مقدمة في الفقه - اللهم فقهه في الدين [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

إخوتي الكرام! دعوة نبينا عليه الصلاة والسلام التي تقدمت معنا لابن عمه: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل) استجابها ربنا الكريم سبحانه وتعالى، فهيأ سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لذلك، فألهمه أن يجد في الطلب؛ لينال أعلى الرتب، فاستمع لجده رضي الله عنه وأرضاه، وهو صغير لم يجر القلم عليه بعد.

روى الإمام الحاكم في المستدرك، في الجزء الثالث صفحة ثمان وثلاثين وخمسمائة، والحديث صححه الحاكم، وأقره عليه الذهبي، ورواه الطبراني في معجمه الكبير بسند رجاله رجال الصحيح، كما في المجمع، في الجزء التاسع صفحة سبع وسبعين ومائتين، والحديث رواه الإمام ابن سعد في الطبقات، والفسوي في كتابه المعرفة والتاريخ، ورواه الإمام البيهقي وغيرهم رضي الله عنهم وأرضاهم، عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه قال: (لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ورسول الله عليه الصلاة والسلام مات وانتقل إلى جوار ربه عليه صلوات الله وسلامه وسيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان قد ناهز الاحتلام وقارب الخامسة عشرة من عمره، ثبت هذا في معجم الطبراني الكبير بسند رجاله رجال الصحيح، كما في المجمع في الجزء التاسع صفحة خمس وثمانين ومائتين.

وذاك رواه الحاكم بسند صحيح على شرط الشيخين، ورواه الإمام أبو داود الطيالسي في مسنده، وكما قلت إنه صحيح عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة)، وما ورد في بعض الروايات أنه ابن ثلاث عشرة سنة، وأنه ابن أربع عشرة سنة، الجمع بينها ممكن، فرواية (أربع عشرة سنة) ألغى الكسر، ورواية (ثلاث عشرة سنة) ألغى كسرين، يعني ثلاث عشرة سنة كاملة، ثم من بداية السنة التي ولد فيها يوجد أشهر، وبداية السنة الأخيرة يوجد أشهر، فألغى هذه وألغى هذه فصارت ثلاث عشرة سنة، وإذا جبر الكسرين صارت خمس عشرة، كما جمع أئمتنا بذلك.

على كل حال: المقصود أنه كان قد قارب الاحتلام، بلغ خمس عشرة سنة، أو أقل من ذلك بقليل، فالأمر سهل في موضوع هذه الروايات، ومدة صحبته لنبينا عليه الصلاة والسلام قرابة سنتين ونصف فقط، فقد صحبه وعمره إحدى عشرة سنة أو اثنتا عشرة سنة فقط؛ لأنه هاجر إلى نبينا عليه الصلاة والسلام قبيل فتح مكة، هاجر إلى المدينة المنورة على منورها على صلوات الله وسلامه، وكان فتح مكة في العام الثاني، فبقي مع النبي عليه الصلاة والسلام قرابة سنتين ونصف، ثم انتقل نبينا عليه الصلاة والسلام إلى جوار ربه.

ولذلك يقول الإمام الذهبي في السير في أول ترجمته: مدة ملازمته للنبي عليه الصلاة والسلام ثلاثون شهراً، يعني سنتان ونصف كما قلت، وكانت قبل أن يجري عليه القلم، وهو فقيه هذه الأمة المباركة المرحومة رضي الله عنه وأرضاه.

يقول رضي الله عنه: (لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم يا فلان لنتلقى العلم من أصحاب النبي عليه وعليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام)، فهم أحياء وهم كثيرون، بدءاً من سيدنا أبي بكر رضي الله عنه فمن دونه، نتعلم العلم عنهم، فاتنا أن نتلقى من النبي عليه الصلاة والسلام وما صحبناه فترة طويلة، فنتعلم ممن أخذ عنه وتلقى منه عليه وعليهم صلوات الله وسلامه.

