خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/142"> الشيخ ابو بكر الجزائري . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/142?sub=55">
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
سر الوجود
الحلقة مفرغة
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! أحييكم جميعاً بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وقد سمعتم موضوع الحديث، إنه سر الحياة، نعم قانون العلة معروف لا يذكر، وبسم الله نقول: لم وضع هذا الإناء إلى جنب الشيخ وفيه ماء؟ من أجل أنه إن احتاج إلى الشرب شرب.
لم وضعت هذه الأنوار؟ من أجل أن يرى المصلون والجالسون والقائمون ما يحتاجون إلى رؤيته.
لماذا وضع هذا الفراش؟ من أجل أن يفترشه المؤمنون؛ ليقيهم الحر والبرد.
لم غرست هذه الأشجار؟ من أجل أن يشم منها الجالسون رائحة طيبة، أو يشاهدون منظراً حسناً، أو يجدون لهم ظلاً بارداً.
ما من شيء إلا وهو علة ومعلول، إذاً: ما علة هذه الحياة؟ ما سر هذا الوجود؟
والجواب -معشر الأبناء والإخوان- نتلقاه من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الوحي الإلهي هو مصدر كل علم ومعرفة، ولا علم أصح ولا معرفة أتم من علم الكتاب والسنة.
إذاً: فمن سورة البقرة نسمع قول الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29] فكل ما في الأرض من شجر، من مدر، من حيوان، من معادن، من أنهار، من أبحر، من كائنات حية أو ميتة.. علة وجودها نحن، أي: بنو آدم، خلق الله تعالى جميع ما في الأرض من أجزائها المكونة لها من أجلنا، والخالق هو الذي علل ذلك: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29].
وفي سورة الجاثية من كتاب الله يقول تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13] كل ما في السماوات من كائنات وما في الأرض مسخر لأجلنا، فنحن العلة والتسخير معلول، فلو سألت الله تعالى وأمكنك أن تلقى الجواب وتتلقاه لكان الجواب: ما سمعنا: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13] والذي في السماوات من أمطار، من كواكب -الكواكب السيارة-، من شموس، أقمار، مجرات.. وما وراء ذلك مما لا ندركه أو نعلمه الكل من أجلنا، هذا من القرآن الكريم.
ومن السنة النبوية يروى عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ( يقول الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك ) فما أكرمنا على الله.
فسبحان من جعلنا في هذه المنزلة، وأعطانا هذا العطاء من أجلنا، من أجلنا يخلق الله كل شيء، فالحمد لله والمنة لله.
إذاً: فالجنة والنار -وهما عالمان عظيمان، عالم للسعادة وعالم للشقاء- نسبتهما إلى هذه الحياة كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم هي نسبة كمية الماء التي تعلق بالإصبع لو غمسناها في البحر، ما نسبة هذه الكمية من البلل إلى المحيط الأطلنطي أو الهادي أو الأبيض أو الأحمر؟ لا شيء، هذه مثل الدنيا في الآخرة، عالمان: عالم السعادة، وعالم الشقاء.
هذان العالمان خلقا من أجلنا؛ إذ قال تعالى: ( خلقت كل شيء من أجلك ) .
إذاً: فسر الحياة، سر الوجود نحن، إن شئتم قلتم: لولانا ما كانت شمس ولا قمر، ولا هبت ريح ولا نزل مطر؛ لأن الخالق هو الذي امتن بهذه النعمة، وأخبر من أنه خلق كل شيء من أجلنا، من أجل أن نشكر.
