القواعد لابن اللحام [23]


الحلقة مفرغة

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فقد وصلنا إلى القاعدة الثانية والأربعين.

الملقي: قال المؤلف رحمه الله: [القاعدة الثانية والأربعون: في الأوامر والنواهي هل هي حقيقة في القول المخصوص، وفي الفعل مجاز؟ هذا قول الجمهور، وقال بعض الفقهاء: هي مشتركة بين القول والفعل، نحو قولنا: كنا في أمر عظيم، إذا كنا في الصلاة، وقال أبو الحسين : هي موضوعة للقول والفعل وللشيء أيضاً، نحو قولنا: أتى بأمر ما، أي: بشيء، وللشأن أيضاً نحو قوله تعالى: وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر:50]، معناه ما شأننا في اتخاذنا إلا ترتيب مقدورنا وإرادتنا من غير تأخير كلمح البصر، وللصفة أيضاً كقول الشاعر:

عزمت على إقامة ذي صباح لأمر ما يسود من يسود

واشترط جمهور المعتزلة في حد الأمر العلو دون الاستعلاء، وهو ظاهر قول أصحابنا]. ‏

معنى كلمة الأمر وأثرها الفقهي

الشيخ: المؤلف أراد أن يبين كلمة أمر، هل هي حقيقة في القول أم تشمل القول والفعل أم تشمل الفعل مجازاً؟ والمعروف عند العلماء أنه يراد بالأمر القول، ولا يصار إلى الفعل ولا إلى الصفة ولا إلى غيرهما إلا بقرائن، ولهذا علماء العقيدة يقولون: الأمر أمران: أمر شرعي وأمر كوني، فالأمر الشرعي: هو ما أمر الله سبحانه وتعالى به، بمعنى: شرعه، والشرع لا يكون إلا فيما يحبه ويرضاه، ولهذا قال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68]، وقال: لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الروم:4]، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، فالأمر هو تشريعه، ومن الأمر أيضاً: الأمر الكوني، وهو ما قدره سبحانه وتعالى مفعولاً، فيكون بمعنى الفعل، فأمر به بمعنى أنه سوف يكون وسوف يفعل.

وهذه القاعدة أثرها الفقهي ليس محل اهتمام كثير؛ لأن تطبيقاتها الفرعية ليس لها اهتمام إلا على سبيل المبالغة، وسبق أن قلنا: إن بعض الأمثلة التي ذكرها المؤلف فيها نوع من التكلف، وكنت أحب أن كتب القواعد الأصولية، أو كتب تخريج الفروع على الأصول أن يكون فيها النفس الاستنباطي، بمعنى: على طريقة ابن رشد الحفيد في كتابه: بداية المجتهد، عندما يقول: وسبب الخلاف في هذا مبني على أصل مذهب مالك ، أو على أصل مذهب أحمد ، فلو جعلت هذه الطريقة ويقال: أصل أحمد في الأوامر كذا، ولأجل هذا فرع عليه كذا، وأصل أبي حنيفة كذا وفرع عليه كذا، لو كان الترتيب هكذا لكان أنفع لطالب العلم.

وهذه الطريقة أحسب أنها أنفع، يعني: إذا كان المؤلف حنبلياً أو شافعياً؛ يذكر هذه القاعدة بناءً على قاعدة أئمته، الأصل في الأوامر مثلاً الوجوب، يقول: وهذا هو أصل أحمد في المشهور عنه، وقال بعض الأصحاب كذا وكذا، وإذا انتهى؛ فرع عليه أصول أحمد ، ثم بعد ذلك يقول: وأما أصول أبي حنيفة فإن الأصل في الأوامر عنده أنها ليست حقيقة في الوجوب، ولكنها حقيقة في مطلق الأمر، ومن ذلك فرع عليه كذا، ثم يأتي إلى مذهب الشافعي ومذهب مالك ، هذا أنفع لطالب العلم، ولهذا كان كتاب شرح مفتاح الوصول إلى علم الأصول، وكنا قد شرحناه قبل عدة سنوات في جامعنا الذي في سويدي، كان كتاباً أصولياً، ثم يفرع عليه مسائل ويطبقها، وفيها نفع طيب، لكن الإشكال في الأمثلة عندما ينسب إلى مذهب أحمد وليس هو مذهب أحمد في المشهور عنه، أو ينسبه إلى الشافعي وليس هو مذهب الشافعي في المشهور عنه، لكنه من حيث التطبيق جيد.

ثم يعقبه هذا الكتاب قواعد ابن اللحام، الذي وددت أن نقرأه لأجل هذه القواعد وهو جيد، لكن الإشكال أنه ذكر مسائل كان الأولى ألا تذكر، وهناك كتاب الآن اسمه تخريج القواعد الأصولية، كتاب جيد، وإن كان مؤلفه أثنى على نفسه ثناءً أكثر من حجمه، وإلا فالكتاب جيد أيضاً، وهناك كتاب آخر اسمه نظرية التخريج الفقهي، وهو جيد أيضاً.

