دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى أن تقوم الساعة


الحلقة مفرغة

الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! أحييكم جميعاً بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقد اختار الأبناء هذا العنوان: دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة.

أولاً: كلمة (دولة) تفيد وتعلن وتقرر بأنها تدول، وفي القرآن الكريم: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]، وما سميت دولة إلا لأنها تدول وتزول والبقاء لله.

أما الظلم فالظلم حقيقته: وضع الشيء في غير موضعه، فمن جاء يبني داراً أو يغرس بستاناً إذا لم يضع كل شيء في مكانه اللائق به، فقدم وأخر، ورفع ووضع فبناؤه سينهار، ولا تطول مدته، وغرسه سوف ييبس ولا يثمر ولا ينتج؛ لأن العدل يقابل الميل والانحراف.

فالدولة إذا أقيمت على أسس قضى الله تعالى أن لا تبنى عليها فهي قطعاً زائلة زائلة، وساعتها سوف تنتهي بدقائقها ولحظاتها وثوانيها.

ومن باب التدليل بالواقع فإن النظام البلشفي الشيوعي الاشتراكي العالمي قامت له دولة، ووالله ما أقيمت على أسس العدل وإن ادعت العدل وتغنت به وغررت به، وظن الجاهلون أنها دولة العدل؛ لأنها تسوي بين المواطنين، وتوزع القوت عليهم بالتساوي، ولا تفضل شريفاً على وضيع ولا وضيعاً على شريف، والحقيقة -والله- أنها ما قامت إلا على الظلم، بأتم معنى الظلم، وإذا لم يشاهد هذا فيمن كان وراء الستار الحديدي، فقد شاهدناه في بلاد العرب والمسلمين، الذين تبنوا هذا المذهب الخاطئ الباطل، ورأينا ما نزل بهم وما مسهم من سوء وما أصابهم من بلاء.

فالدولة العظمى: دولة روسيا، وقد ظلت تحت جناحيها وكلكلها جمهوريات عدة زالت وسقطت وبادت وانتهت، وكيف تم ذلك؟

تم بتدبير العلي العظيم، العزيز الحكيم، الله رب السماوات والأرضين، وإن كان هناك سبب ظاهر فهو هزيمتها على أيدي أولئك الضعفة المساكين، أصحاب اللحى الضاربة إلى الصدور، والعمائم التي كالقفاف على الرءوس، هذا النوع من الناس كان المخدوعون يظنونه لا شيء، لا قيمة له ولا وزن، فكيف يقاتل وينتصر؟ ويدلك لذلك أنا حلقنا وجوهنا وأعرينا رءوسنا؛ ظانين أن التخلف والتأخر والانهزامية جاءتنا من طريق التمسك بمبادئ دين قديم كرهوه لنا وسموه بالرجعية، ويأبى الله إلا أن يرينا آياته؛ ليقيم الحجة علينا، وليس هذا من باب إكرامنا وإسعادنا، بل هو من باب إيقاظنا وتحريكنا، علنا نستقيم فتستقيم الحياة لنا.

فهزم الله روسيا: الدب الأحمر، روسيا البيضاء، ولم يشأ الله أن تخفي هزيمتها أو تستر عورتها، بل أنطقها الجبار الذي أنطق كل شيء، ففي المحافل الصغرى كالكبرى وداخل ديارها كخارجها أعلنت عن هزيمتها، وقد عهدناها في مناطق شتى جماعات تنتسب إليها تأبى أن تعترف بالهزيمة، وتقاتل عشرات السنين لئلا ينهزم الحزب الشيوعي، وشاء الله أن ينهزم، ومن ثم لم تدم هذه الدولة الطويلة العريضة التي تحدت السماء والأرض، لم يزد عمرها على الخمسة والسبعين سنة، كيف ذلك؟ ولماذا لم تدم؟

التعليل الحكيم: أنها لم تقم على العدل، ووالله ما قامت على العدل، وما قامت إلا لحرب العدل وتحويله إلى اللاعدل، فأرانا الله هذه الآية.

سقوط الشيوعية كان فرصة لاستئثار الرأسمالية الصليبية بتوجيه العالم

معاشر المستمعين! لا يفرحنا هذا؛ لأننا الآن أمام خطر لم يخطر لنا على بال، لا تفرحوا يا أولياء الله! لا تفرحوا إلا بفضل الله، إلا بعمل صالح تعملونه وكلمة طيبة تقولونها، وحركة رشيدة صائبة سديدة تتحركونها؛ لأن الفرصة الآن أتيحت للرأسمالية الصليبية، ونحن الذين بفضل الله ساعدناها ومكناها بهزيمتنا لعدونا، وإن كنا لها أعداء، فخلا الجو، وأدعوكم أيها القراء إلى مطالعة جريدة الشرق الأوسط التي صدرت هذا اليوم.. فإن هناك تحليلاً وعرضاً لأحداث الساعة؛ لتعرفوا الحقيقة كما هي، الآن المستهدف هو إسلامنا، يا ويلنا إن لم يتداركنا الله بلطفه ورحمته، ولله تعالى سنن في خلقه: الماء يروي، والطعام يشبع، والنار تحرق والحديد يقطع، سنن لا تتبدل ولا تتخلف.

