شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب آداب قضاء الحاجة - حديث 101-104


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما اليوم فعندنا من الحديث رقم مائة وواحد إلى نهاية الحديث رقم مائة وأربعة.

الحديث الأول: هو حديث جابر رضي الله عنه: ( إذا تغوط الرجلان فليتوار كل واحد منهما عن صاحبه، ولا يتحدثا ).

تخريج الحديث وكلام أهل العلم فيه

المصنف عزا هذا الحديث للإمام أحمد وقال: صححه ابن السكن وابن القطان وهو معلول، وعزو المصنف هذا الحديث إلى الإمام أحمد لم أجده في مخطوطتين من مخطوطات بلوغ المرام، حيث راجعت هذا الحديث فيهما فلم أجد فيه عزوه لـأحمد، بل وجدت فيهما قوله: رواه وصححه ابن السكن وابن القطان وهو معلول، وهذه العبارة موجودة في المخطوطة ليست كما ينبغي من حيث الدقة، ولذلك فلعل الحافظ بيض للراوي أو للمخرج، يعني: كأنه كان يريد أن يضع المخرج بعد قوله: رواه، ثم يقول: وصححه ابن السكن وابن القطان، وكذلك يظهر لي أن النسخة من كتاب بلوغ المرام التي نقل عنها الإمام الشوكاني في نيل الأوطار ليس فيها ذكر تخريج الإمام أحمد للحديث؛ لأن الشوكاني بعد أن تكلم على حديث أبي سعيد الآتي قال: وفي الباب عن جابر أو قال: وفي الباب .. نعم. وذكر لفظ الحديث عن جابر، ثم قال: صححه ابن السكن وابن القطان وهو معلول. فكأنه نقل عن المصنف في هذا الموضع، لكنه ما عزاه للإمام أحمد .

وقد بحثت عنه ليس بحثاً مستقصياً بل بحثاً عابراً فلم أجده في مسند الإمام أحمد، ولعلني أواصل البحث عنه إن شاء الله حتى أجده، أو أتثبت من عدم وجوده في المسند.

ولذلك فإن قول المصنف هاهنا: وهو معلول، مما لا يمكن الجزم بمقصده في علة الحديث؛ لأن الباحث ما لم يطلع على سند الحديث لا يمكن أن يجزم جزماً تاماً بعلته، لكن يمكن أن نتلمس هذه العلة، وكيف يمكن أن نتلمس هذه العلة؟ يمكن أن نتلمسها من الحديث الآخر: فقد روى أبو داود، وابن ماجه، وأحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك ).

وهذا الحديث كما سلف أخرجه أبو داود، وقال أبو داود عقب إخراجه: لم يسنده إلا عكرمة بن عمار.

وكذلك أخرجه ابن ماجه وأحمد من الطريق نفسها.

والحديث صححه ابن السكن وغيره، ولكن الصواب: أنه ضعيف وله علتان:

العلة الأولى: أنه من رواية عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير، وقد طعن عدد من أهل العلم في رواية عكرمة عن يحيى قال الإمام أبو داود: في حديثه عن يحيى اضطراب، يعني: من يقصد بالذي في حديثه عن يحيى اضطراب؟ يقصد عكرمة بن عمار.

وقال الحافظ ابن حجر في التقريب مثل ما قال أبو داود قال: في روايته عن يحيى اضطراب، ولم يكن له كتاب، فدل ذلك على أن رواية عكرمة عن يحيى مضطربة وضعيفة، ومما يؤكد اضطراب رواية عكرمة عن يحيى أنه اضطرب عليه في هذا الحديث نفسه، فمرة قال: عكرمة عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض يعني: عن أبي سعيد فهذا طريق. ومرة قال: - عكرمة نفسه- عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة هذا طريق آخر. ولعل عكرمة نفسه اضطرب مرة ثالثة فروى الحديث من طريق جابر لا من طريق أبي سعيد، فيكون الحديث جاء على ثلاثة أوجه: مرة عن أبي هريرة. ومرة عن أبي سعيد. ومرة عن جابر. ومدار الطرق كلها على من؟ على عكرمة بن عمار، وعكرمة في روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب فهذا من الاضطراب، هذه هي العلة الأولى، ولا يعترض على هذا بأن رواية عكرمة عن يحيى بن أبي كثير خرجها مسلم في صحيحه واستشهد بها البخاري ؛ لأنه يقال: إن مسلماً رحمه الله وكذلك البخاري انتقوا من روايات عكرمة عن يحيى ما يعلمون أنه وافق فيه الثقات، ولم يحصل له فيه اضطراب، فلا يحتج بإخراج مسلم لروايته؛ لأنه لم يخرج هذه الرواية بعينها، هذه هي العلة الأولى.

