خطب ومحاضرات
كيف نستقبل رمضان
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد.
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! بناء على أن هذه الليلة قد تكون من ليالي رمضان، وعلى سابق عهدنا في مثل الليالي الأولى من رمضان نتحدث مع الأبناء والإخوان عن الصيام وأحكامه.
فلهذا سوف يكون درسنا الليلة عن الصوم، وبين يدي الدرس ملاحظتان:
الأولى: قوله صلى الله عليه وسلم: ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )، وهذا حديث في الصحيحين، وأضفت إلى ذلك وقلت: الكبائر والصغائر على حد سواء، فتعقب أحد الأساتذة القول وقال: الكبائر لا بد لها من توبة.
فقلت للمتعقب: ما قلته حق، والذي أعنيه أنا هو أيضاً حق، ما الذي أعني؟
أعني الذي صام رمضان إيماناً واحتساباً لا يتوقع منه الإصرار على الذنوب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق: ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) هذا الحديث مطلق، فلفظ الذنوب هنا يتناول الكبائر والصغائر؛ لأن التوبة داخلة ضمن الخبر، يصوم رمضان إيماناً بالله وشعائره ووعد الله ووعيده ولقائه، ويحتسب أجره كاملاً على الله وهو مصر على الزنا أو السرقة.. أو ما إلى ذلك من كبائر الذنوب؟! هذا لا يعقل.
وحينئذ فهو تائب والتوبة تجب ما قبلها، إذاً: فهو يتعرض لأن يغفر ذنبه الذي سلف منه كله، سواء كان صغيراً أو كبيراً.
وإن هو عاد إلى الذنب بعد التصفية هذه فسوف يسجل عليه ذلك، ولا ينفعه أن غفر ذنبه الماضي، لكن ما دام صام رمضان إيماناً واحتساباً، وهو غير مصر على ذنب يرتكبه يتحقق هذا الموعود فيغفر ذنبه الماضي صغيره وكبيره؛ لأنه تائب والتوبة تجب ما قبلها، فإن أحدث ذنباً بعد ذلك يستأنف هذا له، يسجل عليه ويؤاخذ به إن شاء الله أو يغفر له بمناسبة أخرى.
فيبدو ألا تعارض بين ما قلت وما كان من الأستاذ.
الملاحظة الثانية: هي سؤال قال صاحبه فتح الله علينا وعليه: بسم الله الرحمن الرحيم: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا [الطلاق:8] هل هذه الآية تتناولنا أو هي في غيرنا؟
الجواب: لا أقول: تتناول، ولا أقول: لا تتناول، السلوك هو السلوك، فمن سلك مسلك أهل هذه القرية أو القرى التي أخبر الله تعالى عنها فسوف يحصل لهم ما حصل لأولئك؛ لأن قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ [الطلاق:8] أي: وكثير من العواصم والحواضر والمدن: عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ [الطلاق:8] المراد من القرية والقرى أهلها قطعاً، ومعنى عتوا: تمردوا وعصوا، أبوا أن يطيعوا أوامر الله وأوامر رسله.
فلما عتت عن أمر الله وترفعت عنه، وأبت الإذعان والانصياع، سنة الله تعالى في هذه الأمم أن يذيقها العذاب الشديد في الدنيا قبل الآخرة.
فالآية إذاً تحذرنا أن نسلك سبيل الهالكين، كأنها تقول: أطيعوا الله ورسوله، ولا تتمردوا على شريعة الله، ولا تتمنعوا من القيام بالواجبات والفرائض، وإياكم أن تغشوا المحرمات أو ترتكبوا كبائر الذنوب والسيئات، فإن كثيراً من القرى عتا أهلها عن أمر الله ورسله فحاسبناها حساباً شديداً، وعذبناها عذاباً نكراً.
الآية تحمل التحذير، التنبيه، التخويف.. ومن أنذر فقد أعذر.
هذا جواب السؤال، ولعل صاحبه يكاد يقول: يا جماعة خافوا الله، لا تتمردوا على شرع الله، أذعنوا له، أسلموا بقلوبكم ووجوهكم، فإن كثيراً من الأمم والشعوب أبادها الله وأزالها من الوجود نتيجة عتوها وطغيانها، وهو كما قال، ولا تغتروا بالأيام الطويلة؛ فإن يوماً عند الله كألف سنة مما نعد.