الآن أصبحنا أمام عدو موحد، كان العدو الآخر يشغله، كان يميل إلينا هذا ويستهوينا ذاك لنكون معه، فكانت فرصة لإحياء الإسلام والمسلمين، كانت فرصة ذهبية لأن تظهر القوة الثالثة التي يورثها الله تعالى بهذا الوعد الصادق، إذ قال تعالى وقوله الحق: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105]، كتب هذا في كتاب المقادير أولاً، ثم في كتبه الإلهية ومنها القرآن العظيم، وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105].

إذاً: الآن فلتتهيأ أمة الإسلام، لقد ضاعت الفرصة وكانت متاحة، وما عرفت الأمة كيف تستغل الظرف، وتأخذ من فضل الله، فقد أعمتها الدنيا، أصمتها الحياة، غرتها مظاهر الحضارة، مظاهر التقدم التي تتغنى به، وضاعت الفرصة، من يأتينا الآن بدولة كروسيا تواجه الصليبية وتفزعها حتى تضطر هذه إلى أن تتملقنا، وتضطر تلك إلى أن تطلب ودنا، إذا شاء الله أن يوجد سيوجد، ولكن أين أسباب ذلك وعوامله؟

معاشر المستمعين! لا يفرحنا هذا؛ لأننا الآن أمام خطر لم يخطر لنا على بال، لا تفرحوا يا أولياء الله! لا تفرحوا إلا بفضل الله، إلا بعمل صالح تعملونه وكلمة طيبة تقولونها، وحركة رشيدة صائبة سديدة تتحركونها؛ لأن الفرصة الآن أتيحت للرأسمالية الصليبية، ونحن الذين بفضل الله ساعدناها ومكناها بهزيمتنا لعدونا، وإن كنا لها أعداء، فخلا الجو، وأدعوكم أيها القراء إلى مطالعة جريدة الشرق الأوسط التي صدرت هذا اليوم.. فإن هناك تحليلاً وعرضاً لأحداث الساعة؛ لتعرفوا الحقيقة كما هي، الآن المستهدف هو إسلامنا، يا ويلنا إن لم يتداركنا الله بلطفه ورحمته، ولله تعالى سنن في خلقه: الماء يروي، والطعام يشبع، والنار تحرق والحديد يقطع، سنن لا تتبدل ولا تتخلف.

الآن أصبحنا أمام عدو موحد، كان العدو الآخر يشغله، كان يميل إلينا هذا ويستهوينا ذاك لنكون معه، فكانت فرصة لإحياء الإسلام والمسلمين، كانت فرصة ذهبية لأن تظهر القوة الثالثة التي يورثها الله تعالى بهذا الوعد الصادق، إذ قال تعالى وقوله الحق: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105]، كتب هذا في كتاب المقادير أولاً، ثم في كتبه الإلهية ومنها القرآن العظيم، وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105].

إذاً: الآن فلتتهيأ أمة الإسلام، لقد ضاعت الفرصة وكانت متاحة، وما عرفت الأمة كيف تستغل الظرف، وتأخذ من فضل الله، فقد أعمتها الدنيا، أصمتها الحياة، غرتها مظاهر الحضارة، مظاهر التقدم التي تتغنى به، وضاعت الفرصة، من يأتينا الآن بدولة كروسيا تواجه الصليبية وتفزعها حتى تضطر هذه إلى أن تتملقنا، وتضطر تلك إلى أن تطلب ودنا، إذا شاء الله أن يوجد سيوجد، ولكن أين أسباب ذلك وعوامله؟

ما كان من حقي أن أبكي أمامكم، لكني بكيت في نفسي وجفت الدموع، مستقبل مظلم ولا ملجأ ولا منجا إلا إلى الله، فإذا المسلمون في أي بقعة، في أي إقليم، في أي دار صدقوا الله ووقفوا مستقيمين على منهجه؛ فسوف يدفع ويصرف عنهم البلاء، ويؤمنهم ويعصمهم من كل الغوائل التي كانت بالإمكان أن تصيبهم ... نعم، والله الذي لا إله غيره ما تماسكت جماعة في أي بلد وأخذت بحبل الله واعتصمت به إلا جعل الله لها فرجاً ومخرجاً، إلا وقاها وحماها، وحاشاه أن يسلط أعداءه على أوليائه، أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، لا في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة، خالق الخوف والحزن هو الذي يخبر بهذا، أولياؤه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لو كادهم أهل الأرض لجعل الله لهم فرجاً ومخرجاً.

أما إذا اجتمعت كلمة المسلمين ومشوا في طريق الحق والعدل والخير، فإن العاقبة لهم والجولة الأخيرة هم مالكوها ووارثوها، وهذا وعد الله الصادق.

