كيف نزكي أنفسنا


الحلقة مفرغة

أقول معاشر المستمعين: دار السلام في الملكوت الأعلى، وقد عرفتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وطئ أرضها بقدميه الشريفتين، وقد انتهى إلى سدرة المنتهى، بل قد تجاوزها إلى حيث سمع صرير الأقلام، هذه ريادة لم يقع نظيرها في الكون.

ارتاد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمة الإسلام الجنة دار السلام ورآها ورأى ما فيها، وطبق ما أوحي به إليه من شأنها، طبقه على واقعها فكان كما أخبر الله.

هذه الجنة شاء الله تعالى ألا يسكنها وينزل في رياضها وفراديسها إلا عبد زكت نفسه وطابت وطهرت.

أما صاحب الروح الخبيثة والنفس الشريرة العفنة المنتنة فهيهات هيهات أن يحتل دار السلام ويتبوأ منازلها، ولهذا هناك آيتان في كتاب الله يجب أن يحفظهما السامع كما يحفظ الدينار والدرهم.

الأولى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] هذا قضاء الله، هذا حكم الله أقسم عليه بأعظم قسم: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:1-9]، ومعنى (أفلح) شق طريقه بين كتل البشرية في عرصات القيامة وساحات فصل القضاء وقرع باب الجنة وفتح له ودخل، فاز حيث أبعد عن النار جانباً، وأدخل الجنة فرحاً.

قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185] المستمعون أدركوا معنى هذا القسم العظيم، وأدركوا المقسم عليه ومن أجله، فخرجوا بحصيلة: وهي أن الإنسان يسعد أو يشقى بحسب روحه، بحسب نفسه، إن هو طهرها وطيبها وزكاها أصبح أهلاً للملكوت الأعلى، وإن هو لوثها بأوزار الذنوب والآثام، لطخها وعفنها بعفن ونتونة الشرك والمعصية هذه النفس شاء الله ألا ترتفع إلى السماء، وألا تفتح لها أبوابها، وألا تساكن مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، والله إذا حكم لا معقب لحكمه، ليس هناك استئناف ولا مراجعة، فعلى هذا يتقرر مصير الآدمي هنا على هذه الأرض.

الآية الثانية: قول الله تعالى: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14] من الذي يعجز عن حفظ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] إلا أن يكون أبكم لا ينطق؟

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:9-10] فيكم من لا يحسن أن يقول هذه الجملة؟ يجب ألا ننام ليلتنا هذه إلا وقد نطقنا بهذه الجملة: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] وإذا أصبحنا كذلك، كلام من هذا؟ كلام الله.

وهذه الجملة حُكم حكم به رب الخلق وملك كل شيء، حكم حكماً علينا نحن بني آدم: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] أي: نفسه.

وَقَدْ خَابَ [الشمس:10] وخسر مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10] أي: النفس. والفلاح عرفتموه والخيبة عرفتموها حتى من اختبارات أبنائكم وبناتكم، فلانة نجحت، بنتي مع الأسف خابت في الامتحان، تعرفون هذا المعنى؟ لذيذ عندكم، هنا ينبغي أن يكون المعنى ألذ.

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].

ثانياً: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14] من القائل؟ الله، هذا خبر مؤكد، وأخبار الله كلها صدق: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115] صدقاً في الأخبار عدلاً في الأحكام، لا حيف ولا جور ولا ظلم.

إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14] من منكم ما يحفظ هذه الجملة وهو يعرف عن البطاطس والبصل والثوم والقماش وو.. والتذكرة والطائرة، ورأسه مملوء بالمعارف المادية، ولما تأتي آيتان تزنهما بالذهب تجد أخانا ما يستطيع أن ينطق بهما، الشيطان يلوي لسانه ولا ينطق بهما ولا يذكرهما، بدل أن تكونا نوراً في قلبه يهتدي بهما في الحياة ما يحفظهما.

أين الأبرار؟ في نعيم.

وأين الفجار؟ في جحيم.

لم الأبرار في نعيم؟ من أجل برورهم، والفجار في جحيم لم؟ من أجل فجورهم، الوصف دال على الحكم، الأبرار في نعيم؛ لأنهم أشراف سادة، الفجار في جحيم؛ من أجل فجورهم.

