بيوتنا: كيف نقيها من الشرور؟
مدة
قراءة المادة :
16 دقائق
.
بيوتنا: كيف نقيها من الشرور؟ لو أن أحدنا حين دخوله إلى بيته دخل معه فأرٌ بحجم الكف أو أكبر أو أصغر، ترى كيف سيكون تصرُّفه؟ وماذا سيعمل تجاه هذا الفأر؟ وماذا سيكون حال أهل البيت من زوجة وأبناء وبنات؟ لا شك أنهم سيصيبهم الرعب والهلع، ولن يقرَّ لهم قرارٌ، ولن يهنئوا بطعام ولا بشراب ولا بجلوس حتى يتخلَّصُوا من هذا الفأر، أو على أقل تقدير يطمئنون أنه قد غادر المنزل.
هناك أُناس كُثُر عندما يدخلون إلى بيوتهم، وحين دخولهم لا يدخل معهم فأرٌ ولا وزغٌ، ولا أي من الهوام؛ ولكن يدخلون بيوتهم وبصحبتهم - من حيث لا يدرون - شياطين من الجن يدخلون معهم، ويشاركونهم المسكن والفراش والطعام والشراب.
ولك أن تتصوَّرَ بيتًا مملوءًا بالشياطين، كيف سيكون حال أهله؟! وأي شيء ستُحدثه تلك الشياطين في البيت غير الشرور والوسوسة والأذى لأهل البيت، وزرع الشقاق والخصام، وإحداث الفزع والقلق والأرق وأذية الصغار قبل الكبار في صحوهم ونومهم، يُدخِلون عليهم الخواطر السيئة والهواجس المخيفة، والتفكير قبل النوم، وإذا ناموا فإنهم ينتقلون إلى عالم مملوء بالكوابيس والأحلام المزعجة التي تقضُّ مضجعَهم، وتُوقِعُهم في أمراض نفسية وعصبية كثيرة، وفوق ذلك تمنع دخول الملائكة إلى البيت، وتقل البركة والرحمة من أهل البيت، وتغيب عنهم السكينة والسكن، وتزرع تلك الشياطين الخلاف بين الزوجين، وبين الأولاد، وبين الآباء والأولاد، وربما تصل الخلافات بين الزوجين إلى الزجر والهجر، ومشاكل لا تنتهي قد تصل إلى الطلاق، وكل ذلك بسبب تسلُّط الشياطين على ذلك البيت الذي ربما يصبح بيتَ شقاءٍ وجحيمٍ لا يُطاق، يصيح أفرادُه في كل أنحائه بسبب ما يجدونه من المشاجرات والمعاناة، والألم والرهق والقلق، حتى أعتم البيت، وأفلت عنه الرأفة والحنان والدعة والأمان والراحة والاستقرار.
روى مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ)).
انظر كيف أن الشياطين تشارك الناس في بيوتهم؛ في مسكنهم ومرقدهم وطعامهم وشرابهم، وجاء الشرع المطهَّر ليُبيِّن لنا سبل الخلاص من شرور الشياطين، والسلامة من أذاهم، والنجاة من تسلُّطهم بأسهل الطرق، ودون كلفة أو تعب، ومن تلك الوسائل والطرق لمنع الشرور وتسلُّط الشياطين على بيوتنا ما يلي:
أولًا: ذكر الله تعالى عند الدخول إلى المنزل:
((إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ...))؛ رواه مسلم.
وروى أبو داود من طريق شُرَيْح بن عبيد، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلَجِ، وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ، بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا، وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا، وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ))، وذكر الله عند دخول المنزل يكون في كل دخول.
ثانيًا: إلقاء السلام عند الدخول إلى المنزل:
والسلام من اسم الله، السلام العميق في مدلولاته بما يحمله من معاني الرحمة والمودَّة والطمأنينة، والسلم السلامة، ومعناه: أنك لن تجد مني إلا السلامة، فلن أتعرَّض لك بسوء، ولن يمسَّكَ مني شرٌّ ولا أذًى ولا ضرر، وأثر السلام واضحٌ في توثيق العلاقات، وصفاء القلوب وجلب المحبة، وهو تحية أهل الجنة؛ قال تعالى: ﴿ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ﴾ [يونس: 10].