نحن ما سر وجودنا؟ ونحن لم كنا، لم خلقنا؟ علمنا أن كل شيء خلق من أجلنا، ونحن خلقنا لأي شيء؟ يجب أن نعلم وأن نعرف، أوتينا العقول وأنزلت علينا الكتب، وبعثت فينا الرسل من أجل أن نعلم، لماذا خلقنا نحن؟ ولأجل من خلقنا؟
أما لماذا خلقنا؟ فقد أفصح القرآن الكريم عن علة خلقنا، فقال تعالى في سورة الذاريات: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
فنحن مخلوقون للعبادة، فهيا نعمل، ومن أراد أن يتخلص من العبادة فقد احترق، أراد أن يتمزق ويتلاشى ويخسر خسراناً أبدياً، وهذا لازم، من أراد أن يردى أو يشقى أو يخسر فليتخلص من العبادة وليتنصل منها؛ فإنها علة الحياة وسر هذا الوجود؛ إذ كل الحياة والوجود من أجل هذا الإنسان، وهذا الإنسان من أجل هذه العبادة خُلق، فإذا رفضها وأباها وصرف عنها فمعنى ذلك أنه أراد نهايته؛ فإنه سوف يخسر كل الخسران، والخسران في قضاء الله وحكمه ليس أن تخسر صفقة تجارية، ولا أن تفقد زوجاً ولا ولداً، الخسران الحق بينه خالقه، فقال تعالى: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15] (ألا) بمعنى (ألو) التابعة للهاتف؛ لأنك إذا قلت: (ألو)، معناه: أنت حاضر، أنت تسمع، أنت متهيئ لأن تتلقى الخطاب، وفي القرآن ولغته (ألا) أي: استمع، انتبه، أحضر حواسك، أكمل مشاعرك؛ إنك تتلقى خطاباً من الله.
إذاً: أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15]؛ إذ يخسر المرء كل شيء حتى نفسه التي بين جنبيه.
إذاً: نحن خلقنا للعبادة، ومن أجل من خلقنا؟ خلقنا من أجل الله؛ إذ قال تعالى: ( يا ابن آدم لقد خلقت كل شيء من أجلك، وخلقتك من أجلي ) فنحن من أجل الله خلقنا، من أجل أن نعبده، فويل للذين يخرجون عن هذا النظام ويخرجون عن دائرة عبادة الله عز وجل؛ فإنهم -والله- ليخسرون خسراناً كاملاً واضحاً بيناً.
إن عالم الشقاء والمسمى بالنار فيه من صنوف العذاب وألوان الشقاء ما لا يقدر قدره، إن من الناس من يوضعون في صناديق من حديد فيبيتون فيها الدهر كله بلا نهاية، لا يسمعون ولا يبصرون وهم في تلك الصناديق، ألوان من الشقاء، في قول الله تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ [النحل:88] يروى عن الحبر ابن عباس أنه قال: إنها عقارب كالبغال الموكفة تلسعه، زيادة في العذاب.
لندع هذا والقرآن الكريم والسنة يفيضان بأصناف وألوان الشقاء وصنوف العذاب في دار الشقاء، ونواصل حديثنا مع سر الوجود.
وقد خطونا خطوتين: عرفنا لماذا كانت هذه الحياة بكل ما فيها حتى الجنة والنار، وأنه هذا الإنسان، فمن أجله خلق الله هذه الحياة، وعرفنا من أجل من خلق هذا الإنسان، الذي خلق كل شيء من أجله؟ إنه من أجل الله، وماذا يفعل الله به؟ من أجل أن يعبده: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
وهذه العبادة -معشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات- حقيقتها: هي أن يذكر الله جل جلاله ويشكر، فكل ما تحويه كلمة العبادة وينتظم في سلكها لم يخرج عن كونه ذكراً لله وشكراً.
إذا قلنا: الله، فهو خالقنا، رازقنا، مدبر حياتنا، موجد الكائنات لنا، المتفضل علينا بكل ما نعيشه، بكل ما نحسه، بكل ما ندركه، بكل الكائنات.. ليس هذا علماً للمجهول، بل هو للذي لولاه ما فتحنا أفواهنا، لولاه ما نطقت ألسنتنا، لولاه ما كنا ولما اجتمعنا، ولما كان الكون والحياة كلها.
الله جل جلاله وعظم سلطانه، الله الذين عرفوه حق المعرفة إذا ذكر بينهم ارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم، والذين ما عرفوه من أمثالنا فهم ساكنون لا يتحركون، وليس هذا من باب شطحات التصور والمتصورين، هذا كتاب الله؛ إذ يقول تعالى في سورة الأنفال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ أي: بحق وصدق الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2].
إذاً: الذكر والشكر، أراد الله جل جلاله أن يذكر ويشكر، فخلق العوالم كلها وأعدها كنزل وهيأ فيها ما تقوم به حياة الإنس والجن، ثم خلقها؛ من أجل أن يسمع ذكره ويرى شكره، وهو القائل: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152]، أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب:41]، ( أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه )، (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت ).
