شرح زاد المستقنع - كتاب الوقف [1]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [كتاب الوقف: وهو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، ويصح بالقول وبالفعل الدال عليه، كمن جعل أرضه مسجداً، وأذن للناس في الصلاة فيه، أو مقبرة وأذن في الدفن فيها، وصريحه: وقفت، وحبست، وسبلت، وكنايته: تصدقت، وحرمت، وأبدت، فتشترط النية مع الكنابة أو اقتران أحد الألفاظ الخمسة، أو حكم الوقف. ويشترط فيه المنفعة دائماً من معين ينتفع به مع بقاء عينه، كعقار، وحيوان، ونحوهما وأن يكون على بر، كالمساجد، والقناطر، والمساكين، والأقارب من مسلم وذمي غير حربي وكنيسة].

قال المؤلف رحمه الله: (كتاب الوقف).

أما الآن فالمؤلف رحمه الله شرع في ما يتعلق بأحكام التبرعات، والتبرعات المحضة مثل الوقف، والهبات، والوصايا، وكذلك أيضاً العتق، وقبل ذلك أيضاً العارية، فالعارية هذه من التبرعات، ولو أن المؤلف رحمه الله أخر باب العارية وجعله هنا لكان أحسن.‏

تعريف الوقف

الوقف في اللغة: الحبس والمنع.

وأما في الاصطلاح: فـ(هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة)، هذا من أحسن تعاريف الوقف، وهو الذي عرف به المؤلف رحمه الله: (تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة)، والذي دل له حديث عمر رضي الله عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ).

ومعنى تحبيس الأصل: أن أصل الصدقة تمنع منها التصرفات، والتصرفات الناقلة للملك من بيع، أو هبة، أو ميراث، أو نحو ذلك، فالأصل محبس يعني: التصرفات ممنوعة منه.

وتسبيل المنفعة يعني: إطلاق التصرف في المنفعة، يعني: فالمنفعة مقابل الأصل، فالأصل نمنع التصرف فيه لكن المنفعة نفتح التصرف فيها، فالموقوف عليه بالنسبة للمنفعة له أن يأكلها، وله أن يتصدق بها، وله أن يهبها، فمثلًا: لو فرضنا أن هذا البيت وقف على طلاب العلم فنقول ذات البيت يحبس أصله وتمنع منه التصرفات كالبيع، والهبة، والميراث، لكن ما يتعلق بالمنفعة فنطلق التصرفات فيها للموقوف عليه، فله أن يأخذ الأجرة، والموقوف عليه -طالب العلم- وله أن يأكلها، وله أن يهبها، وله أن يتصدق بها.

وتسبيل المنفعة: مأخوذ من السبيل وهو الطريق؛ لأن الطريق ينطلق فيه، فكذلك أيضاً هذه يفتح فيها سائر التصرفات، فهذا تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.

الأدلة على مشروعية الوقف

والأصل في الوقف من حيث القرآن: قول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12]، وأما السنة فوقف عمر رضي الله عنه كما سيأتينا إن شاء الله وغير ذلك أحاديث كثيرة، والإجماع قائم عليه.

وهل الوقف مما اختص به المسلمون أو الوقف مما لم يختص به المسلمون؟ كثير من الفقهاء يقولون بأن الوقف مما اختص به المسلمون وهذا فيه نظر.

فالصحيح أن هذا فيه نظر: لأن الأوقاف كانت موجودة قبل، يعني: في الأمم قبل الإسلام كانت موجودة، فالرومان واليونان كانوا يوقفون الضيعات على المعابد وعلى الآلهة ونحو ذلك، والجاهلية وقفوا بناء الكعبة، فالكعبة المشرفة هذه أفضل الأوقاف ومع ذلك حبسها أهل الجاهلية.

فالوقف ليس مما اختص به المسلمون، بل الوقف كان موجوداً قبل الإسلام، وما هو أول وقف في الإسلام؟ قال بعض العلماء: وقف عمر رضي الله عنه، وقال بعض العلماء: بأنه وقف النبي صلي الله عليه وسلم وأن مخيريق اليهودي -كما في مسند أحمد وغيره- دخل الإسلام يوم أُحد، ألقى الله في قلبه الإسلام يوم أُحد وخرج ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم وقُتل، وقبل أن يُقتل أوصى بأن حوائطه السبعة صدقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث شاء، فقيل: بأن هذا هو أول وقف، وهو وقف النبي صلي الله عليه وسلم هذه الحوائط وتصدق بها النبي صلي الله عليه وسلم، وعلى كل حال لا يترتب عليه كثير فائدة.

