المسائل الطبية والمعاملات المعاصرة [5] البطاقات المصرفية


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

بدأنا في الدرس السابق ببحث ما يتعلق بالبطاقات المصرفية، وذكرنا شيئاً من المسائل المتعلقة بهذه البطاقات، وذكرنا تعريف هذه البطاقات في اللغة والاصطلاح، وذكرنا أيضاً وظائف هذه البطاقات، وأنها تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ما يتعلق بشراء السلع والخدمات.

والقسم الثاني: ما يتعلق بالحصول على النقد.

وذكرنا أيضاً أن هناك وظائف أخرى ثانوية.

وذكرنا المسألة الثالثة وهي أطراف البطاقة، ثم بعد ذلك تعرضنا لأنواع البطاقات المصرفية، وأنها نوعان:

النوع الأول: البطاقات الائتمانية، وذكرنا أن البطاقات الائتمانية هذه تنقسم إلى قسمين، وذكرنا النوع الثاني وهو ما يتعلق ببطاقات السحب الجاري، وأيضاً المسألة الخامسة ما يتعلق بكيفية الشراء بهذه البطاقات، سنعيدها بناء على طلب الإخوة الحاضرين، كذلك أيضاً ما يتعلق بمنافع هذه البطاقات، ما هي منافع هذه البطاقات بالنسبة للبنك المصدر، وبالنسبة لحاملها العميل، وأيضاً بالنسبة للمنظمة العالمية الراعية لهذه البطاقات فيزا، ما هي منافع هذه الأطراف الثلاثة، وذكرنا جملة من منافع هذه الأطراف الثلاثة: البنك المصدر، وكذلك أيضاً الحامل، وكذلك أيضاً قابل البطاقة التاجر الذي يقبل البطاقة ويبيع عن طريق البطاقات الائتمانية وكذلك أيضاً المنظمة الراعية إلى آخره.

بقي علينا بقية المباحث ما يتعلق بالتكييف الفقهي لحق الائتمان، والتكييف الفقهي لعملية الشراء، وأيضاً الأحكام المؤثرة في استصدار مثل هذه البطاقات.

لكن نعيد ما يتعلق بالمسألة الخامسة، وهي كيفية الشراء بهذه البطاقات. الشراء بهذه البطاقات له طرق مختلفة، لكن أشهر هذه الطرق التي يتعامل فيها كثير من الناس اليوم هي الطريقة الإلكترونية، وهذه الإلكترونية تحتها خمس خطوات:

الخطوة الأولى: يقوم البائع بتمرير البطاقة الائتمانية كبطاقة فيزا مثلاً على جهاز التصوير الإلكتروني، وهذا الجهاز مرتبط هاتفياً بمركز البطاقات بالبنك المصدر لهذه البطاقة، وتجري عملية استصدار التفويض بطريقة إلكترونية خلال ثوان معدودة، ثم يأتي الرد إما بالقبول أو بالرفض، إذا كان بالرفض فهذا الأمر ظاهر، وأما إن كان بالقبول فالخطوة الثانية.

إذا جاء الرد بالقبول، فيطبع الجهاز ورقة من ثلاث نسخ يوقع العميل عليها ويحتفظ بواحدة له.

الخطوة الثالثة: يقوم التاجر صاحب المحل التجاري بعد أن يجمع الفواتير التي حصلت عن طريق البيع بإرسال هذه الفواتير إلى البنك الذي يتعامل معه، فإذا كان التاجر حسابه في الراجحي يقوم بجمع هذه الفواتير ويرسلها إلى الراجحي، يقوم الراجحي بإيداع هذه الفواتير في حساب بنك التاجر مباشرة، كما أنه يودع الشيكات المسحوبة له، كما لو أن التاجر أعطاه شيكاً مسحوباً له فإنه يقوم ويودعه بحسابه مباشرة.

