شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [5]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الشروط في البيع: منها صحيح كالرهن المعين وتأجيل ثمنه، وكون العبد كاتباً أو خصياً أو مسلماً، والأمة بكراً، ونحو أن يشترط البائع سكنى الدار شهراً، وحملان البعير إلى موضع معين، أو شرط المشتري على البائع كحمل الحطب أو تكسيره أو خياطة الثوب أو تفصيله، وإن جمع بين شرطين بطل البيع.

ومنها فاسد يبطل العقد كاشتراط أحدهما على الآخر عقداً آخر، كسلف وقرض وبيع وإجارة وصرف. وإن شرط أن لا خسارة عليه، أو متى نفق المبيع وإلا رده، أو لا يبيع ولا يهبه ولا يعتقه. أو إن اعتق فالولاء له، أو أن يفعل ذلك بطل الشرط وحده إلا إذا شرط العتق، وبعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث، وإلا فلا بيع بيننا صح، وبعتك إن جئتني بكذا، أو رضي زيد، أو يقول الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك، وإلا فالرهن لك، لا يصح البيع].

تقدم لنا في الدرس السابق: ما يتعلق ببعض البيوع المنهي عنها، ومن ذلك: أن يبيع على بيع أخيه، أو أن يشتري على شرائه، وذكرنا أن البيع على بيع أخيه تحته صورتان: إما في الكمية أو في الكيفية، وتقدم لنا أيضاً متى يحرم البيع على بيع أخيه أو الشراء على شرائه، وأن ذلك يحرم في زمن الخيارين؛ لأنه في زمن الخيارين يتمكن من فسخ العقد بخلاف ما إذا لزم العقد بحيث لم يكن في زمن الخيارين، فإنه لا يتمكن من الفسخ.

كذلك أيضاً، تقدم لنا حكم العقد في البيع على بيع أخيه، وفي الشراء على شرائه، وسبق لنا أيضاً ما يتعلق بحكم السوم على سوم أخيه، وأن السوم على سوم أخيه له صورتان، وكذلك أيضاً تقدم لنا مسألة العِينة، وذكرنا أن العينة: هي أن يشتري سلعةً بثمنٍ مؤجل، ثم يبيعها على بائعها الأول بأقل من ثمنها نقداً.

وأن العينة تنقسم إلى قسمين: إما أن تكون باتفاق ومواطأة، وإما أن تكون بلا اتفاق ولا مواطأة، وذكر المؤلف رحمه الله ما يتعلق بمحترزات صورة العينة، وكذلك أيضاً تقدم لنا ما يتعلق بالتورق، وحكم مسألة التورق، وأن العلماء رحمهم الله تعالى لهم في التورق ثلاثة آراء: الرأي الأول: الجواز مطلقاً، والرأي الثاني: التحريم مطلقاً، والرأي الثالث: التفصيل في هذه المسألة. وكذلك أيضاً تقدم لنا ما يتعلق بالتسعير، وأن التسعير ينقسم إلى قسمين.

وبقي عندنا -قبل أن ندخل في الشروط في البيع- مسألتان:

المسألة الأولى: عكس مسألة العينة، وهي أن يبيعه سلعةً بثمنٍ حاضر ثم يشتريها بأكثر من ثمنها نسيئة، ومثال ذلك: زيدٌ باع السيارة على عمروٍ بعشرة آلاف وقبضها، ثم ذهب واشتراها ممن باع عليه بأكثر من ثمنها نسيئةً، أي: اشتراها بخمسة عشر مؤجلة، فهذه عكس مسألة العينة.

فما حكم هذه المسألة؟ للعلماء رحمهم الله تعالى في ذلك رأيان:

الرأي الأول: رواية عن الإمام أحمد رحمه الله: أن هذه المسألة جائزة، إذا لم تكن حيلة على الربا، وهذه الرواية نقلها أبو داود عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

والرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله، وهي المذهب: أنها محرمة ولا تجوز.

إذاً الرأي الأول: الجواز إذا لم يكن حيلة.

والرأي الثاني: التحريم وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

والأقرب في هذه المسألة: هو الرأي الأول، وأن عكس مسألة العينة جائزة إذا لم يكن هناك حيلة على الربا.

