خطب ومحاضرات
الشباب بين فقه الطيور والجهاد
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الشباب.. أحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولا أود أن أطيل في المقدمة ولكن سأبدأ بثلاثة أسئلة نريد أن نستنتج منها أموراً بسيطة ميسرة.
حينما ترون شاباً يهتم كثيراً بأمور الحمام والدجاج والطيور والأرانب والإوز، وتجدونه ذاهباً آيباً لأجل البيض، وعلى رأسه كرتون مقفص عن اليمين واليسار، هذا الشاب كيف اهتم بالحمام والطيور ونحوها؟ هل هو مولود في صندقة؟ لا.
وتجدون هذا الشاب يعتبر من فقهاء الطيور، أي: فقيه، وأكبر دليل على ذلك، أنني أعرف بعض الشباب ممن يبيعون ويشترون الحمام ضاع وقته مع الحمام ومع التحويم وهلم جرا، فأسأله أقول له: ما هي أنواع الحمام؟ يقول: والله هذا نوع (قطيفي) وهذا نوع كويتي، وهذا نوع (رقيص)، وهذا نوع (مقنبر) وهذا نوع بلجيكي وهذا مصراوي. فتجده يفقهها فقهاً عجيباً، ولو احتجت أن أدرس دراسة حتى أعرف مستوى معرفته في الطيور ما عرفت.. سبحان الله!
ويزيدك يقول: (القطيفي) في حالات يقلب في السماء ويهوز أحياناً، وأحياناً بعضهم من شدة جودته يقلب في الصندقة، ويقلب في الخيط ثلاث أربع مرات بكل سهولة.
وإذا كان الطير عزيزاً عليك وغالياً، ولا تحب أن يفوت أو يضيع، فيلزمك شيء مهم وهو أنك تضع في الماء الذي يشرب سكر حتى إذا بعته يرجع إليك، طبعاً لا تصنعوا في الماء سكراً.
المهم -يا شباب- أنا أعجب من هذا الشاب، فلديه طاقة وموهبة عقلية، فليس بغبي، ولا تظنون هؤلاء الشباب الذين يذهبون ويرجعون أغبياء! فعندهم عقول، لكن هذا العقل تسخر في ما يتعلق بفقه الحمام والطيور، فأنا أعجب من هذا الشاب كيف اكتسب هذه المعرفة وهذه القدرة؟! هل هو مولود في صندقة أو في قفص؟ إنه مولود في بيته أو في المستشفى بقسم الولادة، شيء طبيعي، لكن من أين اكتسب هذه المعلومات؟ اكتسب هذه المعلومات بالصحبة الذين يخالطهم ويذهب معهم ويأتي معهم، كان اهتمام أصدقائه وأصحابه كله موجه إلى الطيور والحمام وأنواعها وأشكالها وطريقة (الطبة) وما (الطبة) والبيع، وكيف تولد وكيف تبيض، وهلم جرا.
تأتي إلى شاب آخر، فتجد عند هذا الشاب أحكاماً عجيبة جداً جداً في مسألة الكرة، فالكرة فيها كذلك قوانين رياضية معروفة، كم حجم الهواء الموجود في الكرة، كم وزن الكرة، وكم عدد الفريق، ومتى ينزل الاحتياطي ومتى لا ينزل، ومتى يأخذ كرتاً أصفر ومتى يأخذ كرتاً أحمر، ومتى يطرد من الملعب، ومتى يصير فاولاً، ومتى يكون تسللاً، ومتى تكون ضربة جزاء، وما حكم الوقت الضائع، وما عقوبة الغلط على الحكم، وهلم جرا، وتجد هذا الشاب عنده معلومات دقيقة جداً، فقد أجلس بجانبه وكلنا يشاهد مباراة، فهو يعرف أن هذا الهدف تسلل وأنا ما أعلم ما معنى التسلل.
حينما نجد شاباً يهتم بالحمام أو نجد شاباً يهتم بالكرة، فهذا ليس شاباً غبياً، إن هذا عنده عقل، لكن هذا الشاب الذي تفقه في أمور الرياضة وأحكام الرياضيين وما يتعلق بها، هل هو مولود في الملعب أو تربى في الملعب أو بيتهم في البوابة؟ طبعاً.. لا، وإنما جالس وخالط شباباً كان جل اهتمامهم الكرة والرياضة ولا اهتمام لهم سواها.
وهكذا تجد صنفاً ثالثاً من الشباب، جل اهتمامه في السيارات، فتجده يعرف كل ما يخص بالسيارات، حتى أنك لو أتيته تشكو إليه مشكلة في سيارتك قال: الأمر سهل يا أخي! ودلك على الخلل وكيف يمكن تصليحه، الشاب فقيه جداً في أمور السيارات، فهل هذا مولود في ورشة؟ طبعاً.. لا، إنما الذي جعله فقيهاً دقيقاً في مسألة السيارات وأصنافها ونحو ذلك أن لديه مجموعة شباب كانت اهتماماتهم الموديلات، والفرق بين الموديل الفلاني والآخر وغير هذا من أمر السيارات.
إذاً أريد أن أخلص من هذا بنتيجة: أن الذي يحدد اهتمامك واتجاهك هم صحبتك وجلساؤك وأصدقاؤك، فإذا كان جلساؤك أهل حمام فأبشر، ستحط على رأسك كرتوناً وقفصاً بجانبه، وإن كان جلساؤك وصحبتك أهل اهتمامات رياضية فستكون من فقهاء الرياضة، وإذا كانت اهتماماتك اهتمامات خاصة بالورش الصناعية فستجد نفس القضية، فإذاً ينبغي أن نعرف:
المسألة الأولى: أن شبابنا في المرحلة الثانوية أو المتوسطة أو ما بعدها، أو حتى الشباب الذين يدورون في الأسواق والله ما هم بأغبياء، والله فيهم ذكاء لا يخطر على بالكم، ولكن بدلاً من أن يكون ذكاء الشاب يتعلق بمجالات عديدة، بدلاً من أن ينطلق في الاتجاهات الأربع حصرناه في اتجاه واحد ألا وهو اتجاه الكرة أو الحمام أو الرياضة كمثل من الأمثلة. هذه مسألة.