الخطوة الرابعة: بعد أن يقوم البنك -بنك التاجر- بإيداع هذه الفواتير بحساب التاجر يقوم البنك بإيداع المبلغ بحساب التاجر بعد أن يخصم النسبة المتفق عليها، ثم يقوم بإرسال الفواتير إلى المنظمة الراعية لهذه البطاقات، التاجر أرسل فواتير إلى بنك الراجحي إذا حسابه في بنك الراجحي ، الراجحي أودع المبلغ في حساب التاجر، يخصم البنك على التاجر النسبة المتفق عليها، يكون هناك اتفاق بين البنك وبين التاجر أن كل فاتورة تأتي فإن للبنك مبلغ كذا وكذا، وهذه النسبة المتفق عليها بين البنك وبين التاجر قد تكون نسبة مقطوعة، وقد تكون نسبة مئوية، مثلاً يقول: كل فاتورة آخذ عليها واحد بالمائة، آخذ عليها اثنين بالمائة، آخذ عليها ثلاث بالمائة، فالتاجر يرسل إلى بنكه البنك الذي فيه حسابه، البنك يقوم بإيداع المبلغ في حساب التاجر، لكن يخصم عليه النسبة المتفق عليها بينه وبين التاجر، ثم بعد ذلك يقوم البنك ويرسل هذه الفواتير إلى المنظمة الراعية لهذه البطاقات، وهي منظمة فيزا؛ لأن هذا البنك كما أسلفنا يستفيد أيضاً من المنظمة الراعية لهذه البطاقات بطاقات فيزا، يستفيد منها كذا وكذا بالمائة، فهو يستفيد من التاجر، ويستفيد أيضاً من المنظمة الراعية لهذه البطاقات، مع أنه أيضاً يستفيد فوائد أخرى كما سيأتي إن شاء الله: يستفيد من رسوم الاستصدار، رسوم التجديد، رسوم السحب النقدي عندما تسحب ببطاقة فيزا سحباً نقدياً فإنه يأخذ على كل عملية كذا وكذا من المال.

الخطوة الخامسة: تقوم المنظمة بتحويل المبلغ من حساب البنك المصدر للبطاقة إلى حساب بنك التاجر بعد خصم النسبة المستحقة لمصدر البطاقة، وهذه العملية تكون بعد مرور الفترة المحددة للتسديد ولم يسدد العميل، يعني: العميل حسابه لا يغطي، الفترة المحددة غالباً تكون أربعين يوماً، إذا كان حساب العميل يغطي، فإنه لا حاجة إلى تدخل المنظمة العالمية منظمة فيزا، فإذا كان مثلاً هذا العميل معه بطاقة الأهلي، والتاجر حسابه في الراجحي ، اشترى العميل، التاجر بعث الفاتورة إلى الراجحي ، الراجحي يرجع على الأهلي ما دام أن رصيد العميل فيه تغطية، يكون هناك اتصال بين البنكين؛ لأن التاجر أرسل له الفواتير، فيقوم الراجحي بتسديد المبلغ في حساب التاجر، ثم بعد ذلك يتصل الراجحي بالأهلي ويطالبه بالثمن الذي دفعه للعميل عنده وهو التاجر.

إذا كان رصيد العميل في البنك الأهلي يغطي، فالعملية تكون بين البنكين، لكن إذا كان رصيد العميل لا يغطي في البنك الأهلي ومرت الفترة المحددة له ولم يغط الرصيد، فالآن الراجحي سدد للتاجر، ولم يأخذ من رصيد العميل في البنك الأهلي؛ لأنه ما يغطي، الأهلي يقول: رصيده ليس فيه شيء، هنا تتدخل المنظمة العالمية منظمة فيزا بعد مرور مدة الأربعين يوماً، تقوم هذه المنظمة وتحول من حساب البنك المصدر للبطاقة الذي هو الأهلي في هذه الصورة إلى حساب بنك التاجر الذي هو الراجحي ؛ لأن الراجحي قام بالتسديد لهذا التاجر، بعد مضي المدة تقوم المنظمة بالتحويل من حساب البنك المصدر للبطاقة إلى حساب الراجحي ، هنا تتدخل المنظمة وتخصم النسبة المستحقة لمصدر البطاقة، فمصدر البطاقة الأهلي، مثلاً هذا العميل اشترى بألف ريال، التاجر بعث الفاتورة للراجحي ، الراجحي سدد لرصيد التاجر ألف ريال، طالب الأهلي بالألف، الرصيد ما فيه شيء، قامت المنظمة بعد مرور أربعين يوماً بتحويل ألف ريال من حساب البنك المصدر للبطاقة الذي هو الأهلي إلى حساب بنك التاجر الذي هو الراجحي ، لكن تخصم النسبة المستحقة لمصدر البطاقة وهو الأهلي، فالأهلي يخصم عليه، فبدلاً من أن يؤخذ من حسابه ألف ريال، يؤخذ من حسابه إذا كان الاتفاق اثنين بالمائة لمصدر البطاقة عند المنظمة تقوم بخصم اثنين بالمائة يعني ما يساوي خمسة وعشرين ريالاً، فتحول من حساب البنك المصدر للبطاقة إلى حساب بنك الراجحي مبلغاً وقدره تسعمائة وخمسة وسبعون ريالاً، ويستفيد البنك الأهلي اثنين بالمائة؛ لأنه كما ذكرنا البنوك كما أنها تأخذ نسبة من التاجر كذلك أيضاً تأخذ نسبة من المنظمة المصدرة لهذه البطاقة، هذا ما يتعلق بكيفية الشراء، وتكلمنا عن منافع البطاقات في الدرس السابق فلا حاجة إلى إعادته.