وإذا عرفت البرور عرفت الفجور، البرور: الطاعة الصادقة، والفجور: المعصية الحقة.

آيتان منهما ننطلق في بيان دار السلام والطريق إليها، الأولى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] انطقوا بهما حتى تلين ألسنتكم: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].

إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14] يصبح هذا عندك كالمثل، لما تتكلم مع زوجك، مع ابنك، مع صديقك، تقول بكل صراحة: يا عبد الله! قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] لا تتكل على الشيخ، ولا تعول على جدك، ولا على أمك، ولا على أحد، إذ الله حكم: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].

ما مصير البشرية يا عبد الله؟ اكشف لنا النقاب، أزح الستار، الأبرار في عليين، والفجار في سجين.

اسمع هذه الآية فإنها تزيدك معرفة بهذه الحقيقة، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا [الأعراف:40] ما لهم؟ لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40] الجمل: البعير الأورق، وسم الخياط: عين الإبرة وثقبها الدقيق الصغير، هل رأيتم بعيراً يدخل في عين إبرة؟ مستحيل هذا، فكذلك صاحب الروح الخبيثة والنفس العفنة المنتنة من جراء الآثام والذنوب يستحيل أن يدخل الجنة، هذا ما هو كلام أي أحد، هذا كلام الله، أيكم ما فهم عن الله هذه الجمل؟ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا ومعنى هذا: أنهم ما بروا ولا عملوا صالحاً؛ لأنهم كذبوا بالآيات القرآنية وترفعوا عنها وقالوا: رجعية، هؤلاء لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ أي: لأرواحهم قطعاً وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إلا على مستحيل وهذا إذا كان في حكم العقل أن البعير يدخل في عين الإبرة، فأهل الجرائم والموبقات يدخلون الجنة.

واسمع يقول: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:40] هذا الحرمان من دخول دار السلام ليس خاصاً بالمكذبين أو المستكبرين، بل الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها، مسخوا فطرتها، أذهبوا جمالها ونورها، وتركوها عفنة منتنة من جراء الكسب الفاسد.

وقال: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41] المهاد: الفراش، ما يمتهده الإنسان لنفسه ويفترشه، والغواش بلغة المدينة: البطانيات التي يتغطى بها، من جهنم فراش وغطاء، ليس هناك سوى عالم يلتهب، وعندنا صورة مصغرة له، سلوا علماء الكون أو الطبيعة يخبروكم عن كوكب الشمس، هذا الكوكب قديماً قبل أن تستفيق أوروبا وتعرف الأرصاد الفلكية قال علماء الإسلام: إن الشمس أكبر من الأرض بلا مناسبة، وجاءت التحقيقات المادية القريبة فقالوا: إنها أكبر من الأرض بمليون مرة وزيادة، وهي جسم ناري درجة الحرارة لا تستطيع أن تدركها، فالبشرية كلها لا تستطيع أن تشغل زاوية من زوايا الشمس.

لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:41]، ما هو شخص يهدد بما لا يستطيع أن ينجز، بل هي أحكام الرب الذي خلق الكون بكامله. وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:41] الذين ظلموا أنفسهم، فلوثوها ولطخوها بأوزار الجرائم والموبقات.

اسمع! جماعة تركوا الهجرة وركنوا إلى الدينار والدرهم، آثروا البقاء في دار لا يعبدون الله فيها، أي: لا يمكنون من عبادة الله وطاعته، فلما جاء الأجل وحضر الموت سجل القرآن لنا هذه الصورة، هيا بنا نشهد وفاة تارك الهجرة، ننظر لماذا ترك الهجرة، فما هاجر لله، آثر الدنيا وزينتها وبقية العفونات: الكذب والخيانة والزنا والربا والشرك والباطل، تعال وشاهد؟

قال تعالى من سورة النساء: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ [النساء:97] وتوفاهم مضارع محذوف إحدى التاءين، أي: تتوفاهم الملائكة يريد ملك الموت وأعوانه. تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، كيف ظلموها؟ لأنهم رضوا بالفرفشة واللهو والباطل والعيش على غير طاعة الله، حتى انتهى الأجل وحضرت الملائكة، اسمع هذا الحوار بين الملائكة وبين صاحب الروح وهو يغرغر بها: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ [النساء:97] لم ما قال: أين كنتم؟ سيقول: كنا في لندن، أين كنتم؟ كنا في باريس، لكن السياق قال: فيم كنتم؟ كنتم مغموسين في مزبلة في الحشش والمراحيض؟ ما لهذه الأرواح خبيثة؟ ما لها منتنة؟ ما لها عفنة؟ فيم كنتم أنتم؟ عرفتم الفرق بين أين كنتم؟ وفيم كنتم؟ كنا مغموسين في مزابل.