المسألة الثانية: قلنا إن الشباب أذكياء، وليس عندهم قلة ذكاء أو قلة عقول، ولكن الصحبة المحيطة بهم بدلاً من أن تجعل عقولهم تنتشر في شتى المجالات، جعلت عقولهم تنحصر في مجال قد لا يكون جديراً بالاهتمام أو لا يكون جديراً بالاهتمام إلى الدرجة والقدر الذي بلغ به أولئك.
أيها الشباب! إن الإنسان من هؤلاء السابق ذكرهم تجد مصيبته في أحد أمرين:
إما أن يكون متكبراً متغطرساً مغروراً، وإما أن يكون محتقراً لنفسه. أي أن عندهم مشكلتين والوسط بينهما فضيلة: إما الغرور وإما احتقار الذات، إما أن يكون مغروراً، ولا ينال العلم مستحٍ ولا مستكبر، وإما أن يكون محتقراً ذاته، والذي أود أن أركز عليه مسألة احتقار الذات.
شبابنا فيهم خير كثير، المرحلة الثانوية في مختلف أنحاء المملكة مليئة بالمواهب والعقول الطيبة، ولكن المصيبة أن كثيراً منهم يحتقر نفسه، وربما لو قلت لأحدهم: ما رأيك أن تأتي تدرس برمجة كمبيوتر؟ يقول: أنا لا أنفع في هذه الأمور. ومن قال لك: إنك لا تنفع؟ ما الذي جعل الطفل الأوروبي أو الأمريكي منذ الصغر وهو يتعلم لغة البيسك والكوبول والبرمجة وما يتعلق بذلك، وأنت بهذا العقل وبهذا الحجم وبهذا المستوى تُحجم وتقول: أنا ما أنفع ولا أصلح لشيء؟
ربما أن التربية التي تلقيناها يوماً ما من بعض الآباء أو الأمهات أو الأقارب جعلتنا نحتقر أنفسنا، تجد الإنسان مثلاً يدخل عند أبيه -وأبوه عنده ضيف- يقول: هذا ولدك فلان؟ يقول: إيه يا رجل! هذا لا ينفع لا في شاردة ولا واردة، هذا ليس بكفء في أي شيء...إلخ، فالمصيبة -أيها الإخوة- أن بعض الشباب ربما تلقى إهانات واحتقاراً منذ الصغر إلى درجة أن والده لا يثق به أن يشتري عنزاً، حيث تقول لأبيك: أعطني أربعمائة ريال أشتري خروفاً فلا تجد عنده استعداداً أن يثق في ولده في شراء خروف. ويقول: أخاف أن يضحكوا عليه؛ لكن هل يعطونه بطة ويقولون له: هذا خروف؟ طبعاً لا. وليكن أنك أخطأت أو زللت في المرة الأولى وباعوك شيئاً فيه عيب أو مرض أو نقص، فليست بمشكلة، في المرة الثانية تكون أفضل لكن مشكلة بعض الشباب إما أن يتكون لديه عقدة مبكرة في أول فعل أو أول تصرف أو سلوك كان بينه وبين والده؛ فأصبح يعتقد أنه لا يصلح لشيء، ولا يستطيع أن يفعل شيئاً.
جاء إليَّ شاب يوشك أن يبكي، قلت له: تعال يا أخي! توضأ، فجلسنا في المسجد وصلى معي، قلت له: ما هي قصتك؟ قال: أبي يحتقرني، ما يراني بحجم المسئولية، لست بكفء، لدرجة أني لو أخرج من البيت؛ يخاف علي ويحسبني بنتاً لا يثق بي ولا في قدرتي الرجولية على نفسي، ولا حتى في ثقته بي أني أشتري شيئاً أو أقدم شيئاً أو أقضي حاجة للبيت.
وما زلت مع هذا الشاب في الحديث معه حتى قلت له: انظر، أول مسألة: أريدك أن تفرض لنفسك برنامجاً ونظاماً في البيت، فيعرف أهلك أن لديك نظاماً معيناً تمشي عليه. قال كيف:؟ قلت: دعهم يعرفون عنك، أنه متى أذن المؤذن، فإنك ولو كنت جالساً تشرب معهم، ستتوضأ وتخرج تصلي.
الأمر الثاني: عودهم على برنامج معين، مثلاً: أنك بعد العصر تجلس معهم نصف ساعة أو أربعين دقيقة أو خمس وأربعين دقيقة، وبعد ذلك تنظر في ساعتك تقول: والله، انتهى الوقت أنا الآن أذهب إلى غرفتي وأبدأ أذاكر دروسي، أي أنك احترمت وقتك وشخصيتك، فحينئذ هم يحترمونك.
مسألة ثالثة: إذا جاءك زملاؤك، فليس كل من ضرب لك (البوري) قمت أخذت (الغترة) وخرجت معه. لا، اجعل وقتاً معيناً مخصصاً للزملاء، وما سوى ذلك اجعله لقراءتك، لاطلاعك، ولثقافتك ولدروسك، ولمراجعاتك، وأخبر أهلك قائلاً: من هذا الوقت إلى هذا الوقت كل من جاءني، فقولوا له: أنا مشغول. وكلمة مشغول يستطيع أن يقولها أي واحد منكم كما يقولها مدير دائرة أو مدير قسم. إلا في حاجة والديك، فلا يجوز أن تعتذر بأي شغل عن حاجتهما.
