لماذا نصوم - شرح آخر -1


الحلقة مفرغة

نصوم لأننا مسلمون

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الأيام القريبة من شهر رمضان ندرس أحكام رمضان استعداداً وتهيؤاً لصيام شهر رمضان المبارك.

وقد سبق لنا ومنذ قرابة نيف وعشرين سنة أن كتبنا رسالة في هذا الشأن، وكنا نقرؤها في مثل هذه الأيام تذكيراً منا فيه وتعليماً لغير العالمين، وهي تتعلق بالصيام وأحكامه، وها نحن نبتدئ قراءة الرسالة سائلين الله تعالى أن يعلمنا وينفعنا بما يعلمنا.

[ بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا نصوم نحن المسلمين؟ ].

لو سألنا سائل وقال: لم تصومون أيها المسلمون؟

قد يطرح هذا السؤال صليبي أو يهودي أو مجوسي أو بلشفي شيوعي: لم تصومون؟ فهل يحسن بنا أن نقول: لا ندري؟ أو نسأل أهل العلم: لماذا نصوم؟ لا ينبغي، بل لا بد أن نعرف لم نصوم؟

إذاً: جوابنا للسائل بأن نقول: [ نصوم لأننا مسلمون آمنا بالله رب العالمين رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً ].

نصوم لأننا مسلمون، ديننا الذي فضلنا الله به وجعلنا من أهله يأمرنا بالصيام، وكل أهل دين لهم عبادات يقومون بها، فلم إذاً يعترض علينا أو نلام.

نحن نصوم على علم؛ لأننا مسلمون آمنا بالله رباً، وبالقرآن إماماً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً، والله أمرنا بالصيام، ورسوله أمرنا بالصيام، وكتابه أمرنا بالصيام؛ فلهذا نصوم.

نصوم امتثالاً لأمر الله وطاعة له

قال: [ فلذا نحن المسلمين نصوم تنفيذاً لأمر الله ربنا وطاعة له عز وجل، حيث كتب على عباده المؤمنين الصيام وفرضه عليهم بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] ].

في عدة آيات بين فيها ما ينبغي أن نفعله وما لا ينبغي أن نفعله، والشاهد عندنا: أن الرب تعالى نادانا بعنوان الإيمان؛ لأننا مؤمنون، والمؤمنون -كما علمتم- أحياء قادرون على أن ينهضوا بالتكاليف، أما غير المؤمنين فلا يخاطبون ولا يؤمرون ولا ينهون؛ لأنهم في حكم الأموات، ويوم أن تنطق فيهم الروح ويشهد المرء أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتدب فيه الحياة يصبح مستعداً لأن يعمل بكل ما يسند إليه في حدود طاقته، وهذا هو السر في أن الله عز وجل يأمرنا وينهانا ويذكرنا ويعدنا بعدما ينادينا بهذا العنوان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:254]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:278] في عشرات الآيات يخاطبنا ويجعل ما عليه العمل هو الإيمان.

إذاً: كما عرفتم أن المؤمنين بحق أحياء وأن الكافرين أموات؛ فلهذا لا نكلف يهودياً ولا نصرانياً ولا بوذياً ولا بلشفياً شيوعياً بالغسل ولا بالوضوء ولا بالصلاة ولا بالصيام ولا بالجهاد، فلو يعرض علينا أن ينضم إلى صفوفنا يقاتل لرفضنا، وكم كان يعترض أفراد من المشركين الرسول صلى الله عليه وسلم في الطريق إلى غزوة يقولون: نقاتل معك يا محمد، فيقول: لا، إنا لا نستنصر بمشرك، ولا نطلب نصرتنا من مشركين.

المهم أنهم أموات: نادهم هل يسمعون ويحضرون المسجد؟ مرهم هل يطيعون؟ انههم هل ينتهون؟ لا، إذاً هم أموات، أما الحي يسمع النداء ويجيبه، تطلبه يعطيك، تمنعه يمتنع؛ لأنه حي، فالإيمان هو الروح هذه هي الحقيقة، وفاقده ميت أحب أم كره.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، وفي هذا ترويح على نفوس المؤمنين وتخفيف عليهم؛ لأن كلمة: (كتب عليكم) قد تهتز لها النفوس الضعيفة، ويشعر صاحبها بمسئولية وحمل ثقيل، فقال: (كما كتب على الذين من قبلكم) فلستم أنتم وحدكم جوّعتم ولا عطشتم في أيام القيظ أربع عشرة ساعة إلى ثماني عشرة ساعة، فالأمم التي سبقتكم كتبنا عليها الصيام امتحاناً لإيمانها وتزكية لنفوسها، فمن هنا لا تتألموا فأنتم كغيركم: (كما كتب على الذين من قبلكم).