معشر الأبناء والإخوان الحضور! عرفنا سر الحياة، وعرفنا سر وجودنا، وهو أن نذكر الله ونشكره؛ لأن العبادة من الاستنجاء وطلب الطهارة إلى الموت في حياض الاستشهاد وميادينه.. كلها لم تخرج عن كونها ذكراً لله وشكراً، فلهذا أطلق عبارة الذكر والشكر على كل طاعة لله والرسول صلى الله عليه وسلم، فإنك لا تعدو الحق، ولا تتجاوز الصلاح، وإنما سن تعالى العبادة وجعلها أضرباً وأنواعاً لفائدة تعود علينا، إذا عرفنا هذه الحقيقة وهي أنا خلقنا لعبادة الله، والتي لا تخرج عن كونها ذكراً لله وشكراً، فهل نحن مستعدون لأن نذكره ونشكره؟ إذ ما بعد ترك الذكر والشكر إلا التلاشي والتمزق والخسران الأبدي، أمر مقطوع فيه مبتوت، والآيات ناطقة.
ما سر هذا الذكر والشكر؟
نحن قادمون للكمال والنقصان، للربح والخسران، للسعادة والشقاء أليس كذلك؟ والحياة شاهدة، فلن نكمل في أخلاقنا، في أرواحنا، ولن نسعد في أبداننا وفي أرواحنا إلا عن طريق الذكر والشكر، ولا سعادة ولا كمال إلا عن طريق الذكر والشكر.
هكذا أراد الخالق عز وجل الذي علل الحياة كلها بالذكر والشكر، فما علة هذا الذكر والشكر؟ لا كمال للإنس ولا الجن ولا سعادة لا في الحياة الأولى ولا في الآخرة إلا عن طريق الذكر والشكر، من أراد أن يكمل ويسعد في حياته هذه فليذكر وليشكر، من أراد أن يسعد ويكمل في الحياة الآخرة بعد هذه فليذكر وليشكر، من ركب رأسه وتنكر لعقله، وكفر ربه ونعمته، وترك الذكر والشكر فقد أراد أن يتمزق ويتلاشى ويخسر.
هذه حقيقة كما نحن نشاهد بعضنا بعضاً لا تقبل الجدل أبداً.
إذاً: هذا الذكر والشكر بواسطته نكمل ونسعد، كيف؟ ما وجه ذلك؟ اعلموا أن كمالنا وسعادتنا في هذه الحياة متوقفة على ذكر الله وشكره، الذكر الذي يعصمنا من التلوث، من الوقوع في الخبائث؛ حتى لا نتعفن ولا نتبرم ولا نخبث في أرواحنا؛ فإن الملكوت الأعلى محرم على اللذين تخبث أرواحهم؛ كأرواح الشياطين والكافرين والمجرمين والظالمين.. هيهات هيهات أن تلقى روحَ خبيثٍ أبداً، أو تفتح لها أبواب السماء.
هذا هو المستحيل، من ظن أو فهم أن الروح الخبيثة من جراء الشرك والمعاصي كأرواح الشياطين والكافرين، والظالمين والمجرمين أنها ترقى إلى الملكوت الأعلى وتنزل منازل الأبرار، وتجاور ربها في مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فقد أساء فهماً، وأخطأ تقديراً، وضل عقلاً، وهو يعيش في ضلال وضلال.
معشر المستمعين! إليكم شاهد ذلك ودليله من سورة الأعراف، قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41] هذا حكم الله.
والمعلق على المحال محال، البعير الأورق أو الجمل لا يدخل في عين الإبرة، إذاً: فصاحب الروح الخبيثة من جراء ترك الذكر والشكر يستحيل إذاً أن تفتح لروحه أبواب السماء أو تدخل دار ربها، هذه حقائق مسلمة تسليمنا للواحد مع واحد ينتج؟ اثنان، لن يكونا ثلاثة ولن يكونا أكثر ولا أقل، السماء فوق والأرض تحت، فلاحظوا تكذيباً واستكباراً، إجراماً وظلماً، هذه هي معوقات الذين استكبروا عن الله ما ذكروه ولا شكروه، والذين كذبوا به وبشرائعه وكتبه ورسله ما ذكروا ولا شكروا، فعلى أي شيء تطهر تلك الأرواح؟ والذين أجرموا على أنفسهم لوثوها كل يوم، صبوا عليها قناطير الآثام، اسودت، عفنت، أنتنت، ما أصبحت أهلاً لأن يقبلها الله في الملكوت الأعلى، أفسدوها كامل الإفساد، الظالمون الذين ظلموا أنفسهم بعدما كانت مشرقة إشراق هذا النور أصبحت كالفحم سواداً، كالجيفة نتنة وعفنة، هؤلاء ظلموها فهم ظالمون، فهؤلاء لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، وما هو بوارد ولا بداخل أبداً؛ لأن هذا هو إخبار الله تعالى.