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم السلامَ حقًّا من حقوق الأخوة، فقال: ((حق المسلم على المسلم ست - وذكر منها - إذا لقيته فسلِّم عليه))؛ رواه مسلم، ونهى عن تركه، واعتبر ذلك دليلًا على بخل صاحبه؛ فقال: ((أبخل الناس من بخل بالسلام))؛ رواه الطبراني.
فإذا كان هذا في حق كل المسلمين، ففي حق أهل بيتك أولى وألزم؛ ولذلك حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على السلام حين دخول المنزل، وأنه سببٌ للرحمة والبركة والرزق والكفاف لأهل المنزل في الدنيا، وسببٌ لدخول الجنة في الآخرة.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((ثَلاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، إِنْ عَاشَ رُزِقَ وَكُفِيَ، وَإِنْ مَاتَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ: مَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَسَلَّمَ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ)).
ومعنى ضامن على الله تعالى؛ أي: صاحب ضمان؛ والضمان هو الرعاية للشيء؛ لذا فإن معناه: أنه في رعاية الله عز وجل، وكأن من دخل بيته بالسلام ضمن الله له في الدنيا الرزق والكفاف، وفي الآخرة الجنة، وإذا كان الضامن الله، فالمضمون محقق لا محالة، وانظر حين تشتري سلعة من السلع، ويكون عليها ضمان الوكالة، كيف أنك تطمئن أنه لو عطبت تلك السلعة، فإنك تضمن إصلاحها من الوكيل، أو تبديلها بسبب تملُّكك للضمان عليها، فكيف إذا كان الضامن الله؟! وعلى ماذا؟! على الرزق والكفاف في الدنيا والجنة في الآخرة، وبمجرد إلقاء السلام عند دخول المنزل.
والحديث له رواية أخرى تزيد في المعنى وتوسع في الدلالة ((...
وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلَامٍ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))، والمقصود: أنه دخل بيته، فسلم، وأدخل معه السلام والسلامة لأهل البيت، فلم يجدوا منه الشرور، وآمنوا على أنفسهم، وكم من الرجال حين يدخل بيته يدخل معه الشرور والخوف والضيق والنكد على أهل البيت، فلا يجدوا منه السلم ولا السلامة؛ إنما يجدون الخصام، والصراخ، والسب، والشتم، وربما اللعن والضرب والأذى.
وإلقاء السلام على أهل البيت بركة ورحمة، روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا بُنَيَّ، إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ، فَسَلِّمْ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ، وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ))؛ لذا كان من الآداب لمن يدخل بيته أن يسلم، حتى لو لم يكن في البيت غيره؛ قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ﴾ [النور: 61].
ثالثًا: ذكر الله في البيت:
ذكر الله نعمة كبرى، والذاكر في معيَّة الله وحفظه، والبيت الذي يُذكَر الله فيه، بيتٌ مُباركٌ محفوظٌ بحفظ الله؛ وإنما تعمر البيوت بذكر الله، وتطرد الشرور والشياطين من البيوت بذكر الله، وذكر الله في البيوت سببٌ للبركة والسكينة والطمأنينة.
والبيت الذي يُذكَر الله فيه بيتٌ فيه حياة، والبيت الذي لا يذكر الله فيه أموات أهله؛ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَثَلُ البَيْتِ الذي يُذكَرُ اللهُ فيه، والبيت الذي لا يُذكَرُ الله فيه مَثَلُ الحيِّ والميِّت))؛ أخرجه البخاري ومسلم.
قراءة القرآن ذكر، والصلاة ذكر، والدعاء ذكر، والاستغفار ذكر، وإلقاء الموعظة ذكر، وأي نشاط ديني يصبُّ في العمل الصالح يُعَدُّ ذكرًا.
رابعًا: قراءة القرآن:
قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرَأ فيه سورة البقرة))؛ رواه مسلم، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: ((إن البيت ليتَّسِع على أهله، وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين، ويكثر خيره: أن يقرأ فيه القرآن، وإن البيت ليضيق على أهله، وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين، ويقل خيره: ألا يقرأ فيه القرآن))؛ رواه الدارمي في سننه.