المهم: حينما تفرض نظاماً، وأهلك يعرفون أنك احترمت نظامك هذا، ثق كل الثقة أنهم سيجعلون منك رجلاً آخر.
والله يا شباب من شهرين تقريباً لما طبق هذا الأمر، وأصبح أهله يرون فيه القدرة والرجولة، وأصبح يدير نفسه إدارة جيدة، تزوج من مدة شهرين، فبلغت منهم الثقة برجولته بعد أن كان كالبنت عندهم، لا يدعونه يخرج لحاله، ويخافون عليه، ولا يدعونه يشتري شيئاً، ولا يثقون به في قضاء حاجة، مجرد أن الرجل فرض إرادته وفرض شخصيته الرجولية، ولم يفرض إرادته في الإتيان بعشرة أفلام فيديو ثم جلس يتفرج عليها، ويا شغالة هات شاي، ويا سواق هات لي (فصفص) لا، إنما فرض رجولته في أعمال وتصرفات وسلوك الرجال. منذ شهرين عرض عليه أبوه قال: تزوج يا ولدي. طبعاً هو يريد أن يتزوج، فعمره حوالي ثماني عشرة سنة أو تسع عشرة سنة، طبعاً ضحك واستحى.
المهم أن هذا الشاب جاء إلي وأخبرني قال: الوالد عرض علي الزواج. ما رأيك؟ قلت: رأيي أن توافق. قال: لكن من أين أصرف عليها وماذا أعطيها؟ قلت: أنت عندك رغبة في الزواج أو لا؟ أنت رجل أو لست رجلاً، فحل أو لست فحلاً؟ قال: بلى. أنا رجل وأريد أن أتزوج. قلنا: إذاً وافق على الزواج وربي يطيل في عمر والدك على طاعته، وتسكن مع والدك في هذا البيت، والآن -ما شاء الله- هو في الثانوية ويخرج لدراسته، ويعود إلى زوجته، ويسلك سلوك الرجال في معاملته.
إذاً هل يفرض علينا فرضاً -يا شباب- ألا نبدأ حياة الرجولة إلا من بعد الثلاثين عاماً وما قبل الثلاثين حياة اللف والدوران ومضيعة الوقت واحتقار الذات وهوان الشخصية؟ لا، نريد أن نعرف أن لنا قدراً منذ أن نبلغ، ولذلك الإسلام جعل حد المعاملة وحد التكليف في البلوغ.
الشاب إذا بلغ عمره خمس عشرة سنة أو ست عشة سنة إذا قتل فإنه يقتل، وما جعل الإسلام حد التكليف بالحصول على الشهادة الجامعية، أو حد التكليف أن الإنسان إذا أثبت نفسه يعتبر مكلفاً. لا، الإسلام جعل البلوغ هو دليل الرجولة، فما دمت قد بلغت، فلتعرف أنك قد صرت رجلاً مؤاخذاً ومحاسباً، فلو قتلت إنساناً ستقتل به، لا تقل: لا، ما دام أنك أصبحت بالغاً؛ فإنك تقتل لو قتلت، ولو سرقت لقطعت يدك، ولو زنيت -والعياذ بالله- فإنك تجلد.
هذه المنزلة التي جعلها الإسلام للرجل أو للشاب منذ حد البلوغ دليل على أن الإسلام يريد أن ينهض بنا وبكم من وقت مبكر، وإلا أين أعمارنا منذ أن بلغنا؟ أين ضاعت الأعمار؟
يا شباب! والله إننا نعجب أن شباب البعث الذي ينتمون إلى حزب البعث في العراق ، والذين ينتمون إلى الأحزاب الاشتراكية في بعض الدول، في عمر الست عشرة سنة يعرف الرجل كيف ينتمي، ويشعر أن له انتماءً عقدياً، تجده يقول عن نفسه: أنا بعثي، وأعرف أن أفكار البعث تقوم على الوحدة والحرية والاشتراكية القومية والمساواة والعلمانية . تجده يعرف هذه الأفكار ويدرسها منذ المراحل الثانوية، بل ويتدرب حتى على التربية العسكرية في وقت مبكر. لماذا هذا الشاب البعثي أو الشاب الاشتراكي أو الشاب الشيعي أو الشاب أياً كان اتجاهه يعترف ويعتز بعقيدته في وقت مبكر، ونحن يا شباب الإسلام لا نعتز إلا بقصة الأسد وربطة (رامبو) و(بريك دانس) وهلم جرا؟
تصوروا في ثانويات العراق لا يدخلون الفصول بعد الطابور إلا بعد أن يمسك كل واحد الرشاش ويطلق كذا طلقة في الهواء ثم يدخلون؟ رجولة مبكرة، والآن لو نطلق طلقة كلنا انبطاح على الأرض، يتوقع المسألة فيها حرب. إننا نريد أن نعترف برجولتنا من وقت مبكر
ويا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا! |
والله يا شباب إن فيكم خيراً كثيراً، ولكن هل بحثتم عن منابع هذا الخير؟ هل حاولتم أن تكتشفوا الطاقات؟
انظروا! عندما تأتي ممثلة ساخرة سافرة، أو يأتي ممثل خليع ماجن، ويعملون معه مقابلة في أي برنامج، أول ما يبدءون معه: يا سعادة الممثل! متى بدأت تكتشف مواهبك؟ يقول: والله كان المرحوم بليغ حمدي هو الذي اكتشفني، أو كان محمد عبد الوهاب أو الموسيقار فلان هو الذي اكتشفني. إذاً ستجد أن هذا الشاب كان طاقة، وجاء من ينقب عن مواهبه حتى اكتشف من بينها أمراً أخرجه وميزه.