إذاً: أمامنا خياران: إما أن نستقيم على منهج الله، أن نقيم دولتنا على العدل، وكلمة العدل ليست بالقليلة المعاني، ولا بالضيقة الميادين، اعلموا أنها أول ما تتناول أن يعبد الله وحده، لا تعبد أهواء ولا شهوات، لا قبور ولا أشجار ولا أحجار، لا ملائكة ولا رسل، وإنما يعبد الله وحده، أي: لا يذل، ولا يخضع، ولا يطاع ظاهراً وباطناً إلا الواحد القهار، وعبادة لغير الله، وميل بالقلوب إلى غير الله خوفاً ورغبة ورهبة لا عدل فيها، بل هي الحيف والجور والظلم، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ [النحل:90].

أواصل كشف النقاب عما ينتظر هذه الأمة المسلمة، ضاعت فرصتها، والحمد لله محدثكم ألهمه الله هذا وعرَّفه به، وأذكر أنني كتبت كتاباً في وريقات ووزعته في منى وعرفات، وقلت: اغتنموا هذه الفرصة قبل أن تفوت، فإنها إذا سادت البلشفية وحكمت فسوف تنسخ وجودنا كما نسخت الجمهوريات الإسلامية، وإن انتصرت الصليبية والغرب والرأسمالية فسوف يمسخوننا حتى نصبح مسلمين غير مسلمين، عرباً غير عرب، هذه هي الحقيقة، دالت دولة البلشفة التي تنسخ لا تمسخ، وبقيت دولة تريد مسخنا فسوف يمسخوننا إذا نحن لم نمد أيدينا لله، أحببنا أم كرهنا، إذا لم نحقق ولاية الله، وهي إيمان وتقوى، تتجلى بهما استقامة على منهج الله في كل مظاهر الحياة ظاهراً وباطناً، إن نحن لم نوال الله وأعلنا عن معاداته وعادانا فيا ويلنا.

لا تقولوا: يتشاءم، قد قالها من قبلكم: هذا خيال وتشاؤم، أين الأندلس جنة العرب الخضراء؟ كانت تفيض بالعلوم والمعارف، كانت تفيض بالأبطال والشجاعات، كانت تفيض بالعسل، نسخت أو لم تنسخ؟ نسخت.

غورباتشوف في عدد اليوم يقول الكاتب: صرح غير ما مرة بأنه صليبي ضد الإسلام، فأبشروا، ومعنى هذا أن القوة أصبحت في أيدي الصليبية، أول ضحية أن تلك الجاليات المؤمنة المسلمة سوف تمسح من تلك الديار، ويرمى بها كغثاء في البحر، لأننا أضعناها فرصة، لو كان رأينا واحداً وكلمتنا واحدة لكانت الآن أوروبا غشاها نور الإسلام وغطاها، وأصبحت دار أمن وأمان بالإيمان والمسلمين، لكن ضيعناها وما قدمنا شيئاً، آه وهل ينفع التأوه يا عباد الله؟ لا بأس أن تبكوا أو تحزنوا، الدار دار بكاء ودار حزن ليست دار فرح.

ماذا تصنع الآن الصليبية معنا؟ إن لم نوال الله، إن لم نَصلح ونُصلح فسوف نواجه بالصليبية الحاقدة التي منذ أن تكون الثالوث الأسود المكون من المجوسية واليهودية والصليبية وهم يرتعدون من كلمة: إسلام ويخافونها، ويجاملون فقط، وقد كشف النقاب وأزيح الستار وعرفناهم يتتبعون القضية الإسلامية والحركات الإسلامية في كل دار من ديار المسلمين ولا يريدونها أن تبرز إلى الوجود؛ حتى لا يتعكر ذاك الصفاء المادي الذي يعيشونه.

معشر المستمعين! ماذا يصنعون؟ إما أن يمنعوا معوناتهم ابتلاء لنا وامتحاناً، إذ لم يبق لنا مجال آخر سواهم، وقد ضاعت الفرصة، والعرب والمسلمون لا يصنعون إبرة، فسوف يمنعون معوناتهم ويكفون أيديهم ويساوموننا، فماذا نعطيهم؟ نعطيهم ما يريدون سوى قلوبنا، الذي يمدونه يسلبونه ما عنده من نور ويتركونه في الظلام، أو يغرقوننا في العطايا والديون ثم يطالبوننا: سددوا أو نتصرف، فيعدّون أنفسهم ليحكمونا -كما كانوا- من أندونيسيا شرقاً إلى الدار البيضاء غرباً، أحببنا أم كرهنا، كيف يكون هذا يا شيخ؟ اتق الله، أما كان قبل الآن؟ أما سادونا وحكمونا وساسونا واستعمرونا من أندونيسيا إلى المغرب، أي برهان تطلب يا عبد الله؟ الشواهد قائمة.

وإذا حكمونا مرة أخرى مسخونا، لن تسود إلا لغتهم، ولن يظهر إلا زيهم، ولن يفكر إلا بتفكيرهم وعقولهم، وهبطنا إلى الأرض.