ويقول السائل أيضاً: ما معنى قوله: ( وأربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه )؟
ورد: (الربا كذا وسبعون باباً أيسرها أن يزني الرجل بأمه، ولكن أربى الربا -أكثر الربا وأعظمه- أن تنال من عرض أخيك المؤمن).
الربا أكل مال حرام، والنيل من عرض المؤمن الصالح أكل للحم المؤمن، وأكل لحم عبد مؤمن صالح أفظع من أكل مال حرام.
وبعد هذا يكاد السائل يقول: يا جماعة لا تفش فيكم الغيبة والنميمة، كأنه لاحظ هذا كله، فإياكم والاستطالة في عرض إخوانكم.
نعود إلى الملاحظة الأولى ونقول: المراد بالذنب الكبير والصغير، وبعض أهل العلم قالوا: المعروف أن الكبائر لا تغفر إلا بالتوبة، فقلت أنا: التوبة مندرجة في كونه صام إيماناً واحتساباً؛ إذ لا يتصور أن شخصاً يصوم إيماناً واحتساباً وهو يزني أو يأكل الربا أو يسرق في رمضان، فقلت: هذه التوبة المندرجة في هذه المسابقة تجب ما قبلها، وعليه فيحمل الحديث على ظاهره، فالذي يغفر الذنب الماضي؛ كبيراً كان أو صغيراً.
الحمد لله، معاشر المستمعين، لماذا نصوم نحن المسلمين؟
إن بعض الجاهليين والملاحدة والضائعين ينتقدوننا في الصوم، ويقولون: لم يصوم المسلم ويجوع بطنه ويعطل طاقاته في رمضان؟ وقد يقولون: ليس الله في حاجة إلى أن تجوعوا نفوسكم وبطونكم.
فما هو جوابنا؟
أمر الله بالصوم
إذا أمر مدير الشغل العامل أن يفعل كذا أو يترك كذا يلام؟! ما يلام.
فلا يلمنا أحد؛ فإننا نصوم لأن سيدنا أمرنا بالصيام، ما قلنا في يوم من الأيام: نحن أحرار أبداً، وإنما ما زلنا نعرف أنفسنا بعبوديتنا لله، أين أمر الله؟ قال تعالى في سورة البقرة من كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183] (كتب): فرض وألزم، ولا نستطيع محو هذا الكتاب ولا تغيير ألفاظه ولا معانيه، والحمد لله لم يشأ الله إرهاقنا أو إعناتنا وحدنا، وإنما هذا حكمه في كل الأمم التي سبقت، ما وجدت على الأرض أمة من الأمم من الصين شرقاً إلى الأطلنطي غرباً إلا وقد عرفت الصيام، وشرع لها أيام النبوات السابقة والرسالات السالفة، وما زال الصوم يعرف حتى عند المجوس واليهود والنصارى وعند البوذيين .. وما إلى ذلك، الكل يعرفون الصيام إلى اليوم.
وقال تعالى للأمر: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] من يقول: أنا لها؟ نحن العبيد.
(فمن شهد منكم الشهر) أي: حضره ولم يكن مسافراً فليصمه، وإن كان ذا عذر فله عذره، ولا عذر إلا مرض أو سفر، ويدخل في المرض الحيض والنفاس.
كون الصيام أحد قواعد الإسلام الخمس
ديننا انبنى على صيام رمضان، فهل نهدم ديننا الذي نحيا له ونموت، نهدمه بترك الصيام؟ هل يعقل هذا؟ فكيف يطلب منا ألا نصوم؟ نحن عقلاء وبصراء، ولسنا بمقلدين ولا بعميان؛ نقول على علم ونعمل على علم، ديننا الذي ضحينا بالرخيص والغالي من أجله ينهدم بين أيدينا وتسقط أركانه؟ فالذي يحاول منا ألا نصوم يحاول عبثاً.