قالوا معتذرين: كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ [النساء:97] ألزمونا بالعهر والفجور والكفر والشرك، ما مكنونا من عبادة الرب، وعشنا هكذا.

كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ [النساء:97]، يقول ملك الموت رداً على هذه الدعوى الباطلة: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا [النساء:97] أم لا بد أن تأكل البقلاوة، وتشرب الحليب؟ ارحل إلى رأس الجبل وكل التمر وكل في كل عشرين ساعة مرة وانج بنفسك، ما ضاقت الأرض، ولكن مع الراتب الضخم والمآكل والمشارب، ينقلب صاحبها صحراوياً؟ يتنقل يطلب الكلأ والعشب؟ ما يستطيع، فردت الملائكة الحجة وأبطلتها: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا [النساء:97] اسمع إعلان الحكم: فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:97] وانطوت الصفحة، صدر الحكم.

ومن كان حقاً امرأة أو كان أعمى أو أعرج ضعيفاً لا قدرة له على الهجرة جاء له الاستثناء، فقال تعالى: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا [النساء:98] ما يستطيعون أن يهاجروا، ما يعرفون الطرق ولا كيف يتحولون، ولا يعرفون طريقاً يسلكونها لضعف العقل، لعجز قام بالإنسان، لكبر سن.. وما إلى ذلك، أما القادرون فالحكم قد عُلِم.

الآن معاشر المستمعين! النفس البشرية تزكو وتخبث، وقد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها، السؤال: يا شيخ! دلنا على ما نزكي به أنفسنا، هل هناك عقاقير، مواد منظفة، مطهرة توجد في الصيدلية الفلانية؟ من يبيعها؟ كيف نستعملها، نريد أن نزكي أنفسنا؟ هذا السؤال يطرح نفسه المفروض أن نسمع قبل أن نقول: يا شيخ! النفس تزكو على أي شيء؟ بماذا نزكيها؟ وكيف نزكيها؟ لكن لولا أنني سألتكم ما تسألون، وتنتهي الحلقة ولا يسأل واحد: كيف نزكي؟ ولا كيف ندسي؟ سبحان الله العظيم! عرفتم هذه الحقيقة؟ هذه علامة استفهام، كأننا كالمحجوبين، المفروض يقولون للشيخ: والله لا تخرجن من المسجد حتى تعلمنا كيف نزكي أنفسنا، ما دامت القضية منوطة بتزكية النفس كيف نزكيها؟ وبماذا؟ أي ماء وصابون أغسلها بهما؟ لكن لما كانت الغفلة وكان العدو قد خنقنا نخرج من الدرس ولا نسأل.

اعلموا يفتح الله علينا أجمعين! أن النفس البشرية تزكو على شيئين اثنين:

الأول: الإيمان.

والثاني: العمل الصالح.

خطوة أولى، نفسك يا عبد الله! تصفو، تزكو، تطهر على مادتين، احفظهما:

الأولى: الإيمان.

والثانية: العمل الصالح.

هل هناك مزك آخر؟ والله ما علمت لكم، الإيمان والعمل الصالح مادة التطهير للنفس البشرية، الأجسام والثياب والمادة تزكو وتطهر على الماء الصالح لا المالح والصابون المنظف، والروح البشرية لا يغسلها ماء ولا صابون، ولكن تزكو وتطيب وتطهر على الإيمان والعمل الصالح.

وتخبث وتتدسى وتتلوث وتتعفن على شيئيين أيضاً: على الشرك والمعاصي، على الشرك بالله وعلى معصية الله ورسول الله، ومن سورة الجن قال تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [الجن:23] هذه الآية الوحيدة في هذا الباب.

وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الجن:23] من سورة الجن. فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [الجن:23] هذه أبداً الغائية.

