المسائل الطبية والمعاملات المعاصرة [4] - تضمين الطبيب - البطاقات المصرفية


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وبعد:

ففي الدرس السابق تطرقنا لما يتعلق بتضمين الطبيب في أحوال:

الحالة الأولى: أن يكون الطبيب حاذقاً، ولم تجنِ يده، وذكرنا بأنه لا يضمن بالاتفاق، وذكرنا الدليل من القرآن والسنة.

والحالة الثانية: أن يكون الطبيب جاهلاً، والمريض لا يعلم بجهله، وذكرنا أنه يضمن، وذكرنا دليل ذلك.

والحالة الثالثة: أن يكون الطبيب جاهلاً والمريض يعلم جهله، وذكرنا الخلاف في هذه المسألة، وذكرنا أن الصواب في هذه المسألة أيضاً أنه يضمن.

والحالة الرابعة: أن يكون الطبيب حاذقاً لكن تخطئ يده وذكرنا أن هذه الحالة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكون هناك تعد أو تفريط من الطبيب.

والقسم الثاني: أن لا يكون هناك تعد أو تفريط منه، فإن كان هناك تعد أو تفريط فإنه يضمن، وإن لم يكن هناك تعد ولا تفريط فذكرنا كلام أهل العلم رحمهم الله، وهل يضمن أو لا يضمن.

وأن جمهور أهل العلم على تضمينه، والرأي الثاني وبه قال الإمام مالك رحمه الله أنه لا يضمن.

وبقي علينا مسألتان أو ثلاث، ثم بعد ذلك سنتطرق بشيءٍ من مسائل البطاقات المصرفية، ونكمل إن شاء الله الحديث في الدرس القادم بإذن الله، ولأن البطاقات المصرفية تحتاج إلى شيء من التكرار والشرح.

تقدم أن الطبيب إذا كان حاذقاً لكن أخطأ، ولم يظهر منه تعد أو تفريط، بل اجتهد أن جمهور أهل العلم قالوا بتضمينه، واختلفوا هل الضمان في ماله أو يكون على عاقلته؟

على رأيين:

الرأي الأول: وهو قول أكثرهم أن الضمان يكون على العاقلة، فإذا أتلف نفساً أو منفعة أو عضواً، وكان الإتلاف الثلث فما فوق فإن الضمان يكون على العاقلة، وذكرنا بأن هذا هو قول جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى، ودليل ذلك ما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن )، وضمان الطبيب هنا في حال عدم التعدي أو التفريط من قبيل الخطأ، وإذا كان خطأً فإن العاقلة تحمل الخطأ، كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في الصحيح، وكذلك أيضاً ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه أن ختانة كانت في المدينة ختنت جارية فماتت، فجعل عمر ديتها على عاقلتها، أخرجه عبد الرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة وإسناده صحيح.

الرأي الثاني: أن الضمان يكون في مال الطبيب، وهذا ذكره بعض المالكية وقالوا بأنه يروى عن عمر رضي الله تعالى عنه وعلي بن أبي طالب ، أما الرواية عن عمر رضي الله تعالى عنه فقد ورد عنه أنه ضمن رجلاً كان يختن الصبيان، فختن صبياً فمات فضمنه، لكن هذا الأثر عن عمر معارض لما تقدم عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه جعل الضمان على العاقلة، كما في الأثر السابق في قصة المرأة الخاتنة، هذا جواب، والجواب الثاني أن معنى قوله ضمنه، يعني: ألزمه الضمان، ولا يلزم أن يتحمل الخاتن خطأً الضمان بنفسه، وإنما هو على عاقلته.

وأما أثر علي رضي الله تعالى عنه أيضاً في قصة المرأة التي ختنت جارية فهلكت الجارية فضمنها، أخرجه ابن أبي شيبة وهو ضعيف لا يثبت.

وعلى هذا يكون الضمان على عاقلة الطبيب.