كون الله عز وجل يحب الصوم
وقد قررنا غير ما مرة، وبينا للطالبين والسالكين أن ولاية الله عز وجل لا تنال إلا بموافقته، أحبب ما يحب الله وأبغض ما يبغض الله، أنت ولي الله.
والذي يحاول أن يكره ما يحب الله، أو يحب ما يكره الله، فليعلم أنه عدو الله، ولا معنى للولاية أبداً، إنما هو عدو لله، والله لا نشك في هذا كما لا نشك أن بعد الليلة غداً.
الولاية: هي الموافقة، وافق سيدك تكن وليه، خالفه تكن عدوه.
فلهذا إذا بلغنا أن الله يحب مريم بنت عمران أحببناها أكثر مما نحب أمهاتنا وبناتنا؛ لأن الله أحبها، وإذا أحب الله عز وجل الصوم أحببناه بحب الله، فصمنا من أجل أن الله يحب الصوم، وقد علمنا أن الله يحب الصوم، وإليكم كلام رسوله الحامل لحب الله، قال صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به ).
(كل عمل ابن آدم له) قد ينتفع به من قريب أو بعيد، وتناله الحظوظ النفسية إلا الصوم فإنه خالص لله، والله يتولى جزاء الصائمين.
وأصرح من هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ).
(والذي نفسي بيده) وهو الله (لخلوف) أي: رائحة فم الصائم (أطيب عند الله من ريح المسك).
يا أهل القرآن من الدارسين! يذكر أن موسى عليه السلام لما كان بينه وبين الله موعد لملاقاته للمناجاة أمره بصيام شهر كرمضان، فصامه ولما أراد أن يناجي الله رأى أنه من اللائق أن يفطر حتى يذهب رائحة الفم الكريهة من شدة الصوم، ويناجي ربه، ولم يجد عنده طعاماً يزيل به تلك الرائحة، فتناول لحاء شجر -قشر من شجرة- وأخذ يلوكها ويبصقها حتى أزال رائحة الصوم، فأمره الله تعالى أن يصوم عشرة أيام أخرى؛ حتى تعود رائحة الفم كما هي، وهذا معنى قول الله تعالى: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف:142].
ربنا يحب الصوم ونحن نكرهه! أعوذ بالله، أعداء الله نحن؟ نحن المسلمون نتملق ربنا، أي شيء يحبه من الطعام، من الشراب، من الذوات، من الأجسام، من المعاني.. أي شيء يحبه الله نحبه، وإلا فما نحن بأولياء.
الصوم رجاء الأجر والثواب
وقد لا نحصل على أشياء إلا من طريق الصوم، من ذلك ما سمعتم: ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) كيف لا نثاب؟ عملية تصفية حسابات من السنة إلى السنة، نحن نلم بالذنوب والمعاصي، ونجترح السيئات ونقارف الذنوب الليل والنهار؛ إذ لسنا معصومين، فيأتي رمضان تصفى فيه الحسابات.
فنرجو أن نخرج منه وما علينا ذنب، وإن أذنبنا بعد العيد نستأنف حياتنا من جديد، ثم هل تعرفون أن باباً في دار السلام مختص بالصائمين، ودار السلام ما هي بغداد، ولا عاصمة تنزانيا، ولا فندق في المدينة سموه فندق دار السلام، دار السلام الجنة والله هو السلام وهي دار الله، وهو الذي يدعو إليها، واقرءوا إن شئتم: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ [يونس:25] فأجيبوا يا عباد الله، الله بناها ويدعو إليها وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ [يونس:25] هذه الجنة دار السلام، هل تستطيعون تحديدها بكندا، أو أمريكا الشمالية أو الجنوبية؟ بل القارات الست؟ بين مصراعي الباب كما بين عدن أبين إلى هجر.
هذه الجنة دار السلام عرفنا عنها أن أقل رجل يعطى حظه منها مثل القارات الست، هذا الرجل بقي وحده، وهو آخر من يخرج من جهنم، عنده لا إله إلا الله، لكن ذنوبه امتحشته وأحرقته وخرج حبواً، وكان آخر من يدخل الجنة ويعطى مثل الدنيا عشر مرات.