أما العلة الثانية: فهي وجود هلال بن عياض في إسناده، يحيى بن أبي كثير يروي الحديث عن هلال بن عياض، وهلال بن عياض هذا مجهول كما قال ذلك الذهبي قال: لا يعرف، والمنذري قال: لا نعرفه بعدالة ولا جرح، وهو في عداد المجهولين، وكذلك الحافظ ابن حجر في التقريب قال: أحد المجهولين، فعلم بذلك ضعف الحديث من وجهين، أي حديث هذا الذي علم ضعفه؟

حديث أبي سعيد .

وبعد هذا العرض المختصر لعلة حديث أبي سعيد نأتي إلى علة حديث جابر ظناً لا جزماً، فيا ترى ما هي علة حديث جابر؟

علته والله أعلم أنه من رواية عكرمة عن يحيى بن أبي كثير وأنه مضطرب، مرة عن أبي هريرة، ومرة عن أبي سعيد، ومرة عن جابر، وهذا هو الذي جزم به الصنعاني في سبل السلام حيث فسر كلمة (وهو معلول) بأنه من رواية عكرمة عن يحيى بن أبي كثير، وفي رواياته عنه اضطراب كما سبق.

حكم كشف العورة والكلام عند قضاء الحاجة

أما فيما يتعلق بمتن الحديث فإن قوله عليه السلام: ( فليتوار كل واحد منهما عن صاحبه )، يدل على مشروعية الاستتار عند قضاء الحاجة، وهذا ما سبق في المجلس الماضي.

وقوله: ( ولا يتحدثا )، دليل على النهي عن الحديث بين الاثنين حال قضاء الحاجة.

ولو صح الحديث لكان دليلاً على تحريم الحديث حال قضاء الحاجة، لكن هل نقول بأن الكلام أثناء قضاء الحاجة محرم؟ لا. لا يقال بالتحريم لأسباب:

أولاً: لأن الحديث لم يثبت، وإثبات الحكم بحديث ضعيف كما هو معروف غير سائغ.

الوجه الثاني: أن بعض أهل العلم نقلوا الإجماع على كراهة ذلك وعدم تحريمه، والواقع أن الحديث لو صح لكان دليلاً على التحريم لا على الكراهة؛ لأن قوله: ( فإن الله يمقت على ذلك )، لا يمكن أن يتوعد بمثل هذا على فعل مكروه، لكن الحديث لا يثبت.

أما الحديث حال قضاء الحاجة فلا شك أنه خلاف ما تقتضيه المروءة والشهامة، وأنه لا يليق بالإنسان أن يفعل هذا، إلا أن يكون محتاجاً إليه فإنه إذا احتاج إليه قد يصبح عليه أن يتكلم، كما لو تكلم لإنقاذ أعمى خشي أن يسقط في حفرة، أو ما أشبه ذلك من المصالح الظاهرة فحينئذٍ يصبح الكلام إذا لم يقم به غيره واجباً عليه، أما فيما عدا هذا فإن الكلام خلاف ما تقتضيه خصال المروءة الإنسانية.

أما كشف العورة في حديث أبي سعيد في قوله: (كاشفين عورتهما)، وفي رواية: (كاشفان)، فإن قلنا: كاشفين فإعرابها: حال، وإن قلنا: كاشفان فإعرابها: خبر لمبتدأ محذوف (وهما كاشفان)، وسبق أيضاً في المجلس الماضي الحديث عن الاستتار، وسيأتي مزيد كلام عنه في الجلسة القادمة بإذن الله تعالى.