يا معشر المستمعين! خطر ونستحقه ونحن له أهل؛ لما أضعنا وضيعنا، فالمسلمون يتطاحنون، يتناحرون، يستخف بعضهم ببعض ويتلاعنون، لا حب ولا صدق ولا ولاء، لا إله إلا الله! ما أسوأ منظرنا عند الناظرين بجد وحق، وأذكر مثالاً حياً:

إخواننا في جنوب السودان يلاقون الأمرين، ويكابدون الغصص والألم والأتعاب، ما استطاع العرب والمسلمون أن يطفئوا تلك الجمرة، مع أنهم ببولهم فقط يستطيعون إطفاءها، فما الذي صرفنا؟ من منعنا؟

أين قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]؟ أين قوله صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )؟ أين قوله: ( المسلم أخو المسلم )؟ عرى انحلت.

ولكن باب الله مفتوح، ينزل الرب تعالى إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر من كل يوم وليلة: ( هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ )، فلو قلنا: رب توبتك لا نريد سواها، فتبنا وتاب علينا، لما مرت إلا أربع وعشرون ساعة فقط وتتجلى فيه هذه الحقيقة، ويتغير نظام هذه الحياة في الناس، مظاهر تدل على الإخاء والعدل، يصدر أمر: أيها المسلمون، التدخين ممنوع، فلا يقبل من يمسك بسيجارة في العالم الإسلامي في ساعة واحدة، هذه خطوة إلى الأمام.

يوم آخر: أيها المسلمون قوت يوم يجمع في ذلك اليوم، هيا بنا نصوم يوم الخميس وغداء يوم الخميس وفطوره يجمع بأمان من كل بيت، ويوزع على فقراء المسلمين.

إذا قلنا: من اليوم لا يتخلف مؤمن عن صلاة فرضها الله وحدد ميعادها لمقابلته واللقاء معه، فإذا أذن المؤذن في ديار الإسلام ترى الأمة زاحفة إلى بيوت الرب بمظاهرة لم تعرف الدنيا لها نظيراً، خمس مرات تهتز الدنيا وتضطرب، ويبدأ العدو يتراجع في كتاباته.

لم لا يتم هذا ونحن المسلمون المؤمنون؟ وإن كان هناك ظلام، وإن كان هناك زيغ في القلوب، فإن صيحة واحدة تحرك الإيمان وتزيده، إذ الإيمان كامن في نفوس المؤمنين، متى حرك تحرك واندفع، طاقة كامنة فقط، وإذا لم نلجأ إلى الله فدولة الغرب إما أن تستعمر فتمسخ، بأن تبقي الأجسام والهياكل والأسماء لا تبدلها، لكن أنوار الإيمان تنطفئ، وإما أن تفاوضنا على أن نتخلى بأنفسنا عن ديننا، وتنتشر الخلاعة والدعارة، وينتشر السكر والعهر والباطل والشر، ونصبح نساق كما يريدون، وفقدنا وجودنا وحياتنا، وليس بعيداً أن يساعدوا اليهود على تحقيق حلمهم وهم يتفرجون، دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات، لعلهم يتخذونها تجربة فقط ليشاهدوا كيف يتحقق حلم اليهود، من ينصرنا؟ من لنا؟ لا أحد إلا الله، وقد عاديناه، فمن لنا؟

ولاية الله تعالى والإيمان به

فكروا تهتدوا، ولا سبيل إلا ولاية الله، والله لا نجاة إلا فيها، ونحن الآن أحرار منطلقون في فترة نخشى أن تتغير بعد عام، التوبة يجب أن تتم على الفور، لا يوجد إمهال ولا انتظار، فالآن نتوب إلى الله، لم لا تجتمع الحكومات الإسلامية على المستوى العالي الرفيع بدعوة من المنظمة الإسلامية، وتجتمع أمة الإسلام في شخصية زعمائها وأئمتها وملوكها ورؤسائها، وينظرون إلى الواقع كما ننظر نحن إليه، ويشاهدون كما نشاهد، ويخرجون بميثاق واحد.

أمة الإسلام أمة واحدة، إذا بكى أو صاح من في أقصى الشرق بكى معه وصاح من في أقصى الغرب، وما بعدنا أبداً عن كلمة: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )، ثم نأخذ في تطبيق هذه الشريعة، وتدفق أنوارها في ربوع العالم الإسلامي، والظلام يرحل، وما هي إلا فترة وجيزة وإذا نساؤنا كرجالنا، الكل ولي لله، إذا سأله أعطاه، وإذا استعاذه أعاذه، وإذا استنصره نصره.

