الشباب بين الواقع والأمل


الحلقة مفرغة

من الحقوق الواجبة للمسلم على أخيه المسلم ألا يمسه بسوء، ولا يناله بمكروه، وأن يتواضع له ولا يتكبر عليه، وألا يهجره أو يغتابه أو يحقره أو يعيبه أو يسخر منه، وألا يسبه ولا يحسده أو يظن به سوءاً، أو يبغضه أو يتجسس عليه.

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33].

معاشر المؤمنين! جئت إليكم وأنا أحمل في قلبي مشاعر المودة والمحبة، نبضات الفؤاد تحبكم يا أهل الأحساء وخفقات القلب تشكركم وتذكركم دائماً بما أنتم أهله، وإني قادم وملتقِ بأحبتي في الله في هذا المكان وأنا على يقين أن في الزوايا خبايا، "وأن بني عمك فيهم رماح" وأن في القوم من هم أعلم بالمقال من القائل، وأعلم بفقه الحديث من المتحدث، ولكن حسبنا وإياكم أن نجتمع في روضة من رياض الجنة، فتحفنا الملائكة، وتغشانا السكينة، وتتنـزل علينا الرحمة، ويذكرنا الله فيمن عنده، هذا الأجر لا يكون إلا في مثل هذه اللقاءات: (ما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه).

وفي الطريق إليكم ونحن نتجاذب أطراف الكلام مع صحبة كرام، قال بعض الإخوة: لو أن الواحد جعل الوقت في قناة فضائية ليلقي محاضرة أو ليقدم برنامجاً أفلا يكون هذا أولى وهو يخاطب عبر القناة ملايين البشر؟ وربما اختصر من الوقت والجهد ما اختصر، فرد أحد الإخوة جزاه الله خيرا قائلاً: ولكن الملائكة لا تتنـزل على القنوات الفضائية، ولا تغشاها السكينة ولا تتنـزل عليها الرحمة، نعم يؤجر من جاهد فيها، فهو في مضمار جهاد، وفي ميدان دعوة وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان:33].

ومن هنا نعلم أن مثل هذه اللقاءات ومهما ضربت لأجلها أكباد الإبل، وقطعت لأجلها الصحاري والقفار فليس بكثير على أن يفوز أو على أن نفوز جميعاً بمن الله وكرمه وجوده بدعوة من الملائكة ومغفرة من الرب عز وجل، ونحن في سبيل الاستماع لا لغرض ولا غاية ولا قسط من أمور الدنيا قاطبة، وإنما غايتنا وقسطنا أن تغفر ذنوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تكفر سيئاتنا، وأن يرفع الله درجاتنا، اللهم ذلك ما نتمنى فنسألك اللهم ألا ترد دعاءنا وألا تخيب رجاءنا.

أحبتي في الله:

والعين تعرف من عيني محدثها     إن كان من حزبها أم من أعاديها

وأهل الأحساء بينهم وبين قلبي صلة، وبينهم وبين فؤادي مودة، ولا غرو ولا عجب وإن كنت مقصراً في الزيارة، إلا أن العهد لو طال، والبعد لو اتصل، فإن الحنين داعٍ إلى معاودة اللقاء، وحسبنا أنا قد أمهلنا، وأمد الله في أعمارنا، حتى التقينا مرة أخرى، ونسأله ألا يكون آخر العهد بكم، ونسأله سبحانه أن يمنحنا من جوده وبركاته وفضله ما يمن به علينا من اللقاء مرات وكرات في هذا المكان وفي غيره مما يرضيه سبحانه وتعالى.