فقال له الأنصاري: (يا ابن عباس ! أتظن أنه يُحتاج إليك وأصحاب رسول لله عليه الصلاة والسلام متوافرون؟) وفيهم كبار الصحابة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والعشرة المبشرون، وغيرهم وغيرهم، وأنت سيُحتاج إليك ولا زلت غلاماً، يعني: تطمع أنك إذا تعلمت سيلجأ إليك الناس مع هؤلاء الصحابة!

قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (فتركته وأقبلت على الثاني، فما وافقني أن نترافق في طلب العلم)، فأنا أجد وأجتهد في تحصيل العلم، قال: (فقد كان يبلغني الحديث عن واحد من الصحابة مما لا أحفظه، فأذهب إلى بيته، فلا أطرق عليه الباب كراهة أن أضجره وأن أوذيه، فأنام على بابه) يضطجع وينام على الباب وينتظر حتى يخرج ويتلقى منه الحديث.

قال: (فتسفني الرياح على وجهي -الرمال تأتي تنسف على وجهي وأنا مضطجع- فإذا فتح الباب وأراد أن يخرج للصلاة رآني وأنا مضطجع على باب بيته، قال: يا ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام! هلا أرسلت إلي حتى آتيك؟)، يعني: أنت نحن نجلك إجلالاً لرسول الله عليه الصلاة والسلام، أنت لك شأن، أنت فقط أرسل إلينا ونحن نأتي إلى بيتك نعلمك.

فيقول له: (لا، أنت أحق أن تُؤتى، ثم يقول: بلغني عنك كذا، عندك حديث، فيمليه فيحفظه سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما).

قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (فبقي صاحبي الأنصاري -أي امتدت حياته كما امتدت حياتي- حتى إذا رأى اجتماع الناس عليَّ، فقال: كان هذا الفتى أعقل مني).

لما حج سيدنا معاوية أيام إمرته وخلافته، وحج سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، كان موكب معاوية وهو صحابي لا يوجد حوله إلا أعوانه، وموكب عبد الله بن عباس في منى وفي المشاعر يفد الناس إليه من كل جهة من أجل أن يسألوه عن أحكام المناسك، لقد كان أعلى من الخليفة، ذاك خليفة ما حوله إلا أعوانه وأصحابه، وما أحد يقصده للسؤال، وأما هذا فموكبه وخباؤه ومنزله يفدون إليه الناس من كل جهة ولا ينقطع.

فلما رأى صاحبه الأنصاري اجتماع الناس عليه، قال: (كان هذا الفتى أعقل مني)، احتاج الناس إليه، بل احتاج إليه سيدنا عمر رضي الله عنه، فبعد وفاة نبينا عليه الصلاة والسلام بثلاث سنين، جاءت الخلافة لسيدنا عمر فكان يستشيره ويقدمه عن البدريين، وكم كان عمره؟ سبع عشرة سنة، ومع ذلك يستشيره ويأخذ برأيه رضي الله عنهم وأرضاهم.

ودعوة نبينا عليه الصلاة والسلام لم ولن تتخلف: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)، فانظر لهذا الحرص العجيب، وهذا التواضع الغريب، ينام على عتبة الباب، والرمال تسفي عليه، حتى يخرج هذا الصحابي ولا يقرع عليه الباب، ولا يخبره بحاله، ولو علم ذاك لهرول إليه فرحاً مسروراً، جاء ابن عم النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، ومع ذلك لا يفعل، فإذا خرج أخذ منه الحديث.

اسمع ماذا كان يفعل مع العلماء: زيد بن ثابت رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، كان له شأن، وهو أكبر من سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، وهو كاتب الوحي لنبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، وهو الذي تولى جمع القرآن عندما قال له سيدنا أبو بكر رضي الله عنه، كما في صحيح البخاري وغيره (إنك شاب عاقل لا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله عليه صلوات الله وسلامه، فتتبع القرآن فاجمعه).

وهو أفرض هذه الأمة، وله شأن ينبغي أن يُعترف له به، وسيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه هو أول من يعترف به، فاستمع لهذه الحادثة الثابتة الصحيحة مع عبد الله بن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين.