معشر المستمعين! ولاية الله فيم تتحقق؟ اسمعوا وبلغوا، والله ما لنا إلا الله، فهيا نجدد العهد لولايته، تلك الولاية التي تتمثل في الإيمان، حيث لم يبق في قلوبنا هواجس ولا خواطر باطل ولا وسواس شيطان، إيمان ناصع مشرق، طاقة تدفعنا إلى حيث يرضى الله، إيمان نعرضه على كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقوى تتمثل في النهوض بالواجبات والتكاليف التي كلفنا الله تعالى بها في كتابه وعلى لسان رسوله، تتمثل في اجتناب ما نهى الله عنه وحرمه وتوعد عليه من كل سوء وباطل، حتى الخلق الفاسد، بهذا تتحقق الولاية، ويوم تثبت ولاية الله لنا سوف يهدينا إلى سبل نجاتنا، سوف يمدنا بإمدادات لا يستطيع البشر أن يصلوا إلى مستواها أو يعرفوا حتى مصدرها وقيمتها.

معاشر المستمعين! وإذا لم نتلاءم ولم نجتمع وبقي ما كتب علينا من الفرقة والخلاف فماذا نقول؟ نلجأ إلى كلمة نرددها: النجاة النجاة.

فيا عبد الله! ويا أمة الله! اطلبي النجاة لنفسك، فإن لله عز وجل عهداً وميثاقاً في قوله: ( من آذى لي ولياً آذنته بالحرب )، فليطلب كل فرد منا النجاة بنفسه إن عز علينا أن نطلبها للعالم الإسلامي، فديارنا هذه تظللها راية لا إله إلا الله محمداً رسول الله، ليس من العسير ولا من الصعب أبداً أن تبرز قوة ثانية في العالم على صغر حجمها وقلة عددها إذا نحن استقمنا استقامة يرضاها ربنا، إذا نحن ذبنا في نور لا إله إلا الله فسوف تظهر القوة التي تخضع العالم الهابط الساقط من هذه الديار، من هذا المركز الإشعاعي؛ لأن تلك الدولة التي تحدثنا عنها: دولة الصليبية ما قامت على عدل ولا تعرف العدل، وليست هي بأهل له، سوف تقوم على الظلم وأفظعه، ولن تكون إذاً دولتها إلا دولة ساعة، وليست دولة تبقى إلى قيام الساعة، الذي يبقى إلى قيام الساعة دولة العدل، دولة القرآن، دولة الإسلام.

عبادة الله تعالى والتوبة إليه

معاشر المستمعين! ماذا عسانا أن نقول، هيا بنا نستقيم ونتخلى عن مظاهر الباطل والسوء، نرجع إلى الله بصدق، نطهر ألسنتنا فلا ننطق بسوء، نطهر قلوبنا فلا تتقلب في غير مرضاة الله ربنا، نطهر طعامنا وشرابنا، نبعد عنه هذه الكماليات، ونوفر الريال والعشرة من أجل أن نقوي أنصار الله وأولياء الله، فرص تضيع، إلى متى وهي تضيع؟

حسبنا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعدون على رءوس الأصابع، ما كانوا أمة كأمتنا بمئات آلافها وملايينها، فكيف استطاعوا في ظرف خمس وعشرين سنة فقط يمشون بسمت من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب؟ استطاعوا ذلك بولاية الله؛ لأنهم أعطوا الله قلوبهم ووجوههم، وأسلموا له كل شيء.

يا معاشر المستمعين! إننا في مكان آمن وسليم وسالم، فلنغض عن هذه الزخارف، ولنقبل بجد على عبادة الله وطاعته؛ لتعود إلينا تلك الشخصية الإيمانية الإسلامية، وإنا بفضل الله تعالى لقادرون أن نهزم دولة الظلم ولا تهزمنا، فقط عودة صادقة، فكل ما تسربه إلينا من دعايات باطلة نلفظها، كل ما يقدم إلينا من هذه السموم التي تسمم العقول والأفكار نرفضها ونعلو فوقها ونتجاوزها، ونستعد للجوع إن جعنا، وللظمأ إن ظمئنا، ولكن في سبيل أن يبقى علم لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولن تمزقه أيدي الصليبية ولا اليهودية ولا البلشفية إن عادت أو بقي فيها عضو يتحرك.

ترسيخ مفهوم العدل في الدولة والمجتمع

دولة الإسلام هي دولة العدل، لاحت راياتها في الآفاق شرقاً وغرباً، ودامت ثلاثمائة سنة وهي ثابتة لا تعدوها دولة، حتى تخلت عن ولاية الله وانزاحت إلى ولاية الشيطان، فابتلاها الله وتخلى عنها، فمكر بنا الأعداء وانتهوا إلى أن استغلونا واستعمرونا، وأحيانا الله وبعثنا بعد الموت، وأصبحت أمة الإسلام بملايينها متحررة مستقلة تستطيع أن ترفع صوتها وتفرض مرادها على الأبيض والأسود، فلم يسمحوا لها، واستعملوا الدس والكيد والمكر والخديعة، ولم تستفق هذه الأمة بعد.