نقول: الصواب أنها جائزة؛ لأنه باعه بثمن النقد وانتهى العقد الأول ثم عقد، فربما أنه اشتراها لغرض، يعني ما اشتراها لكي يتحيل على مبادلة المال بمال بزيادة، وإنما اشتراها لغرضٍ من الأغراض بأكثر من ثمنها نسيئةً، فنقول: بأن هذا جائز ولا بأس به.

بقي عندنا المسألة الثانية، وهي: ما يتعلق بالاحتكار.

تعريف الاحتكار وحكمه

ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من احتكر فهو خاطئ )، والاحتكار في اللغة: الحبس، وأما في الاصطلاح فهو: أن يحتكر السلع حتى تقلَّ فيرتفع سعرها.

والاحتكار حكمه محرم ولا يجوز؛ لما فيه من ظلم الناس، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من احتكر فهو خاطئ ).

الأمور التي يكون فيها الاحتكار

لكن اختلف العلماء رحمهم الله في أي شيءٍ يكون الاحتكار؟

فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أن الاحتكار خاصٌ بأقوات الآدميين، مثل البُر، ومثل التمر، ومثل الذرة إلى آخر ما يقتاته الآدميون.

وعند أبي حنيفة رحمه الله: أن الاحتكار شاملٌ لقوت الآدمي وقوت البهائم.

وعند الإمام مالك رحمه الله وقول الظاهرية: أن الاحتكار شاملٌ لكل السلع، فكل احتكارٍ يدخل الضرر على الناس في أي سلعةٍ من السلع، فإن هذا محرم ولا يجوز.

صور الاحتكار

ولابد أن نفهم ما هو الاحتكار، فبعض الناس يشتري السلع حتى يأتي الوقت التي تقل فيه هذه السلع، ثم بعد ذلك يبيعها بزيادة، فهل هذا داخل في الاحتكار أو نقول بأن هذا ليس داخلاً في الاحتكار؟ نقول: بأن هذا ليس داخلاً في الاحتكار، فالاحتكار له صور:

الصور الأولى: أن يشتري السلع، أن يشتري ما في السوق من السلع حتى تنفد أو تقارب على النفاد بقصد رفع أسعارها، ثم بعد ذلك يقوم بالبيع.

الصورة الثانية من صور الاحتكار: أن يتفق التجار على عدم البيع إلا بسعر كذا وكذا.

الصورة الثالثة من صور الاحتكار: أن يشتري السلع ويخزنها، فإذا ارتفع السعر قام وباعها، فهذه ليست داخلة في الاحتكار، يعني كونه يشتري سلعةً ثم بعد ذلك يحبس هذه السلع، -مع أن السلعة تكون موجودة في السوق، لكنه اشترى هذه السلع وحبسها حتى يرتفع السعر- ثم بعد ذلك يقوم ببيعها، فنقول بأن هذا ليس داخلاً في الاحتكار.

الصورة الرابعة: أن يشتري السلع لا لقصد البيع، يعني يشتري سلعةً لا لقصد ارتفاع السلع، وإنما لحاجته إلى هذه السلع، كأن ينفقها على أهله ونحو ذلك، فإن هذا جائز ولا بأس به، ولا يدخل في الاحتكار المنهي عنه.

الصورة الخامسة من صور الاحتكار: أن يتفق التجار على عدم بيع هذه السلع حتى يرتفع السعر، أو تتفق المصانع ألا تبيع هذه السلع حتى يرتفع السعر، نقول: بأن هذا داخل في الاحتكار، فهذه صورٌ خمس، منها أربع صور داخلة في الاحتكار، وصورة ليست داخلة في الاحتكار.

ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من احتكر فهو خاطئ )، والاحتكار في اللغة: الحبس، وأما في الاصطلاح فهو: أن يحتكر السلع حتى تقلَّ فيرتفع سعرها.

والاحتكار حكمه محرم ولا يجوز؛ لما فيه من ظلم الناس، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من احتكر فهو خاطئ ).

لكن اختلف العلماء رحمهم الله في أي شيءٍ يكون الاحتكار؟

فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أن الاحتكار خاصٌ بأقوات الآدميين، مثل البُر، ومثل التمر، ومثل الذرة إلى آخر ما يقتاته الآدميون.

وعند أبي حنيفة رحمه الله: أن الاحتكار شاملٌ لقوت الآدمي وقوت البهائم.