اجتمعا في جنازة، وهذه الجنازة -كما قال الإمام ابن عبد البر - كانت لأم سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين، توفيت أمه فشهد الصحابة دفنها رضي الله عنهم أجمعين، وجزاهم عنا خير الجزاء، فلما انتهوا من دفنها قدمت البغلة لسيدنا زيد بن ثابت ليركبها، فأخذ عبد الله بن عباس بزمامها، وبدأ يقود بغلة زيد بن ثابت رضي الله عنهم وأرضاهم.

والأثر في جامع العلم وفضله، في الجزء الأول صفحة ثمان وعشرين ومائة، وفي كتاب الفقيه والمتفقه، في الجزء الثاني صفحة تسع وتسعين، وفي كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، كلاهما للخطيب البغدادي ، في الجزء الأول صفحة ثمان وثمانين ومائة، والأثر في المدخل إلى السنن للإمام البيهقي، صفحة سبع وثلاثين ومائة، وصفحة خمس وثمانين وثلاثمائة، وانظروه في طبقات ابن سعد، وفي كتاب المعرفة والتاريخ للإمام الفسوي أيضاً: يمسك بزمام بغلة الدابة ويقودها، وزيد لم يرضه ذلك قطعاً، فهذا له شأن فهو من بيت النبوة، على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، فقال له: (خل عنك زمام البغلة يا ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام) اتركها، ستمسك زمام بغلتي وتقودها.

فقال: (هكذا أُمرنا أن نفعل بكبرائنا)، أنت عالم جليل تكتب الوحي لنبينا الجليل عليه الصلاة والسلام، لك شأن نفعل بك هذا، هكذا أمرنا أن نفعل بكبرائنا.

الإسناد إلى هنا صحيح، ولكن هناك زيادة فيها: أن زيداً قال: أرني يدك يا ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمد إليه يده فظن أنه يريد أن يصافحه، فقبل زيد بن ثابت يد سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا، على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

قال الإمام ابن عبد البر معلقاً على هذه الزيادة في تقبيل يد سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: زاد بعضهم في هذا الحديث: أن زيد بن ثابت كافأ عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، كافأه على إمساك زمام البغلة أن قَبَّل يده، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

قال الإمام ابن عبد البر: وهذه الزيادة من أهل العلم من ينكرها، زادها بعضهم ومنهم من ينكرها، وحقيقة ليست من الرواية التي أحلت إليها، لكن الإمام ابن عبد البر نوه بها وأشار إليها، يقول: بعض الرواة زاد هذا، وبعض أهل العلم ينكرها، فإن ثبتت فالشيء في محله وفي موضعه، فهذا تأدب مع هذا، وهذا تأدب مع هذا، لكل واحد فيهما اعتبار يقتضي أن يفعل به ما فعله أحدهما بصاحبه.

وموضوع تقبيل اليد كنت قد أشرت إليه إخوتي الكرام ضمن مواعظ الجمعة، والأمر كما تقدم معنا دراسته وتقريره بالآثار الثابتة هو حرص وتواضع.

فلما استجاب الله دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام في ابن عمه هيأه لذلك، فجعله مستعداً لذلك، أما أنه يُفقه في دين الله دون حرص منه، ودون جد واجتهاد، فلا يمكن هذا، إنما ألقى في قلبه التعلق بالعلم، والرغبة فيه، والحرص عليه، وتتبعه من مظانِّه رضي الله عنه وأرضاه، كما ألقى في قلبه توقير العلماء، واحترامهم، فحصل له بعد ذلك العلم النافع، ورزقه الله بقلب مستنير، وعقل كبير، تفاعل مع هذه النصوص وفجرها، واستنبط الأحكام منها، رضي الله عنه وأرضاه.

إخوتي الكرام! كما قلت هيأه الله للأسباب التي تؤهله إلى أعلى المراتب، وفعلاً قطف ثمرة جهده في هذه الحياة، وما له عند الله أعظم وأكبر مما لا يخطر ببال المخلوقات.