صيغ الوقف الصريحة والكناية

قال المؤلف رحمه الله: (ويصح بالقول وبالفعل الدال عليه).

يعني: صيغة الوقف إما أن تكون قولية وإما أن تكون فعلية، والصيغة القولية يقسمونها أيضاً إلى صريح وكناية كما سيأتي إن شاء الله أما الفعلية فهي الفعل الدال على الوقف.

والوقف في الحقيقة منافعه كثيرة ومصالحه عظيمة وهو من محاسن هذا الدين.

فأنت إذا تأملت مصالح الوقف تجدها كثيرة، فهو ضمان لاستمرار الدعوة إلى الله عز وجل، وكذلك أيضاً تعليم العلم الشرعي، وكذلك أيضاً صلة الرحم، ورعاية الفقراء، والمحتاجين، وغير ذلك، ولهذا الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن بعدهم السلف كانوا يبادرون إلى الأوقاف، وابن شبة رحمه الله -في كتابه أخبار المدينة- أورد كثيرًا من آثار الصحابة رضي الله عنهم في تحبيس الدور والأراضي والضيعات، فالوقف منافعه كثيرة، ومصالحه عظيمة.

قال المؤلف رحمه الله: (كمن جعل أرضه مسجدًا وأذن للناس في الصلاة فيه، أو مقبرةً وأذن في الدفن فيها).

المهم: كما تقدم لنا بأن صيغ العقود مرجعها إلى العرف، فإذا دل العرف على أن هذا الفعل وقف أو تكون به هذه الضيعة وقفًا فإنه يكون وقفاً.

قال رحمه الله: (وصريحه: وقفت، وحبست، وسبلت، وكنايته: تصدقت، وحرمت، وأبدت).

قسم المؤلف رحمه الله الصيغة القولية إلى قسمين: صريح، وكناية، والصريح حصرها في ثلاثة ألفاظ: وقفت، حبست، وسبلت.

الكناية حصرها أيضاً في ثلاثة ألفاظ: تصدقت، وحرمت، وأبدت.

والصريح لا يحتاج إلى شيء، فإذا قال: هذا وقف، أو هذا سبيل، أو هذا حبس حبسته كفى ذلك.

ما يشترط في كناية الوقف

قال رحمه الله: (فتشترط النية مع الكناية).

يعني: الكناية لابد فيها من النية؛ لأن الكناية تحتمل أمرين: تحتمل الوقف وغيره، فلابد من النية التي تعين أحد الاحتمالين، فقد يقول: تصدقت وقصده الصدقة المطلقة وليست الصدقة المقيدة التي هي الوقف، وقد يكون قصده حرمت يعني: منعت، فلابد من النية التي ترجح أحد الاحتمالين، فهذا الأمر الأول مما يشترط مع الكناية: النية.

قال رحمه الله: (أو اقتران أحد الألفاظ الخمسة).

يعني: لابد أن يقول: تصدقت بهذا البيت صدقةً محبسة، أو صدقةً مؤبدة، أو صدقةً محرمة، فلابد أن تقترن أحد الألفاظ الخمسة؛ لأن عندنا ثلاثة ألفاظ صريح وثلاثة ألفاظ كناية، فإذا أتى بلفظ واحد من ألفاظ الكناية تبقى خمسة ألفاظ فلابد مع هذا اللفظ الذي أتى به من الكناية أن يقترن معه واحد من الألفاظ الخمسة الباقية، فيقول مثلًا: تصدقت بصدقة محبسة، أو موقوفة، أو محرمة، أو مؤبدة، أو حرمت هذا البيت تحريمًا محبسًا أو مسبلًا.

قال رحمه الله: (أو حكم الوقف).

هذا الأمر الثاني ويعني: إذا أتى بكناية لابد أن يذكر حكم الوقف بأن يقول: تصدقت بهذا البيت صدقةً لا تباع ولا توهب ولا تورث، أو حرمت هذا البيت تحريمًا لا يباع ولا يوهب ولا يورث.