معشر المستمعين! ماذا عساي أن أقول؟ فليستقم شبابنا، وليستقم رجالنا وكهولنا ونساؤنا وأطفالنا، نرفع أصواتنا بكلمة لا إله إلا الله، ولنستقم على منهج الله أولاً، لم يبق لنا مجال للغو ولا للهو ولا للباطل ولا للترف، نملأ بيوتنا بذكر الله وتلاوة كتابه، كل في مجاله ينتج ويثمر، الكاتب كاتب، والزارع زارع، والصانع صانع، والكلمة واحدة، والقلب واحد، والجهة واحدة، نجتمع في بيوت الله كل ليلة، أهل كل حي كأهل كل قرية يجتمعون ويبكون بين يدي الله يتضرعون ويسألون، فيتزودون كل ليلة بطاقات جديدة من الإيمان وهو القوة الدافعة، وإذا تجلى النهار ودخلنا فيه أرينا الله عز وجل كيف نعمل؟ لا كسل ولا بطالة ولا لهو، ولكن جد وصدق، فمتى رآنا الله قد أقبلنا عليه أقبل علينا، وجعل عسرنا يسراً، وجعل لنا من كل ضيق فرجاً ومخرجاً، وتولانا، ومن تولاه الله فلن يذل ولن يقهر بحال من الأحوال.

نعم، إخواننا في الشرق والغرب شبه أموات، ولكن نحن أحياء، فلم لا تتجلى هذه الحياة فيما نريده من أننا أولياء الله، نستقيم على منهجه، ضراعة لله عز وجل لتتحقق ولايته لنا، ولنسلم من الخطر الداهم الذي يتوقع لنا، ولا نبغي السلام فقط، نبغي إنقاذ العالم، وإن ذلك لسهل ميسور، أود لو أن كتابنا يكتبون اليوم رسائل تترجم إلى اللغات الحية -كما يقولون- يظهرون فيها محاسن الإسلام ويدعون فيه أوروبا وأمريكا واليابان والصين والروس إلى الإسلام، فالفرصة متاحة، والجو خال، والبشرية تتململ حيرى، إلا أن أعداء الإسلام يتآمرون ويتجمعون، هيا نفوت الفرصة عليهم، فلو رفعنا أصواتنا بالإسلام وحققناه قولاً وعملاً واعتقاداً، وأريناهم: انظروا الأمن والإخاء والمودة، والصدق والحب والطهر والصفاء، تريدون الإسلام؟ عرجوا على ديارنا، وشاهدوا حقائق الإسلام، لا بؤس ولا شقاء، لا فساد ولا شر ولا عداء، ولكن أمة متعلقة بالسماء، فسوف يبهرهم ذلك المنظر، ويتحقق مراد الله في قوله: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32]، سيدخل هذا الدين الإسلامي كل بيت مدراً كان أو وبراً، وسوف يبلغ ما طلعت الشمس وغربت، وهذا كائن، ولعل هذه الأيام هي الفرصة الذهبية.

سقطت البلشفية الشيوعية، الغرب يزحف ويتكتل، هيا بنا نحن نريهم حقيقة الإيمان والإسلام، فليتحرك الكتَّاب والعلماء والمفكرون، وليرفعوا أصواتهم: الإسلام هو المنقذ، الإسلام هو الطريق، الإسلام هو هداية البشرية، وليس غير الإسلام، جربتم البلشفية، جربتم الماسونية، جربتم الصليبية، انتهى كل شيء إلى وبال ودمار، هيا بنا إلى الإسلام.

وسائل إقامة دولة العدل

فإذا لم يستجب يا عباد الله! لكم فماذا تصنعون؟ الطريق ما سمعتم، صيحوا في أفراد أسركم في إخوانكم: النجاة النجاة، فإن الله يكتب لنا النجاة متى واليناه أفراداً أو جماعات، فضلاً عن أمم وأقاليم، الإقليم الذي يمد يده لله ويمسك بحبل الله لن يزلزل من أقدامه، ولن يضيع بين يدي الله، وعد الله والله لا يخلف الميعاد، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55]، هذا الوعد ما سُحب، ما زال هو هو.

وعلى سبيل المثال، وبالمثال يتضح المقال: الملك عبد العزيز تغمده الله برحمته جاء الله به ليري البشرية آية كما أرانا آيته الآن في الأفغان، في الوقت الذي لصقت أمة الإسلام بالأرض، لم تبق لها عقيدة ولم يبق لها نور، وداسها الغرب والشرق، وأصبحت تعيش تحت كلكل الاستعمار، وأيست من أن تعود للإسلام دولة أو ترفع له راية، أو يطبق شرعه أو يعلن عن أحكامه، أيس الشرق والغرب، وغنوا وفرحوا وقالوا: انتهينا من هذا الغول، أي: الإسلام.