فأنتم يا شباب! من تنتظرون أن يكتشفكم؟ نبيل شعيل ؟ أو عبد الله الرويشد ؟ من يأتي يكتشف مواهبنا يا شباب؟ إذا نحن لم نبحث ونفكر ما هي الجوانب الإيجابية في نفوسنا؟ هل عندنا حب للقتال؟ هل فينا حب للعسكرية؟ هل عندنا جوانب فكرية؟ هل عندنا رغبة في المعادلات والرياضيات المعقدة التي تجعل الإنسان ربما يصل يوماً ما إلى تطوير قانون أو حساب نظرية جديدة؟ أم تبلغ الأعمار خمس عشرة سنة، تسع عشرة، أو خمساً وعشرين، والشاب لا مواهب له ولا اتجاه ولا قدرة؟
أنت إما تكون وإما أن لا تكون، إما أن توجد ويكون لك شأن وتكون لبنة في بناء المجتمع وإما أن تكون تراباً.
خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد |
أي: تكون من بين هذا التراب ولا أحد يعرفك، وربما يدس على رأسك وأنت لا تدري، وإما أن يقال: رحم الله فلاناً منذ صغره.
للأسف تجد من الشباب من يقول: أنا! أنا! أنا! لست بكفء في أي شيء. حتى وإن جئت تتهمه يقول لك: لا، أنا رجل، لكن بينه وبين نفسه يقطع في أصابعه، أنا لا أصلح لشيء، بعض الشباب الذين انقطعوا عن الدراسة في وسط الثانوية ولا عمل لهم الآن عندما أجلس مع بعضهم، أقول له: يا أخي! لماذا لا تذهب إلى المعهد الملكي؟ يقول: أنا سمكري! لماذا لا تدرس في المعهد المهني؟ لماذا لا تواصل دراستك؟ لماذا لا تدخل دورة كمبيوتر؟ ادخل لك دورة معينة مهنية أو تدريبية. تجده عنده قاعدة أنه فاشل لا يفهم ولا يعرف شيئاً.
اقتناعك بأنك فاشل، لا يفتح أمامك مجالاً للنجاح والبروز والنبوغ يوماً ما.
بادئ ذي بدء، حتى ولو لم تكن تعرف (أ ب ت ث ج) و(1+1) قبل أن تعرف هذه، أريد كل واحد منكم أن يعتقد وأن يقتنع أنه شيء ويستطيع أن يحقق شيئاً، وبدون هذا -أيها الشباب- والله لن نستطيع أن نثبت أنفسنا في خضم هذا الواقع، وبدون هذه القناعة بأننا رجال وأننا أكفاء ونقدر على أن نفعل شيئاً، بدون هذا لن نستطيع أن نغير في واقعنا أو نغير في أنفسنا حتى أي شيء.
شاب تأكله الطيور والسباع بعد استشهاده
قال القائد: فدعوت لها وأخذت ظفيرتها وجعلتها لجاماً لفرسي، قال: فلما نزلت المعركة إذ بي أجد فتىً حدثاً يافعاً قال: ووجدت معه قوساً ونبلاً، وما شد وتر القوس إلا سقط النبل في واحد من الروم، يقول: عجبت من هذا الشاب الذي يحسن الرماية وهو في هذا العمر. ماذا حصل؟ قال: فأشغل الروم أمر هذا الفتى، فقد تسلط عليهم بالسهام وأصبح يقتلهم واحداً بعد الآخر، قال: فلعلهم اجتهدوا في تحديد موقعه أو مكمنه، ثم رموه بسهم سقط في قلبه، فخر الفتى ميتاً، قال: فأهمني أمره وترجلت عن فرسي، وجئت إليه ونزعت السهم من قلبه، ثم حملته شهيداً في المعركة، وتوجهت به ودفنته.
قال: ثم حملته على فرسي وكررت نحو القوم، وعدت متحيزاً -الفارس لا يجوز له أن يهرب، لكن يجوز له أن يتحيز ويلف يميناً ويساراً، ويتقهقر ويتقدم، كر وفر، هذا يجوز- يقول: فعدت متحيزاً، وإذ بي أجد الفتى قد لفظته الأرض -خرج من الأرض- قال: فعجبت لشأنه! قلت: لعلي لم أحسن دفنه أو أن شيئاً من السباع جرت ثيابه، فعدت وحفرت له قبراً مرة أخرى أعمق من الذي قبل ودفنته، قال: ثم حملت على العدو وعدت متحيزاً، فإذ بي أجد الفتى قد لفظته الأرض -خرج مرة أخرى- فقلت: أدفنه مرة ثالثة ولا أعود لدفنه مرة أخرى، المعركة أمامي ولا أستطيع أن أنشغل به أكثر من هذا.
دفنه المرة الثالثة فلما حمل على العدو، وجاء متحيزاً أو كاراً مرة أخرى إذا به يجد السباع والطيور تأكل من لحمه وعظمه وما بقي منها شيء، قال: فعجبت من شأنه، ومعي مزادته وما بقي من قوسه ونباله، يقول القائد: فلما انتهت المعركة أويت إلى داري وسألت الجند: من يعرف هذا الفتى وأين بيته؛ لكي أرسل ما بقي من متاعه ومزادته إلى أهله؟ فدلوني على بيته، وطرقت الباب فإذا بامرأة ترد علي، صوتها صوت تلك المرأة التي جاءت بظفيرتها وجعلتها لجاماً لفرسي، قلت لها: أهذا ولدك؟ قالت: نعم، أسألك بالله هل تقبله الله شهيداً؟ قال: إي والله. قالت الأم: وهل دفنته أيها الأمير؟ قال: دفنته ولكن لفظته الأرض. قالت: ثم دفنته؟ قال: ولفظته الأرض. قالت: ثم دفنته؟ قال: فأكلته السباع والطير، قالت: الحمد لله الذي استجاب دعوته. ولما همت بالانصراف قال: أسألك بالله يا أمة الله! ما شأن هذا الفتى فقد أعجبني أمره وشغلني شأنه؟ قالت: والله أيها الأمير! إن شأن هذا الفتى عجيب! كان في النهار لا ينفك عن رمي بنبل وسهم، وإذا جن الليل أحسن وضوءه، واجتهد في محرابه وهو يصلي ويقول: اللهم اقتلني شهيداً في سبيلك، واحشرني في حواصل الطير وبطون السباع، اللهم اقتلني شهيداً في سبيلك واحشرني يوم القيامة في حواصل الطير وبطون السباع. فتلك دعوته، قال: لقد أجاب الله دعوته ورأيت السباع والطير كلٌّ قد نال من لحمه شيئاً. طبعاً الشهيد لا ينال من آلام الموت كما ينال أحدكم من ألم القرصة حينما يذوقها.