المسألة السابعة، وهذه من المسائل المهمة، وهي التكييف الفقهي لعقد الائتمان، الآن أنت إذا ذهبت إلى الراجحي وأعطاك بطاقة فيزا، سواء كانت البطاقة الذهبية أو البطاقة الفضية، فما هو التكييف الفقهي لعقد الائتمان؟

العلماء والفقهاء في الوقت الحاضر اختلفوا في ذلك كثيراً على أقوال كثيرة؛ لأن فهم التكييف الفقهي لعقد الائتمان هذا هو الذي يترتب عليه الحكم بالجواز والحرمة، اختلفوا في ذلك على أقوال كثيرة، والمقام لا يتسع إلى سرد هذه الأقوال، أو ذكر وجهات نظر هذه الأقوال، لكن أقرب شيء هو ما ذهب إليه بعض الباحثين إلى أن المسألة لا تخلو من ثلاث حالات:

الحالة الأولى: في حال شراء السلع والخدمات، فإن عقد الائتمان في هذه الحالة عبارة عن عقد ضمان يئول إلى قرض، فالبنك أعطاك الآن البطاقة، وأنت تذهب الآن تشتري بطاقة فيزا، أو تكتفي بخدمات أخرى مثل خدمات الفنادق، هذا البنك يقول للتاجر: أنا ضامن لهذا الذي يحمل البطاقة، أعطه بع عليه بكذا وكذا بألف بألفين إلى آخره أنا ضامن له، يئول إلى قرض، إذا كان ما عنده شيء في رصيده فأنا أقرضه ويسدد.

فنقول: الحالة الأولى وهي حالة شراء السلع والخدمات عقد الائتمان في هذه الحالة عبارة عن عقد ضمان يئول إلى قرض، فإذا العميل حامل البطاقة ذهب إلى التاجر واشترى فالبنك كأنه يقول للتاجر: أنا أضمنه بع عليه، فإذا كان ما عنده شيء في هذه البطاقة فأنا أستطيع أن أقرضه وأسدد عنه، فهو عقد ضمان يئول إلى قرض، هذه الحالة الأولى.

الحالة الثانية: في حالة السحب النقدي من غير مصدر البطاقة، أيضاً نقول التكييف الفقهي هنا عقد ضمان يئول إلى قرض، فمثلاً مصدر البطاقة هو الراجحي ، هذا أخذ البطاقة وذهب إلى الأهلي، وسحب من الأهلي، الراجحي الآن يقول: أنا أضمنه أعطه، وإذا لم يكن عنده شيء فأنا أقرضه وأسدد لك، فالحالة الثانية في حالة السحب النقدي من غير مصدر البطاقة نقول: هذا أيضاً ضمان يئول إلى قرض.

الحالة الثالثة: في حالة السحب النقدي من مصدر البطاقة، نقول: هذا وعد بالقرض يئول إلى القرض، فـالراجحي إذا أعطاك البطاقة هذه يعدك أنه سيقرضك، مثلاً وضع لك سقف ائتماني، لكن قد تسحب ألفاً ألفين.. إلى آخره، أعطاك الآن البطاقة يعدك بالقرض، إذا أخذت من الراجحي وأنت ما عندك شيء هذا قرض.

فالحالة الثالثة في حالة السحب النقدي من مصدر البطاقة، فمصدر البطاقة الراجحي أنت سحبت من الراجحي بهذه البطاقة الذهبية أو الفضية، إذا أعطاك الراجحي البطاقة هو يعدك أنه يقرضك، ثم بعد ذلك إذا سحبت منه وأنت ما عندك شيء، فهو يقرضك، هذا هو التكييف الفقهي لعقد الائتمان.

الخلاصة في هذه المسائل: أن مصدر البطاقة البنك الذي يصدر البطاقة يقول لحاملها: إن جئتني أعدك بالقرض، وإن ذهبت لغيري ضمنتك، إن جئتني وسحبت مني أعدك بالقرض وأقرضك، وإن ذهبت إلى غيري فإنني أضمنك، هذا بالنسبة للتكييف الفقهي لعقد الائتمان.

المسألة الثامنة: التكييف الفقهي لعملية الشراء، يعني: هذا الحامل لهذه البطاقة ذهب إلى المحل التجاري واشترى منه، ما هو تكييف هذا العقد عند الفقهاء، يعني: كونه اشترى بهذه البطاقة لكي نحكم على هذا العقد ما هي كيفيته؟ هذا اختلف فيه المتأخرون.