انظر لثمرة جده واجتهاده، ولأثر دعوة النبي عليه الصلاة والسلام فيه:

روى الإمام أحمد في المسند، والبخاري في صحيحه، والأثر في سنن الإمام الترمذي، ورواه سعيد بن منصور في سننه، والإمام ابن سعد في الطبقات، والطبراني وابن المنذر في التفسير، ورواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير، والدارقطني في السنن، وابن مردويه في تفسيره، ورواه أبو نعيم والبيهقي كلاهما في دلائل النبوة، والحديث صحيح صحيح، فهو في صحيح البخاري، من رواية سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كان عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين يدخلني مع أشياخ بدر)، أشياخ أهل بدر موقعة بدر يدخلني معهم في مجلس الشورى، إذا أراد أن يستشير المسلمين في قضية، هؤلاء الخلاصة أهل البدر الذين لهم شأن، والله جل وعلا قال لهم: (اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم) يُدخل سيدنا عمر رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين عبد الله بن عباس مع شيوخ أهل بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: يا أمير المؤمنين! تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله، بل أكبر منه، لهم أبناء أكبر من سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، وكان عمره عند خلافة سيدنا عمر سبع عشرة سنة، تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله، فقال: إنه مَن علمتم، أنتم تعلمون مكانته، إنه من علمتم، فيه صفتان:

الأولى: ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وإجلاله واجب.

الصفة الثانية: هذا دعا له النبي عليه الصلاة والسلام أن يفقه في الدين، وأن يعلم التأويل، وأن يؤتيه الله الحكمة، فمجلس ليس هو فيه فهو مجلس ناقص، فلا بد من أن يكون هذا الملهم المسدد معنا، الذي دعا له نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (فدعاهم يوما ودعاني معهم، وأنا أرى أنه ما دعاني معهم إلا ليريهم مكانتي، فلما اجتمعوا قال لهم: ما تقولون في قول الله جل وعلا: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3]، فانقسموا ثلاثة أقسام:

قسم قال: أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام وأمرنا أن نسبحه وأن نستغفره إذا نصرنا على أعدائنا.

وقسم سكت فلم يقل شيئاً.

وقسم قال: الله أعلم، فغضب سيدنا عمر رضي الله عنه، فقال: من علم فليقل ما يعلم، عندك علم تكلم ما عندك اسكت كما سكت الفريق ذاك.

ثم قال: ما تقول أنت يا ابن عباس؟ فقال: هذه السورة أجل رسول الله عليه الصلاة والسلام نُعي إليه، فيها إخبار من الله بأن أجله قد حضر، فليستعد للقاء الله عز وجل)، وهذه السورة هي آخر سورة نزلت في القرآن، ونزلت على نبينا عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، في منى في أيام التشريق، وما عاش بعدها عليه الصلاة والسلام إلا بضعاً وثمانين يوماً عليه صلوات الله وسلامه دون ثلاثة أشهر، يعني: من ذي الحجة بعد ذلك المحرم وصفر، وتوفي عليه الصلاة والسلام في ربيع الأول عليه صلوات الله وسلامه، فما عاش بعدها إلا قرابة الثلاثة أشهر بضعاً وثمانين يوماً، فكأن الله جل وعلا يقول له: لقد حقق الله لك أمنيتك، فُتحت مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فما عليك إلا أن تتهيأ للقائنا؛ لأن المهمة قد انتهت.

كان يقال لك: بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة:67]، والآن مهمة البلاغ انتهت ودخل الناس في دين الله أفواجاً، بقي بعد ذلك مهمة التهيؤ للقاء الله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3]، مهمة البلاغ انتهت، والأجل قد اقترب.

فقال سيدنا عمر رضي الله عنه: (ما أعلم منها إلا ما تقول)، نحن كبار الصحابة علمنا هذا عندما نزلت هذه السورة، وأن أجل رسول الله عليه الصلاة والسلام قد دنا واقترب.