أمنية لربيعة بن كعب
الآن لو سألت أحدهم: ما حاجتك؟ تجد آماله معلقة بالسيارات وغير ذلك، فالنبي يقول لهذا الشاب: (يا
الحاصل -أيها الشباب- نريد أن نتذكر أسلافنا وأن نرتبط بهم.
تجد بعض الشباب في سيارته صورة أربعة مطربين، وبعض الشباب تجد في حجرته صورة أربعة نجوم من نجوم الكرة أو من نجوم السينما، هاتوا لنا فريقاً يرد فلسطين ؟ فلسطين كم لها من سنة؟ ستين عاماً وفلسطين تحت أيدي اليهود، الاتحاد الدولي لكرة القدم هل يستطيع أن يرجع فلسطين ؟ أجمعية الفنانين يرجعون فلسطين ؟ أجمعية نجوم السينما يرجعون فلسطين ؟ أبطال الأوبرا، رجال الأوسكار، كرنفال جنيف كل هؤلاء لا يرجعون من أرض المسلمين شبراً واحداً. من هو الذي يرجع فلسطين ؟
شباب لم تحطمه الليالي ولم يسلم إلى الخصم العرينا |
وإن جن المساء فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا |
هؤلاء الشباب هم العملة النادرة التي تبحث عنها الأمة.
شخصية محمد بن القاسم
إن المروءة والسماحة والنـدى لـمحمد بن القاسم بن محمد |
قاد الجيوش لسبع عشر حجة ...................... |
أي: وعمره سبع عشر سنة يقود الجيوش ويفتح السند والهند، وأخيراً يأتي محرفوا التاريخ مثل جورج زيدان وقسطنطين زريق وجورج حبش وغيرهم يقول لك: إن محمد بن القاسم كان يموت في هوى سيتا بنت الملك، ويطلع في بعض الأفلام والمسلسلات -كما ترون- قائد من قادة الإسلام، الله أكبر في المعركة. وأخيراً هذا القائد الذي كان قبل قليل يصول ويجول، يرجع في المشهد الأخير لكي يتبادل كلمات الغرام مع عشيقته أو مع محبوبته، وهي تقول له: حفظك الله، وتصيح عليه وتخاف عليه أنه يموت وما تتزوجه! هذا من سمت رجال الإسلام؟ يا أحبابنا، يا رجالنا، يا شبابنا! تاريخكم محرف، افهموا جيداً واعرفوا أن فيكم من البطولات والرجولة ما لا يعلمه إلا الله.
شباب من أفغانستان
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام |
أبو زيد القمري ، هذا شاب من الشباب، والله يا إخواني يقف في منطقة مكشوفة أمام العدو -أمام الشيوعيين والروس في أفغانستان - تصوروا كيف كان يعمل؛ هل كان يختبئ وراء جبل ويضرب الدبابات؟ هل كان يطلق على الراجمات البعيدة سكربيت سكرشل -صقر عشرين وصقر ثلاثين- عشرين كيلو ثلاثين كيلو. لا، كان يقف على طريق الدبابة، يصنع خندقاً برميلياً عبارة عن حفرة في الأرض بقدر عمق البرميل ويسقط فيها ومعه الآر بي جي -الآر بي جي: سلاح جيد لضرب الدبابات يحمل على الكتف- وقذيفته معه فينـزل في هذا الخندق، وبعد يقرأ قوله تعالى: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الأنفال:1] وما إن يرى الدبابة: باسم الله وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] أخذ القذيفة وربطها على الآر بي جي وبسم الله، حتى إذا قربت الدبابة؛ خرج من الخندق يقول له الشباب: يا أبا زيد ! اجلس في الخندق واضرب وأنت جالس. قال: لا، الموت ساعة لا تتقدم ولا تتأخر، إن كتب الله أن أموت مت ولو وسط الخندق، وإن كتب الله الحياة في الخندق أو خارج الخندق.
فيقوم فإذا مرت الدبابة؛ صوب القذيفة إلى برج الدبابة. أحسن ضربة للدبابات في البرج -أعلى الدبابة- وخاصية قذيفة الآر بي جي أن درجة الحرارة فيها قوية جداً، وتدخل في عمق فولاذ الدبابة حوالي 15 سم ثم تنفجر بعد دخولها، وتسبب انشطاراً قوياً وتحرق الدبابة ومن فيها.
تصوروا يا شباب كم أهلك هذا الفتى من الدبابات! وفي يوم من الأيام صعد هذا الشاب وإذ بدبابتين وراء بعض، ضرب الأولى، وهو يحتاج وقت حتى يأخذ القذيفة الثانية ويركبها ويضرب بها، لا يوجد وقت، الدبابة أسرع، فتوجهت الدبابة بالفوهة نحوه ووقف أمامها ووقفت أمامه، والرجل يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] ضربت الدبابة تلك الضربة التي لا يشك أحد أنها ستمزق أشلاءه، فإذ بها تمر بجانبه برداً وسلاماً بعيداً عن المكان!
