القواعد لابن اللحام [9]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, وبعد:

وصلنا أيها الإخوة إلى القاعدة العاشرة.

الملقي: قال المؤلف رحمه الله: [القاعدة العاشرة: الفرض والواجب مترادفان شرعاً في أصح الروايتين عن أحمد , اختارها جماعة منهم: ابن عقيل ، وقاله الشافعية, وعن الإمام أحمد الفرض آكد اختارها جماعة, منهم: ابن إسحاق بن شاقلا و الحلواني , وذكره ابن عقيل عن أصحابنا, وقاله الحنفية وابن الباقلاني , واختلف اختيار القاضي, فعلى هذه الرواية الفرض ما ثبت بدليل مقطوع به, وذكره ابن عقيل عن أحمد . وقيل: ما لا يسقط في عمد ولا سهو.

وحكى ابن عقيل عن أحمد رواية: أن الفرض ما لزم بالقرآن، والواجب ما كان بالسنة, وعلى الثاني يجوز أن يقال: بعض الواجبات أوجب من بعض, ذكر القاضي وغيره أن فائدته: أنه يثاب على أحدهما أكثر, وأن طريق أحدهما مقطوع به وطريق الآخر مظنون, وذكرهما ابن عقيل على الأول].

الشيخ: هذه القاعدة هي القاعدة العاشرة, والآن المؤلف دخل في مسائل تسمى في أصول الفقه: مسائل الأحكام التكليفية, يعني: مسائل الحكم وما يتعلق به.

الآن من المعلوم أن الشرط: واجب وزيادة, بمعنى: أن هذا الحكم ثبت الأمر به، وثبت أن عدم وجوده يبطل الصلاة, فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة بغير طهور ), وأمرك إذا أردت أن تصلي أن تسبغ الوضوء, ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ) فهنا أمر بالوضوء, وذلك أمر ببطلان الصلاة؛ لعدم وجود العلة, هذا شرط, الواجب: هو ثبوت الأمر به.

الفرق بين الفرض والواجب

الشيخ: لكن هل الفرض مثل الواجب أم لا؟

أولاً: لنعلم أن الفرض والواجب من حيث اللغة بينهما فرق, فإن الواجب في اللغة: السقوط، قال تعالى: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا [الحج:36], يعني: سقطت.

وأما الفرض فهو: التأثير والتقدير, كما قال الله تعالى في آيات كثيرة, منها: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237], يعني: ما قدرتم.

لكن من حيث العرف الشرعي هل ثمة بينهما فرق أم لا؟

الجمهور يرون أنه ليس ثمة فرق بينهما, وأن المسألة لا تعدو أن تكون ترادفاً لفظياً, وقال بعضهم: إن الفرض هو الواجب إلا أن الفرض آكد, بمعنى: أن الفرض ثبت بدليل قطعي, والواجب ثبت بدليل مظنون به, وهذا التفريق ليس بذاك؛ ذلك أن بعض أحكام الواجبات ثبتت بدليل مقطوع به كما نعرف, فنفقة الزوجة بالمعروف ثبتت بدليل قطعي, وهو واجب, وليست نفقة الزوجة بأعظم من وجوب زكاة الفطر, وزكاة الفطر ثبتت بالسنة, وهي فرض وآكد من نفقة الزوجة والسكنى، ونحو ذلك؛ ولهذا الذي يظهر -والله أعلم- أن الفرض يأخذ حكم الواجب, إلا أن الفرض آكد بمعنى: أعظم وجوباً.

وليس الفرض هو الركن, كما قال بعضهم: الفرض ما لا يسقط في عمد ولا سهو، وليس بالضرورة أن يكون كذلك, ومن المعلوم أن المحرمات تتفاوت درجاتها, وكذلك الواجبات تتفاوت درجاتها, وعلى هذا فنقول: الأظهر أن الفرض مثل الواجب, إلا أن الفرض آكد, يعني: أعظم وجوباً, كما أن الفرائض الخمس أعظم وجوباً من بعض المسائل مع أنها كلها واجبة.

وأما الركن وهو: ما لا يسقط في عمد ولا سهو، فهذه مسألة أخرى، وقد ثبتت بدليل أن ترك الركن لا تصح معه الصلاة.

وأما قول: ما ثبت بالقرآن فهو الفرض, وما ثبت بالسنة فهو الواجب فهذا يعترض عليه بزكاة الفطر.