ثم الحكيم دائماً يعلم أنه إذا أمر أو إذا نهى أو أعطى لا بد من علة يفهمها العاقل فتسكن نفسه وترضى بالمطلوب، فقال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] لعل هذه يسميها بعض العالمين: الإعدادية، وهي ليست التعليلية، كأنما يقول: كتب عليكم الصيام ليعدكم للتقوى ويهيئكم لها، وهو كذلك، فالذي يستطيع أن يمنع نفسه من الطعام والشراب كذا ساعة إيماناً واحتساباً يقوى على أن يمنعها أيضاً من كل خبيث أو دنيء أو ممنوع أو حرام، والذي لا يقوى لا يقدر على أن يمتنع عن شهوة بطنه وفرجه ساعات معدودة وأياماً معدودة فهو لما سواها أولى ألا يستطيع.

ومعنى هذا: أن الصيام يورث في الصائمين والصائمات ملكة التقوى، فإذا الشخص صام حقاً تستطيع أن تثق فيه مستقبلاً أن يفعل، لكن إذا انهزم وما استطاع أن ينتصر على شهوته فلا يعول عليه، ولا يسند إليه شيء.

إذاً: فقول ربنا جل ذكره: (لعلكم تتقون) معناه: من أجل أن يعدنا لنصبح من المتقين، وإن قال الغافلون: وما هي قيمة المتقين أو ما هو شرفهم حتى يعدنا الله لأن نكون منهم؟

والجواب أن الله ما اتخذ ولياً إلا أن يكون تقياً، وما دخل دار السلام عبد لم يتق الرحمن.

أُذكِّر الناسين: أما علمتم أن ولاية الله للعبد لا تتحقق إلا بالإيمان والتقوى؟ أيمكن لكافر أن يكون لله ولياً؟ هل يمكن لفاجر لم يتق الله في أمر ولا نهي أن يكون ولياً؟

لا والله، واسمعوا الإعلان الإلهي: أَلا [يونس:62]، هذه لغة التلفون: (ألو)، لأن الناس ألفوا: (ألو)، يفرحون لها، وهي: ألا، بمعنى: أنت تسمع حال كونك حاضر الحواس لتتلقى عني؟ وهذا معنى (ألو).

أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، أية بشرى أعظم من هذه؟ من يعطينا هذه الضمانة سوى مالكها عز وجل؟ (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) لا في الدنيا ولا في البرزخ ولا في يوم القيامة، فنفى عنهم الخوف والحزن.

وكأنّ سائلاً من الحاضرين يسأل ويقول: من هم أولياء الله؟ لعلنا نحن منهم، أو نريد أن نكون منهم، والإعلان كما سمعتم: أولياء الله لا يخافون ولا يحزنون، فمن هم يا ترى؟

لقد تولى الله بيانهم، فقال في جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً، واقعة في جواب سؤال، قال: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، هؤلاء هم أولياء الله.

وهل يشترط لأحدهم أن تكون مسبحته خمسة أمتار؟

وهل يشترط أن تكون عمامته خضراء؟

وهل يشترط أن يكون سيداً شريفاً؟

وهل يشترط أن يوقف الشمس في السماء ويحدث؟

لا أبداً، ما هو إلا أن يؤمن عبد الله أو أمة الله ويتقي الله، ويتقي الله بمعنى: يخافه فلا يعصيه، إذا أمره فعل وإذا نهاه ترك، لا أقل ولا أكثر.

وعند السامعين والسامعات كلمة مفتاح السر، لو سئلت: ما هي الولاية؟

فجوابك: الموافقة فقط، وافق الله ربك فيما يحب وفيما يكره تكن وليه، فإذا أحب الله كلمة أحببها، وإذا أحب الله حركة افعلها وأحببها، وإذا أحب الله صفة اتصف بها، وإذا كره الله مثل ذلك اكرهه، تكن وليه، هذه هي الولاية.

الأولون أيام الهبوط عندهم كانت الولاية كرامات، فلا ولي إلا بالكرامات، حتى لم يتركوا لنا ولياً حياً بيننا، فسلطونا على بعضنا البعض؛ نزني بنساء المؤمنين والمؤمنات، ونأكل أموالهم، ونذبح أعناقهم، لأنه ليس عندنا ولي، لأن الولي ذاك الذي يوقف الشمس ويحبس الوادي، وهؤلاء الموجودون ليسوا بأولياء، وهذه مصيبة التاريخ الأسود، وهذه مؤامرة المجوس واليهود والنصارى.