الحالة الخامسة والأخيرة: إذا كانت مداواة الطبيب بلا إذن من المريض أو وليه، وهذه الحالة يقسمها العلماء رحمهم الله إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكون الطبيب غير متبرع وأن يكون مستأجراً، فإذا كان مستأجراً فلا بد من رضا المريض، وأهليته للإذن، وأن يكون بالغاً عاقلاً، فإن لم يكن أهلاً للإذن فلا بد من إذن وليه؛ لأن عقد الإجارة يعتبر فيه الرضا لقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]، والإجارة يعتبر فيها أهلية العاقد فلا يصح عقد الإجارة من الصبي أو المجنون لأنه محجور عليهما في تصرفاتهما، وعلى هذا إذا كان الطبيب مستأجراً وداوى غير المكلف بلا إذن وليه، أو داوى المكلف بلا إذنه فإنه يضمن وهذا باتفاق الأئمة الأربعة.

اتفاق الأئمة الأربعة على أنه إذا كان الطبيب مستأجراً، وداوى غير المكلف بلا إذن والصبي أو المجنون بلا إذن وليه، أو داوى المكلف بلا إذنه، فإنه يضمن كما ذكرنا، لأنه لا بد من الرضا في عقد الإجارة، ولا بد من أهلية العاقل.. إلخ.

الأمر الثاني تحت هذه الحالة: أن يكون الطبيب متبرعاً غير مستأجر، فداوى المريض بلا إذن، ثم إنه داوى الصبي أو المجنون بلا إذن وليه، أو داوى المكلف بلا إذنه، لكونه لا يشعر فهل يضمن لو حصل تحت يده تلف أو لا يضمن؟

هذا فيه رأيان عند أهل العلم رحمهم الله.

الرأي الأول: وبه قال ابن حزم وابن القيم أنه لا ضمان عليه، وأن الله عز وجل قال: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة:91]، وهذا محسن.

وكذلك أيضاً استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمداواة، فقال عليه الصلاة والسلام: ( تداووا فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً )، والطبيب امتثل أمر الشارع، فالشارع قد أذن له بالمداواة.

والرأي الثاني رأي جمهور أهل العلم: أنه إذا داوى المريض ثم تلف تحت يده نفس أو عضو أو منفعة فإنه يضمن حتى ولو كان متبرعاً؛ لأنه إذا داوى بلا إذن المكلف أو إذن ولي غير المكلف يعتبر متعدياً، وإذا كان متعدياً فإن عليه الضمان.

وابن القيم رحمه الله ناقش هذا، وقال: بأن التعدي إنما يكون في فعل المريض، يعني: فعل المريض في نفس المداواة، هل هو فيه تعد أو ليس فيه تعد؟

أما الإذن وعدم الإذن لا يظهر فيه تعد، هو الآن أحسن على هذا المصاب، التعدي إنما يكون في نفس المداواة، في نفس فعل المريض، هو الذي ينظر فيه، أما ما يتعلق بالإذن وعدم الإذن فهذا لا ينظر إليه، بل هو خارج عن التعدي، بل من قبيل الإحسان، وهذا القول هو الأقرب، يعني: ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله تعالى، وكذلك هو رأي ابن حزم لأنه محسن في هذه الحالة.

على رأي الجمهور لا بد من إذن المكلف بالمداواة، فإن لم يكن مكلفاً لا بد من إذن وليه، استثنوا من هذا مسألتين:

المسألة الأولى إذا تعذر استئذان المريض، أو تعذر استئذان وليه، وفي تأخير المداواة ضرر على المريض، قالوا: إذا تعذر استئذان المريض أو تعذر استئذان وليه إذا كان غير مكلف وفي تأخير المداواة والعلاج فيه ضرر، قالوا: لا يعتبر الإذن في هذه الحالة؛ لأن الشرع أمر بذلك، فقال سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وقال سبحانه: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، وكذلك أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً )، فإذا كان هذا المكلف يتعذر استئذانه لكونه مغمى عليه ويطول الإغماء، أو يسبب تأخير المداواة ضرر عليه، فإنه يعالج، كذلك أيضاً إذا كان ولي غير المكلف بعيداً، وانتظار ابنه يسبب ضرراً على هذا المصاب فإنه يعالج ويترك الإذن في هذه الحالة.