فذكر المؤلف رحمه الله ثلاثة أمور أيضاً وبقي الأمر الرابع: أن يكون هناك قرينة دالة على إرادة الوقف، مثلاً لو قال: تصدقت بهذا البيت على طلاب العلم ويُقدم الحافظ أو يؤخر المتواني كما سيأتينا، يعني: أتى بشيء من الشروط التي يذكرها الواقفون ونحو ذلك من قرينة دلت على إرادة الوقف، أو مثلًا يقول: حرمت هذا البيت ويُقدم المحتاج من أولادي ونحو ذلك.

فيتلخص لنا أن الصريح ينعقد بمجرد اللفظ، وأما الكناية فلابد من واحد من أمور أربعة: إما النية، أو أن يقترن بهذه الكناية حكم الوقف، أو أن يقترن بها أحد الألفاظ الخمسة الباقية، أو القرينة.

الوقف في اللغة: الحبس والمنع.

وأما في الاصطلاح: فـ(هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة)، هذا من أحسن تعاريف الوقف، وهو الذي عرف به المؤلف رحمه الله: (تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة)، والذي دل له حديث عمر رضي الله عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ).

ومعنى تحبيس الأصل: أن أصل الصدقة تمنع منها التصرفات، والتصرفات الناقلة للملك من بيع، أو هبة، أو ميراث، أو نحو ذلك، فالأصل محبس يعني: التصرفات ممنوعة منه.

وتسبيل المنفعة يعني: إطلاق التصرف في المنفعة، يعني: فالمنفعة مقابل الأصل، فالأصل نمنع التصرف فيه لكن المنفعة نفتح التصرف فيها، فالموقوف عليه بالنسبة للمنفعة له أن يأكلها، وله أن يتصدق بها، وله أن يهبها، فمثلًا: لو فرضنا أن هذا البيت وقف على طلاب العلم فنقول ذات البيت يحبس أصله وتمنع منه التصرفات كالبيع، والهبة، والميراث، لكن ما يتعلق بالمنفعة فنطلق التصرفات فيها للموقوف عليه، فله أن يأخذ الأجرة، والموقوف عليه -طالب العلم- وله أن يأكلها، وله أن يهبها، وله أن يتصدق بها.

وتسبيل المنفعة: مأخوذ من السبيل وهو الطريق؛ لأن الطريق ينطلق فيه، فكذلك أيضاً هذه يفتح فيها سائر التصرفات، فهذا تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.

والأصل في الوقف من حيث القرآن: قول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12]، وأما السنة فوقف عمر رضي الله عنه كما سيأتينا إن شاء الله وغير ذلك أحاديث كثيرة، والإجماع قائم عليه.

وهل الوقف مما اختص به المسلمون أو الوقف مما لم يختص به المسلمون؟ كثير من الفقهاء يقولون بأن الوقف مما اختص به المسلمون وهذا فيه نظر.

فالصحيح أن هذا فيه نظر: لأن الأوقاف كانت موجودة قبل، يعني: في الأمم قبل الإسلام كانت موجودة، فالرومان واليونان كانوا يوقفون الضيعات على المعابد وعلى الآلهة ونحو ذلك، والجاهلية وقفوا بناء الكعبة، فالكعبة المشرفة هذه أفضل الأوقاف ومع ذلك حبسها أهل الجاهلية.

فالوقف ليس مما اختص به المسلمون، بل الوقف كان موجوداً قبل الإسلام، وما هو أول وقف في الإسلام؟ قال بعض العلماء: وقف عمر رضي الله عنه، وقال بعض العلماء: بأنه وقف النبي صلي الله عليه وسلم وأن مخيريق اليهودي -كما في مسند أحمد وغيره- دخل الإسلام يوم أُحد، ألقى الله في قلبه الإسلام يوم أُحد وخرج ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم وقُتل، وقبل أن يُقتل أوصى بأن حوائطه السبعة صدقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث شاء، فقيل: بأن هذا هو أول وقف، وهو وقف النبي صلي الله عليه وسلم هذه الحوائط وتصدق بها النبي صلي الله عليه وسلم، وعلى كل حال لا يترتب عليه كثير فائدة.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2814 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2724 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2674 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2638 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2636 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2549 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2524 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2518 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2493 استماع