المسائل الطبية والمعاملات المعاصرة [2] الإجهاض - علامات الوفاة وأجهزة الإنعاش


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وبعد:

تكلمنا في الدرس السابق عن شيء من مسائل الإجهاض وأحكامه، وكان من ضمن حديثنا تعريف الإجهاض في اللغة والاصطلاح، وذكرنا شيئاً عن حكم الإجهاض في الديانات السابقة وفي الشريعة الإسلامية من حيث الجملة، وذكرنا أيضاً شيئاً من تاريخه، ثم تطرقنا إلى أحكام الإجهاض بالتفصيل، وذكرنا إجهاض الجنين دون ضرورة شرعية، وذكرنا أن هذه المسألة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الإجهاض في مرحلة النطفة.

والقسم الثاني: الإجهاض ما بين مرحلة النطفة إلى مرحلة نفخ الروح.

والقسم الثالث: الإجهاض بعد نفخ الروح.

وتلخص لنا من خلال البحث وما دلت عليه الأدلة الشرعية أن الإجهاض بمراحله الثلاث محرم ولا يجوز.

ثم بعد ذلك تكلمنا عن حكم الإجهاض لضرورة شرعية كما لو خشي على سلامة الأم، وذكرنا أن هذه المسألة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول ما قبل نفخ الروح، والقسم الثاني ما بعد نفخ الروح، وتكلمنا على كل قسم من هذه الأقسام.

وبقي علينا من مسائل الإجهاض مسألتان، ثم بعد ذلك سنتطرق لمسألة أخرى، وهي علامة الوفاة بين الفقهاء والأطباء، وحكم رفع أجهزة الإنعاش عن المريض كما سيأتي إن شاء الله.

حكم إجهاض النطفة المحرمة

بقي علينا مسألتان تتعلقان بالإجهاض، أما المسألة الأولى، وهي إجهاض النطفة المحرمة، يعني: إذا كان سبب الإجهاض أخلاقياً كما لو حصل زناً وحملت المرأة بسبب هذا الزنا، فهل يجهض الجنين أو لا يجهض الجنين؟

ومن المعروف في وقتنا الحاضر انتشار الزنا في بلاد الكفر، وحتى في كثير من بلاد الإسلام انتشر الزنا، وسبب انتشاره ما يوجد اليوم من آلات اللهو وعرض الأفلام والمسلسلات التي تدعو إلى هذه الفاحشة.

لما انتشر الزنا في بلاد الكفر اضطرت هذه البلاد إلى القول بإباحة الإجهاض، فأصدرت القرارات التي تبيح الإجهاض، بل أصبح الإجهاض في بعض بلاد الكفر تجارة رائجة، يروج لها في الصحف ويدعى لها بالإعلانات، وسبق أن أشرنا في الدرس السابق أن في مدينة نيويورك الأمريكية ما يقرب من ثلاثمائة عيادة متخصصة في إجهاض الأجنة.

إجهاض النطفة المحرمة ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ما قبل نفخ الروح، يعني: في مرحلة النطفة والعلقة والمضغة قبل أن تنفخ فيه الروح، فهذا اختلف فيه الفقهاء المعاصرون، هل يجوز إجهاض هذه النطفة المحرمة قبل نفخ الروح أو لا يجوز؟

الرأي الأول: قالوا بعدم الجواز، وأنه لا يجوز الإجهاض، وليس هناك ضرورة تدعو إلى إسقاط هذه النطفة، واستدلوا على ذلك بقصة الغامدية ، فإن الغامدية أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا، فلم يقم النبي صلى الله عليه وسلم عليها حد الزنا حتى وضعت، بل استبقى هذا الجنين، ولو كان هذا الجنين يجوز إجهاضه لأقام عليها النبي صلى الله عليه وسلم حد الزنا؛ لأنها إذا أقيم عليها حد الزنا ستتلف وسيتلف الجنين، وإنما أخر النبي عليه الصلاة والسلام إقامة حد الزنا حتى ولدت، مما يدل على أن هذه النطفة أو الحمل ولو كان قبل نفخ الروح أن له حرمة، فلا تنتهك هذه الحرمة.

وذهب بعض أهل العلم إلى التفصيل، فقال: إن كان الزنا عن إكراه جاز إجهاض هذا الجنين قبل نفخ الروح، وإن كان عن رضا بين الزانيين فإنه لا يجوز؛ لأنه إذا كان عن إكراه فإن المرأة تكون معذورة بأن هذا الجنين سيقدم لها ضرراً وحزناً، وما دام أنها معذورة جاز إجهاضه.