وكم بكينا وقلنا: لو تدخل إلى حاضرة من حواضر العالم الإسلامي وتلتقي بأول مواطن وتقول له: السلام عليكم ورحمة الله، أي أخي أنا غريب الدار جئت إلى هذه البلاد، نريد أن نعرف ولياً من أوليائها دلني عليه، والله لا يأخذ بيدك إلا إلى قبر، ولا يفهم أن ذلك البلد فيها أولياء لله أحياء.

إذاً: ما هو السر في أنهم جعلوا الأولياء فقط الذين ماتوا وضربت عليهم القباب، ووضعت عليهم الستائر الحريرية، وذبحت الذبائح عند أضرحتهم، وعكف النساء والرجال الليالي الطوال حول أضرحتهم؟

السر أنهم سلبونا ولاية الله فأصبحنا أعداء الله يأكل بعضنا بعضاً، والله إن الغارات تشن بين قبيلة وقبيلة، وبين أهل بلد وبلد، والزنا والفجور منتشر.

كيف يزني المؤمن بامرأة المؤمن؟ ولئن يقطع ويحرق ويصلب أحب إليه من أن يهين كرامة المؤمن والمؤمنة!

كيف يمد يده ويسلب مال أخيه ويتركه يموت جوعاً وعطشاً وهو يأكل ماله؟

من فعل بنا هذا؟ إنه العدو الذي ما زلنا نجري وراءه كالمسحورين.

إذاً: الولاية هي الموافقة: وافق ربك، أحبب ما يحب واكره ما يكره فأنت -والله- وليه.

كذلك ما هي العداوة لله؟

العداوة لله هي مخالفته، فهو يحب وأنت تكره، وهو يكره وأنت تحب، فأنت العدو، أي أنك في عدوة وهو في عدوة فمتى تلتقيان؟

إذاً: عرفنا علة الصيام، والحكمة من الصوم وهي أن يعدنا الله لأن نكون أتقياء، لأن التقوى مضافاً إليها الإيمان هي مفتاح دار السلام.

ولاية الله لا تتحقق إلا بالإيمان الحق، والتقوى لله عز وجل.

نصوم لإخباره صلى الله عليه وسلم أن رمضان من مباني الدين وأسسه

قال: [ ونصوم لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن ديننا مبناه ].

أي: ما ينبني عليه.

[ خمس قواعد، من بينها الصيام ].

فإذا صمت أقمت دين الله، وإذا أفطرت حطمت وهدمت دين الله.

روى أهل السنن والصحاح ومن بينهم الشيخان، قال: [ فقد روي في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس ) ].

يعني: قواعد، لو كانت أركاناً لقال: خمسة أركان، لكن قال: خمس: يعني: على خمس قواعد.

قال: [ ( شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ) ].

هذه قاعدة.

قال: [ ( وإقام الصلاة ) ].

هذه ثانية.

قال: [ ( وإيتاء الزكاة ) ].

هذه ثالثة.

قال: [ ( وصوم رمضان ) ].

هذه رابعة.

قال: [ ( وحج البيت الحرام من استطاع إليه سبيلاً ) ].

هذه خامسة.

أيما بناء تبنيه على خمس قواعد وتنزع قاعدة منه يسقط ويقع، فمن لم يصم عمداً وهو قادر على الصيام فليعلم أنه لا إسلام له، لأنه هدم أركان الإسلام وأسقطها.

فمن سألنا: لم تصومون أيها المسلمون؟

نقول: نصوم لأن الله فرض علينا الصوم، ولأن رسولنا صلى الله عليه وسلم أعلمنا أن ديننا يقوم على الصيام، فكيف لا نصوم؟ أنهدم إسلامنا؟!

قال: [ فلذا نحن نعتبر الصوم ركن الإسلام وتاركه هادماً له غير مسلم ].

نصوم لحب الله الصوم والصائمين

[ ونصوم أيضاً: لأن مولانا ].

سيدنا: ربنا وخالقنا، أليس الله مولاكم؟

الله مولانا ولا مولى للكافرين، جلس النبي صلى الله عليه وسلم بعد نهاية معركة أحد على مرتفع، فجاء أبو سفيان رضي الله عنه -وكان يومها كافراً وقائداً للحملة الباغية- يريد أن يتحرش بالمؤمنين قال: اعل هبل، يعني: انتصرنا، وهبل إلهه الصنم الذي يعبده، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه أجيبوه، فما عرفوا، فقال: قولوا: الله أعلى وأجل، فقال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم، فقال صلى الله عليه وسلم: أجيبوه، فما استطاعوا، فقال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم.

والشاهد عندنا: الله مولانا، وهل يجوز أن تسمي خادمك مولاك؟ يجوز ذلك، فتقول: هذا مولاي، وسميت الخادم مولاك لأنه يحميك ويحوطك ويحفظك ويقضي حاجتك ويستجيب دعوتك، ولهذا سمينا الله مولى؛ لأنه يقضي حوائجنا ويحفظنا ويكلؤنا ويعطينا ويشفينا، فهو مولانا.