وأما المحاضرة وهي بعنوان: "الشباب بين الواقع والأمل" فأمر وقضية تحتاج إلى بسط قد يضيق المقام بالإحاطة بجوانبها، ولكن كفى من القلادة ما أحاط بالعنق، فشبابنا وما أدراك ما شبابنا هم أمل غدنا، وشبابهم هو ربيع عمرهم، وهو أوان الجد والتحصيل والبناء والعلم، وشباب اليوم هم قادة اليوم وقادة المستقبل، بل وهم المسئولون عن الأمة في شتى مجالاتها وميادينها، هم رواد الفكر بل صناع القرار، شباب اليوم هم القادة في ميادين القتال، واسألوا أنفسكم: من الذي أذاق الروس أصناف البلاء والعذاب والويلات، حتى فقدوا الآلاف من جنودهم، ودمرت لهم الآليات، وفقدوا من الأرواح، وامتلأت مستشفياتهم بالمعوقين؟ من الذي فعل ذلك بهم؟ إلا شباب صدقوا ما عاهدوا الله عليه! من الذي وقف للروس في درجات الحرارة المنخفضة إلى حد التجمد؟ هل هم العجائز والأطفال والشيوخ والسفهاء؟ لا بل الشباب، من الذي جعل الغرب يحسب للشباب ألف حساب فيطاردهم في مشارق الأرض ومغاربها لو لم يكن الشباب طاقة خطيرة قوية لا بد أن يعتنى بها وأن يلتفت لشأنها، وإلا لم يبال الغرب ولم يسخر من الطاقات بل والجواسيس والطواغيت والأجهزة ما تجعلهم يلاحقونهم في شتى أنحاء الأرض إلا من رحم الله وعصم وقليل هم أولئك.

شباب اليوم هم أخطر العناصر في المجتمعات، بل إن الجماعات المشهورة بالدمار والتخريب والاغتيال والسطو تقوم على الشباب، كما أن الجهاد والدعوة والإصلاح والبذل والتوجيه والعطاء يقوم على الشباب؛ فالشباب طاقة وقوة تقبل التوظيف والتوجيه، فمن سبق إلى مناخ قلوبها ومراتع أفئدتها، ثم وجهها إلى خيرٍ أثمرت وأنتجت خيرا، ومن سبق إلى مناخ قلوبها ومرابع أفئدتها ثم عمرها باللهو والغفلات أنتجت من الشرور والمصائب ما لا يحصيه إلا الله عز وجل، ولذا لا نعجب حينما نرى أمر الشباب يتردد ذكره ويتعدد في مواضع شتى في كتاب الله عز وجل بياناً وتنبيهاً إلى خطرهم وشأنهم ألم يقل الله عز وجل: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف:13]، وما الحاجة إلى النص والتنبيه والبيان إلى شأنهم وأنهم فتية إلا لأن الفتوة لها شأنها ولها منـزلتها، بل وفي الحديث: (يعجب ربنا للشاب ليس له صبوة) بل إن الله عز وجل يذكر شاباً قد آتاه الله الحكم صبيا ويأمره أن يأخذ الكتاب بقوة يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً [مريم:12]، بل إن أهل الضلالة وقادة الشرك في زمن إبراهيم عليه السلام لما أخذوا يختصمون في شأن من دمر وحطم أصنامهم ومعبوداتهم وآلهتهم، قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ [الأنبياء:60]، ولو لم يكن للشباب تلك المنزلة الشامخة العلية لما خص أولئك بهذا الأمر، والنبي صلى الله عليه وسلم يعرف قيمة الشباب وقدرهم، ومن خالط الشباب ومن عاشرهم وقضى زمناً في تربيتهم وتوجيههم وشرح صدره وفتح أبواب قلبه لاستماع مشكلاتهم ودنا منهم وألان لهم الجانب، وخفض لهم الجناح، علم أن في الكثير من الشباب طاقة لو أردت أن تسلطها على أمة لتسلطت، وعلم أن في الشباب قدرة لو وجهتها في كثير من مجالات الخير لنفعت وأعطت وأثمرت.

تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشباب

ولذا فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أعطى الشباب الثقة ومنحهم المسئولية خلافاً لما يعيشه كثيرٌ من الناس اليوم، وما نراه في واقعنا اليوم من توجيه أصابع الاتهام والنقيصة والشك في القدرات والتردد في منحهم الثقة والمسئولية من خلال أضرب من تعاملنا تجاه شبابنا وإخواننا وفي مجتمعاتنا، لم لا نمنح شبابنا الثقة؟ لم لا نمنح شبابنا الصلاحية؟ ولما لا نمنح شبابنا محبة ونفتح أمامهم العديد من الميادين والمجالات مع ثقة نهبها لهم ثم ننظر ماذا يصنعون؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قد منح زيد بن حارثة وهو شاب وجعفر بن أبي طالب وهو شاب وعبد الله بن رواحة وهو شاب منحهم الثقة، وسلمهم قيادة جيش مؤتة وما أدراك ما مؤتة ! أول معركة بين المسلمين والرومان! بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أسامة بن زيد قيادة جيش فيه رجال من كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر رضي الله عنهم، وقد كان عمر أسامة آنذاك ثماني عشرة سنة، ويرسل معاذاً إلى بلاد بعيدة وفي مهمة عظيمة ومسئولية جسيمة يرسل معاذاً إلى اليمن ومعاذ لا يزال بعد في ريعان شبابه ويرسله على قومٍ ليسوا على مذهبه وملته وديانته ويقول له: (إنك ستأتي قوماً أهل كتاب -يعني ليسوا بمسلمين- فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) إلى آخر توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ ، وهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول فيما رواه الإمام أحمد في مسنده : (كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شباب ليس لنا نساء) يعني: لم نتزوج بعد، لا نزال فتية، لا نزال في بداية الشباب وفي مستهل حياة الشباب.

كثرة الشباب في البلاد الإسلامية

نعم أيها الأحبة! حق للأمم وللشعوب أن يفخروا بشبابهم؛ لأن أي أمة إذا كثر فيها الشباب فهي أمة قوة مقبلة، وأما إذا حصل الضد وكثر في الأمة العجائز والشيوخ والضعفة فهي أمة ضعف مدبرة، ولعلكم تسمعون وترون أن بعض الدول الأوروبية اليوم لا يترددون في منح كثيرٍ من شباب المسلمين الذين ولدوا على أراضيهم الجنسية الأوروبية، تكثيراً للشباب، وتعويضاً لما يفقدون؛ لأنهم يعيشون في واقع بلغت الأنانية فيهم حداً أصبح الرجل يريد الاستمتاع بالمرأة دون أن يتحمل مسئولية طفل واحد، والمرأة تريد الاستمتاع بالرجل دون أن تتحمل مسئولية طفل واحد، فظلوا هكذا يستمتع بعضهم ببعض وقد استكثر بعضهم من بعض وهم يتناقصون ولا يشعرون حتى أعلنت كثير من الدول أن نسبة الشيوخ والعجزة فيها قد جاوز الستين في المائة، وأصبحت من الأمم المدبرة ولكنهم أهل كيد وأهل مكر كبار، وأهل تخطيط وتدمير، وحسبكم في المقابل أن تعلموا أن نصف السكان في المملكة العربية السعودية تقل أعمارهم عن خمسة عشرة عاماً، فنحن أمة مقبلة، فإن كان التوجيه والتربية والإرشاد في خير وإلى خير فنحن أمة مقبلة إلى خير، وإن فقدنا ذلك -والعياذ بالله- فلا حول ولا قوة إلا بالله أن نكون أمة مقبلة إلى شر، وأسأل الله أن يصرف الشر عنا وعن شبابنا وأمتنا إنه سميع مجيب.

ولذا فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أعطى الشباب الثقة ومنحهم المسئولية خلافاً لما يعيشه كثيرٌ من الناس اليوم، وما نراه في واقعنا اليوم من توجيه أصابع الاتهام والنقيصة والشك في القدرات والتردد في منحهم الثقة والمسئولية من خلال أضرب من تعاملنا تجاه شبابنا وإخواننا وفي مجتمعاتنا، لم لا نمنح شبابنا الثقة؟ لم لا نمنح شبابنا الصلاحية؟ ولما لا نمنح شبابنا محبة ونفتح أمامهم العديد من الميادين والمجالات مع ثقة نهبها لهم ثم ننظر ماذا يصنعون؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قد منح زيد بن حارثة وهو شاب وجعفر بن أبي طالب وهو شاب وعبد الله بن رواحة وهو شاب منحهم الثقة، وسلمهم قيادة جيش مؤتة وما أدراك ما مؤتة ! أول معركة بين المسلمين والرومان! بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أسامة بن زيد قيادة جيش فيه رجال من كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر رضي الله عنهم، وقد كان عمر أسامة آنذاك ثماني عشرة سنة، ويرسل معاذاً إلى بلاد بعيدة وفي مهمة عظيمة ومسئولية جسيمة يرسل معاذاً إلى اليمن ومعاذ لا يزال بعد في ريعان شبابه ويرسله على قومٍ ليسوا على مذهبه وملته وديانته ويقول له: (إنك ستأتي قوماً أهل كتاب -يعني ليسوا بمسلمين- فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) إلى آخر توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ ، وهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول فيما رواه الإمام أحمد في مسنده : (كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شباب ليس لنا نساء) يعني: لم نتزوج بعد، لا نزال فتية، لا نزال في بداية الشباب وفي مستهل حياة الشباب.