المسألة الثانية: استثناها جمهور أهل العلم قالوا: إذا كان المرض من الأمراض المعدية فإنه لا يعتبر بالإذن، ويداوى المريض وإن لم يأذن إذا كان مكلفاً وإن لم يأذن وليه إذا كان غير مكلف؛ لأن الله عز وجل قال: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، وأيضاً من القواعد الفقهية قاعدة: الضرر يزال.

تعريف التورق المصرفي

تعريفه كما ذكر بعض الاقتصاديين بأنه قيام المصرف بتركيب عملية التورق من مشتري، بحيث يبيع سلعة على المتورق بثمن آجل، ثم ينوب عن المشتري الذي هو المتورق ببيع السلعة نقداً لطرف آخر، فيسلم الثمن النقدي للمتورق على أن يسدد للبنك أكثر من هذا الثمن مؤجلاً على أقساط.

الآن الذي يوجد في البنوك صنفان من السلع:

الصنف الأول المعادن ما يسمى بالمعادن، والصنف الثاني الأسهم. وأول من بدأ بهذه العملية هو البنك الأهلي بما يسمى بتيسير الأهلي عام 1421 ثم بعد ذلك تتابعت البنوك بهذه الطريقة؛ لأن هذه الطريقة طريقة سهلة في كسب البنك، وأيضاً طريقة سهلة لحصول العميل على النقد ،فجاء البنك العربي الوطني بما يسمى بالتورق المبارك، أيضاً البنك البريطاني السعودي بما يسمى بعملية مال، البنك السعودي الأمريكي بما يسمى سامبا، كذلك أيضاً بقية البنوك يسمونها كيفية أو التورق المبارك أو التورق الخير.. إلى آخره.

نفس عملية بيع المعدن في التورق المصرفي لكن ننقضها كما في نشرات البنوك، يقوم المصرف بشراء السلع، وغالباً تكون هذه السلع من المعادن: الزنك، النيكل، الصفيح، النحاس، بقدر ما يحتاجه العملاء كل أسبوع، وإنما كان الاختيار لهذه المعادن؛ لأن هذه المعادن من المعادن الأساسية التي يجري فيها التعامل يومياً عالمياً، ويتقدم العميل للمصرف بطلب شراء معدن كذا وكذا صفته كذا وكذا، وإنما كان الشراء عن طريق الربط؛ لأن الغالب أن هذه المعادن تكون في الخارج، تكون مثلاً في دولة البحرين، تكون أيضاً في بريطانيا تكون في الخارج، فيتقدم العميل إلى المصرف بطلب شراء معدن صفته كذا وكذا لكونه غالباً في دولة أخرى كالبحرين مثلاً بعد شراء العميل هذه الوحدات من المعدن يقوم العميل بتوكيل المصرف في قبض المعدن وبيعه له، الآن المصرف اشترى المعدن، والعميل اشتراه منه، ويوكل المشتري العميل البائع في أن يشتري له من نفسه، ثم يوكله مرة أخرى في أن يبيع هذا المعدن على طرف ثالث، يتفق المصرف مع جهات أخرى بشراء تلك السلع كما سيأتي بيانه.

حكم التورق غير المصرفي

أولاً: التورق غير المصرفي اختلف العلماء السابقون في حكمه، والتورق غير المصرفي المعروف عند الفقهاء هو أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها على غير من اشتراها منه بأقل من ثمنها نقداً، مثلاً يشتري السيارة بخمسين ألف ريال مؤجلة لمدة سنة أو على أقساط، ثم بعد ذلك يأخذ هذه السيارة ويذهب بها إلى السوق ويبيعها على غير من باعها عليه بأقل من ثمنها نقداً، فيبيعها مثلاً بأربعين ألفاً أو بثلاثين ألفاً، هذه المسألة اختلف فيها الأئمة رحمهم الله كثيراً، وجماهير أهل العلم على جواز هذه المعاملة، الأئمة الأربعة يتفقون على جواز هذه المعاملة، وعند الحنفية والمالكية الكراهة، يعني: يكرهون هذه المعاملة إذا كان المتورق محتاجاً للثمن، من أدلتهم أن الأصل في المعاملات الحل، والله عز وجل قال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275]، والله سبحانه قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، وقالوا: بأن التورق هذا نوع من البيع والمداينة يدخل في عموم الآية.