وماذا بعد ذلك يا شباب؟ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] باسم الله والله أكبر، ويضرب الدبابة الثانية ويفجرها.
يا شباب أنتم فيكم قدرة لا تخطر على بال.
شاب من أهل اليمن أعرفه جيداً، والله يا إخوان كان يعمل هنا كهربائياً، وهذا ليس بعيب، لكن انظروا كيف صنع الجهاد رجالاً، فتح الله عليه، وأحب أن ينال أعالي الأمور وذروة سنام الدين، فذهب إلى أفغانستان ، ويالله ذهب إلى منطقة كابول جحيم المعمعة، في منطقة اسمها بغمان وهي منطقة مرتفعة تطل على كابول ، وكان مساعداً للقائد العام الحاج شير علم ، قائد عام منطقة بغمان .
الذي حصل يا شباب أنه بخبرته في الكهرباء صار متخصصاً في تسليك الصواريخ -صواريخ سكربين، صقر عشرين، صقر ثلاثين- توجه وبميل منحني يحدد مواقع معينة لضربها. هو بنفسه زارني في البيت يقول: والله ضربنا ذات يوم خمسين صاروخاً صقر ثلاثين وصقر عشرين على كابول إلى درجة أن نجيب قائد الحكومة الشيوعية أرسل لنا رسالة يقول فيها: يا حاج شير علم! عندنا ضيوف والأفغان لا يفعلون هكذا بضيوفهم، نرجو أن تكف عن ضرب العاصمة. فيرسل له الحاج شير علم ذلك مع أعرابي -يعني: راعي غنم- يرسل له وريقة فيها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:38-39] يا نجيب أسلم تسلم وإلا فانتظرني بالذبح. ويرسل له الرسالة! انظروا العزة عادت.
أيام كان هارون الرشيد يقول: من أمير المؤمنين هارون الرشيد إلى نقفور كلب الروم يهدده ويخوفه، الآن شاب يمني وآخر أفغاني يهددون حاكم دولة اسمه نجيب .
إذاً هؤلاء الشباب قدرة وقوة، لكن لجأ أعداؤنا في تسليط الغزو الفكري حتى أصبحت قدراتنا وأفكارنا موجهة إلى آخر موضة، آخر موديل، آخر مسلسل، آخر أغنية، آخر شريط، آخر مباراة، آخر تقليعة وهلم جرا، شغلنا بهذه الأمور يا شباب، وإلا لو كانت اهتماماتنا اهتمامات الرجال منذ الصغر كان يترجم لكم التاريخ، فلان بن فلان درس في ثانوية الرياض، شهد معركة كذا، دعا إلى الله في كذا، قام بالخطابة في مسجد كذا، فالتاريخ يحفظ أعمالكم وأفعالكم إذا الواحد منكم يقدر ويقرر أن يكون شيئاً.
يا شباب! المجتمع مليء بالبشر لكن من الذي يذكر من البشر؟ خمسة:
إذا ما مات ذو علم وتقـوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه |
وموت الحاكم العدل المـولى بحكم الأرض منقصة ونقمه |
وموت فتىً كثير الجود مـحل فإن بقاءه خصب ونعمه |
وموت الفارس الضرغام هـدم فكم شهدت له بالنصر عزمه |
وموت العابد القوام ليلاً ينادي ربه في كل ظلمه |
فحسبك خمسة يبكى عليهـم وباقي الناس تخفيف ورحمه |
هل أنتم من الخمسة أم ممن يكونون تخفيف ورحمة إذا ماتوا؟
فحسبك خمسة يبكى عليهـم وباقي الناس تخفيف ورحمه |
وباقي الخلق همج رعاع وفي إيجادهم لله حكمه |
يا شباب الإسلام: أنتم قوة، شاب فلسطيني قابلته منذ أيام في فندق المنهل كان قادماً مع الشيخ/ جلال الدين حقاني اسمه أبو الأهوال ، طبعاً له اسم آخر لكن اللقب أبو الأهوال ، سمي أبو الأهوال لأنه لا يعرف يتفاهم مع روسي أو شيوعي، أربع قنابل، عشر قاذفات، شاجورين، رشاش، ويمشي وكأنه لغم يتحرك.
يا إخوان! هذا الشاب فيه قدرات عجيبة، لاحظوا أن شارع التفحيط أو شارع الموت الذي وراء جنادرين يدل على وجود طاقات ومهارات، ما ظنكم لو أن الشباب هؤلاء نزلوا أفغانستان أو نزلوا إلى الساحة للحرب مع العراق ؟ والله يا إخوان الشباب لديهم قدرة وهناك استعداد للتضحيات ولكن كيف ضاعت التضحيات؟ كيف ضاع الاستعداد؟ أين ضاعت الهمم؟ كيف راحت اهتماماتنا في (جيمس البكار) وصارت اهتماماتنا في أشياء بسيطة، بسبب الأفلام والمسلسلات.
لو آتي لأفسق شاباً، وأضع في يديه (كلبشات) الحديد وأضع في رجليه الحديد وأقول: اسمع ممنوع الصلاة هذا اليوم. ولو كان أفجر شاب، ولو كان لا يصلي، والله يا إخواني يقول: أنت تمنعني من الصلاة، ويبدأ يلعن ويسب ويشتم في أبي وفي خامس جد، ويقطع هذا الحديد ويذهب يصلي عناداً؛ لأنني واجهته، هو يعتقد وجوب الصلاة لكني منعته وقيدته، فعاندني وقطع القيد، وفك هذه الأغلال وذهب ليصلي.