يقول المؤلف: (وعلى الثاني: يجوز أن يقال)، معنى (على الثاني) يعني: ما لزم بالقرآن وما لزم بالسنة, أي أن الواجب ما لزم بالسنة.

قال: (أن يقال: بعض الواجبات أوجب من بعض), وهذا صحيح, فبعض الواجبات أوجب من بعض, وهذا يجعلنا نقول: إن الفرض مثل الواجب من وجه, وليس مثله من وجه آخر, فهو مثل الواجب من حيث إنه مأمور به, وليس مثله من حيث الآكدية؛ ولهذا يقال: إن بعض الواجبات أوجب من بعض, وإذا كانت بعض الواجبات أوجب من بعض فقطعاً سوف يكون ثواب بعض الواجبات أعظم ثواباً من بعض, وعقوبة ترك بعض الواجبات أعظم من عقوبة ترك البعض.

وأما قوله: (إن فائدته أنه يثاب على أحدهما أكثر), فهذا صحيح, وقوله: (وأن طريق أحدهما مقطوع به وطريق الآخر مظنون), فهذا ليس صحيحاً, ولا يلزم, فربما يكون الواجب طريقه مقطوعاً به، ومع ذلك هو أقل من غيره, على حسب دلالات الأحاديث الواردة في شدتها ونحوه.

تفسير قول بعض العلماء أن النزاع في مسألة الفرض والواجب لفظي

الملقي: [قال غير واحد: والنزاع في المسألة لفظي, فإن أريد أن المأمور به ينقسم إلى مقطوع به ومظنون, فلا نزاع في ذلك].

الشيخ: هذا الصحيح ولا نزاع في ذلك, طيب!

الملقي: [وإن أريد أنه لا تختلف أحكامها فهذا محل نظر, فإن الحنفية ذكروا مسائل فرقوا فيها بين الفرض والواجب].

الشيخ: إذاً: هو يقول: إن النزاع لفظي في حق هذا القول، وإلا فإن الحنفية فرقوا بين الفرض والواجب, إذاً النزاع غير لفظي، إذاً: من هذا الكلام يظهر -والله أعلم- أن الذي ينبغي أن نقول: إن الفرض مثل الواجب من وجه, وليس مثله من وجه آخر, فمثله من حيث إنه مأمور به, وليس مثله من حيث آكدية الوجوب وكثرة الثواب وشدة العقوبة في أحدهما دون الآخر.

الملقي: [ وذكر أصحابنا وغيرهم مسائل فرقوا فيها بين الفرض والواجب, منها الصلاة: فإنها مشتملة على فروض وواجبات, والمراد بالفروض الأركان، وأن الفرض لا يسامح في تركه عمداً ولا سهواً, وأن الواجب يسامح في تركه سهواً ولا يسامح في تركه عمداً ].

الشيخ: الآن الفروض بهذا الاعتبار هي الركن, فتسميتنا هنا أنه ركن ثبت بدليل أن تركه لا تجزئ به العبادة, فصار عندنا في حقه دليلان؛ دليل بالأمر, ودليل بعدم الإجزاء, فلو نظرت إلى حديث المسيء في صلاته فهل الحديث مقطوع به؟ لا, بل خبر آحاد، ( ارجع فصل فإنك لم تصل, ثم رجع, ثم قال: يا رسول الله! والله لا أحسن غير هذا فعلمني ), فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أركان الصلاة.

إذاً قوله: ( ارجع فصل فإنك لم تصل ) دليل على أن هذه الأركان لا تسقط بسهو ولا بعمد, مع أنه دليل ظني.

طيب قراءة القرآن في الصلاة أيّاً كانت, ثبتت بدليل قطعي, قال الله تعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20], فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20], فهذا دليل على أنه لا يلزم أن يكون الفرض ثبت بدليل قطعي, وربما يكون الفرض ثبت بدليل أقل من الواجب, ومع ذلك يقال: إن هذا فرض وهذا واجب, إذاً الفرض ربما يكون آكد من الواجب، وهذا هو الصحيح.

وعلى هذا يمكن أن نقول: الركن هو الفرض؛ لأنه آكد منه بدليل آخر والله أعلم.

الملقي: [ومنها الحج: فإنه مشتمل على فروض وواجبات].