فهذا اللفظ (مولى) تطلق على السيد وعلى الخادم، لكن لا يجوز أن نقول: نحن موالي الله عز وجل، بل نقول: نحن عبيده، ونتأدب معه؛ لأننا لا نستطيع أن نقضي ما يطلب، أو نحفظ الله أو نكلؤه أو نحميه، بل هو الذي يفعل بنا ذلك، إذاً: نحن عبيد الله، فإذا أمر أطعنا.

قال: [ ونصوم لأن مولانا عز وجل يحب الصوم والصائمين ].

أي شيء يحبه ربنا نحبه، فهذه هي الولاية، فما دام عز وجل يحب الصوم يجب أن نحبه وإلا أصبحنا أعداءه.

والله يحب الصائمين، ونحن نريد أن يحبنا الله، لا غاية عندنا أغلى ولا أسمى من أن يحبنا، ولو ينزل علينا خبر من السماء: أي فلان إن الله يحبك، والله لا نبالي نحرق أو نقتل أو نصلب أو نمرض أو نعيش، فلا أحد أسعد منا، فقط يأتينا الخبر.

إذاً: فما دام الله سبحانه يحب الصوم ويحب الصائمين نحن نصوم.

[ فنصوم تزلفاً إليه سبحانه وتعالى وتحبباً ].

(تزلفاً) أي: تقرباً إذ نقرب منه ونتحبب إليه ليحبنا.

[ فقد أخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: قال الله عز وجل ].

هذا الحديث قدسي، ومعنى حديث قدسي أنه طاهر ونقي ونظيف لا كذب فيه، يأتي به جبريل روح القدس ولكنه ليس من القرآن، لأن القرآن كتاب خاص.

والله يتكلم بما شاء متى شاء، ويوحي إلى رسله وأنبيائه بما شاء، وطرق الوحي معلومة عندنا:

وهي إما أن يلقي في روع النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وإذا بجبريل يكلمه ويحفظ عنه ما يسمع.

أو يبعث إليه ملكاً يشافهه سواء كان في صورة الملك أو في صورة إنسان.

أو يكلمه من وراء حجاب، فيسمع كلامه ولا يرى وجهه الكريم، وهذا مذكور في آية من سورة الشورى يقول تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ [الشورى:51].

وقد علمنا من طريق الوحي أن موسى بني إسرائيل الكليم عليه السلام ممن كلمه الله كفاحاً بلا واسطة، وتم ذلك في جبل الطور من أرض سيناء، فسمع موسى غير ما مرة كلام ربه، حتى رغب في أن يرى وجه الله، وهو عاجز لا يستطيع، لأن هذه الخلقة التي نحن عليها لا تحتمل ذلك.

والدليل: أن سمع الإنسان وبصره محدود، وكذلك طاقته البدنية محدودة، وكذلك عقله وإدراكه محدود.

إذاً: لما يخلقنا الله خلقاً آخر ذاك الخلق قادر على أن يرى وجه الله الكريم، وذلكم في العالم الأعلى في دار السلام، حين ينظر الجبار إلى أهل الجنة ويسلم عليهم سلاماً قولاً لا كتابة من رب رحيم، أما اليوم فطاقتنا محدودة.

إذاً: فموسى عليه السلام قال: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي [الأعراف:143] أي: لا تستطيع، وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ [الأعراف:143] أمامك، فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ [الأعراف:143] وثبت، فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف:143] تقدر، وإن هو انهار واندك وأصبح غباراً فأنت أضعف، فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ [الأعراف:143] أي: ظهر للجبل كما يشاء، جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ [الأعراف:143] لا ندري بعد كم من الوقت، قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:143].

قال: [ فقد أخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: ( قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) ].

إذاً: الله يحب الصوم.

كيف عرفنا؟ لأنه قال: أعمالكم لكم إلا الصوم فأريده.

والمعنى الذي يظهر من هذا الكلام -أيها الطالبون والطالبات للهدى والعلم- أن أعمالنا عوائدها تعود علينا في الدنيا: الصلاة رياضة البدن، الزكاة إغناء الفقراء والمساكين حولنا، إعداد الجهاد والسلاح، الوضوء نظافة الجسم لأن بقاء الجسم متوقف عليها، حتى الاستنشاق، فكم من أناس لا يتوضئون تمرض أنوفهم فيهلكون، والذي يغسل أنفه كل يوم خمس مرات لا يمرض أنفه، والغسل أعظم من ذلك.

كذلك للحج والعمرة فوائد لا تستطيع أن تدركها، منها لقاء العالم الإسلامي كله بمكة.

