا موجود في رسالة السيوطي .

قلت: هذا لا يعلمه السيوطي، ولا يعلمه ملكٌ مرسل، ولا نبيٌ مقرب، على أنبياء الله ورسله من البشر والملائكة صلوات الله وسلامه، هذا لا يعلمه أحد، لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ [الأعراف:187]، (وما المسؤول منها بأعلم من السائل)، وقال الله جل وعلا في كتابه في سورة الجن، آمراً النبي عليه الصلاة والسلام أن يقول: قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا * عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن:25-27].

ولذلك قال الإمام ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية من سورة الجن: ما روي من أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يمكث في قبره أكثر من ألف سنة حتى تقوم الساعة، كل هذا من الخرافات، ولم يثبت ذلك في شيء من كتب الحديث.

إذاً: الادعاء بأن هذه الأحرف المقطعة تدل على معرفة ما سيقع في المستقبل، وعلى تحديد مدة بقاء هذه الأمة، هذا نوع من ادعاء علم الغيب، وهذا نوع من الكهانة، فلا يجوز قبول هذا القول ولا تصديق من قال به بشكل من الأشكال.

قال الإمام السيوطي عليه رحمة الله في الإتقان، بعد أن نقل كلام السهيلي المتقدم، بأن هذه الأحرف المقطعة لعلها إشارة إلى ما سيقع في المستقبل وإلى مدة بقاء هذه الأمة، قال في الإتقان (3/30): قال الحافظ ابن حجر : هذا باطل، أي: القول بأن معنى هذه الحروف المقطّعة ما تشير إليه من حساب الجمّل إلى مدة بقاء هذه الأمة، هذا باطل لا يعتمد عليه.


استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة لقمان - مقدمة في تفسير سورة لقمان [2] 2910 استماع
تفسير سورة لقمان - الحروف المقطعة في أوائل السور [6] 2722 استماع
تفسير سورة لقمان - الحروف المقطعة في أوائل السور [3] 2686 استماع
تفسير سورة لقمان - الحروف المقطعة في أوائل السور [1] 2549 استماع
تفسير سورة لقمان - تابع تفسير الآية رقم [2] 2514 استماع
تفسير سورة لقمان - الحروف المقطعة في أوائل السور [4] 2372 استماع
تفسير سورة لقمان - مقدمة في تفسير سورة لقمان [1] 2323 استماع
تفسير سورة لقمان - مقدمة في تفسير سورة لقمان [3] 2264 استماع
تفسير سورة لقمان - الحروف المقطعة في أوائل السور [2] 2133 استماع
تفسير سورة لقمان - تفسير الآية رقم [2] 1944 استماع