خطب ومحاضرات
القواعد لابن اللحام [26]
الحلقة مفرغة
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
كنا قد توقفنا في تعليقاتنا على كتاب القواعد لـابن اللحام في مسألة إذا أريد بالأمر الندب فيقتضي الفور كالأمر الواجب، أولاً للتذكير: تحدثنا عما إذا ورد الأمر مجرداً هل يقتضي الفورية أم لا؟
ذكرنا الخلاف في هذا الأمر، وقلنا: إن اقتضاء الفورية إذا كان مجرداً فإن المسألة فيها خلاف، فذهب أحمد رحمه الله: إلى أنه يقتضي الفورية، وهو قول للأحناف، وذهب مالك و الشافعي : إلى أنه لا يقتضي الفورية، وقد ذكرنا أن الذي يظهر والله أعلم: أن الأمر المجرد الغالب أنه تحتف به قرائن تؤيد الفورية من عدمها، فإذا كان هناك وقت فإنه يقتضي الفورية، وإذا لم يكن هناك وقت فاقتضاء الفورية من مجرد اللفظ يحتاج إلى دليل.
وعلى هذا: فاستدلال الحنابلة ببعض المسائل إنما اقتضاها واقع الأدلة أو واقع الحال، أما مجرد اللفظ فإنه لا يقتضي الفورية والله أعلم، الآن نقرأ المسألة الأخرى.
الملقي: قال المؤلف رحمه الله: [مسألة: وإذا أريد بالأمر الندب، فإنه يقتضي الفور إلى فعل المندوب كالأمر الواجب، ذكره القاضي أبو يعلى ملتزماً على قوله أمر حقيقة بما يقتضي أن الحنفية لا يقولون بالفور فيه. ومما يتعلق بالقاعدة من الفروع مسائل:
منها قضاء الصلوات المفروضات، فإنه يجب على الفور؛ لإطلاق الأمر به، هذا هو المذهب المنصوص عن أحمد ، لكن محل ذلك إذا لم يتضرر في بدنه أو معيشة يحتاجها، نص عليه الإمام أحمد أيضاً، ولنا وجه لا يجب القضاء على الفور، فأوجب القاضي في مواضع من كلامه الفور فيما زاد على خمس صلوات، ومنها أداء الزكاة مع القدرة، فإنه يجب على الفور نص عليه الإمام أحمد ، قال الشيخ أبو محمد وغيره: لو لم يكن الأمر للفور قلنا به هنا].
الشيخ: هذه المسألة داخلة في المسألة التي سبق أن تحدثنا عنها، وهي: أن الأمر المجرد هل يقتضي الوجوب أم الإباحة أم الاستحباب؟ هنا فرع المؤلف على من قال: بأن الأمر المجرد يدل على الندب، فلو قلنا: بأنه يدل على الندب، فهل يدل على الفورية أم لا؟ وما يتعلق بها من مسائل لا يظهر فيها دخولها في القاعدة؛ لأن قضاء الفوائت مثل قضاء الصلوات المفروضات واجب.
هو يقول: لو قلنا: إن الأمر المجرد يدل على الندب، لكن قضاء الفوائت جاءت قرينة تدل على الوجوب، فهل يقتضي الفورية أم لا؟ الذي يظهر والله أعلم أن اقتضاء الفورية في قضاء الفوائت وجود دليل، كما جاء في صحيح البخاري من حديث أنس : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها )، فالفاء تقتضي الترتيب مع التعقيب.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( لا كفارة لها إلا ذلك، ثم قرأ: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] )، فاقتضاء الفورية هنا ليس لأجل اللفظ المجرد، بل لوجود ما يحتف به من قرائن.
كذلك أداء الزكاة مع القدرة؛ لأن الإنسان إذا أخر الزكاة فقد أخرها على من وجب عليه أداؤها له كالفقير، فيتضرر، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( ما ينقم
أما المسارعة فلا يلزم منها الوجوب المطلق، إنما يدل على الاستحباب؛ ولهذا حتى قضاء الفوائت الواجب الموسع يستحب التعجيل وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84]، مثل قضاء رمضان موسع ومع ذلك يستحب للإنسان أن يبادر ولا يقال بالوجوب.