ومن أقوى أدلتهم قالوا: بأن التجار يقصدون من معاملاتهم التجارية الحصول على النقود بنقود أقل، ويكون المبيع هو الواسطة، ولم يقل أحد بتحريم هذا البيع، التاجر فتح المعرض أو فتح بقالة، عنده الآن البقالة بخمسين ألفاً يقصد من ذلك أن يحصل على ستين ألفاً، ويأتي يشتري السلع، لم يقل أحد بأن هذا العمل محرم.

وأيضاً قالوا بأن التورق مثله أيضاً، يشتري سلعة بثمن مؤجل، ويقصد من هذه السلعة أن يحصل على النقد، فيشتري هذه السلعة بثمن مؤجل ثم يذهب ويبيعها بأقل من ثمنها نقداً، ويتمتع بثمنها قالوا: هذا مثل هذا.

والذين لا يسلمون بهذه المعاملة ما الفرق عندهم بين التاجر والمتورق؟

قالوا: التاجر يبيع لكي يربح، أما المتورق فإنه يبيع لكي يحصل على النقد، فرق بين الأمرين، التاجر بالفعل متورق، لكن الذين لا يسلمون بهذه المعاملة يقولون: فرق بين التاجر والمتورق، المتورق أهم شيء عنده يحصل على دراهم فقط حتى لو خسر، يشتري السلعة بستين ألفاً يبيعها بخمسين.. بثلاثين المهم يحصل النقد، بخلاف التاجر فإنه يأتي بالسلع ويبيع لكي يربح، فرق بينهما.

وهناك من قيد هذه المعاملة بالحاجة، قال: إذا كان الإنسان محتاجاً فلا بأس، مثلاً محتاج إلى زواج، محتاج لكي يشتري بيتاً، محتاج لكي يسدد ديناً أرغمه الغرماء فإن هذا لا بأس به، أما إذا كان الإنسان يقصد بهذه المعاملة لكي يتزيد من أمور الدنيا أو كماليات، أو لكي يتزيد في التجارة فإن هذا غير جائز، وهذا الشرط شرط الحاجة اشترطه الشيخ محمد العثيمين رحمه الله.

القول الثالث: تحريم عملية التورق، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ، وعمر بن عبد العزيز قالوا بأن هذه المعاملة محرمة، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة، منها: قالوا: إن الله حرم عقد دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل؛ لما في ذلك من ضرر المحتاج. يعني: يأتي شخص محتاج إلى دراهم تقرضه ألف ريال بألف ومائة، قالوا بأن هذا محرم، وهذا ربا النسيئة الذي حرمه الشارع وأجمع عليه العلماء، وهذا المعنى موجود في هذه الصورة، وهذه الصورة دراهم بدراهم، يحتاج إلى هذه الدراهم كدراهم بدراهم إلى أجل.

قاسوا هذه الصورة على بيع العينة، فالعينة إذا اشترى السلعة بثمن معين ثم باعها على من باعها عليه بأقل من ثمنها نقداً هذه هي العينة، والعينة محرمة، الصورة واحدة، حصل دراهم بدراهم بينهما سلعة، والتفريق بأن العينة الذي اشترى هو البائع، وأن التورق الذي اشترى طرف ثالث كما يفرق الجمهور، قالوا: هذا التفريق لا أثر له.

وقد قرأت لمجموعة من الاقتصاديين يقولون: بأن نتيجة التورق هي نتيجة الربا ولا فرق.

ولهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عندما حكم على هذه المعاملة التورق قال: المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه، يعني: المعنى الذي من أجله حرم الربا موجود فيها بعينه مع زيادة الكلفة لشراء السلعة والخسارة فيها، فالشريعة لا تحرم الضرر أي: لا تبيح ما هو أعلى منه، الآن شيخ الإسلام جعل نتيجة التورق هي نتيجة الربا الذي حرمه الشارع، وهذا ما عليه الآن كثير من الاقتصاديين، الذين يكتبون في الاقتصاد الإسلامي يقولون: بأن نتيجة التورق هي نتيجة الربا تماماً، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله روجع فيها كثيراً وأنا حاضر لكي يحلها فيأبى.