تجلي علم عبد الله بن عباس في مناظرته للخوارج

تقدم معنا -إخوتي الكرام- مناظرة سيدنا عبد الله بن عباس للخوارج، ولا أريد أن أذكرها، إنما عندما ناظرهم المناظرة المحكمة رجع منهم عشرون ألفاً، وكانوا أربعة وعشرين ألفاً، فرجع منهم عشرون ألفاً بمناظرة محكمة عندما استنبط تلك الآيات، ودلل على صدق وحسن وسلامة فعل رابع الخلفاء الراشدين سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه، بكلام الله القوي، رجع منهم عشرون ألفاً بعد أن تلا عليهم ثلاث آيات فقط، واستدل منها على سلامة فعل سيدنا علي حسب اعتراضهم، لأنهم اعترضوا بثلاثة أمور، فأتى لهم بثلاث آيات تدل على فسادهم في اعتراضهم، وعلى صواب فعل سيدنا علي رضي الله عنه، وأنه على هدى فيما فعل.

هذه هي ثمرة دعوة نبينا له: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).

انظر لمثال آخر يفعله سيدنا علي رضي الله عنه، فيعقب عليه ابن عباس رضي الله عنهما بما يعقب، فيقره سيدنا علي على أحد التأويلين كما ستسمعون إن شاء الله.

تجلي علم عبد الله بن عباس في اعتراضه على علي بن أبي طالب حينما أحرق الزنادقة

روى الإمام أحمد في المسند، والحديث في صحيح البخاري، وهو في السنن الأربعة إلا سنن ابن ماجه، ورواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن الكبرى، ورواه الإمام الشافعي في مسنده، ورواه الإمام الدارمي في كتاب الرد على الجهمية، والحديث صحيح، فهو في صحيح البخاري كما سمعتم، عن عكرمة رضي الله عنه وأرضاه، قال: أُتي سيدنا علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فقال: لو كنت مكانه لما أحرقتهم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن نعذب بالنار، فقال: (لا تعذبوا بعذاب الله)، ولقتلتُهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدل دينه فاقتلوه). وجملة: (من بدل دينه فاقتلوه) في سنن ابن ماجه من رواية سيدنا عبد الله بن عباس، لكن دون هذه القصة، وعليه فهو في السنن الأربعة.

فبلغ ذلك سيدنا علياً رضي الله عنه وأرضاه فقال: (ويح ابن عباس !) وفي رواية: (ويح أم ابن عباس ) رضي الله عنهم وأرضاهم.

وهذه الكلمة (ويح) إما أنه قالها رضاً بما صدر من ابن عباس، وهي كلمة مدح وتعجب لما صدر منه، كأنه يقول: أتعجب من ابن عباس وأمدحه، وأنا أرضى ما قاله وأرجع إليه، ليتني ما حرقت وقتلت كما أشار ابن عباس رضي الله عنه، هذا أحد الاحتمالين.

والاحتمال الثاني: أنها كلمة رحمة وتوجع لسيدنا عبد الله بن عباس، كأنه كان يترحم عليه، ويتوجع عليه، كيف يعترض، والنهي في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تعذبوا بعذاب الله) ليس للتحريم، إنما هو للتنزيه ولخلاف الأولى، وعليه لا اعتراض عليَّ في فعلي، أنا فعلت ما هو جائز، وكأنه يقول: ويحه! يعني: أنا أترحم عليه أتوجع عليه، كأنه ما عرف مراد النبي عليه الصلاة والسلام من قوله: (لا تعذبوا بعذاب الله)، والمراد أن هذا خلاف الأولى، ومكروه كراهة التنزيه، لكن من فعله لا يُعترض عليه وما ارتكب حراماً.

والذي يظهر والعلم عند الله: أن الأول الذي ذكرته أولى، وكأن سيدنا علياً رضي الله عنه وأرضاه يقول: حقيقة لو وقفت على ظاهر الأمر وما حرقت لكان أولى، وسيدنا علي رضي الله عنه حرقهم بعد أن قتلهم، وهذا لا بد من وعيه، قتلهم ثم حرقهم، وترك تحريقهم أولى.