معشر المستمعين! أما حديث: ( قاربوا وسددوا، واعلموا أنه لا يدخل أحدكم عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ) فهذا على ما هو عليه، فنحن طهارة أنفسنا هبة من الله عز وجل، هو الذي طهرها وزكاها، هو الذي وضع هذه الشرائع والقوانين، هو الذي يوفق للعمل بها حتى زكت وطهرت، فالفضل فضله والرحمة رحمته، لو يعمل أحدنا ما شاء أن يعمل لما كان عمله ثمناً لدار السلام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إن موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها ) فأنزل في قوله: بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة:105] والباء في (بما) ليست للعوض أبداً، لأن أعمالنا كلها هبة الله، عطية الله، إن شاء قبلها وإن شاء رفضها، قبلها وأسكنا بها في دار السلام فضلاً منه ورحمة.
معشر الأبناء والإخوان! نمشي رويداً رويداً في هذا الطريق، فنقول: علة هذا الذكر والشكر الإسعاد والإكمال للذاكر الشاكر، هل هذا الإسعاد والإكمال في الدارين أو في الدار الآخرة فقط أو في الأولى فقط؟
في الدارين، والذين لا يذكرون ولا يشكرون تستطيع أن تقول بصراحة: أقسم بالله ما سعد امرؤ في هذه الحياة على غير الذكر والشكر، وقد عرفتم العالم الآن، وأصبحت كالقصعة بين يدي الآكلين، فوالله ما سعد، فالسعادة الحقة التي تتناول الروح وتتناول الجسم، ولا كمل كمالاً حقيقياً إلا من عاش على الذكر والشكر، والعالم أمامنا خمت الدنيا وتعفنت من الخبث، هل هناك سعادة مع الخبث؟!
ضجت الحياة وصرخت من الظلم الذي يعتادها في كل ساعة، وينتظمها في كل شبر منها، هل هناك سعادة أو كمال مع الظلم؟ دماء تراق وتسفك، كرامات تفنى، أين السعادة الحقة؟ ليست السعادة سعادة البهائم التي تدور على ملء البطن، وإذا امتلأ البطن نهق الحمار وطلب الفجار.
السعادة سعادة الروح، الكمال كمال الأخلاق، هذه السعادة والكمال لن يتما في الدنيا إلا على الذكر والشكر.
سعادة الآخرة مفروغ منها، فقد أقسم الجبار قسماً لا شك فيها فقال: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8] هذا كله قسم من أعظم الأقسام الإلهية في القرآن الكريم.
وجوابه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].
دائماً أقول للمؤمنين والمؤمنات في مثل هذه الأحاديث: هنا يتقرر مصيرك يا ابن آدم، اليوم تقرير أخير لا غبش فيه، وأنت الذي تقرر مصيرك بنفسك وبيديك، فقد وكل الأمر الرب إليك: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] أي: زكى نفسه وطهرها بالذكر والشكر وبالعبادة.
وَقَدْ خَابَ وخسر وضاع كل شيء منه: مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:10] أي: أخفاها بما أفرغ عليها وصب من أوضار الذنوب والآثام التي يجترحها بجوارحه، بعينه، بلسانه، بيده، برجله.. هذه.. هذه.. كل يوم يقترف أصنافاً من الذنوب ويضع عليها حتى أخفاها، فخسر كل شيء.
وإذا لم يتبين للأبناء لغلبة الحياة علينا، فإن يوماً سيزاح الستار ونشاهد الحقيقة كما نشاهد الأشياء في النهار، وإن ذلك لقريب، فقط حينما نوضع في حفرة القبر يزاح الستار ونشاهد الحقيقة مشاهدة النهار.
