خطب ومحاضرات
شرح أخصر المختصرات [34]
الحلقة مفرغة
تعريفه
الرهن في اللغة: الثبوت. يقال: ماء راهن: أي: راكد. ولزوم الشيء مكانه يسمى رهناً، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38] ، كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21] ، وفي الحديث: (كل غلام مرتهن بعقيقته) ، وعرفوا الرهن اصطلاحاً بأنه: توثقة عين بدين يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها. فهو من الوثائق، ومعروف أن الدين هو ما يكون في الذمة، مثلاً في ذمتك مائة ريال أو ألف ريال لفلان نسميها ديناً؛ لأنها ليست عيناً معينة، فإذا أعطيته من فئة خمسمائة أو أعطيته من فئة العشرة فإنه يقبل ذلك، ولا يقول: إنه يلزم أن يعطيني كذا وكذا، فكل ذلك جائز.
فقولهم: (توثقة عين بدين) العين هي الرهن، فإذا رهنته -مثلاً- هذا الكيس فهو عين، أو رهنته هذا البعير، أو هذه الأرض، أو هذا البستان، أو هذه الدار، أو هذه الشاة فهذه عين معينة.
وقولهم: (بدين يمكن استيفاء الدين منها).
لو قدر أن رجلاً قال: أقرضني خمسة آصع من الأرز وأرهنك هذا الكيس من الأرز، وهذا الكيس ما أحب أنني آخذ منه شيئاً؛ لأني أريد أن أبيعه عند الحلول أو نحو ذلك، ولا أحب أن آخذ منه. فأقرضته أو بعته خمسة آصع بمائة ريال، فإذا حلّ الدين فإما أن تبيع هذا الكيس فتستوفي دراهمك، وإما أن تأخذ دينك منه فتأخذ من الكيس الخمسة الآصع.
كل ما جاز بيعه جاز رهنه
كل ما جاز بيعه جاز رهنه، حتى المماليك، فيجوز رهن العبد، ويجوز رهن الأمة، وذلك لأنه يجوز بيعها، وهناك ما يجوز رهنه دون بيعه، فقد تقدم أنه لا يجوز بيع الثمر في رؤوس النخل إلا إذا بدا صلاحه، ولكن رهنه يجوز، فيجوز أن تقول: رهنتك ثمرة هذه النخلة. وهي لا تزال بسراً، وذلك لأنه قد يكون الدين لا يحل إلا بعد خمسة أشهر، فإذا حل الدين كان البسر قد صار رطباً أو تمراً فيجوز بيعه، وكذلك لو قال: رهنتك هذا الزرع. وهو ما يزال نابتاً صغيراً، ومعلوم أنه لا يجوز بيع الزرع نابتاً صغيراً إلا بشرط القطع في الحال، ولا يجوز بيع الحب في سنبله إلا بعد أن يشتد، ومع ذلك يجوز رهنه، وذلك لأنه عادة يمكن تأخيره إلى أن يشتد الحب، فعند ذلك يجوز البيع.
قوله: [وكذلك ثمر] يعني: كالنخل والعنب [وزرع لم يبد صلاحهما] أي: يجوز رهنهما ولا يجوز بيعهما، ولا يجوز بيع القن دون ولده، فإذا كان عند الإنسان أمة مملوكة ولها ولد مملوك صغير فهل يجوز بيع الأمة دون ولدها، أو بيع الولد دون أمه؟ لا يجوز، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته) ، ومع ذلك يجوز رهن الأمة دون ولدها، ويجوز رهن الولد دون أمه، وإذا حل الدين فإننا نقول له: بعهما جميعاً وأوف الدين ولا تبع أحدهما، وإذا بيعا فثمن الأمة يأخذه الغريم، وثمن الولد يأخذه السيد الذي هو الراهن.
هل الرهن عقد لازم أم جائز؟
يقولون: لازم في حق الراهن وجائز في حق المرتهن، فالمرتهن لو قال: ارهني الكيس ثم رهنته الكيس فلا تقدر أن ترجع، ولا تقول: ارجع لي كيسي حتى توفيه الدين، أما هو فلو رده عليك وقال: وثقت بذمتك ولا حاجة لي إلى وثيقة فأنا راض بذمتك فخذ كيسك ومتى حلّ ديني أوفني ففي هذه الحال يجوز، فيصير لازماً في حق الراهن، وغير لازم في حق المرتهن.