الملقي: [وتابعهم الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، ونقل القاضي عبد الوهاب في الملخص].

الشيخ: القاضي عبد الوهاب المالكي إمام على مذهب مالك مذهب البغداديين، الذين يسمونهم العراقيين، أو المصريين، لكنه على مذهب مالك وليس على مذهب المدونة، وله كتب عظيمة، وهي إن دلت فإنما تدل على نفس فقهي عريق، وهو شاعر نحرير، ومن كتبه الملخص، وله الإشراف على مسائل الخلاف، وله المعونة في مذهب عالم أهل المدينة، وله كتاب التلقين، وهذه الكتب كلها مطبوعة، وله كتاب الملخص، وهذا الكتاب يذكره المؤلف، لكنه غير موجود.

اشتراط الاستعلاء أو العلو في الأمر

الملقي: [ونقل القاضي عبد الوهاب في الملخص عن أهل اللغة وجمهور أهل العلم، واختاره أبو الحسين من المعتزلة: الاستعلاء دون العلو، وصححه الآمدي و ابن الحاجب وصاحب المنتخب، وقال في المحصول قبل المسألة الثالثة: إنه الصحيح، وجزم به في المعالم، لكنه ذكر في المحصول أيضاً بعد ذلك بأوراق في أوائل المسألة الخامسة ما حاصله أنه لا يشترط].

الشيخ: يعني العلو والاستعلاء، العلو أن يكون عالياً، لكن لا يلزم منه الاستعلاء؛ لأن العلو يمكن أن يكون الإنسان يأمر من تحته لأنه أعلى منه، لكن لا يلزم أن يكون استعلاء عليه، بمعنى أنه يكون له وجه أن يأمره، مثل الأمير مع مأموره، والرئيس مع مرءوسه، فهذا لا يلزم منه الاستعلاء، فمن الأمر أن يكون من الأخ الكبير مع أخيه الأصغر، وإن كان هذا ليس على سبيل الاستعلاء، وبعضهم يجعله إذا كان ليس على سبيل الاستعلاء من باب الالتماس، أو من باب الحث والحض.

الملقي: [وذكر الإسنوي عن القاضي فقال: ويجب أن يشترط العلو والاستعلاء معاً، مع حكايته عنه ما قاله في الملخص في أول المسألة: وهو أنه يشترط العلو دون الاستعلاء، ولم يذكر أنه اختلف قوله في ذلك].

الشيخ: الذي يظهر لي -والله أعلم- أن القاضي عبد الوهاب عندما قال: يشترط العلو والاستعلاء معاً مع حكايته عنه ما قاله في الملخص، ولم يذكر أنه اختلف قوله؛ لأنه رحمه الله ليست طريقته على طريقة المتكلمين، ولكنه أراد أن المقصود بالأمر لا بد أن يكون من عالٍ، سواء بمعنى الاستعلاء، أو بمعنى عدم الاستعلاء، فكأن العلو والاستعلاء عنده متساويان، وكأنهما سيان.

الملقي: [وقال الإمام فخر الدين : الذي عليه المتكلمون أنه لا يشترط علو ولا استعلاء، فتحرر من ذلك أربعة أقوال: أحدها اشتراط العلو والاستعلاء، والثاني: لا يشترطان، والثالث: حيث قلنا: اشتراط العلو دون الاستعلاء، والرابع: عكسه.

تنبيه: حيث قلنا باشتراط العلو أو الاستعلاء أو أحدهما، فما حدهما؟ فحاصل ما ذكره القرافي : أن الاستعلاء هو الطلب لا على وجه التذلل، بل بغلظة ورفع صوت، والعلو أن يكون الطالب أعلى مرتبة، ومع التساوي فهو التماس، ومع دنو الطالب فهو سؤال، والله أعلم].

الشيخ: ولهذا كان القاضي عبد الوهاب عندما قال: العلو والاستعلاء، يرى أن العلو والاستعلاء بمعنى الرفعة فقط دون الغلظة وغيرها، يعني لا يلزم منها الغلظة.

والمعنى أن الله سبحانه وتعالى حينما يأمر عباده: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا [الزمر:53]، هل يلزم أن يكون استعلاء وغلظة؟ لا، المقصود بها العلو فقط، الاستعلاء هذا أثر من أثر عدم الاستجابة، فيستعلي عليه، ... هذا نوع من صفة العلو، صفة العلو قدراً، صفة العلو لفظاً، صفة العلو مكانة، كل هذه، لا، أنا قلت: كلها ما لها أثر، هذا كله مصطلح أصولي، علماء الأصول أدخلوا في علم اللغة، وأطنبوا في مسألة القياس في اللغة أو عدم القياس، وهذا شأنه شأن أهل اللغة.

الملقي: [فائدة: قال أبو البركات : ولا بد في أصل صيغة الأمر مطلقة من اقترانها بما يفهم منه أن مطلقها ليس كحاك عن غير ولا هاذ كالنائم، والله أعلم].