الشاهد عندنا: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لله؛ لأن الآدمي يترك طعامه وشرابه وشهوته لا يريد إلا وجه الله، فالصيام لا يدخله الرياء أبداً، فمن أراد أن يرائينا بالصلاة يصلي أمامنا، وإذا لم نكن حاضرين لا يصلي، وهذا ممكن وموجود، والمتصدق يستطيع أن يتصدق أمامنا، فإذا كان وحده ولا يراه أحد لم ينفق ولا قرشاً واحداً، وهذا ممكن وموجود لكن الصيام يستطيع أن يأكل ويشرب ويقول: أنا صائم، ولا يعلمه أحد.

إذاً: من هنا تمحض الصيام لله، والذي يهمنا -ما دام ربنا يريد الصيام- قوله: (هذا لي) فنحن نتملق إليه، ونتزلف بالصوم.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده)

قال: [ وقال صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفس محمد بيده ) ].

هذه اليمين تسمى يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أمنا الصديقة تحبها، فتقول: هذه يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل لهذه اليمين ميزة.

نعم، فإذا قلت: والذي نفسي بيدي أعلمتنا أنك في قبضة الله، وأنك لا تستطيع أن تكذب ولا أن تخون ولا أن تغش ولا أن تخدع؛ لأنك تقول: روحي في يد ربي، فهل الذي يذكر هذا يكذب؟ أو يحلف بالباطل؟ هذه يمين غالية؛ ولهذا أكثر الناس لا يحلفون بها، ولا يوفقون لها؛ لأنها تذكرك بأنك في قبضة الله إن شاء أماتك وإن شاء أحياك، وحينئذ كيف تكذب على عباده؟ وكيف تكذب عليه وتحلف؟ فلنتعلمها، ولنبدأ من الآن.

قد تتعجبون وتقولون: هذا تنطع، والحق أن هذا ترقٍ في الكمالات، لم يعرفها المسلمون؟

ثمانمائة سنة والمسلمون يحلفون بالأولياء والصالحين وبالأشجار والأحجار، حتى بالمسبحة، يقولون: وحق هذه المسبحة، ما تركنا شيئاً إلا ألهناه، إلا الله عز وجل ضيعنا حقه، خلق ورزق وأعطى وأحيا وما له إلا جزء بسيط.

ترى المرأة ممسكة بحبل الطلق والطلق يهزها بدل أن تقول: يا رب يا رب، تقول: يا عبد القادر ، يا رسول الله.

كم إله تعبدين يا أمة؟ لا تعرف، وزوجها الذي تلد له أيضاً لا يعرف وهو يحفظ القرآن، وكأنه ما قرأ سورة الجن: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، أي: لا تناد غير الله أبداً، فلا تقل: يا رسول الله، ولا يا فاطمة ، ولا يا حسين ، ولا عبد القادر ولا يا إبراهيم ولا سيدي الفلاني.

آهٍ ماذا فعل بنا الثالوث؟ المجوس واليهود والنصارى، وأعلمكم -والذي نفسي بيده- أنهم الآن يعدّون لكم عدة ليمسحوا هذا الإيمان من قلوبكم، إنها مؤامرة مظلمة تتم في هذه الأيام، ويقولون: ينبغي أن ننصر ستمائة وعشرين مليوناً، وما زال المسلمون يغطون في نومهم لم ينتبهوا.

أعطيكم ملامح: إذا رأوا شخصاً متديناً كرهوه، وإذا رأوا متحجبة أزالوا الحجاب عنها، وإذا رأوا ملتحياً أبغضوه واتهموه بقواصم الظهر، أيأتي هذا من طريق أولياء الله؟ أم من الرشداء والعقلاء؟ إن هذا من المؤامرة على أولياء الله ودين الله.

يوجد مسئول في العالم الإسلامي، لا أسميه؛ لأنكم تغضبون، كأنه لم يستجب للمخابرات الماسونية، فقالت الدولة التي تسخر العالم بكل وضوح: سنمنع معوناتنا عليه.

فما هو المخرج؟

إن المخرج فقط أن نغيظهم، بأن نتمثل بالإسلام، ولو أكلنا الشعير وركبنا الحمير، فلا نريد الطائرات ولا الخبز والفطير، ولنقل: موتوا بغيظكم.

نعفي لحانا ونؤذن بأعلى أصواتنا: لا إله إلا الله، فنقضي على كل دسيسة وعلى كل مكر، ولا يكون غش بيننا ولا خداع، بل التعظيم والإجلال والإكبار، والمؤمن ندخله في قلوبنا ونحترم دمه وعرضه وماله، ونقتسم معه فرص العيش، واتركهم يموتون بغيظهم.