والخلاصة في ذلك نقول: بأن عملية الشراء لها حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون قابل البطاقة متعاملاً مع مصدرها، ومن هو قابل البطاقة؟ التاجر، التاجر هو الذي يقبل البطاقة، متعامل مع مصدرها، فعندنا حامل البطاقة العميل الذي دخل المحل التجاري ليشتري الآن معه البطاقة الائتمانية، هو يتعامل مع الراجحي حسابه في الراجحي ، وأيضاً حامل البطاقة هذه مصدرها الراجحي ، فكل من قابل البطاقة وحامل البطاقة كل منهما يتعاملان مع بنك واحد.

فنقول: الحالة الأولى: أن يكون قابل البطاقة متعاملاً مع مصدرها، هذه اختلف فيها المعاصرون على أقوال كثيرة، لكن نشير إلى أهم الأقوال:

الرأي الأول: قالوا: بأن مصدر البطاقة الذي هو البنك محصل للدَّين الذي لقابل البطاقة، محصل لدين التاجر، فقالوا: مصدر البطاقة الذي هو البنك محصل لدين قابل البطاقة الذي هو التاجر، فالتاجر الآن يريد من هذا العميل الذي أخذ منه سلعاً ديناً فقالوا: بأن البنك يحصل هذا الدين له، لأنه كما تقدم لنا في كيفية الشراء سيقوم التاجر ببعث الفواتير إلى البنك، ثم بعد ذلك البنك سيودع هذه الفواتير في حساب التاجر، وعلى هذا يقولون بأن قابل البطاقة هو الموكل ومصدرها هو الوكيل، يعني: التاجر هو الموكل بتحصيل الدين، ومصدرها البنك هو الوكيل في تحصيل الدين، والخدمات الذي يقوم بها مصدر البطاقة مماثلة للخدمات التي تقدمها مكاتب تحصيل الديون.

وهذا التخريج ضعيف، يعني: أنه يجعل مصدر البطاقة محصل للدين، البنك يكون محصل للدين الذي يكون لقابل البطاقة الذي هو التاجر، والدليل على ضعفه عدة أمور من هذه الأمور:

أن مصدر البطاقة الذي هو البنك يسدد الدين لقابلها للتاجر قبل أن يحصله من العميل، فمصدر البطاقة الذي هو البنك يقوم بتسديد الدين للتاجر، إذا بعث له الفواتير أودعها في حسابه، قبل أن يحصل الدين من العميل، العميل ما يغطي إلا بعد يوم يومين ثلاثة أيام، ما يغطي حسابه إلا بعد فترة، فهذا دليل على أن هذا التكييف غير صحيح.

أيضاً مما يرد به هذا التكييف أنه إذا لم يسدد حامل البطاقة الدين، فإذا قلنا بأن البنك محصل للدين هل عليه غرم أو ليس عليه غرم؟

إذا قلنا بأنه محصل للدين، العميل الآن ما سدد، إذا قلنا بأن البنك المصدر للبطاقة محصل للدين هل عليه غرم أو ليس عليه غرم؟ ليس عليه غرم، لكن الواقع يخالف ذلك، فالبنك يغرم الآن، البنك يقوم بتسديد الفواتير بحساب التاجر، ولو قلنا بأنه محصل للدين ليس عليه غرم، أما هنا في البطاقة فإنه يقوم بغرم قيمة هذه الفواتير، ويضعها في حساب التاجر.

كذلك أيضاً مما يرد به هذا التكييف أن التاجر ما يعطي العميل حتى يصدر تفويض من البنك، عندما يمرر البطاقة لا بد أن يصدر تفويض من البنك، وإذا قلنا بأن البنك محصل للدين ما الفائدة من التفويض، على كل حال هذا التكييف ليس بصحيح؛ لأنه بعيد عن الواقع، هذا ضعيف.

التخريج الثاني قالوا بأنه عقد حوالة، فمصدر البطاقة الذي هو البنك محال عليه، وحاملها الذي هو العميل محيل، وقابلها التاجر محال، فيقولون بأن العميل إذا جاء يشتري من المحل التجاري يقوم بإحالة التاجر على البنك لكي يأخذ حقه، قالوا بأنه عقد حوالة، مصدر البطاقة الذي هو البنك هذا محال عليه، حاملها العميل هذا محيل، قابلها التاجر الذي قبل البطاقة يقولون بأنه محال، وهذا التكييف أيضاً ضعيف؛ لأن عقد الحوالة في الشريعة هي نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، وهذا ينافي حقيقة العقد في البطاقة من وجهين:

الوجه الأول: أن المحال عليه وهو مصدر البطاقة ليس مديناً للمحيل الذي هو العميل، العميل ما يطلب البنك شيئاً، الحوالة هي نقل الحق من ذمة إلى ذمة، نقل الدين من ذمة إلى ذمة، المحيل يحيل المحال على المحال عليه الذي يريد منه ديناً، الآن العميل لا يريد من البنك ديناً، فهذه ليست حوالة.