نعم أيها الأحبة! حق للأمم وللشعوب أن يفخروا بشبابهم؛ لأن أي أمة إذا كثر فيها الشباب فهي أمة قوة مقبلة، وأما إذا حصل الضد وكثر في الأمة العجائز والشيوخ والضعفة فهي أمة ضعف مدبرة، ولعلكم تسمعون وترون أن بعض الدول الأوروبية اليوم لا يترددون في منح كثيرٍ من شباب المسلمين الذين ولدوا على أراضيهم الجنسية الأوروبية، تكثيراً للشباب، وتعويضاً لما يفقدون؛ لأنهم يعيشون في واقع بلغت الأنانية فيهم حداً أصبح الرجل يريد الاستمتاع بالمرأة دون أن يتحمل مسئولية طفل واحد، والمرأة تريد الاستمتاع بالرجل دون أن تتحمل مسئولية طفل واحد، فظلوا هكذا يستمتع بعضهم ببعض وقد استكثر بعضهم من بعض وهم يتناقصون ولا يشعرون حتى أعلنت كثير من الدول أن نسبة الشيوخ والعجزة فيها قد جاوز الستين في المائة، وأصبحت من الأمم المدبرة ولكنهم أهل كيد وأهل مكر كبار، وأهل تخطيط وتدمير، وحسبكم في المقابل أن تعلموا أن نصف السكان في المملكة العربية السعودية تقل أعمارهم عن خمسة عشرة عاماً، فنحن أمة مقبلة، فإن كان التوجيه والتربية والإرشاد في خير وإلى خير فنحن أمة مقبلة إلى خير، وإن فقدنا ذلك -والعياذ بالله- فلا حول ولا قوة إلا بالله أن نكون أمة مقبلة إلى شر، وأسأل الله أن يصرف الشر عنا وعن شبابنا وأمتنا إنه سميع مجيب.

أحبتنا في الله! نخاطب الشباب لأنهم المعنيون، عليهم تنعقد الآمال، وبهم نصعد إلى قمم الجبال:

شبابنا هيا إلى المعـالي     هيا اصعدوا شوامخ الجبال

هيا اهتفوا يا معشر الرجال     قولوا لكل الناس لا نبالي

معاذ وابن مسعود وسالم رضوان الله عليهم شباب ولكنهم قادة كانوا من القراء، كل واحد منهم أصبح مدرسة مستقلة يروى كتاب الله عنهم وعلى ألسنتهم، وزيد بن ثابت واحد من الشباب لكنه من كتبة الوحي بل ومن المترجمين المعتمدين، تعلم لغة اليهود في أيام عديدة، وتأملوا سرعة الاستيعاب والقدرة على الفهم والإدراك حيث استطاع أن يتعلم لغة يهود نطقاً وكلاماً وكتابة وخطاباً وحواراً في مدة يسيرة لم تبلغ شهراً واحداً.

أيها الأحبة! رسالتي وكلماتي من محب عرف الشباب، نصيحة محبة موجبها الإخلاص، رائدها مشاعر المودة وقودها التقدير، إنها إلى الشباب جميعاً، وهي أيضاً إلى من تعدى وجاوز سن المراهقة، وإلى من يكابد المراهقة وآلامها، رسالة إلى كل شاب صالح يسعى لإعفاف نفسه، ويدرك خطر مرحلة الشباب، وما يكتنفها ويعتورها من صراع الشهوة وما يحيط بالشباب من هتافات داعية إلى الغفلة، وليس الخطاب للشباب وحدهم، بل هو أيضاً إلى الآباء والأمهات الذين يعالجون تربية الشباب وتوجيه الشباب ويحرصون ويدأبون داعين في سجودهم وخلواتهم وساعات الإجابات التي يتحرونها أن يصلح الله عز وجل شبابهم، آمالنا في شبابنا عظيمة أن يتقلدوا أعلى المناصب ويتسلموا زمام التوجيه، ويمتطوا صهوة المنابر دعاة إلى الله وفرساناً تغبر أقدامهم في سبيل الله، وأن نراهم في كل ميدان من ميادين الحياة نفخر بهم وتقر أعيننا بصلاحهم واستقامتهم.