الفورية في أداء الزكاة وعدم تأخيرها
الشيخ: المنصوص عليه عند الحنابلة أن الزكاة أداؤها واجب على الفور، لكن يجوز تأخيرها إذا خاف على نفسه أو خاف على ماله، أو خاف عود ساع، فإن السعاة الذين يبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم أو يبعثهم ولي أمر المسلمين أحياناً يتأخرون، فالإنسان أحياناً يقول: أخشى لو أديت الزكاة ثم جاء الساعي فقلت له: قد أديتها لم يقبل مني، فأضطر إلى تأخير الزكاة، فهذا مثله مثل تأخير الزكاة للشركات حين طلبها من مصلحة الزكاة والدخل، فيؤخرها أحياناً سنة أو سنتين؛ لأجل الخلاف في مطالبة مصلحة الزكاة، فهذا إن شاء الله ليس عليه إثم، شريطة أن يخرجها من ماله محاسبياً، بحيث لا يستثمرها.
الملقي: [وللإمام والساعي التأخير لعذر قحط ونحوه، وكذلك يجوز للمالك تأخير الإخراج لحاجته إلى زكاته، نص عليه، وهل يجوز للمالك التأخير لانتظار قريب أو ذي حاجة؟
في المسألة وجهان، وقيد بعضهم ذلك بالزمن اليسير، وأطلق القاضي وابن عقيل روايتان في القريب، ونقل يعقوب بن بختان عن الإمام أحمد أنه قال: لا أحب أن تؤخر الزكاة إلا لقوم لا يجد مثلهم في الحاجة، ومنها أداء...].
الشيخ: يعني تأخير الزكاة لأجل قريب لا حرج، لكن لا يكون تأخيراً مضراً بأدائها؛ لأنه أحياناً يكون القريب بعيد جداً، وربما يجد من يعطيه غيرك؛ فلا ينبغي تأخيرها، لكن هناك من المسائل ما هي مهمة قد أشار إليها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس ، مثل أن يكون تأخير الزكاة بسبب تأخير المال، كأن يكون شخص عنده عقار، ولا يريد بيعه اليوم أو السنة، فيريد تأخيره إلى خمس سنوات، فهل يجوز تأخير الزكاة حينئذ؟ نقول: لا بأس؛ لأن ذلك أنفع للفقير وللمزكي، يعني: كأنه نوع من الاستثمار لأنه كلما زادت زاد الثمن، ولو بيع لتضرر الإنسان، فهذا يسميه العلماء: تأخير الزكاة لمصلحة المال نفسه، لأن الزكاة تجب في عين المال ولها تعلق بالذمة.
فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يؤدي الزكاة من عين المال فلا حرج، ولهذا قال علي بن أبي طالب : فليؤد زكاته إذا قبض إن كان قادراً، أما ابن عباس فيقول: لا بأس بالمتربص إذا باع، وهذا معناه أنه لا بأس أن يتربص، فإذا باع زكاه لما مضى من السنين وليس لسنة واحدة كما فهمه المالكية عن ابن عباس .
اقتضاء الفورية في أداء واجب الحج والعمرة
الشيخ: يعني معروف مذهب الإمام أحمد في أداء واجب الحج والعمرة، أنه على الفور، هذا هو المشهور عند الإمام أحمد ، وإن كان ابن أبي موسى الهاشمي ذكر رواية عند الإمام أحمد بأنه على التراخي، والذي يظهر والله أعلم: أنه على الفور.
لكن الفورية هنا بحسبها والله أعلم، هذا المعروف عند الإمام أحمد ، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس الذي رواه الإمام أحمد و أبو داود : ( تعجلوا الحج ).
اقتضاء الفورية في قضاء ديون الآدميين
الشيخ: نعم أداء ديون الناس إن كان له وقت فيجب أداؤه، لأن في ذلك ضرراً على صاحبه، وكيف يعطيه مهنأه وعليه مغرمه؟ وأما إذا كان من دون مطالبة، أو عرف بقرائن أن صاحبه لا يطالبه بذلك ويسمح بعدم أدائه فحينئذ لا يلزمه ذلك، أما المسألة المعروفة: أنه يطالبه ويؤخر فهذا آثم، فهذا آثم، فهذا آثم.