المهم كثير من الاقتصاديين يرى تحريم هذه المعاملة كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لكن عمل الناس اليوم على حل هذه المعاملة، وإذا قيل بالحل فإنه لا بد أن يقيد الحل بالحاجة.

حكم التورق المصرفي

بقينا في مسألة التورق المصرفي، هذا التورق ذكرنا صورته أن المصرف يقوم بعملية التورق تماماً، ترتيب عملية الشراء والبيع إلى آخره، دور العميل أنه يحدد تمويل المبلغ كم يريد فقط ثم يقوم بالتوقيع على أوراق، ويجد في حسابه بعد يوم أو يومين كذا وكذا من المال على أن يكون عليه كذا وكذا من المال أكثر منه مؤجل للبنك.

لما حدثت هذه الصورة اختلف فيها المعاصرون على قولين:

القول الأول: تحريم هذا البيع، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة، حتى إن الاقتصاديين الذين يكتبون في الاقتصاد الإسلامي كتبوا كتابات كثيرة في تحريم هذه العملية، واستدلوا على ذلك بأدلة، وسبق أن ذكرت أنهم يتوسعون في التحريم حتى التورق غير المصرفي كثير من الاقتصاديين يرى تحريمه، ويقول: نتيجة الربا الموجودة فيه موجودة في مثل هذا التورق، الذين قالوا بالتحريم استدلوا على ذلك بأدلة، من هذه الأدلة حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع ) فقوله عليه الصلاة والسلام: ( ولا شرطان في بيع ) قالوا: بأن التورق المصرفي وجد فيه أكثر من شرط، فبالتورق المصرفي يشترط المشتري المتورق العميل توكيل المصرف في البيع، يشترط المشتري أن المصرف يقوم بالبيع، لو قال المصرف: أنت تقوم بالبيع ما أقدم على هذه العملية، فهذا شرط أن المشتري يقوم بالاشتراط على المصرف أنه هو الذي يقوم بالبيع، فتوكل عنه في بيع هذا المعدن الذي اشتراه منه.

أيضاً يشترط عليه أن لا يفسخ الوكالة، وهذا شرط ثاني.

الشرط الثالث: أن يشتري المشتري السلعة بأكثر من ثمنها مؤجلاً، يعني: أن المصرف يشترط على المشتري أنك تشتري هذه السلعة بأكثر من ثمنها مؤجلاً، فالمصرف مثلاً اشترى هذا الحديد بخمسين ألفاً ويشترط عليه أن يشتريه بسبعين ألفاً مؤجلاً.

الشرط الرابع: أن المصرف يبيعها بأقل من ثمنها نقداً.

الذين قالوا بالجواز ومنهم اللجنة الشرعية في البنك الأهلي التجاري قالوا: بأن الشرطين اللذين نهى عنهما النبي صلى الله عليه وسلم هو بيع العينة كما ذكر ابن القيم رحمه الله، وهذه الشروط تكون جائزة، وأجيب عن ذلك بأن هذا التورق المصرفي ملحق ببيع العينة كما سيأتي.

فإلحاق التورق المصرفي ببيع العينة أقرب من إلحاقه بالتورق الذي أجازه الفقهاء؛ لأن الصورة في التورق المصرفي قريبة من الصورة في العينة، العينة السلعة عند البائع، باع عليك السلعة بثمن مؤجل، ثم اشتريتها بأقل من ثمنها نقداً، حصلت على النقد، والسلعة هي عند البائع.