والله متى تحققت هذه الولاية لنا مع الله لو ملكوا كل ما يريدون أن يملكوا -والله- لا يستطيعون أن يزحزونا قدماً واحداً.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)

قال: [ ( والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ) ].

المسك الأذفر ليس هو (الكالونيا) بل هو المسك.

والخلوف معناه: ما يوجد في فم الصائم من تغير ريقه ورائحة فمه؛ لأن الإمساك والامتناع عن الطعام والشراب من الفجر إلى نصف النهار يجعل ريق الإنسان غير حلو، وتصبح رائحة الفم متغيرة، فيها نوع من النتن، وهذا مسلَّم، لا ينفيه أحد، وقد قال الله وأخبر رسول الله أن هذا الخلوف -وهو التغير بالنتن- أطيب عند الله من ريح المسك.

إذاً: الله يحب الصيام، فنحن نصوم ونتملق إليه بالصيام؛ لأنه يحبه.

كان إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل يكره لنفسه ولأتباعه ومريديه الاستياك بعد صلاة الظهر بعد الزوال، ويقول: لا تستاكوا أحسن لكم؛ لأنه السنة.

إن السواك بعود الأراك أنفع دواء لعلاج اللثة، وسماه طبيب ألماني: عود محمد صلى الله عليه وسلم، وهو طبيب أسنان في ألمانيا الشرقية كان من سنوات يصف هذا العود لمن به مرضى اللثة ويقول: عليك بشجرة محمد، هذا الأراك.

يقول صلى الله عليه وسلم: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )، لكن لا أريد أن أحرجهم، فمن استطاع أن يستاك فليستك.

إن النساء يعرفن أكثر عن السواك، فقد كنا نراهن ونحن أطفال يستعملن مادة خاصة لا ندري لم، لكن الآن لما أصبحنا فحولاً عرفنا أنه من أجل أن يطيبن أفواههن لبعولتهن ورجالهن؛ لأن السواك يطيب الفم.

إننا نطيب أفواهنا لربنا؛ لأننا نجري أسماء الله الحسنى على أفواهنا، بل نجري اسم الله الأعظم ولا نستطيع أن نعيش ساعة (ستين دقيقة) لا نذكر الله فيها قط، إلا إذا كنا نائمين، أما في حال اليقظة فلا تستطيع أن تجلس ساعة لا تذكر الله فيها، أقل شيء يدخل عليك أخوك يسألك: كيف أنتم؟ فتقول: الحمد لله، أو نأكل فنقول: الحمد لله، ونشرب فنقول: الحمد لله ونركب فنقول: الحمد لله، ونهبط فنقول: الحمد لله.

وهذا هو السر في إنكار العلماء علينا الدخان، وتعرفون الدخان، وهو التبغ النتن أو التتن، والشمة وغيرها، أصناف توضع في الفم أو في الأنف.

لو سألت بعضهم: لم يا عباد الله تدخنون؟ لقالوا: كل الدنيا تدخن: النصارى يدخنون، واليهود يدخنون، وهل أنتم نصارى أو يهود؟ أعوذ بالله أنتم مسلمون.

إذاً: المسلمون لا بد وأن يكون لهم ما يفرق بينهم وبين أعداء الله، فلا نجري وراءهم في كل شيء.

لو كان الدخان يكحل العيون، أو يزيد في الذكاء، أو في الفطنة، أو يوفر الطاقة البدنية لنقوى على الطيران والهبوط، لو كان كذلك لفرض الله تعالى استعماله، ولما تركنا حتى نخترع.

لو كان في الدخان ما ينفعنا لشرعه لنا وأذن لنا فيه، بل ورغبنا في أن نفعله، فهل عرفتم لم لا ندخن.

إذاً: نحن لا ندخن لأننا نجري اسم الله الأعظم على أفواهنا، أما اليهودي فيعيش سبعين سنة لا يقول: لا إله إلا الله، ويأكل ويشرب ويقوم ويقعد كالحمار، إذاً فليشرب ما يشاء ولينتن فمه بما شاء، لكن ولي الله كيف لا يطلب نظافة فمه من أجل أن يذكر اسم ربه عليه.

مرّ صحابي في المدينة بالنبي صلى الله عليه وسلم في أزقة المدينة، وكان عليه الصلاة والسلام في تلك الحالة على غير وضوء، فسلم الصحابي: السلام عليكم يا رسول الله، فعمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجدار فضرب الجدار ومسح وجهه وكفيه، أي: تيمم، ثم قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أبى أن يذكر اسم الله وهو على غير وضوء، والحمد لله يمكن أنه لا يوجد خمسة في الحاضرين يدخنون الآن، لقد كان قبل خمس وعشرين سنة في هذه الحلقة لا يوجد فيها نسبة خمسة في المائة لا يدخنون.