عرفتم الآن -وزادكم الله معرفة- حقيقتين: الأولى: أن الجنة ودار السلام لا يدخلها إلا ذو النفس الزكية، وأن دار الشقاء والهوان لا يدخلها إلا ذو النفس الخبيثة، وعرفتم المادة القرآنية المقررة لهذا الحكم: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].

الحقيقة الثانية: عرفتم أن التزكية للنفس بمعنى التطهير الغسل لا تكون إلا بالإيمان والعمل الصالح، لا ثالث لهما، والتدسية التي نخافها ونرهبها ونخشاها لا تكون إلا بالشرك ومعصية الرب والرسول، فالنفس تتلوث أو تخبث وتتدسى على أي شيء؟ على الشرك ومعصية الله والرسول.

حقائق مسلمة كالماء يروي والطعام يشبع والنار تحرق والحديد يقطع، سنن لا تتبدل.

حقيقة الإيمان المزكي للنفس

يبقى السؤال: ما هو الإيمان المزكي للنفس؟

الجواب: أركان الإيمان التي يقوم عليها هيكله ستة لا يتناطح فيها كبشان ولا يختلف فيها اثنان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، هذا الإيمان ينبني على هذه الأركان، وصفاته تتجلى في العبد، اسمع مظهراً من مظاهر الإيمان، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [الأنفال:2] أي: بحق وصدق لا بالادعاء والنطق، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ [الأنفال:2] قرئت: عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2] الإبرة تشير إلى المائة وتسع درجات فإذا تليت الآيات على صاحب الإيمان يرتفع إيمانه حتى يصير إلى المائة والتسعين درجة.

وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2] لا على عبد القادر ولا على زليخاء، لا على الرغيف ولا على الحكومة، لا على البستان ولا على الدار وَعَلَى رَبِّهِمْ [الأنفال:2] خاصة يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:2-4] ومن عداهم مؤمنون باطلاً وزيفاً.

وعرض آخر، يقول تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] الولاء بين المؤمنين، فإن لم يكن ولاء فشك في الإيمان: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71].

ثانياً: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71].

ثالثاً: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ [التوبة:71].

رابعاً: وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [التوبة:71].

هذه صفات المؤمنين التي تتكون لهم من إيمانهم، فإيمانهم يثمر هذا ويظهر فيه.

وأخيراً أقول: اعرض إيمانك على القرآن، فإن وافق القرآن عليه وصدقه وقال: هذا إيمان فهو إيمان، وإذا كنت ما تحفظ القرآن اطلب من يقرأ لك القرآن واسمع فسوف ترى الإيمان والمؤمنين، من خلال صفاتهم وسلوكهم تعرف المؤمنين، وإذا ما كنت كذلك فاسأل أهل العلم وقل لهم: هل أنا مؤمن؟ يسألونك عن معتقدك، عن سلوكك، ويقولون لك الحقيقة إن كانوا ناصحين.

حقيقة العمل الصالح المزكي للنفس

العمل الصالح المزكي للنفس لا ينتج الحسنة ولا يولد مادة الطهر والصفاء إلا إذا كان مما شرعه الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

يا عبد الله! لن تستطيع البشرية كلها مجتمعة أن تضع كلمة واحدة أو حركة واحدة من شأنها أن تولد ما نسميه بالنور، ما يسميه الشرع بالحسنة، كل المهندسين والكيماويين والتقنيين والسحرة والشياطين وقل ما شئت لو اجتمعوا وقالوا: نوجد حركة أو عملاً أو كلمة أو ورداً إذا قالها العبد أنتجت له حسنات وأنواراً في قلبه، هل يستطيعون؟ والله ما استطاعوا ولن يستطيعوا.

العمل الصالح: هو المادة الثانية لتطهير النفس البشرية وتزكيتها، ولن يكون عملاً صالحاً إلا أن يكون مما شرع الله ورسوله، وعلى هذا أيما بدعة يبتدعها العالم أو الظالم ويقدمها لعباد الله تصلح بها أحوالهم ويعظم بها شأنهم وتزكو بها نفوسهم فهي باطلة، واحفظوا لهذا كلمة محمدية زنتها قنطار ذهب وفيها غبن إذا بعناها بهذا، وأكثر السامعين يحفظونها؛ لأنها من ضروريات موكب السعادة، يقول صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).