قد أنت تقول: ماذا نصنع بهذا كله؟ قلنا: لو نعطيك فندق دار السلام تفرح، ولو نقول: أضفنا إليك فندق التيسير، والله ما تقول: لا لا، يكفيني، أبداً، أنا أحلف بالله على أي واحد منكم أنه لن يرفض.
وأوضح من هذا مثلاً: ملك المملكة حفظه الله، لو نعطيه مملكة فارس، وقلنا: يكفي؟ ما يقول: يكفي أبداً، نزيده أوروبا.. ما يكفي، هذا مثال حي؛ لأن أبا القاسم أخبرنا وقال: ( لو أُعطي ابن آدم واديان من ذهب لتمنى الثالث، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ) لو نعطيك الآن شيئاً فشيئاً مثل المملكة وإفريقيا وآسيا، ولم يبق من عمرك إلا سنة أو نحوها، فلن تقول: يكفي، أبداً، هذا هو الآدمي.
والشاهد من هذا: لما نتكلم على دار السلام نكون على علم بها، ما هي قارة أو إقليم أو حديقة، لها ثمانية أبواب من صام وأكثر الصوم وأصبح يعرف به فهذا هو الصائم؛ لكثرة صيامه يعطى باباً يقال له: الريان، هذا الباب مختص بالصائمين، لا يدخله أحد إلا الصائمون وحدهم، فإذا دخلوا أغلق، ولا يتنافى مع حديثي فتحت له أبواب الجنة الثمانية؛ فهذا عام وذاك خاص.
من هو الذي تفتح له أبواب الجنة الثمانية؟
هنا مسابقة ما رأينا من دخلها حتى الآن، ولا يسأل عن حلها: وهي أن يتوضأ العبد فيحسن الوضوء ثم يرفع طرفه إلى السماء فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، تفتح له أبواب الجنة الثمانية، لو مات في تلك الساعة ما حجبه أحد، يدخل من أيها شاء، هذه مسابقة تعملون بها أو لا؟
ما نتوضأ ونحن ما ندري لماذا نتوضأ، ولا نتشهد ولا ندري لماذا نتشهد، يجب أن نكون عالمين بما نعمل.
وأخرى وهي أشق إلا على من يسرها الله عليه: وهي أن يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يفعل ما سمعتم، ثم يصلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بأمور الدنيا، يغفر له ما تقدم من ذنبه.
لكن لو أن عبداً يدخل هذه المسابقات لينجح فيها وهو يدعو غير الله، ويستغيث بغير الله، هذا ليس مسموحاً له بأن يدخل المسابقة، لا يدخل إلا أهل لا إله إلا الله.
شروط المسابقات معروفة حتى في الراديو، يكون كذا، وعنوانه كذا، ويعمل كذا، شخص إذا قال: يا رسول الله! هذا أغضب الله غضبة لولا رحمته لاحترق، فكيف بعد يقبله في مسابقة خطيرة كهذه؟ هذا كله بعد تحقيق لا إله إلا الله محمد رسول الله، أما مع الشرك والكفر والعياذ بالله تعالى، فلا عمل يقبل ولا عمل يرفع أبداً؛ لقول الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] الشرك هو الشرك، سواء تعبد الملائكة أو تعبد رجال البلاد، تعبد الشمس أو القمر أو تعبد الشجر والحجر.. كلها عبادة لغير الله، الغافل هو الذي يظن أن الذي يعبد حجراً أسوأ حالاً ممن يعبد نبياً، كلاهما سواء، كلاهما عبد غير الله، الله لا يرضى أن يعبد معه ملك مقرب ولا نبي مرسل، أما سمعتم الله تعالى يقول في الملائكة: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأنبياء:29].
كثير من إخواننا الغافلين يظنون أن الذي يستغيث بالرسول أو يذبح له.. ما فيه بأس، بل خير من أن يذبح للشجرة والحجرة، وهذا غلط، الرسول صلى الله عليه وسلم ما بعث ليعبد، وإنما بعث ليطاع حتى يعبد الله وحده.