إذاً: معشر الأبناء والإخوان! الذكر والشكر قلنا: إنهما العبادة، وهذه العبادة هي التي تزكي النفس وتطهرها فقط.
أما هذه المركبات الكيمياوية من حبة الإسبرين إلى مصل في إبرة في الوريد أو العضل، هذه مقاديرها محددة موزونة، الزيادة فيها تفسدها، والنقص منها يفسدها، ولن يشفى مريض إن خرج عن دائرة الكمية الموضوعة لعلاجه، فإن زادها أهلك نفسه وإن نقصها لم ينتفع بها، فمن هنا لا تفهمن -يا بني- أن كل من ذكر وشكر على غير ما وضع الله من سنن وطرائق وقوانين الذكر والشكر أنه يفوز بزكاة نفسه وطهارتها، وبالتالي بالدخول في دار السلام، هذا ما كان أبداً.
كيفية ذكر الله وشكره وبيان وقته
سواء كانت نعمة السمع أو البصر، نعمة اللسان والمنطق، نعمة الولد والزوجة، نعمة الدينار والدرهم، كل نعمة نريد شكرها فأول ما ينبغي فعله: أن نعترف في قرارات نفوسنا وفي أعماق ضمائرنا أنها من الله وليست من غيره، وما أكثر من يغفل عن هذا الباب، ولا يعرف كيف يشكر الله.
ثانياً: أن تبادر إلى أن تحمد الله عز وجل بكلمة (الحمد لله)، أو تخر ساجداً بين يديه.
إذا أنت ذكرت مصدر نعمتك تجدك مضطراً إلى أن تلهج بحمده والثناء عليه: الحمد لله.
ثالثاً: لن يتم شكرك باعترافك وحمدك بلسانك حتى تصرف تلك النعمة فيما من أجله وهبكها الله، وإلا عاكسته، أعطاك لكذا فصرفته في غيره، موقفك موقف معاند معاكس لله، ويا ويل من يعاكس الله، فإنه يدخل في عداه.
إذاً: أقول: الشكر يبتدئ بالباطن، بإقرار النفس بأن النعمة منه، لا من زيد ولا من عمرو ولا من كائن آخر إلا الله؛ إذ هو واهب النعم ومعطيها، وقوله: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53] ومن قال: لا، فليتفضل يقم الدليل.
ثانياً: بمجرد ما يذكرها يترجم المعنى الباطني إلى معنى مشاهد محسوس ملموس: الحمد لله.. الحمد لله.
ثالثاً: أن يصرف تلك النعمة فيما من أجله وهبه الله إياها.
أسباب بقاء النعم وزوالها وعلاقة ذلك بالذكر والشكر
أولاً: هل علمنا أن بقاء النعمة واستمرارها والانتفاع بها مرتبط بعلة شكرها، فإن شكرت دامت وبقيت، وإن هي لم تشكر زالت وسلبت، وعلى هذا أقسم الجبار، واقرءوا إن شئتم من سورة إبراهيم قول الله تعالى فيما قاله موسى الكليم لبني إسرائيل: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ [إبراهيم:7] أعلم وأعلن مقسماً بجلاله وكماله لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]، ولا عذاب في الدنيا أشد من السلب بعد العطاء، وكثيراً ما نسمع من كبار المؤمنين والمؤمنات التعوذ بكلمة: اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء.
من هنا إن شئنا ضربنا مثلاً: نعمة العزة والكرامة والسيادة والإرادة والقيادة التي كانت للعالم الإسلامي سلبت، أخذت منه فذل وهان، وأصبح الآن وهو في أيام النقاهة والعودة إلى الحياة يشار إليه بأنه من مناطق التخلف في كل شيء.
ما سبب ذهاب تلك النعمة وتلك العزة القعساء؟ عدم الشكر، آباؤنا وأسلافنا ما شكروا، أمهلهم الله وأنظرهم فلم يتفطنوا ولم ينتبهوا، فقال: ردوا علينا ما أعطيناكم، فوضعنا تحت أقدام الصليبيين نرزح تحت كلكل الاستعمار قروناً أو عشرات السنين، أليس هذا سلباً بعد عطاء؟ من ينكر؟
ولو كانت القضية قضية دنيا فقط لهان الأمر، نتحملها، الذين ما أسعدوا في الدنيا ولا أكرموا ولا طهروا ولا عزوا، لن يعزوا ولن يكملوا ولن يسعدوا في العالم الثاني الدار الآخرة.