قبض الرهن
كثير من العلماء قالوا: يشترط القبض، فلا يلزم إلا بالقبض، فإذا قلت -مثلاً-: أرهنك العشرة الأكياس التي عندي في بيتي فلم يقبضها المرتهن فإنك تقدر على بيعها، أما إذا استلمها وأودعها في بيته أو في مخزنه فإنك لا تقدر على بيعها حتى توفي الدين، أو تباع ويوفى الدين منها، والدليل قوله تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، فدل على أنه لا بد من قبضها.
أو أخرجه المرتهن إلى الراهن بطل اللزوم، فلو قال الراهن: أنا رهنتك الكتاب الفلاني وأنا محتاج إليه، فأعطنيه لأطالع فيه وأقرأ فيه فدفعته إليه بطل الرهن، وجاز له أن يبيعه، أو قال -مثلاً-: أعطني السيف لأقاتل به فأعطاه بطل رهنه وجاز له أن يبيعه، وآخرون قالوا: لا يشترط القبض. وفي هذه الأزمنة يكتفون بقبض الوثائق ونحوها، فإذا رهنه السيارة قال: أعطني رقمها الذي يسمى الاستمارة، فيقبض وثيقتها هذه حتى لا يتمكن من بيعها؛ لأنه يقول: الرهن يبقى -مثلاً- نصف سنة، فهل من المصلحة أن نعطل السيارة واقفة نصف سنة أو سنة؟ ليس هذا من المصلحة، بل نستغلها، فإن إيقافها ينقص قيمتها، وهكذا لو رهنك داراً، فهل من المصلحة أن تغلق الدار سنة أو سنتين حتى يوفيك الدين؟ ليس من المصلحة إضاعة منفعتها، بل عليه أن يؤجرها أو نحو ذلك، فعرف بذلك أنه لا يشترط القبض بل يكفي قبض الوثيقة، قبض ما يسمى بحجة الاستحكام أو ما يسمى بالاستمارة.
عدم الانتفاع بالرهن إلا ما استثني
ويقولون: إذا كان الرهن مما يخشى فساده فإنه يباع، فلو رهنه شيئاً يفسد كالفواكه ونحوها فله أن يبيعها ويحتفظ بثمنها أو يقتضيه من دينه.
وكذلك التصرفات مثل البيع والهبة والوقف، فلو قال الراهن: قد وقفت هذه الدار بطل الوقف، وكذلك لو قال: قد وقفت هذا الكتاب المرهون أو هذه الأسلحة المرهونة بطل الوقف؛ لأنه قد تعلق بها حق للغير، وكذلك الهبة، فلو قال: وهبتك الكيس الذي هو عند فلان رهن لم تصح الهبة، وأشباه ذلك، واستثنوا من ذلك العتق فإنه يصح، فإذا كان الرهن عبداً وأعتقه الراهن هل يصح العتق أم لا؟
المؤلف يرى أن عتق الراهن يصح، وتؤخذ قيمته منه رهناً، والقول الثاني أنه لا يصح، وذلك لأنه تعلق به حق للمرتهن، فكيف يبطل حق غيره؟! فلو كان عنده قيمة لأوفى بها الدين، فإذا أعتقه فمن أين تؤخذ القيمة؟! فقد يقول: ما عندي شيء أرهنه أو أدفعه قيمة ولكنهم قالوا: تؤخذ قيمته ولو أمتعة، أو كان عنده عبد آخر جعل بدله، ولو كان عنده -مثلاً- سيارة أو دواب من الأنعام أخذها رهناً مكانه.
وقوله: [وهو أمانة في يد مرتهن] أي: الرهن فإذا كان المرتهن قد قبضه فإنه أمانة عند المرتهن، فلو تلف عنده ذهب على الراهن، فيكون من ضمان الراهن كما أن منفعته للراهن، فلو أجر البيت فأجرته للراهن، ولو احتاج الرهن إلى أجرة فهي على الراهن، فإذا كان الرهن بعيراً فعلفه على الراهن، وكذلك أجرة الراعي على الراهن، وإذا كان الرهن أكياساً تحتاج إلى مخزن فاستأجر له مخزناً فالأجرة على الراهن، وإذا زاد فزيادته للراهن، فإذا ولدت الشاة فولدها رهن معها، وثمرة الشجرة رهن معها، وأجرة الدار رهن معها، وإذا نقص فنقصه على الراهن، وهكذا.