الرأي الثالث: أنه يجوز إجهاض النطفة المحرمة قبل نفخ الروح مطلقاً، سواء كان الزنا عن إكراه أو كان عن رضا؛ لأن هذه النطفة نطفة محرمة، والمحرم شرعاً كالمعدوم حساً، فليس لها حرمة، وأذكر قبل سنوات أني سألت الشيخ محمداً رحمه الله عن إجهاض النطفة المحرمة قبل نفخ الروح فأجاب بأن هذه النطفة المحرمة تجهض، والدليل على ذلك -كما تقدم- أن هذه النطفة لا حرمة لها؛ لأنها محرمة شرعاً، وما كان محرماً شرعاً فهو كالمعدوم حساً.

وأيضاً هذه النطفة تسبب ضرراً وأذى بالنسبة للمرأة ولعائلتها، وأيضاً لنفس الجنين بعد ولادته فيلحقه شيء من الأذى والضرر لكونه ابن زنا.

والأقرب في هذه المسألة أن يقال بالتفصيل، فإن كانت المرأة أكرهت على الزنا أو كان عن رضا وتابت ورجعت إلى الله عز وجل، فإنه يجوز إجهاض هذا الجنين ما دام أنه قبل نفخ الروح؛ لأن بقاءه فيه ضرر على أمه، وعلى أسرته، وأيضاً كما ذكرنا وأسلفنا أنه حتى الجنين يلحقه ضرر بعد وجوده، والقواعد الشرعية أنه يرتكب أخف الضررين وأهون الشرين، والمشقة تجلب التيسير، مع أن هذه النطفة نطفة محرمة شرعاً، وما كان محرماً شرعاً فهو كالمعدوم حساً.

والخلاصة في هذه المسألة: أن المرأة إذا أكرهت على الزنا، أو كان الزنا عن رضا لكنها تابت وأنابت فإن إسقاط مثل هذه النطفة يظهر أنه لا بأس به إن شاء الله، وأما إذا كان الزنا عن رضا ولم تتب وترجع فإن الإجهاض محرم ولا يجوز.

أما القسم الثاني من قسمي الإجهاض بالنسبة للنطفة المحرمة أو للجنين المحرم، أو لولد الزنا: ما كان بعد نفخ الروح، فإذا كان بعد نفخ الروح بأن تم لهذا الجنين عشرون ومائة يوم فإن إسقاطه محرم ولا يجوز، لما في ذلك من قتل نفس معصومة؛ فإن هذا الجنين لما نفخت فيه الروح أصبح نفساً معصومة، لا يجوز الإقدام على قتلها، والأضرار التي تلحق بالأم أو قد تلحق بالجنين بعد ولادته لا تساوي ضرر قتله، فإن ضرر قتله من أكبر الكبائر، والله عز وجل يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، ويقول: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الأنعام:151]، وتقدم لنا أيضاً حديث ابن مسعود : ( لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث ... ) وأيضاً من مقاصد الشريعة حفظ الضروريات الخمس التي اتفقت عليها الشرائع، ومن هذه الضروريات التي اتفقت عليها الشرائع ما يتعلق بحفظ النفس، فإذا كان بعد نفخ الروح فإن الإقدام على قتله محرم ولا يجوز، ويأثم فيه صاحبه، ويكون أتى كبيرة من كبائر الذنوب، ويأخذ حكم العمد في قتل الجنين، ويترتب عليه ما ذكره العلماء رحمهم الله من إيجاب الدية، والمعاقبة في قتل الجنين عمداً.

الإجهاض لتشوه الجنين

المسألة الأخيرة: الإجهاض خشية تشوه الجنين، وتشوه الجنين هو عبارة عن توقع وخشية إصابة الجنين بعاهات خلقية.

وقد ذكر الأطباء أن التشوهات التي تحصل للأجنة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: التشوهات التي تحصل للأجنة في الأسبوعين الأولين من الحمل، في الأسبوع الأول وفي الأسبوع الثاني، فإذا تعرضت الأجنة في هذين الأسبوعين لعوامل مؤثرة خارجية فإن الغالب أن الأجنة تتلف، وأيضاً الغالب أن الأرحام تقوم بإسقاط هذه الأجنة التي حصل لها هذا التشوه وهذا العيب، وقد سبق أن أشرنا إلى أن الإجهاض الطبيعي هو عبارة عن عملية طبيعية يقوم بها الرحم في إسقاط الأجنة المعيبة، وذكرنا أن الأطباء يذكرون أن ما بين سبعين إلى تسعين بالمائة من الأجنة التي تحصل عن طريق الإجهاض الطبيعي أنها تكون مشوهة، هذه المرحلة الأولى، وهي حدوث التشوه أو العيب في الأسبوعين الأولين.