قال الحافظ في الفتح، في الجزء الثاني عشر صفحة سبعين ومائتين عند الحديث المتقدم في كتاب استتابة المرتدين والزنادقة، عند باب قتل المرتد من صحيح البخاري: قال أبو المظفر الإسفراييني في كتابه الملل والنحل: الذين قتلهم سيدنا علي رضي الله عنه هم قوم من غلاة الروافض، ادعوا فيه الألوهية.

قال الحافظ ابن حجر: وهذا الذي قاله أبو المظفر الإسفراييني له أصل فيما رواه أبو طاهر المخلص، في الجزء الثالث من أجزائه، بسند حسن: أن غلام سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه قنبر جاء إليه وقال: ها هنا في الباب قوم يقولون: إنك ربهم، إنك إلههم، قال: ويحك! ادعهم، فدخلوا عليه، قال: ما تقولون؟ قالوا: أنت ربنا، أنت إلهنا، قال: ويحكم! أنا بشر مثلكم، إن أطعت أثابني، وإن عصيت عذبني، ارجعوا عن قولكم، فسكتوا وأخرجهم، فقيل لسيدنا علي رضي الله عنه في اليوم الثاني: عادوا لمقالتهم، فقال: أدخلوهم عليَّ، فعل هذا ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث أبوا أن يرجعوا، وقالوا: أنت إلهنا، أنت ربنا، فحبسهم.

وقال لغلامه: خدوا الأخاديد، وخدت الأخاديد وحفرت في الطرق من قصره رضي الله عنه في الكوفة إلى مسجده، ثم أضرم فيها النار، ثم قدمهم سيدنا علي على أنهم إذا لم يرجعوا عن غيهم وضلالهم ستضرب رقابهم ويحرقون، فقالوا: أنت إلهنا، أنت ربنا، فقتلهم ثم حرقهم، وقال:

إني إذا رأيت أمراً منكراً أججت ناري ودعوت قنبرا

قال الحافظ: سند الرواية حسن من رواية أبي طاهر المخلص، وانظروا تفصيل الكلام على هذه القصة في الفِصل للإمام ابن حزم، في الجزء الرابع صفحة اثنتين وأربعين ومائة، وفي منهاج السنة النبوية للإمام ابن تيمية عليهم جميعاً رحمات رب البرية، في الجزء الأول صفحة سبع وثلاثمائة.

إذاً: سيدنا علي رضي الله عنه يفعل شيئاً ويعلق عليه ابن عباس بقوله: لو كنت مكانه لقتلتهم، ولما حرقتهم.

وحقيقةً هذا هو الفقه، وهذا هو الاستنباط، وقد يغيب على الفاضل ما يظهر للمفضول، فسيدنا علي رضي الله عنه أفضل من سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم وأرضاهم، وأعلم، لكن هذا يبقى كما قلت فيه أثر الدعوة النبوية، على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)، والخصوصية لا تقتضي الأفضلية، لا لأنه أفضل من سيدنا عمر إذا فاقه في الفهم في بعض القضايا.

تفسير ابن عباس لقوله تعالى: (كانتا رتقاً ففتقناهما) وظهور علمه بالتأويل

أختم الكلام إخوتي الكرام على شيء من فقهه وعلمه في هذا المثال الذي سأذكره، من ضمن ما وقع له في تفسير قول الله جل وعلا: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء:30].

الرتق -إخوتي الكرام- خلاف الفتح، وهو الالتحام والانضمام، (كانتا رتقا) أي: ملتحمتين منضمتين، وكيف كان انضمام والتحام السماء والأرض؟ على أي شاكلة كانت؟ ما المراد من هذه الآية؟ استمع لهذا الأثر:

روى الحاكم في المستدرك، في الجزء الثاني صفحة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، والأثر رواه الإمام الفريابي وعبد بن حميد والبيهقي في الأسماء والصفات، وانظروا الدر المنثور الجزء الرابع صفحة سبع عشرة وثلاثمائة، والحديث صححه الحاكم لكن في إسناده طلحة بن عمرو، قال عنه الذهبي: واهم، وانظروا ترجمته في الميزان قال: إنه صاحب عطاء، قال الإمام البخاري والإمام ابن المديني : ليس بشيء طلحة بن عمرو، وقال الإمام أحمد والنسائي : متروك، وبذلك حكم عليه الحافظ في التقريب فقال: متروك (ق)، أي: هو من رجال سنن ابن ماجه لم يخرج له أحد من أهل الكتب الستة إلا الإمام ابن ماجه رضي الله عنهم وأرضاهم.