هذه الكلمة إذا حفظها عبد الله وفهمها لم يستطع دجال ولا خرافي ولا حاكم ولا قانوني ولا.. ولا.. أن يروج عليه باطلاً أبداً.

( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) بمعنى: مردود عليه، مرفوض بالجملة، من عمل عملاً يريد أن يزكي به نفسه ويطهرها ولم يكن مطبوعاً بطابعنا، فلن ينفع ولا يجوز إذا لم يكن فيه هذا الطبع، اضرب به عرض الحائط.

( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) بمعنى: مردود عليه.

اسمع! قمت أنت تصلي فصليت ركعتين والعين دامعة والقلب خاشع، صليتهما ابتغاء مرضاة الله، المدة الزمانية خمس دقائق، تعطى عليهما كذا كيلو من الأنوار القلبية، ويقوم أخوك من صلاة المغرب أو من العشاء، وهو يردد: هو، حي.. ولا يحصل على جرام واحد من الحسنات، وقد يغضب أحدهم مما قلت أو يضحك وهذا غير ضائرنا، فهذه هي الحقيقة، فلا يطمعن مبتدع قائم ببدعة أنها تثمر أو تنتج له أقل ما يسمى ملي جرام من الحسنات، وليست العبرة بالجهد ولا بالعرق ولا بما يبذل من طاقة جسمانية أو مالية، العبرة كل العبرة بأن هذا المركب من صنع العليم الحكيم الذي أودعه سراً أو من صنع الناس؟ هذا هو السؤال.

قدمت لكم أن البشرية كلها لو تجتمع ما تستطيع أن تأتي بكلمة أو حركة تنتج حسنة، من باب المستحيل، لا ينفع عقل ولا ذكاء ولا فهم ولا.. ولا.. إذ الذي أودع في الكلمة التأثير ومادة التزكية والتطهير هو الله الذي أوجد مادة الغذاء في الجبن واللحم والبيض والفواكه والخُضر، أما الآدمي كيف يجعل هذه الكلمة تنتج.

إذاً: معاشر المؤمنين! ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) لازم هذا أن البدعة مهما قُرئت، مهما صُدِّرت، مهما قدمت في أطباق الذهب، مهما كان واضعها مرفوضة وتحت أقدامكم، ولا تضيعوا فيها جهداً ولا مالاً ولا وقتاً؛ فإنها لا تزكي أنفسكم، فقبل أن تعمل العمل اسأل أهل العلم: أهذا مما شرع الله في القرآن أو في السنة؟ فإن قالوا: لا، المشايخ هم الذين وضعوا هذه الحضرة، اربأ بنفسك أن تجلس مجلساً تخسر فيه ولا تربح، وإن قالوا: سنة أبي القاسم، طريقة محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى كذا وقال رسوله كذا، فحينئذ اعمل بشرع الله ورسوله واصدق وأخلص وائتِ العمل كما ينبغي، تنتج لك تلك الحركات أو الكلمات مادة من النور، تزكو عليها نفسك وتطيب وتطهر.

يا عبد الله! عرفت أن البدعة باطلة؛ لأنها ليست مما شرع الله، فهي فارغة من مادة التزكية للنفس، أي: لا تولد الحسنة، فلا تزكو عليها النفس ولا تطهر، فإذا كان القول أو العمل مشروعاً بالوحي الإلهي: الكتاب والسنة فاعلم أنه لا ينتج أيضاً ولا يثمر إلا إذا أديته وفعلته على النحو الذي أداه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لا نغش بعضنا البعض، ما كل من صلى أنتجت له الطاقة، هذه المسائل أدق من الكيماويات في تركيبها، عرفت أن العمل الصالح هذا الذي قال الله فيه كذا أو قال رسوله فيه كذا، حينئذ افعله، أده كما أداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أنت نقصت منه أبطلته، وإن أنت زدت فيه أفسدته، وإن أنت قدمته أو أخرته أفسدته وعطلته.

إذاً: لابد وأن تفعله كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم كمية وكيفية وزماناً ومكاناً، هذه أربع:

الكمية: عدد صلاة المغرب ثلاث ركعات لو زدت فيها ركعة بطلت، لو نقصت منها ركعة بطلت، أي: لا تولد الطاقة ولا تنتج الزكاة حتى تؤديها ثلاث ركعات.