إنها السنن: الطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق، والحديد يقطع، ترك الذكر والشكر لا نتيجة لهما إلا الخسران الأبدي.
الذكر والشكر والعبادة على وجهها، والطاعة على صورها التي وضعت لها مع دعائم الإخلاص والإحسان، هذه الرافعة التي ترفع إلى الملكوت الأعلى.
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:9-10] هنا يتقرر مصير الإنسان.
ضوابط الذكر والشكر
الذين يبيتون يذكرون بلفظ: هو حي.. هو حي.. هو حي الساعات الطوال، هل هذا الذكر يولد شرارة من نور؟ يولد حسنة واحدة؟ والله ما كان؛ لأنه ليس بالذكر الذي وضعه الله ليولد الحسنات، ويوجد طاقة النور.
العلم ضروري، وقفنا عند باب المرحلة الأخيرة، عرفنا الطريق، لكن لا بد من أن نعرف كيف نذكر الله وكيف نشكره، وهناك يأتي الحديث ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) والمسلمة تابعة لأخيها المسلم.
هذه العبادات التي هي الذكر والشكر كما عرفتم لابد من اتباع الشرع فيها، فلو قلت: أكبر الله.. أكبر الله، هذا لا يجلب لك الحسنات، ولا يولد الطاقة؛ لأن التركيب اختلف، فلا بد وأن تقول: الله أكبر، تدخل في الصلاة فتقول: الله أجل! لم يقل فقيه: إن صلاتك صحيحة، بل يبطلها، كيف باطلة؟ ما تولد الحسنات، عملية فاشلة؛ لأنك ما أتيت باللفظ الوارد الذي يحمل هذه الطاقة وهو: الله أكبر.
إذاً: هذه العبادات المندرجة في كلمة الشكر والذكر مقننة تقنيناً كيمياوياً، الذي لم يأت بها وفق ما بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم النائب عن الله في ذلك لم تنتج له حسنة واحدة، والفقهاء فقط يقولون: صلاتك باطلة، صيامك باطل، حجك فاسد، هذا الذي يعرفون، ونحن نقول: معنى باطل ما فيه مقابل، أنت قمت بعملية لتولد الحسنات فأسأت الأداء، خربت المكاين فما أنتجت الحسنات، عملك باطل لا تثاب عليه.
معشر الأبناء! أكتفي بهذا مع الخلاصة، راجياً من الله تعالى أن تبقى هذه الكلمات نوراً في قلوب السامعين والسامعات.
فأقول: عرفنا سر الوجود وهو نحن، كل شيء مخلوق من أجلنا، فهيا نستحي من الله ونذكر ونشكر، كل شيء خلقه من أجلنا، حتى الجنة والنار؛ ليرحم مطيعنا ويعذب عاصيه.
وسرنا نحن أن نذكر الله ونشكره، لم يخلقنا الله عبثاً، لم يخلقنا سدى، لم يخلقنا لنأكل ونشرب وننام، بل والله لقد خلقنا لنذكره ونشكره، وسر الذكر والشكر إما سعادة دائمة في الحياتين أو شقاء دائم في الحياتين، إن ذكرنا وشكرنا وفق ما يريد ربنا كملنا وسعدنا في الحياة الأولى والثانية، وإن نحن نسينا وأعرضنا وكفرنا وما شكرنا خسرنا سعادة الدنيا والآخرة.