هل يوجد حول هذا الحديث إشكال؟

المصنف عزا هذا الحديث للإمام أحمد وقال: صححه ابن السكن وابن القطان وهو معلول، وعزو المصنف هذا الحديث إلى الإمام أحمد لم أجده في مخطوطتين من مخطوطات بلوغ المرام، حيث راجعت هذا الحديث فيهما فلم أجد فيه عزوه لـأحمد، بل وجدت فيهما قوله: رواه وصححه ابن السكن وابن القطان وهو معلول، وهذه العبارة موجودة في المخطوطة ليست كما ينبغي من حيث الدقة، ولذلك فلعل الحافظ بيض للراوي أو للمخرج، يعني: كأنه كان يريد أن يضع المخرج بعد قوله: رواه، ثم يقول: وصححه ابن السكن وابن القطان، وكذلك يظهر لي أن النسخة من كتاب بلوغ المرام التي نقل عنها الإمام الشوكاني في نيل الأوطار ليس فيها ذكر تخريج الإمام أحمد للحديث؛ لأن الشوكاني بعد أن تكلم على حديث أبي سعيد الآتي قال: وفي الباب عن جابر أو قال: وفي الباب .. نعم. وذكر لفظ الحديث عن جابر، ثم قال: صححه ابن السكن وابن القطان وهو معلول. فكأنه نقل عن المصنف في هذا الموضع، لكنه ما عزاه للإمام أحمد .

وقد بحثت عنه ليس بحثاً مستقصياً بل بحثاً عابراً فلم أجده في مسند الإمام أحمد، ولعلني أواصل البحث عنه إن شاء الله حتى أجده، أو أتثبت من عدم وجوده في المسند.

ولذلك فإن قول المصنف هاهنا: وهو معلول، مما لا يمكن الجزم بمقصده في علة الحديث؛ لأن الباحث ما لم يطلع على سند الحديث لا يمكن أن يجزم جزماً تاماً بعلته، لكن يمكن أن نتلمس هذه العلة، وكيف يمكن أن نتلمس هذه العلة؟ يمكن أن نتلمسها من الحديث الآخر: فقد روى أبو داود، وابن ماجه، وأحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك ).

وهذا الحديث كما سلف أخرجه أبو داود، وقال أبو داود عقب إخراجه: لم يسنده إلا عكرمة بن عمار.

وكذلك أخرجه ابن ماجه وأحمد من الطريق نفسها.

والحديث صححه ابن السكن وغيره، ولكن الصواب: أنه ضعيف وله علتان:

العلة الأولى: أنه من رواية عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير، وقد طعن عدد من أهل العلم في رواية عكرمة عن يحيى قال الإمام أبو داود: في حديثه عن يحيى اضطراب، يعني: من يقصد بالذي في حديثه عن يحيى اضطراب؟ يقصد عكرمة بن عمار.

وقال الحافظ ابن حجر في التقريب مثل ما قال أبو داود قال: في روايته عن يحيى اضطراب، ولم يكن له كتاب، فدل ذلك على أن رواية عكرمة عن يحيى مضطربة وضعيفة، ومما يؤكد اضطراب رواية عكرمة عن يحيى أنه اضطرب عليه في هذا الحديث نفسه، فمرة قال: عكرمة عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض يعني: عن أبي سعيد فهذا طريق. ومرة قال: - عكرمة نفسه- عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة هذا طريق آخر. ولعل عكرمة نفسه اضطرب مرة ثالثة فروى الحديث من طريق جابر لا من طريق أبي سعيد، فيكون الحديث جاء على ثلاثة أوجه: مرة عن أبي هريرة. ومرة عن أبي سعيد. ومرة عن جابر. ومدار الطرق كلها على من؟ على عكرمة بن عمار، وعكرمة في روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب فهذا من الاضطراب، هذه هي العلة الأولى، ولا يعترض على هذا بأن رواية عكرمة عن يحيى بن أبي كثير خرجها مسلم في صحيحه واستشهد بها البخاري ؛ لأنه يقال: إن مسلماً رحمه الله وكذلك البخاري انتقوا من روايات عكرمة عن يحيى ما يعلمون أنه وافق فيه الثقات، ولم يحصل له فيه اضطراب، فلا يحتج بإخراج مسلم لروايته؛ لأنه لم يخرج هذه الرواية بعينها، هذه هي العلة الأولى.