رجل واحد بمجموعة من فحوله ورجاله، استطاعوا أن يوجدوا دولة في خضم الموت الذي انتظم العالم الإسلامي، ترفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتقيم حدود الله، فتأمن هذه البلاد، بل يسير الراكب من شرق الجزيرة إلى غربها لا يخاف إلا الله، كما أخبر بذلك رسول الله، ويتجلى فيها طهر وصفاء لم تعرفه الدنيا إلا في العصور الزاهرة في القرون الثلاثة المفضلة، وأين الطاقات؟ وأين الرجال؟ شيء لا يكاد يذكر، أليست هذه آية؟

فنحن اليوم أعظم شأناً وقدراً من أيام الملك عبد العزيز ، فلو نستقيم ونتعاون حكومة وشعباً، ذكوراً وإناثاً، والله ليفتح الله أمامنا سبل النصر، ونخرج من هذه الديار فاتحين أيضاً، رافعين راية لا إله إلا الله في كل مكان، وإن لم نقو على ذلك فإننا نقوى بإذن الله على إبقاء هذا النور لا ينطفئ، ولتسخط اليهودية، ولتبك الصليبية كما شاءت، ولن يمكنهم الله عز وجل من ديار الإيمان والإسلام إذا نحن أردنا ذلك، أما إذا تلهينا عن ذكر الله، واشتغلنا بالدنيا والأغاني والأكل والشرب والتنافس، والطلوع والهبوط، فإنها فترة نائم ويستيقظ، وإذا بكل شيء تغير أمامه، إنها سنن الله.

نعم، دولة العدل تدوم، ودولة الظلم لا تدوم، قال تعالى: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا [النمل:52]، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117]، ليس من سنة الله أن أمة مستقيمة على منهجه يسلط عليها عدواً من أعدائه، أو يبتليها ببلاء لا تطيقه، حاشا هذا أن يكون لله، وهو أرحم الراحمين، وأعدل العادلين!

إذاً: وأكرر يا أبنائي! هيا نستفيق وننظر في أحوالنا ونبدأ بقلوبنا، هل أسلمنا قلوبنا لله؟ ننظر في أسرنا وأفراد عائلاتنا، هل البيت كله ذكر واستقامة، أو فيه نوم ولهو ولعب؟ هل صدقت ألسنتنا فما أصبحنا نعرف الكذب، ولا قول الزور؟ هل طهرنا حقيقة؟ هل تحاببنا؟ هل تآخينا؟ هل تعاونا؟ هل كنا كما أراد الله لنا؟ نتساءل قبل أن تفوت الفرصة، ولا تقولوا كما قلت لكم: هذا تشاؤم، لا والله، وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25].

فمن هنا أقول للمؤمنين في كل مكان: إن أردتم الأمان الإلهي فقووا جانب الصلاح والصالحين، يا معشر المسئولين من حكام وعلماء وآباء وأمهات! أكثروا من الصالحين والصالحات فذلكم الأمان، كيف نكثر الصالحين والصالحات؟ من باب إيقاظهم.. تحريكهم.. دفعهم.. حثهم.. وعظهم.. إرشادهم.. مساعدتهم، كل يوم يستقيم في أسرنا من كان بالأمس معوجاً، لا نشعر إلا وثلاثة أرباع ديارنا نور يتلألأ، وحينئذ يحصل الأمن والأمان بوعد الله الصادق، اذكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان هناك عواصف وغبار وريح شديد، فصار يدخل ويخرج ويضرب كفيه ويقول: ( ويل للعرب من شر قد اقترب، فقالت أم المؤمنين زينب : أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث ).

فمن هنا على من أراد النجاة من الهلاك أن يكثر الصالحين في دياره، من الجائز أن يكون غيرنا عاجزاً، أما نحن فقادرون، الحكومة معنا تشجعنا وتدعونا وتطالبنا بالدعوة والإرشاد والتوجيه، إذاً فما المانع؟ هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائمة، لمَ لا نقف معها؟ لم نخزيها ونخذلها؟ كما هو واقعنا، عرفنا تيار الباطل وميازيب الشر التي تصب فلنهجرها هجراً كاملاً ولا نلتفت إليها، وما ضاع حق وراءه طالب، فلنستقم قبل أن تفوت الفرصة، فليكثر الصالحون، كثروا الصالحين في بيوتكم وفي أي مكان تكونون فيه.

والحمد لله هناك ظاهرة غريبة، قبل خمس وعشرين سنة يجتمع مجموعة من الناس في منزل، فنجد أن الذين يدخنون أكثر ممن لا يدخنون بالضعفين، ومجلس آخر نجتمع فيه فنجد فيهم ملتحياً واحداً أو اثنين، بينما سبعون لا لحى لهم، قبل خمس وعشرين سنة نمشي في الطريق فمن بين عشرين سيارة نجد واحدة ليس صاحبها مغموراً في الأغاني إلى عنان السماء، نمر بالديار لا نكاد نمر ببيت إلا نسمع فيها الأغاني إلى عنان السماء، والآن تمر خمسون سيارة فلا تسمع الغناء في سيارة إلا نادراً، ولم نعد نسمع أغاني في بيت من بيوت المؤمنين إلا نادراً، ومعنى هذا: أننا نكثر والحمد لله؛ لكن لا بد من هذه الدعوة، لا بد من شد أزر الدعاة، لا بد من الوقوف إلى جنبهم، لا بد من طاعتهم والاستجابة لهم، إذ هذه آخر منزع ننزع إليه، أن يكثر الصالحون في ديارنا، فإنهم إذا قلوا صدق وعد الله فينا، وانتهت حياتنا التي نأمل أن نعيشها طائعين أعزاء مكرمين، ما المانع أن نتعاون على البر والتقوى، ولا نتعاون على الإثم والعدوان؟