فنقول: الوجه الأول مما يرد هذا التكييف أن مصدر البطاقة الذي هو البنك الذي هو المحال عليه ليس مديناً للمحيل، في عقد الحوالة لا بد من أن يكون المحال عليه مديناً للمحيل، وهنا البنك ليس مديناً.

الوجه الثاني: أن المحيل حامل البطاقة العميل لا يبرأ من الدين بمجرد الحوالة.

في الحوالة الشرعية هذا زيد يريد من عمرو ألف ريال، وبكر يريد منه ألف ريال، فزيد حول بكراً على عمرو فيبرأ.

هنا في مسألة البطاقة المحيل لا يبرأ، هو الآن أحال التاجر على البنك لكنه لا تبرأ ذمته بالحوالة بل لا تزال مشغولة، فنقول: بأن هذا التكييف غير صحيح.

القول الثالث: أن مصدر البطاقة الذي هو البنك ضامن لحاملها؛ لأن مقتضى الضمان وجوب الدين في ذمة الضامن الذي هو البنك، وفي ذمة المضمون عنه الذي هو العميل، لكن هنا اشترط الضامن أن قابل البطاقة -التاجر- لا يطالب المضمون عنه الذي هو العميل، وإنما يطالبه هو، وهذا التخريج هو الأقرب، أنه يخرج على أنه عقد ضمان، ويكون الأقرب في هذا تخريج الفقه لعملية الشراء أنه عقد ضمان، فالبنك ضامن للعميل؛ لأن مقتضى الضمان وجوب الدين في ذمة الضامن الذي هو البنك والمضمون عنه الذي هو العميل، لكن هنا الضامن -الذي هو البنك- اشترط على قابل البطاقة -الذي هو التاجر- أن لا يطالب المضمون عنه الذي هو العميل، وإنما يطالبه هو، وهذا القول هو الأقرب.

هذه الحالة الأولى من التكييف الفقهي لعمليات الشراء إذا كان قابل البطاقة متعاملاً مع حامل البطاقة، يعني: البنك واحد كما تقدم، قابل البطاقة متعامل مع مصدر البطاقة، التاجر يتعامل مع البنك الذي أصدر البطاقة، وتلخص لنا أن التكييف الفقهي لعملية الشراء إذا كان قابلها متعامل مع مصدرها أنه من قبيل عقد الضمان.

الحالة الثانية: أن لا يكون قابل البطاقة الذي هو التاجر متعاملاً مع مصدرها، التاجر له بنك، ومصدر البطاقة له بنك آخر، التاجر مثلاً يتعامل مع الأهلي، مصدر البطاقة هو الراجحي ، فهنا قابل البطاقة ليس متعاملاً مع مصدرها، وإنما يتعامل مع بنك آخر، نقول: هذه تكييفها الفقهي عبارة عن تحصيل الدين، فبنك التاجر يتولى تحصيل الدين من البنك المصدر للبطاقة، وهذا تقدم أن أشرنا إليه في تكييف الشراء أنه في خلال المدة إذا اختلف البنكان خلال مدة الأربعين، بنك التاجر يرجع على البنك المصدر للبطاقة ويأخذ منه إذا كان حساب العميل يغطي، أما إذا كان لا يغطي فبعد مرور المدة المفروضة المحددة فإن المنظمة العالمية تتدخل في ذلك، وتقوم بالسحب من حساب البنك المصدر إلى حساب بنك التاجر، هذا فيما يتعلق بالشراء بهذه البطاقات الائتمانية.

المسألة التاسعة: التكييف الفقهي لعملية السحب النقدي لهذه البطاقات، هذه البطاقات إما أن تشتري بها وإما أن تسحب نقداً، وهذا تحته حالتان:

الحالة الأولى: أن يسحب حامل البطاقة من المصدر مباشرة، يعني: مثلاً الراجحي أعطاك بطاقة فيزا أنت سحبت من الراجحي مباشرة، مثلاً قال لك: تسحب خمسة آلاف ريال، أو تسحب ثمانية آلاف ريال لمدة كذا وكذا، هذه تكييفها واضح، وهي أنها قرض، يعني: الراجحي يقرضك كذا وكذا من الدراهم، هذه الحالة الأولى.