الشيخ: المؤلف بهذا الاعتبار جعل الفرض ركناً, والواجب غير ركن, وهذا اصطلاح من عند المؤلف, وإلا فإن بعضهم يجعلون الواجبات فروضاً, وأما ما لا يتسامح في تركه سهواً ولا عمداً فهو الركن، ولا مشاحة, لكن لنعلم أن كل مذهب له تفصيل.

فـمالك رحمه الله يرى أن الواجب ينقسم إلى قسمين: واجب ثبت بدليل مقطوع به, وما لم يثبت بدليل مقطوع به، ويسميه سنة؛ ولهذا يخطئ بعض الباحثين أو بعض القراء حينما يقرأ كتب المالكية فيقول: والمبيت بمنى سنة يجبره بدم, كيف سنة يجبره بدم؟! لأن مالكاً يرى أن من الواجبات ما ثبت بدليل ظني فيسميه سنة واجبة؛ لأنه يجبره بدم, وأمثلة ذلك عند المالكية كثيرة, والله أعلم.

يقول المؤلف: [ومنها الحج: فإنه مشتمل على فروض وواجبات, وأن الفرض لا يتم النسك إلا به, والواجب يجبر بدم], إذاً الفرض هنا بمعنى الركن, فأركان الحج مثل: نية الدخول في النسك والوقوف بعرفة, وطواف الإفاضة.

هذه الأركان الثلاثة فقط هي أركان الحج: طواف الإفاضة, والإحرام, والوقوف بعرفة, وأما السعي فالراجح أنه واجب كما هو اختيار أبي يعلى وابن قدامة و ابن تيمية.

الملقي: [ ومنها: المضمضة والاستنشاق, واختلف قول أحمد فيهما, هل يسميان فرضاً أم لا؟ فنقل أبو داود و ابن إبراهيم : لا يسميان فرضاً، وإنما يسميان سنة مؤكدة, أو واجبة؛ لأن حد الفرض ما ثبت من طريق مقطوع عليه بنص كتاب أو سنة متواترة أو إجماع, وليس طريق ثبوتهما ذلك، وإنما ثبتا بأخبار الآحاد ].

الشيخ: انظر المؤلف جعل الركن ما ثبت بدليل مقطوع به, والأقرب أنه ما ثبت بدليل أمر به, ودليل عدم إجزاء تركه, ولا يلزم أن يكون مقطوعاً به, فالواجب ربما يكون مقطوعاً به ومع ذلك ليس بركن أو ليس بفرض, فالمضمضة والاستنشاق لا يجزئ الوضوء إلا بهما, وعلى كلام المؤلف يكونان فرضاً, لا يجزئ الوضوء إلا بهما, مع أن ثبوتهما بدليل ظني؛ وهو حديث لقيط بن صبرة : ( إذا توضأت فمضمض ), وهذا يجعلك تقول: إن الفرض آكد من الواجب, وكوننا نسميه فرضاً -يعني: ركناً- لأنه ثبت في حقه دليلان؛ دليل بالأمر ودليل بعدم إجزاء تركه؛ ولهذا كان مذهب الحنابلة رحمهم الله أن المضمضة والاستنشاق فرض في الغسل الواجب كالجنابة والحدث الأكبر والأصغر, وأبو حنيفة يرى أن المضمضة والاستنشاق فرض في الحدث الأكبر, ومالك والشافعي يريان سنتهما في الحدثين, و أحمد يرى ركنيتهما أو وجوبهما في الحدثين.

الملقي: [ونقل بكر بن محمد : إن تركهما يعيد كما أمر الله, وهذا يدل على تسميتها فرضاً؛ لأنه جعل الدلالة القرآن وهو قوله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6], وهذا عام].

الشيخ: هذا بناء على التفصيل الذي ذكرناه.

الملقي: [واختار ابن عقيل في الفصول أنهما واجبان لا فرضان, واختلف أصحابنا هل لهذا الخلاف فائدة أم لا؟ فقال بعضهم: لا فائدة له, وأنّا متى قلنا بوجوبهما فلا يصح الوضوء بتركهما عمداً ولا سهواً, وقال طائفة: إن قلنا: الموجب لها الكتاب فلا يصح الوضوء بتركهما عمداً ولا سهواً, وإن قلنا: السنة فلا يصح الوضوء بتركهما عمداً ويصح سهواً ].

الشيخ: هذا كله مبني على الأحاديث الدالة على الإجزاء وعدمها, فأنتم ترون أن شروط الصلاة ليست واحدة, فمثلاً: ليس شرط اجتناب النجاسة عند الحنابلة مثل شرط النية, إذاً: المسألة مبنية على الأحاديث الدالة على الأمر, والأحاديث الدالة على الإجزاء أو الاستثناء.