أما العلة الثانية: فهي وجود هلال بن عياض في إسناده، يحيى بن أبي كثير يروي الحديث عن هلال بن عياض، وهلال بن عياض هذا مجهول كما قال ذلك الذهبي قال: لا يعرف، والمنذري قال: لا نعرفه بعدالة ولا جرح، وهو في عداد المجهولين، وكذلك الحافظ ابن حجر في التقريب قال: أحد المجهولين، فعلم بذلك ضعف الحديث من وجهين، أي حديث هذا الذي علم ضعفه؟

حديث أبي سعيد .

وبعد هذا العرض المختصر لعلة حديث أبي سعيد نأتي إلى علة حديث جابر ظناً لا جزماً، فيا ترى ما هي علة حديث جابر؟

علته والله أعلم أنه من رواية عكرمة عن يحيى بن أبي كثير وأنه مضطرب، مرة عن أبي هريرة، ومرة عن أبي سعيد، ومرة عن جابر، وهذا هو الذي جزم به الصنعاني في سبل السلام حيث فسر كلمة (وهو معلول) بأنه من رواية عكرمة عن يحيى بن أبي كثير، وفي رواياته عنه اضطراب كما سبق.

أما فيما يتعلق بمتن الحديث فإن قوله عليه السلام: ( فليتوار كل واحد منهما عن صاحبه )، يدل على مشروعية الاستتار عند قضاء الحاجة، وهذا ما سبق في المجلس الماضي.

وقوله: ( ولا يتحدثا )، دليل على النهي عن الحديث بين الاثنين حال قضاء الحاجة.

ولو صح الحديث لكان دليلاً على تحريم الحديث حال قضاء الحاجة، لكن هل نقول بأن الكلام أثناء قضاء الحاجة محرم؟ لا. لا يقال بالتحريم لأسباب:

أولاً: لأن الحديث لم يثبت، وإثبات الحكم بحديث ضعيف كما هو معروف غير سائغ.

الوجه الثاني: أن بعض أهل العلم نقلوا الإجماع على كراهة ذلك وعدم تحريمه، والواقع أن الحديث لو صح لكان دليلاً على التحريم لا على الكراهة؛ لأن قوله: ( فإن الله يمقت على ذلك )، لا يمكن أن يتوعد بمثل هذا على فعل مكروه، لكن الحديث لا يثبت.

أما الحديث حال قضاء الحاجة فلا شك أنه خلاف ما تقتضيه المروءة والشهامة، وأنه لا يليق بالإنسان أن يفعل هذا، إلا أن يكون محتاجاً إليه فإنه إذا احتاج إليه قد يصبح عليه أن يتكلم، كما لو تكلم لإنقاذ أعمى خشي أن يسقط في حفرة، أو ما أشبه ذلك من المصالح الظاهرة فحينئذٍ يصبح الكلام إذا لم يقم به غيره واجباً عليه، أما فيما عدا هذا فإن الكلام خلاف ما تقتضيه خصال المروءة الإنسانية.

أما كشف العورة في حديث أبي سعيد في قوله: (كاشفين عورتهما)، وفي رواية: (كاشفان)، فإن قلنا: كاشفين فإعرابها: حال، وإن قلنا: كاشفان فإعرابها: خبر لمبتدأ محذوف (وهما كاشفان)، وسبق أيضاً في المجلس الماضي الحديث عن الاستتار، وسيأتي مزيد كلام عنه في الجلسة القادمة بإذن الله تعالى.

هل يوجد حول هذا الحديث إشكال؟

الحديث الثاني: هو حديث أبي قتادة رضي الله عنه في النهي عن مس الذكر باليمين. وأبو قتادة : اسمه الحارث بن ربعي الأنصاري، مات بـالمدينة تقريباً سنة (56هـ).