الحالة الثانية: أن يسحب حامل البطاقة من غير مصدرها، مثلاً معه بطاقة الراجحي ويسحب من الأهلي، أو معه الأهلي ويسحب من الراجحي ، سحب نقداً من غير مصدر هذه البطاقة فنقول: تكييفها الفقهي أنها عقد ضمان آل إلى قرض، فـالراجحي لما أعطاك هذه البطاقة يقول: أنا أضمنك فإن أتيت إليّ أقرضتك كما تقدم في التكييف إذا سحب من نفس البنك أنه وعد بالقرض يئول إلى قرض، سحب من بنك آخر فهذا ضمان يئول إلى قرض، فـالراجحي يعطيك البطاقة، ويقول للبنك الآخر: أنا ضامن له أعطه وأنا أقرضه، أعطه ألف ريال ألفي ريال وأنا أقرضه، بحيث إن بنك الأهلي يأتي الراجحي ويأخذ منه.

فتحصل عندنا في الحالة الثانية إذا كان حامل البطاقة يسحب من غير مصدرها، تحصل عندنا عقدان:

الأول عقد قرض بين حاملها والبنك المسحوب منه، يعني: أنت إذا كان معك بطاقة الراجحي وسحبت من الأهلي، الأهلي أقرضك الآن.

العقد الثاني: عقد ضمان، وذلك بين البنوك الأعضاء تحت هذه المنظمة العالمية منظمة فيزا، فالبنوك كل واحد يضمن عميله عند البنك الآخر، فـالراجحي مثلاً يقول: أقرض وأنا ضامن، أنت إذا ذهبت إلى صراف الأهلي وسحبت منه هذا قرض، هذا عقد، العقد الثاني الضمان، الراجحي ضامن لك عند الأهلي.

المسألة العاشرة: وهي الأحكام المؤثرة في استصدار بطاقة الائتمان.

الرسوم المأخوذة من حامل البطاقة

أولاً: الرسوم المأخوذة من حامل البطاقة، هذه أنواع:

النوع الأول: الرسوم المقطوعة، مثل رسوم الإصدار، ورسوم التجديد، ورسوم الاستبدال، وهذه الرسوم تشتمل على ثلاثة أمور: الأمر الأول: التكاليف والنفقات الفعلية التي يتكبدها مصدر البطاقة في سبيل إصدارها، فمثلاً البنك يأخذ منك مثلاً مائتي ريال ثلاثمائة ريال إلى آخره، مثلاً الفضية مائتي ريال الذهبية ثلاثمائة ريال إلى آخره، هناك تكاليف على البنك فيما يتعلق بالموظفين، فيما يتعلق سمة البطاقات، إلى آخره، هنا تكاليف، هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني: المبلغ الذي يؤخذ مقابل الضمان، وهذا سبق الإشارة إليه.

الأمر الثالث: أجور الخدمات والمنافع التي يحصل عليها حامل البطاقة، لا شك أن هناك منافع مثلاً الصراف الآلي بالشوارع يحتاج إلى صيانة، يحتاج إلى تأجير محل طباعة الأوراق، الخطوط الهاتفية إلى آخره.

هذه الرسوم المقطوعة، ما حكم هذه الرسوم؟

هذه الرسوم المقطوعة تشمل ثلاثة أمور:

الأمر الأول: التكاليف والنفقات الفعلية، الأمر الثاني المبلغ الذي يؤخذ على الضمان، الأمر الثالث: أجور الخدمات والمنافع.

أما الأمر الأول: وهو التكاليف والنفقات الفعلية، فيجوز للبنك أن يأخذها من العميل بشرط، أو نقول بشرطين:

الشرط الأول: أن لا تكون تكاليف أمور محرمة، كاحتساب الديون المعدومة، فمثلاً عندما يصدر البنك البطاقة بطاقة فيزا يقول: أعطه مائتي ريال، لأي شيء المائتي ريال؟ قال: المائتي ريال أنا أحتاج إلى موظفين، أحتاج إلى قيمة البطاقات أحتاج إلى كذا تكاليف فعلية.

أيضاً يقول لك البنك: أنا عندي في السوق ديون معدومة، أنا أقرضت زيداً وعمراً، سددت عنهم، سددت عن زيد وبكر وعمرو إلى آخره، ألف شخص فيهم مثلاً خمسون شخصاً ما سددوا، هذه ديون معدومة، الذين يستعملون البطاقات أحسب عليهم هذه الديون المعدومة، أنا مثلاً عندي مجموعة من الناس سحبوا وما سددوا، وما غطت أرصدتهم، أو مثلاً اشتروا.. إلى آخره، عندما يصدر البطاقة مثلاً قيمتها مائتا ريال يحسب مثلاً من قيمة النفقات الفعلية الديون المعدومة التي قام بتسديدها هو، نقول: هذا أمر محرم شرعاً ولا يجوز، وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] أو مثلاً احتساب قصد التأمين التجاري المملوك لحامل البطاقة، يعني: حامل البطاقة قد يكون أيضاً عليه تأمين فيقوم باحتسابه، نقول: هذا محرم.