الشيخ: لكن هل الفرض مثل الواجب أم لا؟

أولاً: لنعلم أن الفرض والواجب من حيث اللغة بينهما فرق, فإن الواجب في اللغة: السقوط، قال تعالى: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا [الحج:36], يعني: سقطت.

وأما الفرض فهو: التأثير والتقدير, كما قال الله تعالى في آيات كثيرة, منها: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237], يعني: ما قدرتم.

لكن من حيث العرف الشرعي هل ثمة بينهما فرق أم لا؟

الجمهور يرون أنه ليس ثمة فرق بينهما, وأن المسألة لا تعدو أن تكون ترادفاً لفظياً, وقال بعضهم: إن الفرض هو الواجب إلا أن الفرض آكد, بمعنى: أن الفرض ثبت بدليل قطعي, والواجب ثبت بدليل مظنون به, وهذا التفريق ليس بذاك؛ ذلك أن بعض أحكام الواجبات ثبتت بدليل مقطوع به كما نعرف, فنفقة الزوجة بالمعروف ثبتت بدليل قطعي, وهو واجب, وليست نفقة الزوجة بأعظم من وجوب زكاة الفطر, وزكاة الفطر ثبتت بالسنة, وهي فرض وآكد من نفقة الزوجة والسكنى، ونحو ذلك؛ ولهذا الذي يظهر -والله أعلم- أن الفرض يأخذ حكم الواجب, إلا أن الفرض آكد بمعنى: أعظم وجوباً.

وليس الفرض هو الركن, كما قال بعضهم: الفرض ما لا يسقط في عمد ولا سهو، وليس بالضرورة أن يكون كذلك, ومن المعلوم أن المحرمات تتفاوت درجاتها, وكذلك الواجبات تتفاوت درجاتها, وعلى هذا فنقول: الأظهر أن الفرض مثل الواجب, إلا أن الفرض آكد, يعني: أعظم وجوباً, كما أن الفرائض الخمس أعظم وجوباً من بعض المسائل مع أنها كلها واجبة.

وأما الركن وهو: ما لا يسقط في عمد ولا سهو، فهذه مسألة أخرى، وقد ثبتت بدليل أن ترك الركن لا تصح معه الصلاة.

وأما قول: ما ثبت بالقرآن فهو الفرض, وما ثبت بالسنة فهو الواجب فهذا يعترض عليه بزكاة الفطر.

يقول المؤلف: (وعلى الثاني: يجوز أن يقال)، معنى (على الثاني) يعني: ما لزم بالقرآن وما لزم بالسنة, أي أن الواجب ما لزم بالسنة.

قال: (أن يقال: بعض الواجبات أوجب من بعض), وهذا صحيح, فبعض الواجبات أوجب من بعض, وهذا يجعلنا نقول: إن الفرض مثل الواجب من وجه, وليس مثله من وجه آخر, فهو مثل الواجب من حيث إنه مأمور به, وليس مثله من حيث الآكدية؛ ولهذا يقال: إن بعض الواجبات أوجب من بعض, وإذا كانت بعض الواجبات أوجب من بعض فقطعاً سوف يكون ثواب بعض الواجبات أعظم ثواباً من بعض, وعقوبة ترك بعض الواجبات أعظم من عقوبة ترك البعض.

وأما قوله: (إن فائدته أنه يثاب على أحدهما أكثر), فهذا صحيح, وقوله: (وأن طريق أحدهما مقطوع به وطريق الآخر مظنون), فهذا ليس صحيحاً, ولا يلزم, فربما يكون الواجب طريقه مقطوعاً به، ومع ذلك هو أقل من غيره, على حسب دلالات الأحاديث الواردة في شدتها ونحوه.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
القواعد لابن اللحام [21] 2457 استماع
القواعد لابن اللحام [3] 2345 استماع
القواعد لابن اللحام [23] 2228 استماع
القواعد لابن اللحام [22] 2220 استماع
القواعد لابن اللحام [8] 2080 استماع
القواعد لابن اللحام [2] 1923 استماع
القواعد لابن اللحام [16] 1920 استماع
القواعد لابن اللحام [17] 1819 استماع
القواعد لابن اللحام [27] 1790 استماع
القواعد لابن اللحام [1] 1784 استماع