حكم مس الذكر باليمين

والحديث فيه ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: هي النهي عن مس الذكر باليمين.

والحديث ورد في بعض الألفاظ مطلقاً، وفي بعضها مقيداً في قوله: (وهو يبول).

أو: ( إذا بال أحدكم فلا يمسن ذكره بيمينه )، كما عند البخاري .

أو: ( إذا أتى أحدكم الخلاء فلا يمسن ذكره بيمينه )، وهي عند البخاري أيضاً، فعلم أن النهي عن مس الذكر باليمين نهي عنه في أي حال؟ في حال البول، فبناءً عليه يكون مس الذكر في غير حال البول جائز أم غير جائز؟ ظاهر القيد يدل على أنه جائز، وهذا هو مذهب الأكثرين أنه جائز، ومما يدل على هذا -على جوازه- ما سبق في قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـطلق بن علي : ( إنما هو بضعة منك )، وهذا حديث حسن كما سبق، فهذا دليل على أن مس الذكر في غير حال البول جائز وهذا هو الأقوى.

وقال بعض أهل العلم: بأنه يمنع مس الذكر باليمين مطلقاً؛ لأنه إذا منع في حال البول مع وجود الحاجة إلى ذلك فمنعه في غير هذه الحال أولى، والأقوى والله تعالى أعلم: أنه لا يمنع من ذلك إلا في حال البول؛ لأنه هو الذي ورد النص فيه. ويكون المقصود: تنزيهه اليمين عن مس الذكر في هذه الحالة، هذا فيما يتعلق بمس الذكر مطلقاً.

أما مس الذكر حال البول، فذهب أيضاً جماهير العلماء إلى أنه مكروه كراهة تنزيه .. إلى أن النهي في هذا الحديث للتنزيه فقط.

وذهب الظاهرية: إلى أن النهي للتحريم.

ولعل حجة الجمهور على حمل النهي على التنزيه: أن هذا من باب الآداب التي يرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليها أمته، فهو أمر تأديب وتوجيه وإرشاد لا أمر حتم وإلزام، كما سبق مثله في مواضع عديدة لعل منها: ( أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغمس الذباب إذا وقع في الإناء ). وغيره كثير، هذه المسالة الأولى.

بقي أن نفهم ما معنى قوله: (وهو يبول)؟ (وهو يبول) هاهنا جملة حالية كما هو معروف، والذي يظهر لي أن المعنى: حال خروج البول منه، وهذا هو المتبادر، أن المعنى حال خروج البول، وبناءً على ذلك لو مس الإنسان ذكره بيمينه بعد ما فرغ من البول هل يكون هذا منهياً عنه؟ لا. إذا قلنا: إن معنى قوله (وهو يبول): حال خروج البول، فإنه يترتب على الفهم أنه لو مس ذكره بعدما انتهى من البول لم يكن في هذا شيء، لكن الذي رأيته في كلام أكثر الشراح أنهم فهموا منها مطلق النهي عند قضاء الحاجة، يعني: حتى بعد الفراغ من البول، لكن المعنى الأول في نظري أقرب، وسيأتي الآن ما يرجحه أيضاً .

حكم التمسح من الخلاء باليمين

المسألة الثانية في الحديث: قوله عليه الصلاة والسلام: ( ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ). والخلاء: سبق، والمقصود بالتمسح هاهنا: الاستنجاء بالأحجار وغيرها.

وفيه: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التمسح باليمين، وهذا النهي أيضاً عند أكثر العلماء للتنزيه، أي: أن التمسح باليمين عندهم مكروه كراهة تنزيه.. أن يمسك الإنسان الحجر أو غيره مما يتمسح به ويستنجي به بيمينه، أنه عندهم مكروه كراهة تنزيه.

وذهب الظاهرية وبعض فقهاء الشافعية وبعض الحنابلة: إلى أنه للتحريم، ومن حجتهم هذا الحديث: ( ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ).

