آيات من سورتي القدر والبينة بتفسير الزركشي
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
آيات من سورتي القدر والبينة بتفسير الزركشي سورة القدر
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1]
قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ يعني القرآن، أضمر القرآن؛ لأن الإنزال يدل عليه[1]، واختلف في كيفية الإنزال على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملةً واحدة، ثم نزل بعد ذلك منجمًا في عشرين سنة أو في ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين، على حسب الاختلاف في مدة إقامته بمكة بعد النبوة.
والقول الثاني: أنه نزل إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة قَدْرٍ من عشرين سنة، وقيل في ثلاث وعشرين ليلة قَدْرٍ من ثلاث وعشرين سنة، وقيل في خمس وعشرين ليلة قَدْرٍ من خمس وعشرين سنة، في كل ليلة ما يقدر الله سبحانه إنزاله في كل السنة، ثم ينزل بعد ذلك منجمًا في جميع السنة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
والقول الثالث: أنه ابتدئ إنزاله في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجمًا في أوقات مختلفة من سائر الأوقات.
والقول الأول أشهر وأصح، وإليه ذهب الأكثرون، ويؤيده ما رواه الحاكم[2] في مستدركه عن ابن عباس قال: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، ثُمَّ نُزِّلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً" قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين[3].
وأخرج النسائي[4] في "التفسير" من جهة حسَّان[5] عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "فُصِلَ الْقُرْآنُ مِنَ الذِّكْرِ فَوُضِعَ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَجَعَلَ جبريل - عليه السلام - يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -"[6]، وإسناده صحيح، وحسان هو ابن أبى الأشرس وثقه النسائي وغيره.
وبالثاني: قال مقاتل، والإمام أبو عبد الله الحليمي في "المنهاج"[7] و"الماوردي"[8] في تفسيره[9].
وبالثالث: قال الشعبي وغيره[10].
﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 5]
قال رحمه الله: تأتي "حتى" لانتهاء الغاية، نحو: ﴿ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [11].
سورة البينة
﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ [البينة: 1]
قوله تعالى: ﴿ مُنْفَكِّينَ ﴾ قال مجاهد: منتهين[12]، وقيل: زائلين من الدنيا، وقال الأزهري: ليس هو من باب "ما انفك" و"مازال"، إنما هو من انفكاك الشيء إذا انفصل عنه[13].
وقوله تعالى: ﴿ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ أي لم يتعارفوا حتى تأتيهم.
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5] قوله تعالى: ﴿ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ أي الأمة القيمة[14].
[1] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - قاعدة في الضمائر 4/ 19-20.
[2] هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدُويه بن نُعيم بن البَيِّع الضَّبِّي النيسابوري الحافظ الكبير أبو عبدالله الحاكم، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، واعتنى به أبوه فَسَمَّعه في صغره ثم سَمِعَ هو بنفسه، وكتب عن نحو ألفي شيخ، وحدث عن الأصم وعثمان بن السماك وطبقتهما، وقرأ القراءات على جماعة، وبرع في معرفة الحديث وفنونه، وصنف التصانيف الكثيرة منها: "المستدرك على الصحيحين، وانتهت إليه رياسة الفن بخراسان لا بل بالدنيا، وكان فيه تَشَيُّع وحطٌّ على معاوية، وهو ثقة حجة، مات سنة 405هـ.
شذرات الذهب 5/ 33.
[3] رواه الحاكم - كتاب التفسير، باب تفسير سورة القدر 2/ 623، رقم الحديث 4016.
[4] هو الإمام الحافظ الثبت، شيخ الإسلام، ناقد الحديث، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني النسائي، صاحب السنن، ولد بِنَسَا في سنة خمس عشرة ومئتين، وطلب العلم في صغره، سمع من: إسحاق بن راهويه، وهشام بن عمار، وخلق كثير، وكان من بحور العلم، مع الفهم، والإتقان، والبصر، ونقد الرجال، وحسن التأليف، جال في طلب العلم في خراسان، والحجاز، ومصر، والعراق، والجزيرة، والشام، والثغور، ثم استوطن مصر، ورحل الحفاظ إليه، ولم يبق له نظير في هذا الشأن، ولم يكن أحد في رأس الثلاثمائة أحفظ من النسائي، وكان شيخنا مهيبًا، مليح الوجه، ظاهر الدم، حسن الشيبة، توفي سنة ثلاث وثلاثمائة.
تهذيب سير أعلام النبلاء 2/ 9 رقم الترجمة 2608.
[5] هو حسان بن أبي الأشرس المنذر بن عمار الكاهلي الأسدي مولاهم، روى عن سعيد بن جبير وشريح القاضي ومغيث بن سمى وأبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود وعنه الأعمش ومنصور بن المعتمر وعبد الله بن حبيب ابن أبي ثابت، روى له النسائي حديثًا واحدًا: "فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة" وقال ثقة، قلتُ: وذكره ابن حبان في الثقات، وقال البخاري في الزكاة: ويذكر عن ابن عباس يعتق من زكاة ماله ويعطي في الحج.
تهذيب التهذيب 2/ 215 رقم الترجمة 448.
[6] السنن الكبرى، للنسائي 7/ 247، رقم الحديث 7937.
[7] المنهاج في شعب الإيمان، للحليمي 2/ 376.
[8] أقضي القضاة أبو الحسن، علي بن محمد بن حبيب البصري الشافعي، مصنِّف "الحاوي" و"الإقناع" و"أدب الدنيا والدين"، كان أمامًا في الفقه، والأصول، والتفسير، بصيرًا بالعربية، ولي قضاء بلاد كثيرة، ثم سكن بغداد وعاش ستًا وثمانين سنة، تفقه على أبي القاسم الصَّيْمري بالبصرة، وعلى أبي حامد ببغداد، وجماعة، توفي في ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة عن ستٍّ وثمانين سنة.
شذرات الذهب 5/ 218.
[9] تفسير الماوردي "النكت والعيون"، دار الكتب العلمية - بيروت/ لبنان، ج/ 6 ص/ 311 عند تفسير سورة القدر.
[10] ذكره الماوردي في تفسيره "النكت والعيون" 6/ 312.
البرهان: كيفية إنزاله 1/ 163.
[11] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - حتى 4/ 170.
[12] تفسير ابن كثير 4/ 2539 وتكملة قول مجاهد: "منتهين حتى يتبين لهم الحق".
[13] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي وعكسه 3/ 232.
[14] المصدر السابق: حذف الموصوف 3/ 101.