الشباب في ميادين الإمامة والدعوة

عمر بن سلمة على صغر سنه كان يؤم قومه، أصبح إماماً وليس بمأموم مع أنه أصغرهم، لأنه أكثرهم حفظاً وضبطاً لكتاب الله عز وجل، كان صغيراً وكان فقيراً لكن فقره وصغره لم يجعله يتخلف عن قيادة قومه وإمامتهم في أشرف منزلة وهي الإمامة، بل جاء في الحديث أنه مرت ذات يوم امرأة فرأته يصلي بهم وعليه ثوب قصير قد بدا شيء من عورته، فالتفتت المرأة إليهم وقالت: غطوا عورة إمامكم هذا، فأعطوه ثوباً آخر ليستره، إن فقره وإن صغره ما كان سبباً ليجعله ينكص على عقبيه أو ليرجع القهقرى أو ليتردد في الإمامة والريادة.

عبد الله بن عمرو بن العاص شاب لكن شبابه قاده إلى العناية بكتابة السنة وتحريرها.

مالك بن حويرث يقول: أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فمكثنا عنده مدة، فعلمنا وأكرمنا، فلما رأى شوقنا إلى أهلينا، قال صلى الله عليه وسلم: (ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم وأمروهم).

الشباب في ميادين الجهاد

وأما عن شأن الشباب في ميادين الجهاد وساحات القتال فشجاعة لا مثيل لها، ورباطة جأش لا نظير لها، بل إن كلماتهم تقدح بالفداء والتضحية، يرشون الأعداء بالدماء قبل أن تصلهم السيوف والسهام، عبد الله بن رواحة يودعونه وهو شاب متوجه إلى مؤتة أول معركة بين المسلمين والروم يقولون: يا ابن رواحة تعود إلينا سالماً؟ قال:لا،

لكنني أسأل الرحمن مغفرة     وطعنة ذات فرغ تقذف الزبدا

وضربة بيدي حران مجهزة     بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

حتى يقال إذا مروا على جدثي     يا أرشد الله من غازٍ وقد رشدا

شاب يعرف أنه قادم إلى الموت الزؤام، قادم إلى معركة هو يشتهي أن يموت فيها، لا يفكر كيف يهرب منها، أو ما هو الحال في المرد وما هو المصير في الرجوع! عجبٌ من أمر هؤلاء الشباب إنهم كشبابنا في حواسهم وجوارحهم، لكن قلوبهم تختلف عن قلوب شبابنا، لكن إيمانهم يختلف كثيراً كثيراً عن إيماننا، ومن هنا يتباين الناس، فلا يتباين الناس بأنوفهم ولا بأعينهم ولا بألوانهم ولا بطول قاماتهم وقصرها، وإنما يتباينون بهذه القلوب التي جمعت الإيمان وجعلت خوف الله وخشيته والخوف من عذابه والطمع في ثوابه جعلته رائداً يحركها في كل اتجاه أتت بالعجائب وأثمرت وأغدقت وأينعت وأعطت عطاء لا حدود له، وأما إن امتلأت القلوب بالشهوات واللهوات والغفلات، فلا تسل عن اهتمامها بسفاسف الأمور وخوفها وخشيتها وجبنها عن معاليها، كانوا يتوجهون إلى ساحات القتال والواحد منهم يعلم أن ليس بينه وبين الجنة إلا أن يراق دمه كيقيننا نحن أن ليس بيننا وبين الشارع إلا هذا الجدار، يقينهم في الجنة أصبح أحدهم يراه رأي العين، ما كان أمر شبابهم صارفاً لهم عن اليقين بما أعد الله من الثواب، وما يخشونه من العقاب، أما شهوات شبابنا اليوم فأصبح الواحد منهم إذا ذكر بالجنة أو خوف بالنار رأيت في قسمات وجهه وتيقنت من علامات تفاعلاته من هذا الخطاب أن بينه وبين الفهم واليقين بالخطاب أمداً بعيدا، أما أولئك فاستجابتهم الفورية وتفاعلهم العاجل مع الخطاب، والأمر والنهي دال غاية الدلالة على اليقين، وهذه مسألة من أعظم المسائل التي ميزت الأجيال القرآنية الفريدة، في العصور السالفة المجيدة، عن عصورنا هذه، ليست مصيبة الناس في هذا الزمان هي قلة علمهم، بل من أعظم مصائب الناس ضعف استجابتهم وضعف تفاعلهم وضعف انقيادهم وخضوعهم وإخباتهم لأمر الله سبحانه وتعالى، كان ذلك الجيل من الشباب وإن كانوا صغاراً لكن كانت نفوسهم كبيرة:

وإذا كانت النفوس كبارا     تعبت في مرادها الأجسام

يقول سعد بن أبي وقاص : رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن نعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى، فقلت: مالك يا أخي! فقال عمير بن أبي وقاص لأخيه سعد: إني أخاف أن يردني رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو يختبئ ليس خوفاً أن يشار إليه بالبنان فيختار من الذين يعرضون وتكون صدورهم مسرحاً للرماح وميداناً لطعن السيوف، لا، وإنما يتوارى خشية أن يرد وخشية أن يحرم طعنة، وخشية أن يحرم رمية بسهم، وخشية أن يحال بينه وبين أن تطير رقبته في سبيل الله، يتوارى حتى لا يراه النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول لأخيه سعد: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني، فيردني، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة، شاب صغير، احتمال كبير أن يرد فلا يقبل في الجيش، يقول: لعل الله أن يرزقني الشهادة، قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ما خشيه عمير، فقد استصغره النبي صلى الله عليه وسلم فرده، فأخذ عمير يبكي وينتحب نحيب الثكلى التي ترى زوجها مذبوحاً أمامها، ويبكي بكاء مراً والدمع لا يقف مسفوحاً على خديه ويتوسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرجوه، ويريد أن يثبت بكل ما أوتي أنه قادر جديرٌ حقيقٌ أن يكرم ليدخل مع الجيش في ساحة المعركة، فيقبله النبي صلى الله عليه وسلم ويجيزه، يقول سعد : فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره حتى يثبت السيف في يده ولا يسقط، قال سعد : فقتل وهو ابن ست عشرة سنة، لم يقف حد أمر أولئك الشباب إلى هذا، بل أصبحوا قادة على السرايا والجيوش.

عكاشة بن محصن جعله النبي صلى الله عليه وسلم أميراً على أربعين رجلاً في سرية، وزيد بن حارثة أمَّره النبي صلى الله عليه وسلم على سرية، وعمرو بن العاص أمَّره النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار في غزوة ذات السلاسل، وما خبر أسامة عنا ببعيد، فقد ولاه النبي صلى الله عليه وسلم قيادة جيش فيه كبار الصحابة، والشاهد أن أولئك الشباب وإن كانوا صغار الأعمار فإنهم كانوا كبار الأقدار.

عمر بن سلمة على صغر سنه كان يؤم قومه، أصبح إماماً وليس بمأموم مع أنه أصغرهم، لأنه أكثرهم حفظاً وضبطاً لكتاب الله عز وجل، كان صغيراً وكان فقيراً لكن فقره وصغره لم يجعله يتخلف عن قيادة قومه وإمامتهم في أشرف منزلة وهي الإمامة، بل جاء في الحديث أنه مرت ذات يوم امرأة فرأته يصلي بهم وعليه ثوب قصير قد بدا شيء من عورته، فالتفتت المرأة إليهم وقالت: غطوا عورة إمامكم هذا، فأعطوه ثوباً آخر ليستره، إن فقره وإن صغره ما كان سبباً ليجعله ينكص على عقبيه أو ليرجع القهقرى أو ليتردد في الإمامة والريادة.

عبد الله بن عمرو بن العاص شاب لكن شبابه قاده إلى العناية بكتابة السنة وتحريرها.

مالك بن حويرث يقول: أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فمكثنا عنده مدة، فعلمنا وأكرمنا، فلما رأى شوقنا إلى أهلينا، قال صلى الله عليه وسلم: (ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم وأمروهم).