وإن رهن عند اثنين فوفى أحدهما انفك نصيبه، فإذا رهن شاة عند اثنين، اشترى من هذا ثياباً واشترى من هذا طعاماً وقال: الشاة رهن عندكما. ثم إنه أوفى واحداً منهما جاز أن يبيع الآخر نصف الشاة، وذلك لأنه قد أوفى نصفها فانفك في نصيبه، وكذلك العكس، فإذا كانت مثلاً شاة لاثنين، وجاءا إليك وقالا: هذه شاتنا ونحن بحاجة. فاشترى أحدهما طعاماً بمائة واشترى الآخر ثياباً بمائة وقالا: نرهنك هذه الشاة التي هي بيننا نصفان. فأوفى أحدهما نصيبه جاز أن يتصرف بنصف الشاة.
وكذلك لو كان مما ينقسم، فلو اشترى أحدهما فواكه والثاني اشترى لحماً ورهناك هذا الكيس وهو بينهما نصفان فأوفى أحدهما دينه وقال: أعطني نصفي فإنك تقسمه وتعطيه نصفه، والنصف الثاني يبقى للآخر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، وكذا ثمر وزرع لم يبد صلاحهما، وقن دون ولده ونحوه، ويلزم في حق راهن بقبض، وتصرف كل منهما فيه بغير إذن الآخر باطل إلا عتق راهن، وتؤخذ قيمته منه رهناً، وهو أمانة في يد مرتهن، وإن رهن عند اثنين فوفى أحدهما أو رهناه فاستوفى من أحدهما انفك في نصيبه].
الرهن في اللغة: الثبوت. يقال: ماء راهن: أي: راكد. ولزوم الشيء مكانه يسمى رهناً، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38] ، كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21] ، وفي الحديث: (كل غلام مرتهن بعقيقته) ، وعرفوا الرهن اصطلاحاً بأنه: توثقة عين بدين يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها. فهو من الوثائق، ومعروف أن الدين هو ما يكون في الذمة، مثلاً في ذمتك مائة ريال أو ألف ريال لفلان نسميها ديناً؛ لأنها ليست عيناً معينة، فإذا أعطيته من فئة خمسمائة أو أعطيته من فئة العشرة فإنه يقبل ذلك، ولا يقول: إنه يلزم أن يعطيني كذا وكذا، فكل ذلك جائز.
فقولهم: (توثقة عين بدين) العين هي الرهن، فإذا رهنته -مثلاً- هذا الكيس فهو عين، أو رهنته هذا البعير، أو هذه الأرض، أو هذا البستان، أو هذه الدار، أو هذه الشاة فهذه عين معينة.
وقولهم: (بدين يمكن استيفاء الدين منها).
لو قدر أن رجلاً قال: أقرضني خمسة آصع من الأرز وأرهنك هذا الكيس من الأرز، وهذا الكيس ما أحب أنني آخذ منه شيئاً؛ لأني أريد أن أبيعه عند الحلول أو نحو ذلك، ولا أحب أن آخذ منه. فأقرضته أو بعته خمسة آصع بمائة ريال، فإذا حلّ الدين فإما أن تبيع هذا الكيس فتستوفي دراهمك، وإما أن تأخذ دينك منه فتأخذ من الكيس الخمسة الآصع.
استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح أخصر المختصرات [21] | 2739 استماع |
شرح أخصر المختصرات [28] | 2716 استماع |
شرح أخصر المختصرات [72] | 2607 استماع |
شرح أخصر المختصرات [87] | 2570 استماع |
شرح أخصر المختصرات [37] | 2483 استماع |
شرح أخصر المختصرات [68] | 2348 استماع |
شرح أخصر المختصرات [81] | 2339 استماع |
شرح أخصر المختصرات [58] | 2332 استماع |
شرح أخصر المختصرات [9] | 2318 استماع |
شرح أخصر المختصرات [22] | 2269 استماع |