الحمد لله انتصرت دعوة الله، ولذا فأولئك يكيدون ويمكرون ويخططون.

الحمد لله عادت اللحى إلى الوجوه، بعد أن فرح أعداء الله باختفائها، والآن يستغربون كيف يظهر الناس بهذا المظهر؟

إن هذا المظهر يخيفهم ويفزعهم إنهم يريدون جعلنا كالبنات، أو على الأقل مثلهم فلا يرعبون ولا يفزعون.

قبل خمس وعشرين سنة كنا في مجلس غداء أو عشاء حضره سبعون مؤمناً، كان أصحاب اللحى فيهم ثلاثة أو أربعة والباقون حالقون، أما الآن فبعض المجالس لا يوجد فيها حالق واحد، وهم ستون أو سبعون تراهم كلهم بلحى وهذا عرفه أعداء الله.

لقد مضت علينا أيام كان فيها أطفال المدارس في الابتدائي يدخنون.

والسبب أنهم كانوا يصنعون حلويات كالسيجارة بالضبط، تراها كأنها سيجارة أمريكية ورأسها أصفر من ذهب وهي حلوى، فيشتريها الولد في عمر سبع سنوات؛ ليذكروه بالدخان، ويعلموه كيف يمسكه، ألا لعنة الله عليهم ماذا فعلوا؟ وماذا أرادوا؟

الحمد لله الآن أخذ هذا الظل القاتم ينحسر، وأصبح الذين يدخنون يعدون على رءوس الأصابع في البلد أو القرية، دعهم يسمعون هذا نحن ثابتون.

قبل خمس وعشرين سنة أصبحت الدنيا كلها أغان للعواهر، وقلّما تمر ببيت ولا تسمع فيه أصوات الأغاني ترتفع إلى عنان السماء، والسيارات لا يمكن أن يركب السائق السيارة ولا يغني، فإذا قيل له: يا سائق أغلق الغناء، يقول آخر: إذا لم تفتح الغناء لا أركب.

بائع الفول يدفع العربية والراديو في يده يغني وهو يمشي، أعوذ بالله، هبطنا وشاء الله أن يرفعنا، الآن -بحمد الله- ما سمعنا أغنية في بيت من كذا أبداً، رغم أنا كنا نسمعها من الشوارع، والآن حتى السيارات فتمر بين يديك خمسون سيارة فلا تجد إلا واحداً ما زال غافلاً أو سكران بحب الدنيا، لقد تركنا الغناء، وهذا الذي أفزعهم الآن، فهم يكيدون.

والقرآن الذي كان لا يقرأ إلا على الأموات فما كنا نمر في حي ولا في قرية أو مكان ونسمع قراءة القرآن إلا إذا كان هناك ميت، ولكن عاد الناس إلى القرآن من جديد يجتمعون عليه ويدرسونه.

في زمن مضى وهي الثمانمائة سنة الماضية هبطت الأمة هذه بكيدهم، فكان لا يقال: قال الله أبداً، ويحك، إذا قلت: قال الله يغلق أذنيه ويخاف أن تنزل صاعقة، فأصبح القرآن لا يستشهد به أبداً ولا يذكر، فخلت منه المحاكم وكتب الفقه ومدونات الفقهاء، فقد تقرأ العبادة من أولها إلى آخرها فلا تجد قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا تسمع بهما، لقد فصلونا عن الله والرسول.

لقد كان البخاري -وهو أصح كتاب بعد كتاب الله- يقرأ للبركة، فتجد حلقة في أيديهم البخاري: حدثنا حدثنا، ولا يقولون: هذا حلال وهذا حرام، ولا واجب ولا مندوب ولا فضيلة، إنما يقرءون للبركة.

وهكذا ندرس في البخاري للبركة، أتدرس شريعة الله للبركة، أو تدرس للتنفيذ وإظهار الحق وإبطال الباطل، ورفع الكمالات البشرية؟

هكذا فعل بنا الثالوث، دعهم يتغيظون، هذا الثالوث: هم المجوس واليهود والنصارى.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره ...)

قال: [ ( للصائم فرحتان ) ].

أبشروا بهما أيها الصائمون والصائمات.

[ ( للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره ) ].

هذه واحدة، فالمؤمن يفرح بفطره إذا أفطر.