ثانياً: لو تصلي الآن مغرب الغد، وتحسن هذه الصلاة وتتقنها هل تولد لك حسنات؟ الجواب: لا، لم؟ لأنها مربوطة بوقت، ما لم تقع فيه لا تولد ولا تنتج أبداً، قدمت أو أخرت.

المكان: لو تصلي صلاة ما في مزبلة، في مقبرة، في مجزرة يقول الفقهاء: صلاتك باطلة، ونحن نقول: صلاتك لا تنتج لك الطاقة، لا تولد لك الحسنة، أعدها، ما انتفعت بها، الفقيه يقول: صلاتك يا عبد الله! باطلة، ومعنى باطلة: ما تعطى عليها أجراً، وسر القضية: أنها لا تزكي نفسك حيث لا تنتج الطاقة التي هي الحسنات.

فلاحظ إذا كان العمل صالحاً مشروعاً فأده أداءً صحيحاً بألا تزيد في كميته ولا تنقص، وألا تقدم فيه أو تؤخر، تحافظ على الهيئة، وألا تخرجه عن زمانه ولا عن مكانه، وبذلك ينتج، تدور العملية والنور يتدفق.

وإن شئتم ضربت لكم مثلاً بالصلاة، وهي أقوى مولد للطاقة في العبادات الصلاة، قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] ولن يخبر تعالى إلا بالصدق والحق والواقع، هذه صفة الصلاة، لكن لم الرجل يصلي ويشرب الخمر، يصلي ويقامر، يصلي ويرابي، يصلي وامرأته وبناته كاسيات عاريات وهو يضاحكهن في الشوارع؟ كيف هذا؟ لأن الصلاة ما أنتجت له الحسنات، ما ولدت شيئاً، لم؟ لأنها صلاة باطلة، والله لو استعرضها فقيه ناصح لقال: عبد الله! صلاتك باطلة، بمجرد ما تجد الرجل يعيش على الفحشاء والمنكر اعلم أن صلاته باطلة، ما أحسنها، ما أتقنها، ما أخلص فيها، أجزاؤها مهلهلة، أركانها ساقطة، لو كملت وصحت لفعلت العجب في نفس عبد الله.

هكذا الإيمان وهكذا العمل الصالح، وهذا يتطلب منك يا عبد الله! العلم العلم، لا بد من مزاحمة العلماء ومجالستهم، والسؤال والتعرف إلى شريعة الله حتى تعلم، ولا تفهمن أبداً أنك تعلم بدون أن تتعلم، إنما العلم بالتعلم.

يبقى السؤال: ما هو الإيمان المزكي للنفس؟

الجواب: أركان الإيمان التي يقوم عليها هيكله ستة لا يتناطح فيها كبشان ولا يختلف فيها اثنان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، هذا الإيمان ينبني على هذه الأركان، وصفاته تتجلى في العبد، اسمع مظهراً من مظاهر الإيمان، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [الأنفال:2] أي: بحق وصدق لا بالادعاء والنطق، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ [الأنفال:2] قرئت: عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2] الإبرة تشير إلى المائة وتسع درجات فإذا تليت الآيات على صاحب الإيمان يرتفع إيمانه حتى يصير إلى المائة والتسعين درجة.

وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2] لا على عبد القادر ولا على زليخاء، لا على الرغيف ولا على الحكومة، لا على البستان ولا على الدار وَعَلَى رَبِّهِمْ [الأنفال:2] خاصة يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:2-4] ومن عداهم مؤمنون باطلاً وزيفاً.

وعرض آخر، يقول تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] الولاء بين المؤمنين، فإن لم يكن ولاء فشك في الإيمان: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71].

ثانياً: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71].

ثالثاً: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ [التوبة:71].

رابعاً: وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [التوبة:71].

هذه صفات المؤمنين التي تتكون لهم من إيمانهم، فإيمانهم يثمر هذا ويظهر فيه.