لكن إذا كان هذا الشاب نفسه بجوراه مسجد وفيه بابان، ثم زيدت للمسجد أربعة أبواب، وجعلت ما بينه وبين المسجد إلا خطوات، وكبرت الميكرفونات -مكبرات صوت المسجد- وقلنا له: انظر يا أخي هذا المسجد الآن زدنا أبوابه وكبرنا ميكرفوناته لكي تسمع الأذان والإقامة. لكن هذا شريط جديد فيلم هندي تحب تنظر فيه، تفضل، فتجد هذا الشاب يضع الشريط في الفيديو، ثم يستمع إليه ولا يجيب منادياً حتى تنتهي صلاة المغرب ثم العشاء، فتذهب صلاة المغرب وصلاة العشاء وهو لا يزال ساهراً، يريد أن يرى نهاية هذا الفيلم: الفيل يلق أمه أو لا.
انظروا إلى الأساليب الفكرية، لا يأتي أعداء الإسلام إليكم يقولون: لا تصلوا. يقولون: بالعكس. هذه المساجد، وسعوا الأبواب، لكن تفضل هذه الأفلام، يصدرونها لكم من هوليود ومن جميع الولايات المختلفة، من أجل أن تشغلوا أوقاتكم بها.
فتلاحظ أن الشاب لو أعطيناه كفاً وقلنا له: لا تصل. لأعطانا كفين وذهب يصلي، لكن لو نعطيه شريطاً، فهو مستعد أن يترك صلاة المغرب وصلاة العشاء من أجل مشاهدة نهاية هذا الفيلم الهندي.
فيا شباب خذوا مثلاً آخر: المرأة المسلمة، لو أن أحداً يأتي إلى فتاة مسلمة متحجبة وينـزع الحجاب من رأسها، ويمزق عباءتها. ماذا تفعل؟ ستعود متسترة ومتحجبة، وتبقى قوية على حجابها، لكن حين تخرج لها دعاية شعر، سليفكرين وواحدة تدور برأسها كذا، وواحدة تدور برأسها كذا. ما الذي يحصل؟ تقول: الله! ما معنى أن هذه الفتاة شعرها ناعم وأنا شعري ليس بناعم؟ لماذا لا أطلع للتلفزيون مثلها؟
أو دعاية أخرى: فتاة معها ملف وتشتغل سكرتيرة في باريس تجدها تقول: انظر الأناقة! وأنا جالسة هنا أسحب هذا (البشت) وهذه هناك متطورة ومتقدمة!
إذاً الأسلوب الجديد في غزو عقولكم وأفكاركم وأفكار بناتكم ونسائكم ليس هو أسلوب سب وشتيمة. بل أسلوب العرض، لاحظ مثلاً: في المسلسل تجد فتاة في أسرة تلاقي صديقها -مثلاً- في الجامعة: كيف أنت يا فهد؟ أين أنت؟ هيانذهب لنشرب في المكان الفلاني قهوة ونجلس وكذا، لماذا لم تأتِ البارحة؟ ويطلع في المقابل أسرة ثانية عندهم بنت تخرج كما تريد وتدخل كما تريد، فتجد هناك فتاة معقدة لا تستطيع أن تقابل صديقها إلا سراً في الجامعة، والأخرى يضرب لها (بوري) فتنـزل، تطل على الشرفة تقول: (باي باي) وتنـزل له، وتذهب معه، وتلبس ما شاءت، وتخرج في أي وقت شاءت ومع من شاءت. هذان المشهدان يولدان لأخي وأختك وزوجتي وزوجتك هواجس: انظر إلى هذه المتقدمة تسرح شعرها، هي تروح عند الكوافيرة متى ما تريد، وتلبس ما شاءت، وتكلم من شاءت، وتصادق من شاءت، وأنا المسكينة جالسة بين أربعة جدران، لا أحد يعرفني ولا أحد يصادقني. فتذهب تفتح الدليل وتبحث عن رقم، مصيبة المصائب أننا فعلاً نهاجم أنفسنا ونحن لا نشعر، نحن نقتل أنفسنا ونذبح حياءنا بأيدينا.
فيا شباب الإسلام: غاية ما أريد منكم أن تعرفوا أنكم قوة، أنتم يا شباب الإسلام قدرة وقوة وطاقة، لكن رجائي ألا تضيع طاقاتكم في الدوران أو من الذي يفوز؟ من الذي يأخذ دوري الثمانية الكاميرون أو نيجيريا أو البرازيل ، ومن هو الذي يراهن على الكأس، لا تضيعوا اهتماماتكم في هذه الأمور، هذه الأمور لا تدخلكم الجنة ولا تخرجكم من النار، ولا تجعلكم في سجلات التاريخ، وإنما كما قلت:
فحسبك خمسة يبكى عليهـم وباقي الناس تخفيف ورحمه |
وباقي الخلق همج رعاع وفي إيجادهم لله حكمة |
قال أحد قادة الإسلام: دعوت الناس إلى الجهاد في صلاة الجمعة ذات يوم -من القرون المتقدمة- فجاءت امرأة وطرقت علي الباب في الليل وقالت: أيها الأمير! دعوت الناس إلى الجهاد ولا مال عندي أتصدق به، فلم أجد إلا ظفيرتي هذه، فحلقت شعري، أريد أن تجعل منها لجاماً لفرسك في سبيل الله. انظروا! يوم أن كانت الأمة أمة، كانت المرأة تعتقد أنها تصنع شيئاً، فما بالك بالشباب والرجال؟!