وعند الإمام مالك رحمه الله وقول الظاهرية: أن الاحتكار شاملٌ لكل السلع، فكل احتكارٍ يدخل الضرر على الناس في أي سلعةٍ من السلع، فإن هذا محرم ولا يجوز.

ولابد أن نفهم ما هو الاحتكار، فبعض الناس يشتري السلع حتى يأتي الوقت التي تقل فيه هذه السلع، ثم بعد ذلك يبيعها بزيادة، فهل هذا داخل في الاحتكار أو نقول بأن هذا ليس داخلاً في الاحتكار؟ نقول: بأن هذا ليس داخلاً في الاحتكار، فالاحتكار له صور:

الصور الأولى: أن يشتري السلع، أن يشتري ما في السوق من السلع حتى تنفد أو تقارب على النفاد بقصد رفع أسعارها، ثم بعد ذلك يقوم بالبيع.

الصورة الثانية من صور الاحتكار: أن يتفق التجار على عدم البيع إلا بسعر كذا وكذا.

الصورة الثالثة من صور الاحتكار: أن يشتري السلع ويخزنها، فإذا ارتفع السعر قام وباعها، فهذه ليست داخلة في الاحتكار، يعني كونه يشتري سلعةً ثم بعد ذلك يحبس هذه السلع، -مع أن السلعة تكون موجودة في السوق، لكنه اشترى هذه السلع وحبسها حتى يرتفع السعر- ثم بعد ذلك يقوم ببيعها، فنقول بأن هذا ليس داخلاً في الاحتكار.

الصورة الرابعة: أن يشتري السلع لا لقصد البيع، يعني يشتري سلعةً لا لقصد ارتفاع السلع، وإنما لحاجته إلى هذه السلع، كأن ينفقها على أهله ونحو ذلك، فإن هذا جائز ولا بأس به، ولا يدخل في الاحتكار المنهي عنه.

الصورة الخامسة من صور الاحتكار: أن يتفق التجار على عدم بيع هذه السلع حتى يرتفع السعر، أو تتفق المصانع ألا تبيع هذه السلع حتى يرتفع السعر، نقول: بأن هذا داخل في الاحتكار، فهذه صورٌ خمس، منها أربع صور داخلة في الاحتكار، وصورة ليست داخلة في الاحتكار.

بقي أيضاً من البيوع المنهي عنها: أن يبيع حاضر لباد، (والنبي صلى الله عليه وسلم، نهى أن يبيع حاضر لباد)، وبين ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كيفية ذلك، وهو أن يكون له سمساراً، فلا يجوز أن يبيع حاضر لباد.

وبيع الحاضر، يعني الحضري، للبادي لصاحب البادية، سواءٌ كان صاحب البادية أو صاحب المزرعة، أما قوله: (حاضر لباد)، فهذا مبني على التغليب، وإلا قد يكون صاحب مزرعة، أو قد يكون صاحب مصنع، وقد يكون صاحب بادية.

صور بيع الحاضر للباد

وبيع الحاضر للباد له صور:

الصورة الأولى: أن يقصد الحاضر البادي أو البدوي لكي يبيع له، فنقول بأن هذا لا يجوز.

الصورة الثانية: عكس هذه الصورة، أن يقصد البادي -الذي جاء من البادية أو نحو ذلك- الحاضر لكي يبيع له، فهذه يقول الفقهاء رحمهم الله: هذا جائز ولا بأس به.

الصورة الثالثة: أن يكون البادي عالماً بالسعر، فإذا كان عالماً السعر فإنه لا بأس أن يبيع له الحاضر، وإن كان جاهلاً فإنه لا يجوز للحاضر أن يبيع له.

الصورة الرابعة: أن يقصد الحاضر بيعها بسعر يومها، فإنه لا يجوز للحاضر أن يبيع له، أما إذا ضرب سعراً، أو حدد البادي سعراً لكي يبيع له الحاضر، فإنه لا بأس أن يبيع له الحاضر.

الصورة الأخيرة: أن تكون هذه السلعة مما يحتاج إليه الناس، فإن كانت هذه السلعة مما لا يحتاج إليه الناس، فإن هذا جائز ولا بأس به، وظاهر الحديث العموم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2816 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2730 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2676 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2643 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2638 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2556 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2553 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2526 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2520 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2496 استماع