إذاً: المسابقة لا يدخلها ولا ينجح فيها إلا من فرغ قلبه لله، وما أصبح في قلبه سوى الله، أما مع وجود السوى فلا نفع، هذا الواقع، والدين النصيحة.
إذاً: عرفتم لماذا نصوم؟ لأن الله يحب الصوم، ولأن للصائمين درجات تتوق أنفسنا إليها نحن المسلمين، منها: أن الذنوب تغفر، ومنها: أن الباب الذي اسمه الريان للصائمين، إذا عطش فهو ريان يوم القيامة، واسم هذا الباب ينهي العطش.
أولاً: نصوم نحن المسلمين؛ لأن الله تعالى أمرنا بالصوم، ونحن عبيده، ما كنا في يوم من الأيام أضداداً له ولا أعداء، ولا أنداداً ولا وزراء، كنا وما زلنا عبيداً، والعبد -عقلاً وقضاء وقانوناً وشرعاً- خاضع لتعاليم سيده، إذا قال: قف وقف، وإذا قال: امش مشى، هذا معروف عند البشر؛ مؤمنهم وكافرهم، ونحن ما زلنا نصرح بأننا عبيد الله ليس لنا من صبغة نصطبغ بها ونتميز بها إلا أننا عبيد الله، فصدر أمره إلينا: أن صوموا فصمنا، فلم تلوموننا؟
إذا أمر مدير الشغل العامل أن يفعل كذا أو يترك كذا يلام؟! ما يلام.
فلا يلمنا أحد؛ فإننا نصوم لأن سيدنا أمرنا بالصيام، ما قلنا في يوم من الأيام: نحن أحرار أبداً، وإنما ما زلنا نعرف أنفسنا بعبوديتنا لله، أين أمر الله؟ قال تعالى في سورة البقرة من كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183] (كتب): فرض وألزم، ولا نستطيع محو هذا الكتاب ولا تغيير ألفاظه ولا معانيه، والحمد لله لم يشأ الله إرهاقنا أو إعناتنا وحدنا، وإنما هذا حكمه في كل الأمم التي سبقت، ما وجدت على الأرض أمة من الأمم من الصين شرقاً إلى الأطلنطي غرباً إلا وقد عرفت الصيام، وشرع لها أيام النبوات السابقة والرسالات السالفة، وما زال الصوم يعرف حتى عند المجوس واليهود والنصارى وعند البوذيين .. وما إلى ذلك، الكل يعرفون الصيام إلى اليوم.
وقال تعالى للأمر: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] من يقول: أنا لها؟ نحن العبيد.
(فمن شهد منكم الشهر) أي: حضره ولم يكن مسافراً فليصمه، وإن كان ذا عذر فله عذره، ولا عذر إلا مرض أو سفر، ويدخل في المرض الحيض والنفاس.
ثانياً: لقد بنى الله تبارك وتعالى إسلامنا على خمس قواعد من بينها: صيام رمضان، فقد جاء في الصحيحين والموطأ قول النبي صلى الله عليه وسلم: من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: ( بني الإسلام على خمس )، أي: قواعد.
ديننا انبنى على صيام رمضان، فهل نهدم ديننا الذي نحيا له ونموت، نهدمه بترك الصيام؟ هل يعقل هذا؟ فكيف يطلب منا ألا نصوم؟ نحن عقلاء وبصراء، ولسنا بمقلدين ولا بعميان؛ نقول على علم ونعمل على علم، ديننا الذي ضحينا بالرخيص والغالي من أجله ينهدم بين أيدينا وتسقط أركانه؟ فالذي يحاول منا ألا نصوم يحاول عبثاً.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
انتبه .. إنها الساعة الحاسمة | 3860 استماع |
لماذا نصوم - شرح آخر -1 | 3656 استماع |
القرآن حجة لك أو عليك | 3551 استماع |
لماذا نصوم -1 | 3490 استماع |
سر الوجود | 3489 استماع |
الأمة الوسط | 3483 استماع |
وصايا لقمان كما وردت في القرآن | 3348 استماع |
دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى أن تقوم الساعة | 3234 استماع |
مناسك الحج | 3190 استماع |
الذكر والشكر | 3142 استماع |