أرشيف المقالات

فتنة تخلُّف الأمة ووهم العلمانية - أحمد كمال قاسم

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
إن تخلُّف أمتنا الإسلامية الآن في كل من مجالي المادة والأخلاق؛ يثير فتنة كبيرة لأبناء الأمة الذين يرون حال الأمم الأخرى التي تركت دينها بالكلية وكان هذا سبب تقدُّمهم.
فيقولون في أنفسهم.
لقد وجدناها، إذا فعلنا مثلهم وتركنا ديننا (أصبحنا علمانيين مثلهم) [1] سنتقدِّم.
إنها مغالطة عقلية كبرى للأسباب الآتية:
أ- أن الدين الإسلامي يشهد له قآنه وسنته المعجزان فكرياً وليس ديناً يتيماً يفتقر إلى تجريبه واقعياً حتى نثبت صحته.
فقد أسلم الصحابة الكرام من قبل أن يروا آثار الدين الإسلامي في تقدُّم العالم من حولهم بل أن إيمانهم بالله هو الذي دفع دفة هذا التقدم إلى الأمام امتثالاً وخضوعاً لأوامر دينهم الجديد.
وأقول أنه إن كان ثمة خلل في حال المسلمين الآن فليس الذي يتهم أبداً أصل الدين بل الذي يتهم تطبيق الناس له.
ب- أن الأمة الإسلامية الآن لا تتبع الدين الاسلامي الذي ارتضاه الله عز وجل لها بل تتبع نسخة منقوصة منه وذلك بالتركيز على العبادات وترك المعاملات أو العكس فضلاً عن هجر الاجتهاد وتقديس اجتهاد علماء الأمة الأوائل الكرام وعدم تغييره تبعاً للزمان والمكان بل والقياس عليه بدلاً من اجتهاد جديد وكأن أقوالهم رحمهم الله نزلت من السماء.
وأقول لو أن هؤلاء العلماء الكرام يعيشون معنا الآن لغيروا بعض اجتهاداتهم ولما توقفوا عن الاجتهاد أبداً وذلك لأن القرءان الكريم والسنة المطهرة خالدان صالحان لكل زمان ومكان أما اجتهاد علمائنا فلا.
وبناءاً على ما سبق فإنه من المغالطة العقلية بل والظلم الشديد أن ننسب تخلُّف أمة إلى دين لا تتبعه هي! أليس ما أقوله حقاً؟
ج- المنهج السليم للحكم على الدين حكماً عملياً وعلى أرض الواقع أن ننظر إلى التقدُّم المتعدد المجالات الذي حقَّقه سلف الأمة بعد أن كانوا لا يملكون من أسباب الحضارة شيئاً.
هذا السلف الكريم الذين أخذوا من الإسلام منهجاً كاملاً غير منقوص للحياة، لقد تزامن ظهور الدين الإسلامي على وجه البسيطة مع قفزة هائلة في حضارة العرب حتى أنهم أول من حوَّلوا العلوم من علوم فلسفية عقلية بحتة إلى علوم عقلية تجريبية بل إنهم وصلوا بحضارتهم هذه التي أنشئوها بفضل الإسلام وحده إلى أوروبا التي كانت حينئذ تعيش في ظلمات بعضها فوق بعض وأنشئوا المدارس والجامعات هناك وكانت هذه نقطة انطلاق النهضة الأوروبية في العلوم التجريبية.
د- أن أوروبا عندما تركت دينها كانت أكثر منطقية في تفكيرها مِنَّا نحن المسلمين المفتونين.
لقد تركوا هم دينهم لأنهم كانوا يتبعون الكنيسة.
التي ضيقت الخناق بدينها الوضعي على كل شيء حتى حرية الفكر ليس في الأمور العقائدية فقط بل امتد هذا على الأمور العلمية.
ولا يفوتنا هنا أن نُنَوِّه أنه كان الأولى بأوروبا إذا تجرَّدت من الهوى والعصبية أن تتبَّعِ الدين الجديد الذي قطع لها مسافات عظيمة حتى يصل إليها بدلاً من ترك الدين بالكلية بل ومحاربة الدين الجديد.
هذا الدين الذي أنار لهم طريق العلم والمعرفة ولم يحجر على عقل مُفكِّر في أي مجال كان.

الاستنتاج:

تخلُّف الأمة الآن ناشئ عن عدم فهم وتطبيق الدين الإسلامي على وجهٍ سليم.
أما أصل الدين فهو بريء من هذا التخلُّف براءة يشهد لها المنطق والتاريخ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- (ترك جزء من الدين الإسلامي كالتشريعات الاقتصادية والسياسية مثلاً وتطبيق جزء هو بمثابة تركه بالكلية).

والله أعلم.

 
 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١