فكم من بيت اليوم لا يسمع فيه القرآن، ولا يتلى فيه إلا ما ندر، وقراءة القرآن في البيوت نورٌ لها، وحياة لها ولأهلها، قراءة القرآن في البيوت طردٌ للشياطين، وحصن من السحر وأهله، والعين وأهلها.
خامسًا: الصلاة في البيوت:
قال صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا))؛ مسلم؛ أي: صلوا فيها من النوافل، ولا تجعلوها كالقبور مهجورةً من الصلاة، وقال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالصلاة في بيوتكم؛ فإن خير صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة))؛ مسلم.
إن الصلاة في البيت إقامة عملية لذكر الله عز وجل، تتربَّى عليه الأسرة على الطاعة والالتزام، وحب الصلاة، ويتعوَّد الصغار على الصلاة بسبب رؤية والدهم، أو من يكبرونهم وهم يصلون أمامهم، وليتبرَّك البيت بذلك، وتنزل فيه الرحمة والملائكة، وينفر منه الشيطان، وتكثر أماكن ذكر الله، وليقتدي أهل البيت بهم.
الصلاة في البيوت نور لها، بما تبثُّه من طمأنينة، وما يترتب عليها من انشراح الصدر، وذلك من بركة الصلاة؛ قال عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت رضي الله عنهما: "صلاة المرء في بيته نورٌ؛ فنوروا بيوتكم"، ((وَالصَّلاةُ نُورٌ))؛ رواه مسلم.
والصلاة من المعينات على الهموم والبلايا، يطفئ الله بها ظلمة الشحناء، ويستبدلها بالسكينة والتواد بين أهل البيت، تجلو ما قد يكون في نفس الرجل من أهل بيته، وتعمر قلبه بالسكينة والهدوء في تلقيه أمور بيته ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45].
سادسًا: كثرة الطاعات في البيوت:
البيوت إذا لم تعمر بالخير والطاعات والذكر وقراءة القرآن، فإنها ستكون مرتعًا للشيطان يملؤها بالفساد والمشاكل؛ لأنها بيوت ميتة، اجتالتها الشياطين، وعششت فيها، وفرخت، فأعمت قلوب ساكنيها، وضيَّقَت صدورهم، وأوحشتها؛ فضاقت نفوسهم، وتهيَّأت لابتعاث المشاكل، إذا خلت البيوت من النوافل من صلاة وصيام وصدقة وذكر، وخلت من التحصينات والأذكار، ابتعدت عنها الملائكة، وصارت مأوى للجن والشياطين، وانقلبت قبورًا موحشة وأطلالًا خربة، ولو كانت قصورًا مشيدة، أهلها موتى القلوب وإن كانوا أحياء الأجساد.
سابعًا: ذكر الله عند دخول الخلاء:
روى الترمذي عن علي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله))، وثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند دخول الخلاء: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)).
الخبث: بضم الباء: الخبُث: ذكران الشياطين، الخبائث: إناث الشياطين، وبالتسكين: الشر.
وأماكن الخلاء هي أماكن الشياطين، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم الخلاء، فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث))؛ رواه أبو داود.
وبيوت الخلاء ودورات المياه، وما نُسمِّيه "الحمامات" هي أماكن الشياطين ومساكنها، وذكر الله عند الدخول إليها يحمي من الشياطين.
ثامنًا: الذكر عند إتيان الرجل زوجته:
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: "لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله، قال: بسم الله، اللهم جنِّبْنا الشيطان، وجنِّب الشيطان ما رزقْتَنا، فإنه إن قضي بينهما ولدٌ من ذلك لم يضُرَّه الشيطانُ أبدًا))؛ صحيح الجامع.
تاسعًا: ذكر الله عند خلع الثياب:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا وضع أحدُهم ثوبه، أن يقول: بسم الله))؛ صحيح الجامع.
عاشرًا: ذكر الله عند النوم وعند الاستيقاظ:
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاثَ عقد؛ يضرب مكانَ كل عقدة: عليكَ ليلٌ طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله، انحلَّت عقدةٌ، فإن توضَّأ انحلَّت عقدة، فإن صلى انحلَّت عقدُه كلُّها، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان))؛ صحيح الجامع.
عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ نام ليلة حتى أصبح، قال: ((ذاك رجل بال الشيطانُ في أذنيه، أو قال في أذنه))؛ رواه البخاري ومسلم.
((إذا فزع أحدُكم من النوم، فليقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن هَمَزات الشياطين، وأن يحضرُونِ؛ فإنها لن تضرَّه))؛ صحيح الجامع.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا استيقظ أحدُكم من منامه فتوضَّأ، فليستنثر ثلاث مرات؛ فإن الشيطان يبيت على خيشومه))؛ صحيح الجامع.
أحد عشر: تطهير البيوت من المحرمات:
الشقاق الذي يحصل في كثير من البيوت، وكثرة الأوهام والأمراض النفسية؛ إنما نشأت في كثير من الأحيان برحيل الملائكة عن البيوت التي حلَّت فيها الصور، وغيرها من المنكرات، وتفرَّد الشياطين فيها؛ لأنَّ الشياطين لا تحل في محلٍّ فيه الملائكة.
جاء في السنة الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم، قال: ((أتاني جبريل، فقال: إني كنت أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه، إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قِرامُ سِتْرٍ فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمُرْ برأس التمثال الذي في البيت فليقطع، فيصير كهيئة الشجرة، ومُرْ بالستر فليقطع فيجعل وسادتين منتبذتين توطآن، ومُرْ بالكلب فليخرج))؛ صحيح الجامع.
اثنا عشر: قراءة آية الكرسي عند النوم:
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ، فجعل يحثو من الطعام"، فذكر الحديث، وقال في آخره: "إذا أويْتَ إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي؛ فإنه لا يزال معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صدقك وهو كذوب؛ ذاك شيطان)).
ثلاثة عشر: جملة آداب لطرد الشياطين من البيوت:
إغلاق الأبواب عند النوم، وذكر اسم الله عليها، وإطفاء المصابيح، وتخمير الآنية؛ لقد أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى أمور قد يؤدي إهمالها إلى تسلُّط الشياطين وإيذائهم فقال: ((إذا كان جنح الليل، أو أمسيتم، فكفُّوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعة من الليل فحُلُّوهم، فأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا، وأوكوا قِرَبَكم، واذكروا اسم الله، وخمِّرُوا آنيتَكم، واذكروا اسم الله، ولو أن تعرُضُوا عليها شيئًا، وأطفئوا مصابيحَكم))؛ رواه البخاري.
وفي رواية أخرى عن جابر رضي الله تعالى عنه، قال: ((خمِّروا الآنية، وأوكوا الأسقية، وأجِيفُوا الأبواب، واكْفِتوا صبيانكم عند العشاء؛ فإن للجن انتشارًا وخطفةً، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد؛ فإن الفُويسِقة ربما اجترَّت الفتيلة، فأحرقت أهل البيت))؛ رواه البخاري.
هذه جملة من الآداب التي جاء بها الشرع المطهر؛ لتكون سبب وقاية لبيوتنا من تسلُّط الشياطين والشرور، وطرد لها، وتخلُّص من شرورها، وكم من بيت من بيوت المسلمين تئنُّ من كثرة المشاكل والأزمات، ويعاني أهلها القلق والضيق والنكد، قد حرموا لذة الراحة والسكن، يذهبون يَمْنة ويَسْرة، يبحثون عن حلول لدى المستشارين الأسريِّين والنفسيِّين والمعالجين والرقاة، وربما ذهبوا للمشعوذين والسحرة والدجَّالين؛ ولكن الحل في الغالب هو الالتزام بالهدْي النبوي في البيوت، والعمل بما جاء به الدين الحنيف من صيانة البيوت وحمايتها بألوان من أنواع الحماية والوقاية؛ ولكنْ كثيرٌ من المسلمين يجهلونها أو لا يعطونها أهميتها، وخاصة من الشباب حديثي العهد ببناء بيوت زوجية جديدة؛ حيث يكون همُّهم الأول هو المتعة، ويذهلون أو يغفلون عن تلك الآداب، فيعيش كثير منهم الضيق في البيوت مع سعتها، والمعاناة والقلق والمشاكل ونكد الحياة.