وأخيراً أقول: اعرض إيمانك على القرآن، فإن وافق القرآن عليه وصدقه وقال: هذا إيمان فهو إيمان، وإذا كنت ما تحفظ القرآن اطلب من يقرأ لك القرآن واسمع فسوف ترى الإيمان والمؤمنين، من خلال صفاتهم وسلوكهم تعرف المؤمنين، وإذا ما كنت كذلك فاسأل أهل العلم وقل لهم: هل أنا مؤمن؟ يسألونك عن معتقدك، عن سلوكك، ويقولون لك الحقيقة إن كانوا ناصحين.

العمل الصالح المزكي للنفس لا ينتج الحسنة ولا يولد مادة الطهر والصفاء إلا إذا كان مما شرعه الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

يا عبد الله! لن تستطيع البشرية كلها مجتمعة أن تضع كلمة واحدة أو حركة واحدة من شأنها أن تولد ما نسميه بالنور، ما يسميه الشرع بالحسنة، كل المهندسين والكيماويين والتقنيين والسحرة والشياطين وقل ما شئت لو اجتمعوا وقالوا: نوجد حركة أو عملاً أو كلمة أو ورداً إذا قالها العبد أنتجت له حسنات وأنواراً في قلبه، هل يستطيعون؟ والله ما استطاعوا ولن يستطيعوا.

العمل الصالح: هو المادة الثانية لتطهير النفس البشرية وتزكيتها، ولن يكون عملاً صالحاً إلا أن يكون مما شرع الله ورسوله، وعلى هذا أيما بدعة يبتدعها العالم أو الظالم ويقدمها لعباد الله تصلح بها أحوالهم ويعظم بها شأنهم وتزكو بها نفوسهم فهي باطلة، واحفظوا لهذا كلمة محمدية زنتها قنطار ذهب وفيها غبن إذا بعناها بهذا، وأكثر السامعين يحفظونها؛ لأنها من ضروريات موكب السعادة، يقول صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).

هذه الكلمة إذا حفظها عبد الله وفهمها لم يستطع دجال ولا خرافي ولا حاكم ولا قانوني ولا.. ولا.. أن يروج عليه باطلاً أبداً.

( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) بمعنى: مردود عليه، مرفوض بالجملة، من عمل عملاً يريد أن يزكي به نفسه ويطهرها ولم يكن مطبوعاً بطابعنا، فلن ينفع ولا يجوز إذا لم يكن فيه هذا الطبع، اضرب به عرض الحائط.

( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) بمعنى: مردود عليه.

اسمع! قمت أنت تصلي فصليت ركعتين والعين دامعة والقلب خاشع، صليتهما ابتغاء مرضاة الله، المدة الزمانية خمس دقائق، تعطى عليهما كذا كيلو من الأنوار القلبية، ويقوم أخوك من صلاة المغرب أو من العشاء، وهو يردد: هو، حي.. ولا يحصل على جرام واحد من الحسنات، وقد يغضب أحدهم مما قلت أو يضحك وهذا غير ضائرنا، فهذه هي الحقيقة، فلا يطمعن مبتدع قائم ببدعة أنها تثمر أو تنتج له أقل ما يسمى ملي جرام من الحسنات، وليست العبرة بالجهد ولا بالعرق ولا بما يبذل من طاقة جسمانية أو مالية، العبرة كل العبرة بأن هذا المركب من صنع العليم الحكيم الذي أودعه سراً أو من صنع الناس؟ هذا هو السؤال.

قدمت لكم أن البشرية كلها لو تجتمع ما تستطيع أن تأتي بكلمة أو حركة تنتج حسنة، من باب المستحيل، لا ينفع عقل ولا ذكاء ولا فهم ولا.. ولا.. إذ الذي أودع في الكلمة التأثير ومادة التزكية والتطهير هو الله الذي أوجد مادة الغذاء في الجبن واللحم والبيض والفواكه والخُضر، أما الآدمي كيف يجعل هذه الكلمة تنتج.

إذاً: معاشر المؤمنين! ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) لازم هذا أن البدعة مهما قُرئت، مهما صُدِّرت، مهما قدمت في أطباق الذهب، مهما كان واضعها مرفوضة وتحت أقدامكم، ولا تضيعوا فيها جهداً ولا مالاً ولا وقتاً؛ فإنها لا تزكي أنفسكم، فقبل أن تعمل العمل اسأل أهل العلم: أهذا مما شرع الله في القرآن أو في السنة؟ فإن قالوا: لا، المشايخ هم الذين وضعوا هذه الحضرة، اربأ بنفسك أن تجلس مجلساً تخسر فيه ولا تربح، وإن قالوا: سنة أبي القاسم، طريقة محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى كذا وقال رسوله كذا، فحينئذ اعمل بشرع الله ورسوله واصدق وأخلص وائتِ العمل كما ينبغي، تنتج لك تلك الحركات أو الكلمات مادة من النور، تزكو عليها نفسك وتطيب وتطهر.