قال: [ ( وإذا لقي ربه يوم القيامة فرح بصومه ) ] لما يرى من كرامة الله للصائمين، إذ هناك باب من أبواب الجنة الثمانية لا يدخل منه إلا الصائمون، فأبواب الجنة ثمانية، لقد مضت علينا قرون تسأل أهل القرية: كم للجنة من باب؟ فلا يعرفون، ومن أين يعرفون؟ أيعلمهم النجار أو الفلاح أو الساحر والدجال، أو السادن على القبر يأخذ الزيارة؟

هناك جائزة عظيمة دائماً نفوز بها والحمد لله وتسجل في حساباتنا الجارية، ليست جائزة نوبل ولا جائزة فيصل رحمه الله، إنها جائزة أخرى، أتدري ما هي؟

اسمع، يقول أبو القاسم فداه أبي وأمي والعالمين: ( من توضأ فأحسن الوضوء ) يعني: توضأ كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتوضأ، لا يزيد لا ينقص، ولا يقدم لا يؤخر، ( من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء ) يعني كما قال الشاعر: أشارة بطرف العين خيفة أهلها، والطرف هو العين، ( ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية )، هنا سؤال: كيف تفتح؟

قبل كنا نؤول الحديث بمعنى: أصبح أهلاً لها، والآن نرى المطارات والبنايات المحترمة تفتح عندما تقرب من الباب عشرة أمتار، فقبل أن تصل يرحب بك ويفتح لك الباب، ففهمنا الحديث، فلما تقول ذلك تفتح لك أبواب الجنة حقيقة، ولو متّ في تلك اللحظة لدخلت الجنة، ( إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء )، هذا الذي حسدوكم عليه، إنكم تعيشون على هذه الآن، وهم يعيشون على الشهوات كالبهائم فقط لا رجاء ولا أمل؛ ولهذا إذا جاع فعل ما فعل، وإذا شبع نهق كالحمار، معبوده فرجه وبطنه، ليس لديهم أمل يفكرون فيه، إنهم ميتون، وهم شر البرية، ولكن من يبلغهم؟ قال تعالى: أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، من قال هذا؟ أليس الله؟ بلى.

(شر البرية)، أي: شر الخليقة، أتدري كيف كانوا شر الخليقة؟

أولاً: الخنازير والذئاب والثعالب والبهائم والحمر كل هذه المخلوقات تئول وتعود إلى الفناء الكامل، فلا تشقى ولا تتعب لأن وجودها انتهى، فكأنها لم توجد، أما هؤلاء المنحرفون فهم يعيشون مليارات السنين بلا نهاية في عالم كله شقاء، فمن شر إذاً؟ هذا وجه.

ووجه أكثر إشراقاً: أن البهائم التي خلقها الله وسخر لها ما شاء لتتم حياتها على مراده ما عصت ربها، ولا فسقت عن أمره، ولا خرجت عن طاعته، كما علمها تفعل، وهؤلاء كفروا به، وكذبوه، وسبوه، وشتموه، وجعلوا له الآلهة مضادة له، ومزقوا كتابه، وقتلوا أنبياءه، وحاربوا أولياءه، فعلوا كل شيء ضد الله، أما يكونون بعد ذلك شر البرية؟

إن العبد الذي يقابل الإحسان بالإساة كيف لا يكون شر البرية؟ آه من يبلغهم هذا؟

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الأيام القريبة من شهر رمضان ندرس أحكام رمضان استعداداً وتهيؤاً لصيام شهر رمضان المبارك.

وقد سبق لنا ومنذ قرابة نيف وعشرين سنة أن كتبنا رسالة في هذا الشأن، وكنا نقرؤها في مثل هذه الأيام تذكيراً منا فيه وتعليماً لغير العالمين، وهي تتعلق بالصيام وأحكامه، وها نحن نبتدئ قراءة الرسالة سائلين الله تعالى أن يعلمنا وينفعنا بما يعلمنا.

[ بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا نصوم نحن المسلمين؟ ].

لو سألنا سائل وقال: لم تصومون أيها المسلمون؟

قد يطرح هذا السؤال صليبي أو يهودي أو مجوسي أو بلشفي شيوعي: لم تصومون؟ فهل يحسن بنا أن نقول: لا ندري؟ أو نسأل أهل العلم: لماذا نصوم؟ لا ينبغي، بل لا بد أن نعرف لم نصوم؟

إذاً: جوابنا للسائل بأن نقول: [ نصوم لأننا مسلمون آمنا بالله رب العالمين رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً ].

نصوم لأننا مسلمون، ديننا الذي فضلنا الله به وجعلنا من أهله يأمرنا بالصيام، وكل أهل دين لهم عبادات يقومون بها، فلم إذاً يعترض علينا أو نلام.

نحن نصوم على علم؛ لأننا مسلمون آمنا بالله رباً، وبالقرآن إماماً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً، والله أمرنا بالصيام، ورسوله أمرنا بالصيام، وكتابه أمرنا بالصيام؛ فلهذا نصوم.