الملقي: [قلت: وينبغي أن يكون محل جواز التأخير إذا كان صاحب المال عالماً بأنه يستحق في ذمة المدين الدين، أما إذا لم يكن عالماً فيجب إعلامه به، والله أعلم].
الشيخ: وهذا منها، إذا كنت أنا استدنت من زميلك ولم يعلم، وسكت أنا مع أني أعلم أن زميلك ناس؛ فأنا آثم حينئذ، لأن زميلك ربما لا يعلم لا هو ولا ورثته، فلا بد أن أخبر زميلك بهذا الأمر، والله أعلم.
الفورية في إخراج النفقة على الزوجات
الشيخ: هذا في النفقة فإنها تجب على الفور، أما في العطايا فالذي يظهر والله أعلم أنه إذا كتبها فلا بأس، خاصةً أنه أحياناً يعطي الزوجات العطايا بالعدل؛ لأجل تحفيزهن، بمعنى أنه يعطيهن النفقة الواجبة في حقه، أما العطايا فيكون من باب تحفيزهن، فيقول: إذا أنتم درستم أولادي فلكم كذا، وإذا أنتم اهتممتم بحال أمي وأبي؛ فلكم كذا، فإذا كنتم تهتمون بحالي فلكم كذا، فيجعل هذه العطايا نوعاً من الحوافز لهن، مع أنه سوف يؤدي هذا الأمر، فهذا لا حرج فيه إن شاء الله، شريطة ألا يكون التأخير إلا قريباً.
الفورية في أداء الوديعة إذا سرقت من غير حرز
الشيخ: هذا الذي يظهر كما أشار إليه صاحب المغني، أما أن يخرج من السوق إلى أداء الأمانة فهذا تكلف لا داعي له؛ لأن صاحب المال هو الذي أعطاه إياه في السوق، وهذا هو يتحمله.
الفورية في التعريف باللقطة
الشيخ: يعني لو أنه وجد اللقطة في السوق، فإنه يجب عليه أن يعرفها عقيب التقاطها من عند أهل السوق، لأنه ربما يجد صاحبها، وأما قوله: (يضمن)، فمحل توقف؛ لأن أكثر الناس ربما يجهل مثل هذا، ولربما وجدها في مكان غالب أهله ليس عندهم من الأمانة التي ربما يتنزهون عنها، بل ربما ادعوها لأنفسهم، فقوله بالضمان يحتاج إلى نظر؛ ذلك أن الضمان إنما يكون بسبب تفريط في الحفظ، لا تفريط في التعريف والله أعلم.
الملقي: [وهل يسقط التعريف؟ ذكر القاضي أبو يعلى و أبو محمد : أنه يسقط في ظاهر كلام أحمد ، ولنا وجه بانتفاء السقوط، قال الحارثي : وهو صحيح].
الشيخ: هذا الذي يظهر فإذا لم يعرفها أسبوعاً من أول التقاطها فلا يلزم منه سقوط التعريف، بل التعريف يبقى والله أعلم.
الملقي: [قال في المغني: وعلى كلا القولين لا يملكها بالتعريف؛ لأن شرط الملك التعريف في الحول ولم يوجد، وكذا لو قطع التعريف في الأول وأكمله في الثاني لا يملك بذلك].
الشيخ: مسألة اللقطة الراجح والله أعلم: أنه لا يملكها ألبتة، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فاستنفقها ولتكن وديعةً عندك )، فالاستنفاق شيء والملك شيء آخر، ولهذا قال: ( ولتكن وديعةً عندك )، ومن المعلوم أن هذا نوع من تجويز التصرف في الوديعة، والتصرف في الوديعة ليس دلالةً على الملك، والله أعلم.
وعلى هذا: فالملك إنما قيل عنه بأنه مالك لأجل التصرف، كتصرف ماله، لا أنه يحق له أن يرثها ورثته والله أعلم.
الملقي: [وهل يحسبها للمالك أو يتصرف فيها؟ على روايتين ذكرها القاضي و أبو محمد ، وإن أخر التعريف لحبس أو نسيان أو نحو ذلك فوجهان: ذكرهما أبو محمد ].