لكن الأثر رُوي من طرق أخرى كما ستسمعون، هذه رواية الحاكم فيها هذا الإسناد، أنه قال: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الأنبياء:30] (كانت السماء رتقاً لا تمطر، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت، ففتق الله رتق السماء بالمطر، ورتق الأرض بالنبات).

الرواية الثانية من غير طريق طلحة بن عمرو، رواها الإمام ابن المنذر في تفسيره، وهكذا الإمام ابن أبي حاتم، ورواها الإمام أبو نعيم في الحلية، عن عبد الله بن دينار، عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً جاءه فسأله عن تفسير هذه الآية: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الأنبياء:30]، فقال: سل عبد الله بن عباس رضي الله عنهم، اذهب إليه، فإذا أخبرك عن تفسيرها فعد إلي وأخبرني؛ لأتعلم هذه الفائدة.

وأين عبد الله بن عباس من عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين؟ فـعبد الله بن عمر في الأصل أعلى من ناحية الرتبة والعلم والفقه، لكن يبقى هذا له كما قلت خصوصية: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)، لم يتقدمه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مع كمال رتبته وفضله، رضي الله عنهم وأرضاهم، وهو شيخ الإسلام في الصحابة، كما ينعته بذلك الذهبي، عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين، ولو عهد إليه سيدنا عمر بالخلافة لما خالفه أحد، كان من الزهاد العباد، لا يوجد خصلة طيبة إلا وهي فيه.

انظر هنا كيف وقف، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما يجيب من غير توقف، فجاء السائل وقال: ما معنى هذه الآية؟ قال: (فتق الله رتق السماء بالمطر، وفتق رتق الأرض بالنبات)، فذهب السائل إلى سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين فأخبره، قال: هكذا قال لي عبد الله بن عباس ترجمان القرآن، حبر الأمة وبحرها، فقال ابن عمر: (الآن علمت أنه قد أوتي علماً في القرآن، صدق، هكذا كانت)، يعني السماء ما كانت تمطر، والأرض ما كانت تنبت، ثم فتق الله رتق هذه بالمطر، ورتق هذه بالنبات.

وهذا المعنى إخوتي الكرام! هو أظهر المعاني الخمسة التي قيلت في تفسير الآية الكريمة.

المعنى الثاني: (كانتا رتقاً) أي: كانتا واحدة، أي: كانت السموات واحدة، والأرضين واحدة، ففتق الله رتق السموات إلى سبع سموات، وفتق الله رتق الأرض إلى سبع أرضين.

المعنى الثالث: كانتا ملتحمتين، أي: الأرض مع السماء، ففتق الله رتقهما وفصل بينهما، فُصلت الأرض عن السماء، والله على كل شيء قدير.

الرابع: (كانتا رتقاً) أي: في ظلمة، لا تُرى السموات، ولا ترى الأرض، ولا يرى ما فيهما، ولعل هذا يعود للمعنى الثالث؛ لأنه إذا كانتا ملتحمتين فلا ترى هذه من هذه، ولعله يعود للمعنى الأول، إذا كانت السماء لا تمطر والأرض لا تنبت إذاً لا يوجد مخلوقات تعيش على الأرض تنتفع بها لترى هذه وهذه، يقول شيخنا عليه رحمة الله في أضواء البيان: هذا المعنى الرابع يمكن أن يعود للثالث ويمكن أن يعود للأول.

المعنى الخامس: (كانتا رتقاً) هذا الالتحام والانضمام يراد منه: كانتا عدماً، كأنه لما كانتا لا تريان ولا تظهران كأنهما ملتحمتان مضمومتان، لكن في عالم العدم لا في عالم الوجود، ففتقهما الله، (كانتا رتقاً ففتقناهما) أي: أخرجناهما من العدم إلى الوجود.