فنقول: بالنسبة لهذه الرسوم المقطوعة تحسب التكاليف، كم التكاليف؟ أنت أخذت مائتي ريال أيها البنك ،كم تحتاج التكاليف الفعلية لإصدار البطاقة من موظفين من قيمة البطاقة إلى آخره، قال مثلاً: أحتاج إلى خمسين ريالاً أو ثلاثين ريالاً، احتساب التكاليف المحرمة شرعاً نقول: هذا لا يجوز، هذا الشرط الأول، أن لا تكون تكاليف محرمة شرعاً كاحتساب الديون المعدومة أو ما يتعلق بالفعلية.

الثاني: أن يتم تقدير هذه التكاليف بدقة وعدل لئلا يظلم العميل، وفيما يتعلق بأجور الخدمات، يأخذ أجور الخدمات، مثلاً الصراف الآلي في السوق يحتاج إلى صيانة، يحتاج إلى تأجير محل، ما يتعلق بالهاتف.. إلى آخره، ما يتعلق بالخدمات والمنافع له أن يأخذه.

الأمر الثالث: ما يؤخذ مقابل الضمان، مثل هذا لا يجوز أن يأخذه؛ لأن الأجرة مقابل الضمان محرمة، فمثلاً عندما أعطاك البطاقة بمائتي ريال، نقول: لا تأخذ منها؟ قال: باقي التكاليف تساوي خمسين ريالاً، هذا جائز، أجور الخدمات يساوي خمسين ريالاً وباقي مائة ريال، قال: آخذها مقابل الضمان، يعني: هذا العميل أنا ضامن له ليذهب ويشتري، يذهب ويسحب سحباً نقدياً من بنوك أخرى وأنا ضامن له، نقول هنا: هذا لا يجوز، فأخذ الأجور على الضمان لا يجوز، وعلى هذا لا بد أن تكون قيمة هذه البطاقة التي يأخذها البنك مساوية لقيمة التكاليف والخدمات فقط، أما ما يتعلق بالضمان فإن هذا غير جائز، وهذا هو الذي جعل بعض المعاصرين الباحثين يحرم مثل هذه البطاقات؛ لأنه يقول لك: إن البنك الآن يأخذ مائتي ريال، لو حسبنا خدمات البنك والتكاليف الفعلية.. إلى آخره نجد أنها تستغرق مثلاً مائة ريال، الزائد هذا يكون مقابل الضمان فحكم عليها بالتحريم.

هذا النوع الأول من الرسوم المأخوذة من حامل البطاقة وهي الرسوم المقطوعة.

النوع الثاني من الرسوم المأخوذة من حامل البطاقة: رسوم السحب النقدي، عندما تأخذ فيزا وتسحب من الراجحي كل عملية يأخذ عليك ستة وثلاثين ريالاً، ما حكم هذه الرسوم؟

بالنسبة للرسوم المقطوعة تبين أنه يجوز للبنك أن يأخذ مقدار التكاليف الفعلية وأجور الخدمات، أما ما يتعلق بالضمان فإن هذا غير جائز، النوع الثاني من الرسوم المأخوذة من حامل البطاقة (العميل) ما يتعلق برسوم السحب النقدي، والسحب النقدي هذا قد يكون مقطوعاً مثلاً ستة وثلاثين ريالاً، خمسة وثلاثين ريالاً، وكان من قبل ثمانية عشر ريالاً، ثم بعد ذلك تدرج إلى أن وصل الآن ستة وثلاثين ريالاً، قد يكون مقطوعاً وقد يكون مئوياً، حسب ما تسحب، فهذا فيه تفصيل، الآن ذهبت إليه وسحبت وأخذ عليك على هذه السحبة ستة وثلاثين، نقول: هذا فيه تفصيل:

إن كانت هذه الستة والثلاثون مقابل التكاليف الفعلية، من أجور الخدمات واستصدار البطاقة والموظفين وخط الهاتف.. إلى آخره، فإن هذا جائز ولا بأس به، يعني: إذا كان ذلك مقابل التكاليف الفعلية، فإن هذا جائز ولا بأس به؛ لأنها ليست من المنفعة المحرمة في القرض، وبشرط أن تحتسب هذه التكاليف بدقة.