الشيخ: إذا أخر التعريف، فالذي يظهر والله أعلم أنه يعرفها السنة الثانية أو الثالثة ولتكن وديعة عنده ويستنفقها، لكن الأولى ألا يستنفقها إلا إذا عرفها.
الملقي: [ولنا قول: لا يجب على الفور، وعلى المنصوص يجوز للمالك التأخير إذا خشي ضرراً من عود ساع أو خاف على نفسه أو ماله أو نحوه].
الشيخ: المنصوص عليه عند الحنابلة أن الزكاة أداؤها واجب على الفور، لكن يجوز تأخيرها إذا خاف على نفسه أو خاف على ماله، أو خاف عود ساع، فإن السعاة الذين يبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم أو يبعثهم ولي أمر المسلمين أحياناً يتأخرون، فالإنسان أحياناً يقول: أخشى لو أديت الزكاة ثم جاء الساعي فقلت له: قد أديتها لم يقبل مني، فأضطر إلى تأخير الزكاة، فهذا مثله مثل تأخير الزكاة للشركات حين طلبها من مصلحة الزكاة والدخل، فيؤخرها أحياناً سنة أو سنتين؛ لأجل الخلاف في مطالبة مصلحة الزكاة، فهذا إن شاء الله ليس عليه إثم، شريطة أن يخرجها من ماله محاسبياً، بحيث لا يستثمرها.
الملقي: [وللإمام والساعي التأخير لعذر قحط ونحوه، وكذلك يجوز للمالك تأخير الإخراج لحاجته إلى زكاته، نص عليه، وهل يجوز للمالك التأخير لانتظار قريب أو ذي حاجة؟
في المسألة وجهان، وقيد بعضهم ذلك بالزمن اليسير، وأطلق القاضي وابن عقيل روايتان في القريب، ونقل يعقوب بن بختان عن الإمام أحمد أنه قال: لا أحب أن تؤخر الزكاة إلا لقوم لا يجد مثلهم في الحاجة، ومنها أداء...].
الشيخ: يعني تأخير الزكاة لأجل قريب لا حرج، لكن لا يكون تأخيراً مضراً بأدائها؛ لأنه أحياناً يكون القريب بعيد جداً، وربما يجد من يعطيه غيرك؛ فلا ينبغي تأخيرها، لكن هناك من المسائل ما هي مهمة قد أشار إليها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس ، مثل أن يكون تأخير الزكاة بسبب تأخير المال، كأن يكون شخص عنده عقار، ولا يريد بيعه اليوم أو السنة، فيريد تأخيره إلى خمس سنوات، فهل يجوز تأخير الزكاة حينئذ؟ نقول: لا بأس؛ لأن ذلك أنفع للفقير وللمزكي، يعني: كأنه نوع من الاستثمار لأنه كلما زادت زاد الثمن، ولو بيع لتضرر الإنسان، فهذا يسميه العلماء: تأخير الزكاة لمصلحة المال نفسه، لأن الزكاة تجب في عين المال ولها تعلق بالذمة.
فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يؤدي الزكاة من عين المال فلا حرج، ولهذا قال علي بن أبي طالب : فليؤد زكاته إذا قبض إن كان قادراً، أما ابن عباس فيقول: لا بأس بالمتربص إذا باع، وهذا معناه أنه لا بأس أن يتربص، فإذا باع زكاه لما مضى من السنين وليس لسنة واحدة كما فهمه المالكية عن ابن عباس .
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
القواعد لابن اللحام [21] | 2465 استماع |
القواعد لابن اللحام [3] | 2348 استماع |
القواعد لابن اللحام [23] | 2232 استماع |
القواعد لابن اللحام [22] | 2223 استماع |
القواعد لابن اللحام [8] | 2082 استماع |
القواعد لابن اللحام [2] | 1924 استماع |
القواعد لابن اللحام [16] | 1922 استماع |
القواعد لابن اللحام [9] | 1869 استماع |
القواعد لابن اللحام [17] | 1823 استماع |
القواعد لابن اللحام [27] | 1793 استماع |