الشيخ: المؤلف أراد أن يبين كلمة أمر، هل هي حقيقة في القول أم تشمل القول والفعل أم تشمل الفعل مجازاً؟ والمعروف عند العلماء أنه يراد بالأمر القول، ولا يصار إلى الفعل ولا إلى الصفة ولا إلى غيرهما إلا بقرائن، ولهذا علماء العقيدة يقولون: الأمر أمران: أمر شرعي وأمر كوني، فالأمر الشرعي: هو ما أمر الله سبحانه وتعالى به، بمعنى: شرعه، والشرع لا يكون إلا فيما يحبه ويرضاه، ولهذا قال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68]، وقال: لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الروم:4]، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، فالأمر هو تشريعه، ومن الأمر أيضاً: الأمر الكوني، وهو ما قدره سبحانه وتعالى مفعولاً، فيكون بمعنى الفعل، فأمر به بمعنى أنه سوف يكون وسوف يفعل.

وهذه القاعدة أثرها الفقهي ليس محل اهتمام كثير؛ لأن تطبيقاتها الفرعية ليس لها اهتمام إلا على سبيل المبالغة، وسبق أن قلنا: إن بعض الأمثلة التي ذكرها المؤلف فيها نوع من التكلف، وكنت أحب أن كتب القواعد الأصولية، أو كتب تخريج الفروع على الأصول أن يكون فيها النفس الاستنباطي، بمعنى: على طريقة ابن رشد الحفيد في كتابه: بداية المجتهد، عندما يقول: وسبب الخلاف في هذا مبني على أصل مذهب مالك ، أو على أصل مذهب أحمد ، فلو جعلت هذه الطريقة ويقال: أصل أحمد في الأوامر كذا، ولأجل هذا فرع عليه كذا، وأصل أبي حنيفة كذا وفرع عليه كذا، لو كان الترتيب هكذا لكان أنفع لطالب العلم.

وهذه الطريقة أحسب أنها أنفع، يعني: إذا كان المؤلف حنبلياً أو شافعياً؛ يذكر هذه القاعدة بناءً على قاعدة أئمته، الأصل في الأوامر مثلاً الوجوب، يقول: وهذا هو أصل أحمد في المشهور عنه، وقال بعض الأصحاب كذا وكذا، وإذا انتهى؛ فرع عليه أصول أحمد ، ثم بعد ذلك يقول: وأما أصول أبي حنيفة فإن الأصل في الأوامر عنده أنها ليست حقيقة في الوجوب، ولكنها حقيقة في مطلق الأمر، ومن ذلك فرع عليه كذا، ثم يأتي إلى مذهب الشافعي ومذهب مالك ، هذا أنفع لطالب العلم، ولهذا كان كتاب شرح مفتاح الوصول إلى علم الأصول، وكنا قد شرحناه قبل عدة سنوات في جامعنا الذي في سويدي، كان كتاباً أصولياً، ثم يفرع عليه مسائل ويطبقها، وفيها نفع طيب، لكن الإشكال في الأمثلة عندما ينسب إلى مذهب أحمد وليس هو مذهب أحمد في المشهور عنه، أو ينسبه إلى الشافعي وليس هو مذهب الشافعي في المشهور عنه، لكنه من حيث التطبيق جيد.

ثم يعقبه هذا الكتاب قواعد ابن اللحام، الذي وددت أن نقرأه لأجل هذه القواعد وهو جيد، لكن الإشكال أنه ذكر مسائل كان الأولى ألا تذكر، وهناك كتاب الآن اسمه تخريج القواعد الأصولية، كتاب جيد، وإن كان مؤلفه أثنى على نفسه ثناءً أكثر من حجمه، وإلا فالكتاب جيد أيضاً، وهناك كتاب آخر اسمه نظرية التخريج الفقهي، وهو جيد أيضاً.

الملقي: [وتابعهم الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، ونقل القاضي عبد الوهاب في الملخص].

الشيخ: القاضي عبد الوهاب المالكي إمام على مذهب مالك مذهب البغداديين، الذين يسمونهم العراقيين، أو المصريين، لكنه على مذهب مالك وليس على مذهب المدونة، وله كتب عظيمة، وهي إن دلت فإنما تدل على نفس فقهي عريق، وهو شاعر نحرير، ومن كتبه الملخص، وله الإشراف على مسائل الخلاف، وله المعونة في مذهب عالم أهل المدينة، وله كتاب التلقين، وهذه الكتب كلها مطبوعة، وله كتاب الملخص، وهذا الكتاب يذكره المؤلف، لكنه غير موجود.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
القواعد لابن اللحام [21] 2465 استماع
القواعد لابن اللحام [3] 2348 استماع
القواعد لابن اللحام [22] 2223 استماع
القواعد لابن اللحام [8] 2082 استماع
القواعد لابن اللحام [2] 1924 استماع
القواعد لابن اللحام [16] 1922 استماع
القواعد لابن اللحام [9] 1869 استماع
القواعد لابن اللحام [17] 1823 استماع
القواعد لابن اللحام [27] 1792 استماع
القواعد لابن اللحام [1] 1787 استماع