المرحلة الثانية: حدوث التشوه ما بين الأسبوع الثالث إلى الأسبوع الثامن، هذه المرحلة هي من أدق المراحل فيما يتعلق بحدوث التشوهات للأجنة، فالجنين في هذه المرحلة يتأثر بالعوامل الخارجية، وينحسر عن مساره ويخرج مشوهاً، وذكر الأطباء أن العوامل التي تؤدي إلى التأثير على الأجنة في هذه المرحلة الثانية كثيرة، يذكرون من هذه العوامل: العوامل الوراثية، ويذكرون من ذلك تناول الأدوية، ويذكرون أيضاً المركبات الكيميائية، وأيضاً الإشعاعات إلى آخره.

فنفهم أن أدق المراحل فيما يتعلق بتشوه الأجنة هو من بداية الأسبوع الثالث إلى الأسبوع الثامن، ففي هذه المرحلة يحتاط للجنين من الأشياء التي تؤدي إلى تعيبه، فإنه في هذه المرحلة يتأثر الجنين، أما في المرحلة السابقة فلو حصل تأثر فإنه يسقط بإذن الله عز وجل، غالباً أنه يسقط، أما في هذه المرحلة فإن الغالب أنه يتأثر ويبقى، فيحتاط للجنين بهذه المرحلة.

المرحلة الأخيرة هي ما بعد المرحلة الثانية، وهذه التشوهات الأطباء يقولون بأن الجنين غالباً ما يتأثر، ولو حصل له تأثر فإن التأثرات التي تحصل له تكون بسيطة.

حكم الشريعة فيما يتعلق بالجنين المتشوه نقول بأن الحكم الشرعي يتلخص بثلاث نقاط:

النقطة الأولى: منع هذه التشوهات، وذلك بالاحتياط للأجنة، فتحتاط الأم ويحتاط الأب في الوقاية من المؤثرات الخارجية التي قد تؤدي إلى التأثير على الجنين، وذكرنا شيئاً منها كبعض الأدوية، والمركبات الكيميائية، وكذلك أيضاً الإشعاعات، وكذلك أيضاً يذكر الأطباء الأمراض التي تصيب الحامل كالسكري والغدة الدرقية، وأمراض سوء التغذية.. إلى آخره، فيكون الأمر الأول هو منع هذه التشوهات، والشريعة جاءت بقاعدة سد الذرائع.

الموقف الثاني: علاج هذه التشوهات، فإذا أمكن معالجة هذا الجنين وهو في بطن أمه إذا حصل له عيب وتحقق الأطباء من وجود عيب فيه، وأمكن علاجه فإن هذا هو الواجب.

إذاً: الموقف الأول منع هذه التشوهات، الموقف الثاني: علاج هذه التشوهات، وبسبب ترقي الطب اليوم ممكن علاج كثير من تشوهات الجنين في بطن الأم.

الموقف الثالث: الإجهاض، هل يصار إلى هذا الإجهاض أو لا يصار إذا لم يتمكن الأطباء من علاج هذه التشوهات؟

الفقهاء في الوقت الحاضر يقسمون هذه التشوهات التي تحصل للأجنة إلى قسمين:

القسم الأول: التشوهات التي تحصل قبل نفخ الروح، يعني: أن يكتشف أن هذا الجنين قد حصل له عيوب خلقية قبل نفخ الروح، فهذا أكثر المعاصرين يجوزون إجهاض الجنين في هذه المرحلة، يعني: إذا كان الجنين معيباً خلقياً، وفيه تشوهات، فأكثر المعاصرين يجوزون إجهاضه في هذه المرحلة لقاعدة ارتكاب أخف الضررين، فالإجهاض ضرر وخروجه معيباً عيباً خلقياً هذا فيه ضرر عليه وعلى والديه.

القسم الثاني: اكتشاف هذه التشوهات والعيوب الخلقية بعد نفخ الروح فهذا لا يجوز إجهاضه، لما تقدم من الأدلة على حرمة قتل النفس؛ لأنه بعد نفخ الروح أصبح نفساً معصومة لا يجوز الإقدام على قتلها وانتهاك حرمتها، وذكرنا الأدلة على ذلك.