قال القائد: فدعوت لها وأخذت ظفيرتها وجعلتها لجاماً لفرسي، قال: فلما نزلت المعركة إذ بي أجد فتىً حدثاً يافعاً قال: ووجدت معه قوساً ونبلاً، وما شد وتر القوس إلا سقط النبل في واحد من الروم، يقول: عجبت من هذا الشاب الذي يحسن الرماية وهو في هذا العمر. ماذا حصل؟ قال: فأشغل الروم أمر هذا الفتى، فقد تسلط عليهم بالسهام وأصبح يقتلهم واحداً بعد الآخر، قال: فلعلهم اجتهدوا في تحديد موقعه أو مكمنه، ثم رموه بسهم سقط في قلبه، فخر الفتى ميتاً، قال: فأهمني أمره وترجلت عن فرسي، وجئت إليه ونزعت السهم من قلبه، ثم حملته شهيداً في المعركة، وتوجهت به ودفنته.
قال: ثم حملته على فرسي وكررت نحو القوم، وعدت متحيزاً -الفارس لا يجوز له أن يهرب، لكن يجوز له أن يتحيز ويلف يميناً ويساراً، ويتقهقر ويتقدم، كر وفر، هذا يجوز- يقول: فعدت متحيزاً، وإذ بي أجد الفتى قد لفظته الأرض -خرج من الأرض- قال: فعجبت لشأنه! قلت: لعلي لم أحسن دفنه أو أن شيئاً من السباع جرت ثيابه، فعدت وحفرت له قبراً مرة أخرى أعمق من الذي قبل ودفنته، قال: ثم حملت على العدو وعدت متحيزاً، فإذ بي أجد الفتى قد لفظته الأرض -خرج مرة أخرى- فقلت: أدفنه مرة ثالثة ولا أعود لدفنه مرة أخرى، المعركة أمامي ولا أستطيع أن أنشغل به أكثر من هذا.
دفنه المرة الثالثة فلما حمل على العدو، وجاء متحيزاً أو كاراً مرة أخرى إذا به يجد السباع والطيور تأكل من لحمه وعظمه وما بقي منها شيء، قال: فعجبت من شأنه، ومعي مزادته وما بقي من قوسه ونباله، يقول القائد: فلما انتهت المعركة أويت إلى داري وسألت الجند: من يعرف هذا الفتى وأين بيته؛ لكي أرسل ما بقي من متاعه ومزادته إلى أهله؟ فدلوني على بيته، وطرقت الباب فإذا بامرأة ترد علي، صوتها صوت تلك المرأة التي جاءت بظفيرتها وجعلتها لجاماً لفرسي، قلت لها: أهذا ولدك؟ قالت: نعم، أسألك بالله هل تقبله الله شهيداً؟ قال: إي والله. قالت الأم: وهل دفنته أيها الأمير؟ قال: دفنته ولكن لفظته الأرض. قالت: ثم دفنته؟ قال: ولفظته الأرض. قالت: ثم دفنته؟ قال: فأكلته السباع والطير، قالت: الحمد لله الذي استجاب دعوته. ولما همت بالانصراف قال: أسألك بالله يا أمة الله! ما شأن هذا الفتى فقد أعجبني أمره وشغلني شأنه؟ قالت: والله أيها الأمير! إن شأن هذا الفتى عجيب! كان في النهار لا ينفك عن رمي بنبل وسهم، وإذا جن الليل أحسن وضوءه، واجتهد في محرابه وهو يصلي ويقول: اللهم اقتلني شهيداً في سبيلك، واحشرني في حواصل الطير وبطون السباع، اللهم اقتلني شهيداً في سبيلك واحشرني يوم القيامة في حواصل الطير وبطون السباع. فتلك دعوته، قال: لقد أجاب الله دعوته ورأيت السباع والطير كلٌّ قد نال من لحمه شيئاً. طبعاً الشهيد لا ينال من آلام الموت كما ينال أحدكم من ألم القرصة حينما يذوقها.
انظروا إلى أمنية أخرى من أمنيات شباب الإسلام: فتىً يقال له ربيعة بن كعب ، كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فأحبه النبي وأعجب به، فقال له النبي: (يا
الآن لو سألت أحدهم: ما حاجتك؟ تجد آماله معلقة بالسيارات وغير ذلك، فالنبي يقول لهذا الشاب: (يا
الحاصل -أيها الشباب- نريد أن نتذكر أسلافنا وأن نرتبط بهم.
تجد بعض الشباب في سيارته صورة أربعة مطربين، وبعض الشباب تجد في حجرته صورة أربعة نجوم من نجوم الكرة أو من نجوم السينما، هاتوا لنا فريقاً يرد فلسطين ؟ فلسطين كم لها من سنة؟ ستين عاماً وفلسطين تحت أيدي اليهود، الاتحاد الدولي لكرة القدم هل يستطيع أن يرجع فلسطين ؟ أجمعية الفنانين يرجعون فلسطين ؟ أجمعية نجوم السينما يرجعون فلسطين ؟ أبطال الأوبرا، رجال الأوسكار، كرنفال جنيف كل هؤلاء لا يرجعون من أرض المسلمين شبراً واحداً. من هو الذي يرجع فلسطين ؟
شباب لم تحطمه الليالي ولم يسلم إلى الخصم العرينا |
وإن جن المساء فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا |
هؤلاء الشباب هم العملة النادرة التي تبحث عنها الأمة.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أيها الشاب! حاول وأنت الحكم [الحلقة الأولى] | 2464 استماع |
أيها الشاب! من أنت؟! | 2226 استماع |
الشباب اللاهثون | 2198 استماع |
كلمة الشباب | 2001 استماع |
الشباب والرياضة | 1695 استماع |
الشباب بين الشهوة والشبهة | 1680 استماع |
الشباب بين الواقع والأمل | 1669 استماع |
شباب مشغولون بلا مهمة | 1572 استماع |
الشباب والتجدد | 1316 استماع |
الشباب بين غرور النفس واحتقار الذات(1-2) | 1105 استماع |