هذه خلاصة ما درسنا وسمعنا، وآيات القرآن شاهدة، فالمطلوب إذاً أن نعزم على أن نعرف هذه الحقيقة ونوطن أنفسنا على ذكر الله وشكره، وهنا يقول هاتف: تعلموا كيف تذكرون، وبم تذكرون، وكيف تشكرون، هذا أمر لا بد منه وهو طلب العلم، والسبيل للحصول على هذا العلم ليس هو المدارس على اختلافها، السبيل الوحيد هو بيوت الرب تعالى، احرص وازرع واصنع من الصباح حتى العصر، ولكن ما بين المغرب والعشاء في مسجد حيك يا ساكن الحي، في مسجد قريتك يا ابن القرية، أنت وأمك وزوجتك وأولادك، أنت ورجال الحي ونساؤه وأطفاله يجب أن نجتمع في مسجدنا الجامع، وكل ليلة وطول الحياة، هذا نظام حياتك؛ إذ لسنا يهوداً ولا نصارى، ولا بوذيين ولا مجوساً، ولكن نحن مسلمون، من ينازعنا في كمالنا؟ من المغرب إلى العشاء أهل الحي كلهم يحضرون طوال العام يتلقون الحكمة والمعرفة يومياً، ويتعلمون المسألة فيطبقونها ليلتهم تلك، فلا يزالون يتعلمون ويعملون حتى يهيئهم الله لسيادة الدنيا كما فعل بأسلافنا، بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسجد قباء وثنى بمسجده الخالد الشريف، ومن ثم انطلق العلم والعمل.
هذه هي الحقيقة العلم يتلقى في بيوت الله مسألة مسألة، بإرادة العمل والتطبيق، فإذا علمنا كيف نذكر الله وذكرنا ارتقينا، فإذا شكرنا بلغنا كمالنا في دنيانا وسعادتنا فيها وفي الأخرى بإذن ربنا، هذا وعد الله ولا يخلف الله وعده، من غير هذا الطريق قد تنجو منا نسب قليلة، لكن جماهيرنا، أمتنا الضائعة في المقاهي والدكاكين والملاهي والأباطيل مصيرها معروف، هم قرروا بأنفسهم، يموتون على أرواح خبيثة منتنة عفنة من جراء المفاسد والشرور، مصيرهم معلوم، ما فيه مجازفة، هذا حكم الله.
هذا والله تعالى أسأل أن يأخذ بأيدينا جميعاً وأيدي المؤمنين إلى العودة الصحيحة إلى بيوت الله، وأن يصرفنا عن هذه المنتنة العفنة العجوز التي أكلت قلوبنا ووجودنا، لنتزود ببطاقات من الحسنات، بطاقات من النور، ونحن راحلون عنها.
أنا أود إذا أذن المغرب لم يبق في ديار المسلمين دكان ولا مقهى ولا متجر ولا غيرها مفتوحاً، والكل في بيوت الله، هذا هو الطريق.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
لا بد من معرفة كيف نذكر الله، ومتى نذكر الله؟ والكميات التي يذكر بها الله، والشكر -معشر الأبناء- أولاً: هو الاعتراف الباطن والإقرار النفسي بأن ما بك من نعمة فمن الله، أول خطوة في هذا الباب: أن تعترف في خاصة نفسك وفي قرارة نفسك أن هذه النعمة مصدرها هو الله، الله الواهب.
سواء كانت نعمة السمع أو البصر، نعمة اللسان والمنطق، نعمة الولد والزوجة، نعمة الدينار والدرهم، كل نعمة نريد شكرها فأول ما ينبغي فعله: أن نعترف في قرارات نفوسنا وفي أعماق ضمائرنا أنها من الله وليست من غيره، وما أكثر من يغفل عن هذا الباب، ولا يعرف كيف يشكر الله.
ثانياً: أن تبادر إلى أن تحمد الله عز وجل بكلمة (الحمد لله)، أو تخر ساجداً بين يديه.
إذا أنت ذكرت مصدر نعمتك تجدك مضطراً إلى أن تلهج بحمده والثناء عليه: الحمد لله.
ثالثاً: لن يتم شكرك باعترافك وحمدك بلسانك حتى تصرف تلك النعمة فيما من أجله وهبكها الله، وإلا عاكسته، أعطاك لكذا فصرفته في غيره، موقفك موقف معاند معاكس لله، ويا ويل من يعاكس الله، فإنه يدخل في عداه.
إذاً: أقول: الشكر يبتدئ بالباطن، بإقرار النفس بأن النعمة منه، لا من زيد ولا من عمرو ولا من كائن آخر إلا الله؛ إذ هو واهب النعم ومعطيها، وقوله: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53] ومن قال: لا، فليتفضل يقم الدليل.
ثانياً: بمجرد ما يذكرها يترجم المعنى الباطني إلى معنى مشاهد محسوس ملموس: الحمد لله.. الحمد لله.
ثالثاً: أن يصرف تلك النعمة فيما من أجله وهبه الله إياها.