كذلك أيضاً في التورق المصرفي، المصرف يقوم بهذه العملية، عنده السلعة، يقوم يشتري السلعة ثم بعد ذلك يبيعها على المشتري، ثم بعد ذلك يتوكل على المشتري ببيع على طرف ثالث، فيصبح دور العميل أنه كما أسلفنا يحدد التمويل الذي يريد، ويوقع على الأوراق، ويأخذ الدراهم على أن تكون عليه بأكثر من ثمنها مؤجلاً، فقالوا: إن إلحاق التورق المصرفي ببيع العينة الذي منعه جمهور الفقهاء أقرب من إلحاقه بالتورق الذي أجازه جمهور الفقهاء، وذلك لأن المصرف هو الذي يبيع السلعة للمتورق بأكثر من ثمنها نقداً، وهو الذي يتولى بيعها لمن يشاء نقداً وبأقل من ثمنها، فلا فرق بين هذا وبين شراء المصرف لنفسه، فإنه إذا اشتراها لنفسه فهذا هو بيع العينة، فالمصرف يتولى كل شيء في التورق المصرفي، وليس على المتورق سوى بيان مبلغ التمويل.

كذلك أيضاً من الأدلة على التحريم، وهو من أهم أدلتهم: أن التورق المصرفي يواجه نقص أسعار السلع، يعني: البنك الآن يشتري السلع، قد نقول بأن البنك مالك للسلع، لكن ما يعمل الآن البنك لكي لا تنزل السلع فيتضرر العميل؟ الآن اشترى سلعاً بمليون ريال هذا الأسبوع؛ لأنه قدر أنه سيأتيه من العملاء كذا وكذا، يقوم البنك بعد أن يشتري السلع ويتفق مع شركات أخرى على أنه سيبيع هذه السلع بكذا وكذا، هو الآن اشترى السلع بمليون، يتفق مع شركات أخرى على أنه سيبيعها هذه السلع بمليون، هنا البنك تصرف بشيء لا يملكه، فهذا التصرف الذي ألجأه إلى ذلك لكي لا تنزل قيم هذه السلع، يكون محتفظاً بقيم هذه السلع؛ لأن قصد المتورق هو الحصول على الثمن، فيأتي العميل ويقول: أريد كذا وكذا من الحديد، أو كذا وكذا من النحاس.. إلى آخره، فيبيعه. يقول لك: أبيع عليك، ثم بعد ذلك يبيعها عليه بأقل من ثمنها نقداً، وقد اتفق البنك مع شركات أخرى كما في الأسواق العالمية لكي يضمن عدم نقص الأسعار، فيقوم ويبيع عليه ثم يأخذ منه وكالة على أن يبيعها له بأقل من ثمنها نقداً، فباع عليه بثمن مؤجل بأكثر مما اشترى به، ثم يأخذ منه وكالة وقد اتفق مع شركات أخرى على أن يبيعها بكذا وكذا، فيأخذ من الشركات، ويحول هذا المعامل إلى حساب تلك الشركات، ويضع الثمن في حساب العميل، وهذا يترتب عليه أمور كثيرة؛ لكون البنك يقوم ببيع ما لا يملكه، وكذلك أيضاً تصرف العميل بشيء غير موجود.

يعني: صفقة اتفقت فيها هذه الشركات العالمية كما يحصل في بيوع السمسرة، ويكون عمل العميل على شيء غير موجود، هذا حديد والحديد هذا قد اتفق مع هذه الشركات على أنها تأخذه بثمن كذا وكذا.. إلى آخره، وهذا الاتفاق هو البيع، العقود راجعة إلى أعراف الناس، فيكون عمل العميل في غير شيء، إنما هو مجرد أوراق يختمها، ينزل في حسابه كذا وكذا، ويلزم بكذا وكذا من المال، وقد سألت أحد المستمرين باللجان الشرعية في البنك الأهلي فقال: إن هذه الخطوة بأنه يجري هذه الخطوة، يقوم باتفاق مع شركات أخرى ببيع مثل هذه السلع.

الذين قالوا بالجواز استدلوا بأدلة قالوا: بأن التورق أجازه جمهور العلماء رحمهم الله، وهذا نوع من التورق، لكن هذا غير مسلم، بل كونه إلى العينة أقرب من كونه إلى التورق؛ لأن النقد في التورق الذي أجازه العلماء المتورق هو الذي يأخذ السلعة ويذهب ويعرضها للبيع، قد يبيعها، قد يستعملها، قد يبيعها بأقل من الثمن الذي اشتراها به، قد يبيعها بمثل الثمن، قد يبيعها بأكثر، قد ترتفع الأسعار، أما هنا لا، المتورق محكوم ليس له أن يتصرف، يعني: اشترى بخمسين ألفاً عليه سبعون ألفاً، الأسعار ارتفعت هذا ليس له دخل؛ لأن هذه السلع قد اتفق مع شركات أخرى، وفي هذا أيضاً إضرار بالمتورق، إضرار بنفس العميل، من أن هذه السلع قد تزيد أسعارها ومع ذلك تكون من نصيب الشركات الذي اتفق معها البنك.