الثاني: أن تكون أزيد من التكاليف الفعلية، مثلاً التكاليف الفعلية لهذه السحبة تساوي عشرين ريالاً، فهو يأخذ زيادة ستة عشر ريالاً، يكون هذا من قبيل القرض الذي جر نفعاً، يعني: قلنا: إذا سحب بهذه الفيزا. التكييف الفقهي لسحب النقد هذا أنه قرض، فإذا سحبت الآن أنت من الراجحي وأخذ عليك ستة وثلاثين ريالاً ننظر إلى الستة والثلاثين هذه، هو الآن أقرضك، فإذا كانت هذه الستة والثلاثون مقابل التكاليف الفعلية وأجور الخدمات فهذه جائزة ولا بأس بها، وإن كانت أزيد من ذلك فهذا داخل في القرض الذي جر نفعاً فتكون محرمة، وهذا هو الذي -كما أسلفت- جعل الآن بعض الباحثين يحرم هذه الأشياء، يقول: هذا الآن قرض جر نفعاً، هذه ست وثلاثون ريالاً هذه ما تكلف كل سحبة، كم الذين يسحبون؟ فيكون هذا من قبيل القرض الذي جر نفعاً.

الرسوم المأخوذة من قابل البطاقة

النوع الثاني من الرسوم التي تؤخذ من قابل البطاقة التاجر، أيضاً هناك البنك يأخذ رسوماً من قابل البطاقة الذي هو التاجر، ما حكم هذه الرسوم التي يأخذها؟ وقد سبق أن أشرنا أن البنك يتفق مع التاجر أن كل عملية شراء لي مثلاً واحد بالمائة، أو لي اثنان بالمائة، وقد يكون مبلغاً مقطوعاً، ريال ريالان.. إلى آخره، ما حكم هذه الرسوم؟

نقول: هذه الرسوم تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: الرسوم المقطوعة، فيأخذ على التاجر رسماً مقطوعاً مثلاً في السنة كذا وكذا، هذا التاجر الذي عنده هذه الآلة يأخذ منه البنك في السنة كذا وكذا، هذا الرسوم المقطوعة مقابل خط الهاتف وأجور نقاط البيع وأجهزته، فهذه لا بأس بها، يعني: إذا كانت مقابل الخدمات خط الهاتف، وأجور نقاط البيع وأجهزته، فنقول: هذه لا بأس بها؛ لأنها مقابل خدمة مباحة معلومة.

القسم الثاني الذي أشرنا إليه: الخصم من مبلغ الفاتورة، يعني: البنك يقول للتاجر أي: عملية شراء سأقوم بخصم كذا وكذا، تتراوح النسبة غالباً ما بين واحد إلى سبعة في المائة، وقد اختلف المعاصرون في تكييفه، التكييف الفقهي لهذا الخصم الذي يقوم به البنك، هذا البنك يخصم على التاجر واحد بالمائة بكل فاتورة أو اثنين بالمائة إلى آخره، هذه اختلفت الهيئات الشرعية في تكييفها، فبعض الهيئات الشرعية تقول: إنها من قبيل الجعالة؛ لأن البنك مصدر البطاقة يقدم خدمات لهذا التاجر كالدعاية والإعلان إلى آخره، وهذا التكييف غير صحيح، لا ينطبق مع الحقيقة الموجودة، ومما يدل على عدم صحته أن البنوك أصبحت لا تقوم بالدعاية للتاجر وإنما تقوم بالدعاية للبطاقة نفسها.

التكييف الثاني قالوا: إن البنك المصدر للبطاقة يأخذ هذه النسبة مقابل الضمان؛ لأن البنك هذا يضمن العميل، يقول للتاجر الذي معه البطاقة: بعها له بثمن مؤجل وأنا ضامن له، أنا أضمنه وإذا لم يكن الحساب يغطي أنا أقرضه، فهذا يقولون بأنه مقابل الضمان، وهذا القول هو الصحيح، وعلى هذا لا يجوز أخذ مثل هذه النسبة إذا كانت في مقابل الضمان لا يجوز أخذ مثل هذه النسبة.

بقي علينا مسألة واحدة إن شاء الله ما يتعلق بالحساب الجاري والحكم النهائي لبطاقات التأمين، وإن كان الحكم اتضح من خلال البحث لكن بقي علينا مسألة واحدة إن شاء الله نكملها غداً، وإن شاء الله غداً نشير ولو بإجمال بما يتعلق بالتصرف النقدي الآن الموجود في البنوك عن طريق بيع المعادن وبيع الأسهم، هذه نحاول إن شاء الله غداً آخر الدرس نلقي النظر عليه بإذن الله.

والحمد لله رب العالمين.