لكن تقدم لنا أن أكثر المعاصرين يجوزون إجهاض الجنين بعد نفخ الروح إذا كان في بقائه ضرراً محققاً على أمه فتقدم لنا أن أكثر المتأخرين يجوزون إجهاضه في هذه الحالة، وعلى هذا إذا كان هذا الجنين مشوهاً خلقياً ومريضاً، ومرضه سيؤدي إلى هلاك محقق للأم، على ما سبق أن ذكرنا من الخلاف بين المتقدمين والمتأخرين في حكم الإجهاض، فالمتقدمون لا يرون الإجهاض، وأما بالنسبة للمتأخرين فيقولون: إذا كان يحصل هلاك محقق للأم فإنها تجهض، فإذا كان هذا الطفل مرضه سيؤدي إلى تسمم الأم، ويؤدي بها إلى الهلاك المحقق فإنه على قول المتأخرين يجوز إجهاضه في هذه الحال.

الأصل المنع من الإجهاض وعدم قبول المبررات الظنية

بقي تنبيه ذكره بعض الأطباء فقال: ما يتعلق بالعيوب التي تصيب الأجنة أو التشوهات التي تصيب الأجنة هي أمور ظنية، يعني: ليست أموراً محققة، وعلى هذا فإن الوالدين وكذلك أيضاً الطبيب لا يجوز لهم التسرع في الإجهاض؛ لأن هذه أمور ظنية، فالأطباء تارة يذكرون شيئاً ثم بعد ذلك ينقضونه، فقال: بأن هذه أمور ظنية، وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز الإقدام على إجهاضه حتى ما قبل نفخ الروح لا يجوز الإقدام على إجهاضه، حتى يتحقق ذلك ممن يثبت لقوله من الأطباء؛ لأنه كما أسلفت بعض الأطباء أحياناً يذكرون شيئاً ثم بعد ذلك ينقضونه، هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني قال: إن هذه العيوب والتشوهات الغالب أنها لا تكتشف إلا بعد نفخ الروح، فإذا كان كذلك وأنها لم تكتشف إلا بعد نفخ الروح فتقدم أن ذكرنا أنه لا يجوز الإجهاض بعد نفخ الروح إلا على قول المتأخرين الذين جوزوا الإجهاض إذا كان في بقاء الجنين هلاك محقق على الأم.

بقي علينا مسألتان تتعلقان بالإجهاض، أما المسألة الأولى، وهي إجهاض النطفة المحرمة، يعني: إذا كان سبب الإجهاض أخلاقياً كما لو حصل زناً وحملت المرأة بسبب هذا الزنا، فهل يجهض الجنين أو لا يجهض الجنين؟

ومن المعروف في وقتنا الحاضر انتشار الزنا في بلاد الكفر، وحتى في كثير من بلاد الإسلام انتشر الزنا، وسبب انتشاره ما يوجد اليوم من آلات اللهو وعرض الأفلام والمسلسلات التي تدعو إلى هذه الفاحشة.

لما انتشر الزنا في بلاد الكفر اضطرت هذه البلاد إلى القول بإباحة الإجهاض، فأصدرت القرارات التي تبيح الإجهاض، بل أصبح الإجهاض في بعض بلاد الكفر تجارة رائجة، يروج لها في الصحف ويدعى لها بالإعلانات، وسبق أن أشرنا في الدرس السابق أن في مدينة نيويورك الأمريكية ما يقرب من ثلاثمائة عيادة متخصصة في إجهاض الأجنة.

إجهاض النطفة المحرمة ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ما قبل نفخ الروح، يعني: في مرحلة النطفة والعلقة والمضغة قبل أن تنفخ فيه الروح، فهذا اختلف فيه الفقهاء المعاصرون، هل يجوز إجهاض هذه النطفة المحرمة قبل نفخ الروح أو لا يجوز؟

الرأي الأول: قالوا بعدم الجواز، وأنه لا يجوز الإجهاض، وليس هناك ضرورة تدعو إلى إسقاط هذه النطفة، واستدلوا على ذلك بقصة الغامدية ، فإن الغامدية أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا، فلم يقم النبي صلى الله عليه وسلم عليها حد الزنا حتى وضعت، بل استبقى هذا الجنين، ولو كان هذا الجنين يجوز إجهاضه لأقام عليها النبي صلى الله عليه وسلم حد الزنا؛ لأنها إذا أقيم عليها حد الزنا ستتلف وسيتلف الجنين، وإنما أخر النبي عليه الصلاة والسلام إقامة حد الزنا حتى ولدت، مما يدل على أن هذه النطفة أو الحمل ولو كان قبل نفخ الروح أن له حرمة، فلا تنتهك هذه الحرمة.