يا عبد الله! عرفت أن البدعة باطلة؛ لأنها ليست مما شرع الله، فهي فارغة من مادة التزكية للنفس، أي: لا تولد الحسنة، فلا تزكو عليها النفس ولا تطهر، فإذا كان القول أو العمل مشروعاً بالوحي الإلهي: الكتاب والسنة فاعلم أنه لا ينتج أيضاً ولا يثمر إلا إذا أديته وفعلته على النحو الذي أداه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لا نغش بعضنا البعض، ما كل من صلى أنتجت له الطاقة، هذه المسائل أدق من الكيماويات في تركيبها، عرفت أن العمل الصالح هذا الذي قال الله فيه كذا أو قال رسوله فيه كذا، حينئذ افعله، أده كما أداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أنت نقصت منه أبطلته، وإن أنت زدت فيه أفسدته، وإن أنت قدمته أو أخرته أفسدته وعطلته.

إذاً: لابد وأن تفعله كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم كمية وكيفية وزماناً ومكاناً، هذه أربع:

الكمية: عدد صلاة المغرب ثلاث ركعات لو زدت فيها ركعة بطلت، لو نقصت منها ركعة بطلت، أي: لا تولد الطاقة ولا تنتج الزكاة حتى تؤديها ثلاث ركعات.

ثانياً: لو تصلي الآن مغرب الغد، وتحسن هذه الصلاة وتتقنها هل تولد لك حسنات؟ الجواب: لا، لم؟ لأنها مربوطة بوقت، ما لم تقع فيه لا تولد ولا تنتج أبداً، قدمت أو أخرت.

المكان: لو تصلي صلاة ما في مزبلة، في مقبرة، في مجزرة يقول الفقهاء: صلاتك باطلة، ونحن نقول: صلاتك لا تنتج لك الطاقة، لا تولد لك الحسنة، أعدها، ما انتفعت بها، الفقيه يقول: صلاتك يا عبد الله! باطلة، ومعنى باطلة: ما تعطى عليها أجراً، وسر القضية: أنها لا تزكي نفسك حيث لا تنتج الطاقة التي هي الحسنات.

فلاحظ إذا كان العمل صالحاً مشروعاً فأده أداءً صحيحاً بألا تزيد في كميته ولا تنقص، وألا تقدم فيه أو تؤخر، تحافظ على الهيئة، وألا تخرجه عن زمانه ولا عن مكانه، وبذلك ينتج، تدور العملية والنور يتدفق.

وإن شئتم ضربت لكم مثلاً بالصلاة، وهي أقوى مولد للطاقة في العبادات الصلاة، قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] ولن يخبر تعالى إلا بالصدق والحق والواقع، هذه صفة الصلاة، لكن لم الرجل يصلي ويشرب الخمر، يصلي ويقامر، يصلي ويرابي، يصلي وامرأته وبناته كاسيات عاريات وهو يضاحكهن في الشوارع؟ كيف هذا؟ لأن الصلاة ما أنتجت له الحسنات، ما ولدت شيئاً، لم؟ لأنها صلاة باطلة، والله لو استعرضها فقيه ناصح لقال: عبد الله! صلاتك باطلة، بمجرد ما تجد الرجل يعيش على الفحشاء والمنكر اعلم أن صلاته باطلة، ما أحسنها، ما أتقنها، ما أخلص فيها، أجزاؤها مهلهلة، أركانها ساقطة، لو كملت وصحت لفعلت العجب في نفس عبد الله.

هكذا الإيمان وهكذا العمل الصالح، وهذا يتطلب منك يا عبد الله! العلم العلم، لا بد من مزاحمة العلماء ومجالستهم، والسؤال والتعرف إلى شريعة الله حتى تعلم، ولا تفهمن أبداً أنك تعلم بدون أن تتعلم، إنما العلم بالتعلم.