والطريق أكرره: ما بين المغرب والعشاء يا عباد الله لا يكون لنا مجال ولا مكان نجتمع فيه إلا بيوت الله، اعرفوا هذه الحقيقة واذكروها، مثلاً: نحن الآن مجتمعون هل عصى ربنا واحد فينا؟ الجواب: لا، انتهت المعصية من المغرب إلى العشاء، أرأيتم لو كان أهل كل حي في مسجدهم، وأهل القرى كلهم في مساجدهم، فإنه يقل الشر، يقل الفساد، تقل الرغبة في الدنيا التي تحمل على القول الباطل والفعل الباطل، يتوفر الطعام والشراب، ولا نبقى خائفين نتألم، ماذا يصيبنا غداً؟

وإذا عجزنا أن نلتقي مع ربنا في بيته فنحن عن غير ذلك أعجز، ومع هذا لا بد من محاسبة النفس ومراقبتها، فلا بد وأن تعرض أخلاقك، تعرض نفسيتك، آدابك، أفكارك على الوحي الإلهي: هل أنت مؤمن؟ هل أنت ولي الله؟ كيف تنظر إلى إخوانك؟ لا حسد، لا كبر، لا حب تفوق، بل حب وإخاء ومودة وولاء، صفاء كامل، هذه عوامل بواسطتها يكثر الصالحون والصالحات.

نشر مفاهيم المحبة والأخوة بين أفراد المجتمع

ويقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أستاذ الحكمة ومعلمها فيقول: ( والذي نفس محمد بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا )، أغلق باب الجنة ولن يفتحه إلا للمؤمنين، وهو كذلك؛ لأن الجنة لا يدخلها إلا الأتقياء الأطهار، والذين لا إيمان لهم أنى لهم أن يدخلوا دار السلام؟

معاشر المستمعين! أقسم الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يدخل العبد الجنة إلا إذا آمن، ثم قال: ( ولن تؤمنوا حتى تحابوا )، فعلق دخول الجنة على الحب لبعضنا بعضاً، لماذا؟

لأننا إذا تحاببنا تعاونا، وإذا لم نتحاب لم نتعاون، وإذا لم نتعاون فما أقمنا دين الله ولا استقمنا لله على منهاج، ثم أرشدنا إلى كيفية تحصيل الحب، أو ما هي مباديه، أبسط شيء قال: ( أفشوا السلام بينكم )، إذا لقيت أخاك أمامك فسلم عليه وابتسم، فلا تزال تسلم ويُسلم عليك حتى تصفو القلوب وتطهر.

وهناك عاملان لا ننساهما وهما: كف الأذى، إن لم تكف أذاك عن أخيك لن يحبك، إن لم تكف أذاك عن أخيك لن يودك، لابد من كف الأذى، أي: لا يؤذي بعضنا بعضاً لا بالقول ولا بالعمل، لا في ظاهر ولا باطن، وأذية المسلم حرام، والله يقول: ( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، وإذا تركنا أذى بعضنا بعضاً فهل يبقى غش أو خديعة، أو فجور أو ظلم أو فساد؟ أين يقع، وكيف يتم وكل منا ملتزم بألا يؤذي أخاه المؤمن!

ثانياً: بعد كف الأذى لا بد من بذل الندى، من بذل الفضل، إذا جاءك أخوك الصادق بأخوته، المؤمن الحق في إيمانه وقال: محتاج إلى كذا، وعندك فضل، فإنك إن رددته لن يحبك، لأنك أغلقت باب الحب في وجهه، جائع وأنت شبعان والطعام متوفر ثم ترده خائباً، لن يحبك؛ فلهذا كان كف الأذى وبذل الفضل لا بد منهما لتحقيق الأخوة الإيمانية التي بها يتم التعاون على البر والتقوى.

فلنعرف هذا، وملتقيات المؤمنين والمؤمنات في بيوت الله كل ليلة يتعلمون الهدى، هذا هو سبيل الوصول إلى هذه الغاية.

والله أسأل أن يحقق لنا ولكم ذلك، إنه قدير.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
انتبه .. إنها الساعة الحاسمة 3857 استماع
لماذا نصوم - شرح آخر -1 3656 استماع
القرآن حجة لك أو عليك 3547 استماع
سر الوجود 3488 استماع
الأمة الوسط 3483 استماع
لماذا نصوم -1 3472 استماع
وصايا لقمان كما وردت في القرآن 3347 استماع
مناسك الحج 3188 استماع
الذكر والشكر 3141 استماع
كيف نزكي أنفسنا 3075 استماع