والأول الذي نقل عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما هو المعتمد، وعليه المعول في تفسير هذه الآية، وقد قواه شيخنا عليه رحمة الله في أضواء البيان لأربعة أمور:

أولها: قال: الرؤية بصرية هنا: (أولم ير الذين كفروا) وهذا الذي رأيناه، وهذا الذي رآه العباد، نحن ما رأينا السموات سماء واحدة وانفصلت إلى سبع، وما رأينا الأرضين واحدة وانفصلت إلى سبع، وما رأينا الأرض ملتحمة مع السماء وانفصلت هذه عن هذه، ولا رأينا أن السموات والأرض كانتا في ظلمة أو في عدم، هذا كله ما رأيناه، الذي رأيناه أن سماء تمطر والأرض تنبت، أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30]، نحن رأينا هذا الفتق، وهو نزول الماء وخروج النبات.

الأمر الثاني الذي يرجح هذا المعنى ويقويه، وهو تفسير ترجمان القرآن: أن الله جل وعلا قال في هذه الآية: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30]، كأنه يقول: هذا الماء الذي حصل به الفتق، فتق رتق السماء، وفتق رتق الأرض، هو عماد الحياة، فذكر الماء بعد فتق رتق السموات والأرض، كأنه يقول: فُتق رتقهما بما فيه حياة لكل كائن حي، وهو الماء وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ .

الأمر الثالث الذي يرجح هذا: أن الله جل وعلا أخبر عن السماء بأنها ذات الرجع والأرض ذات الصدع، بقوله: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ [الطارق:11-12]، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ أي: يرجع إليها المطر، ويؤوب الماء، حالاً بعد حال، فينزل منها، ثم إذا استقر في الأرض بأبخرة الشمس بقوة الله ولطفه وتقديره عادت السحب مرة ثانية إلى السماء، ونزل المطر، وهكذا ماء ينزل ثم يرجع ثم ينزل.. وهكذا، فيرجع إليها المطر الذي نزل منها بواسطة حرارة الشمس عندما يتبخر الماء.

الأمر الرابع الذي يقوي هذا المعنى: أن الله جل وعلا أكثر من ذكر الماء في القرآن منبهاً على قدرة الرحمن، وعلى بعث الإنسان، أي: أنه يستعمل ذكر الماء للدلالة على هذين الأمرين بكثرة في كتابه جل وعلا: فَلْيَنْظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا [عبس:24-26].

أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ [الواقعة:68-69].

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فصلت:39].

آيات كثيرة تذكر الماء للتدليل على عظيم قدرة الله، وللتدليل على سهولة البعث وإمكانه وأنه يسير على ربنا الجليل، فمن أحيا الأرض بعد موتها قادر على إعادة الحياة إلى الأجسام بعد موتها، والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وهي حية بواسطة الماء الذي جعل الله به كل شيء حي، وهو على كل شيء قدير.

هذه أمور أربعة ترجح هذا التفسير الثابت عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

نقف -إخوتي الكرام- عند نقطة من ترجمة سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أتكلم عليها وعلى ما بعدها، وأختم الأمر بهذا إن شاء الله في الموعظة الآتية، لنقف بعد ذلك عند عنوان وضعته أيضاً، وهو الفروق بين شرع الخالق والمخلوق، قبل تراجم أئمتنا رضي الله عنهم وأرضاهم، إذا بقي متسع من موعظة الغد نأخذ شيئاً من الفروق، وإلا تبقى معنا لمواعظ الأسبوع الآتي بعون الله وتوفيقه.

والعنوان الذي سنقف عليه هو ثناء الصحابة الكرام على سيدنا عبد الله بن عباس، واعترافهم بفضله ومكانته وعظيم درجته ورتبته، رضي الله عنهم أجمعين.

اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أنا نسألك من كل شيء أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وسلم تسليماً كثيراً.

والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.