وقالوا: إن الأصل في المعاملات الحل، صحيح الأصل في المعاملات الحل، لكن هذه تبين تحريمها، ولهذا قبل أشهر صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بتحريم هذه المعاملة، وهي التورق عن طريق المعادن، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

تعريفه كما ذكر بعض الاقتصاديين بأنه قيام المصرف بتركيب عملية التورق من مشتري، بحيث يبيع سلعة على المتورق بثمن آجل، ثم ينوب عن المشتري الذي هو المتورق ببيع السلعة نقداً لطرف آخر، فيسلم الثمن النقدي للمتورق على أن يسدد للبنك أكثر من هذا الثمن مؤجلاً على أقساط.

الآن الذي يوجد في البنوك صنفان من السلع:

الصنف الأول المعادن ما يسمى بالمعادن، والصنف الثاني الأسهم. وأول من بدأ بهذه العملية هو البنك الأهلي بما يسمى بتيسير الأهلي عام 1421 ثم بعد ذلك تتابعت البنوك بهذه الطريقة؛ لأن هذه الطريقة طريقة سهلة في كسب البنك، وأيضاً طريقة سهلة لحصول العميل على النقد ،فجاء البنك العربي الوطني بما يسمى بالتورق المبارك، أيضاً البنك البريطاني السعودي بما يسمى بعملية مال، البنك السعودي الأمريكي بما يسمى سامبا، كذلك أيضاً بقية البنوك يسمونها كيفية أو التورق المبارك أو التورق الخير.. إلى آخره.

نفس عملية بيع المعدن في التورق المصرفي لكن ننقضها كما في نشرات البنوك، يقوم المصرف بشراء السلع، وغالباً تكون هذه السلع من المعادن: الزنك، النيكل، الصفيح، النحاس، بقدر ما يحتاجه العملاء كل أسبوع، وإنما كان الاختيار لهذه المعادن؛ لأن هذه المعادن من المعادن الأساسية التي يجري فيها التعامل يومياً عالمياً، ويتقدم العميل للمصرف بطلب شراء معدن كذا وكذا صفته كذا وكذا، وإنما كان الشراء عن طريق الربط؛ لأن الغالب أن هذه المعادن تكون في الخارج، تكون مثلاً في دولة البحرين، تكون أيضاً في بريطانيا تكون في الخارج، فيتقدم العميل إلى المصرف بطلب شراء معدن صفته كذا وكذا لكونه غالباً في دولة أخرى كالبحرين مثلاً بعد شراء العميل هذه الوحدات من المعدن يقوم العميل بتوكيل المصرف في قبض المعدن وبيعه له، الآن المصرف اشترى المعدن، والعميل اشتراه منه، ويوكل المشتري العميل البائع في أن يشتري له من نفسه، ثم يوكله مرة أخرى في أن يبيع هذا المعدن على طرف ثالث، يتفق المصرف مع جهات أخرى بشراء تلك السلع كما سيأتي بيانه.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
المسائل الطبية والمعاملات المعاصرة [5] البطاقات المصرفية 1551 استماع
المسائل الطبية والمعاملات المعاصرة [3] علامات الوفاة وأجهزة الإنعاش - تضمين الطبيب 1383 استماع
المسائل الطبية والمعاملات المعاصرة [2] الإجهاض - علامات الوفاة وأجهزة الإنعاش 1318 استماع
المسائل الطبية والمعاملات المعاصرة [1] الإجهاض 1096 استماع
المسائل الطبية والمعاملات المعاصرة [6] البطاقات المصرفية - التورق المصرفي 1012 استماع