وذهب بعض أهل العلم إلى التفصيل، فقال: إن كان الزنا عن إكراه جاز إجهاض هذا الجنين قبل نفخ الروح، وإن كان عن رضا بين الزانيين فإنه لا يجوز؛ لأنه إذا كان عن إكراه فإن المرأة تكون معذورة بأن هذا الجنين سيقدم لها ضرراً وحزناً، وما دام أنها معذورة جاز إجهاضه.

الرأي الثالث: أنه يجوز إجهاض النطفة المحرمة قبل نفخ الروح مطلقاً، سواء كان الزنا عن إكراه أو كان عن رضا؛ لأن هذه النطفة نطفة محرمة، والمحرم شرعاً كالمعدوم حساً، فليس لها حرمة، وأذكر قبل سنوات أني سألت الشيخ محمداً رحمه الله عن إجهاض النطفة المحرمة قبل نفخ الروح فأجاب بأن هذه النطفة المحرمة تجهض، والدليل على ذلك -كما تقدم- أن هذه النطفة لا حرمة لها؛ لأنها محرمة شرعاً، وما كان محرماً شرعاً فهو كالمعدوم حساً.

وأيضاً هذه النطفة تسبب ضرراً وأذى بالنسبة للمرأة ولعائلتها، وأيضاً لنفس الجنين بعد ولادته فيلحقه شيء من الأذى والضرر لكونه ابن زنا.

والأقرب في هذه المسألة أن يقال بالتفصيل، فإن كانت المرأة أكرهت على الزنا أو كان عن رضا وتابت ورجعت إلى الله عز وجل، فإنه يجوز إجهاض هذا الجنين ما دام أنه قبل نفخ الروح؛ لأن بقاءه فيه ضرر على أمه، وعلى أسرته، وأيضاً كما ذكرنا وأسلفنا أنه حتى الجنين يلحقه ضرر بعد وجوده، والقواعد الشرعية أنه يرتكب أخف الضررين وأهون الشرين، والمشقة تجلب التيسير، مع أن هذه النطفة نطفة محرمة شرعاً، وما كان محرماً شرعاً فهو كالمعدوم حساً.

والخلاصة في هذه المسألة: أن المرأة إذا أكرهت على الزنا، أو كان الزنا عن رضا لكنها تابت وأنابت فإن إسقاط مثل هذه النطفة يظهر أنه لا بأس به إن شاء الله، وأما إذا كان الزنا عن رضا ولم تتب وترجع فإن الإجهاض محرم ولا يجوز.

أما القسم الثاني من قسمي الإجهاض بالنسبة للنطفة المحرمة أو للجنين المحرم، أو لولد الزنا: ما كان بعد نفخ الروح، فإذا كان بعد نفخ الروح بأن تم لهذا الجنين عشرون ومائة يوم فإن إسقاطه محرم ولا يجوز، لما في ذلك من قتل نفس معصومة؛ فإن هذا الجنين لما نفخت فيه الروح أصبح نفساً معصومة، لا يجوز الإقدام على قتلها، والأضرار التي تلحق بالأم أو قد تلحق بالجنين بعد ولادته لا تساوي ضرر قتله، فإن ضرر قتله من أكبر الكبائر، والله عز وجل يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، ويقول: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الأنعام:151]، وتقدم لنا أيضاً حديث ابن مسعود : ( لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث ... ) وأيضاً من مقاصد الشريعة حفظ الضروريات الخمس التي اتفقت عليها الشرائع، ومن هذه الضروريات التي اتفقت عليها الشرائع ما يتعلق بحفظ النفس، فإذا كان بعد نفخ الروح فإن الإقدام على قتله محرم ولا يجوز، ويأثم فيه صاحبه، ويكون أتى كبيرة من كبائر الذنوب، ويأخذ حكم العمد في قتل الجنين، ويترتب عليه ما ذكره العلماء رحمهم الله من إيجاب الدية، والمعاقبة في قتل الجنين عمداً.