ومن حجتهم أيضاً: حديث سلمان الآتي: ( أو أن يستنجي أحدنا بيمينه ).

و على القول بأن الاستنجاء باليمين محرم، فإنه لو فعله واستنجى بيمينه أجزأه ذلك عند جماهير أهل العلم وهو الصحيح. وبعض أهل الظاهر يرون: أنه لا يجزئه إلا أن يستنجي بشماله .

حكم التنفس في الإناء

أما المسألة الثالثة في الحديث فهي: النهي عن التنفس في الإناء؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( ولا يتنفس في الإناء )، يعني حال الشرب؛ لأن الإنسان منهي حال الشرب عن أن يتنفس في داخل الإناء؛ وذلك لما قد يخرج من فيه أثناء التنفس من بقايا الطعام، أو ما يحدث للماء من التغير بسبب خروج النفس عليه، بحيث يستقذره هو أو غيره ممن يريد أن يشرب منه، بل السنة كما في حديث أنس في الصحيح: ( أن يبين الإناء عن فمه إذا أراد أن يتنفس )، يعني: يبعده عن فمه ثم يتنفس ثم يعاود الشرب مرة أخرى، وهذا النهي أيضاً هو للتنزيه عند الجماهير وحمله الظاهرية على التحريم، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح : إنه نهي تأدب للعلة السابقة.

هذه هي المسائل الثلاث في حديث أبي قتادة رضي الله عنه .

الصارف للنهي الوارد في الحديث عن التحريم إلى الكراهة عند الجمهور

الصارف للنهي عند الجمهور كما سبق -والله أعلم- أن كثيراً من أهل العلم يتوسعون في الصوارف؛ لأنهم إذا قالوا: بأن الأمر للوجوب والنهي للتحريم، قالوا: ويتوسع -يعني: من بعض الفقهاء والأصوليين- في الصوارف التي تصرف الأمر، فقد يصرفونه بفعل النبي صلى الله عليه وسلم أو بحديث آخر أو بقرينة، وقد يصرفونه أحياناً بطبيعة الأمر المتوجه هذا، والعلة المقصودة من ورائه أنها علة تأديبية وتوجيهيه وإرشادية، لا يترتب عليها إثم معين أو ضرر ظاهر أو ما أشبه ذلك. وإلا في الحقيقة لم أقف على صارف خاص في هذا الحديث، إلا أنهم يقولون: إنه أمر تأديب وإرشاد وهذا يقولونه في غيره من الأحاديث، حتى أن منها ما يكون هناك إجماع على عدم القول بظاهره مع أنه لا يوجد صارف، من ذلك بعض الأذكار التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد .. إذا خرج من المسجد .. إذا دخل المنزل .. إذا دخل الخلاء مثلاً، في بعضها أمر بأن يقول، ولا يوجد ما يصرف هذا إلا أن الأمر محمول على التوجيه والإرشاد .

الحكمة من منع مس الذكر والاستنجاء باليمين

أما الحكمة من منع مس الذكر باليمين، وكذلك من منع الاستنجاء باليمين فهي والله أعلم: ما سبق من أن اليمين تعد للأشياء الطيبة المستحسنة، كالسواك، والبداءة بها في الوضوء، واللبس، ولبس النعل، والدخول، وما أشبه ذلك، واليسار بخلاف ذلك، فلذلك كرم اليمين عن أن تمس الذكر حال البول أو عن أن يستنجي الإنسان بها .

حكم استخدام اليدين في الاستنجاء

لكن هاهنا سؤال قد يثار وينبغي أن يثار حول هذا الحديث: إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن مس الذكر باليمين، ونهى عن الاستنجاء باليمين، وكما ذكرت لكم قبل قليل أن أكثر العلماء فسروا النهي عن مس الذكر باليمين وهو يبول يعني: حتى ينتهي.. حتى يقوم من مكانه، فبناءً عليه يمكن أن يكون السؤال: كيف يستطيع الإنسان أن يستنجي؟ إن مسك الحجر باليمين ومسك الذكر بالشمال يكون خالف الأمر فاستنجى باليمين، وإن مسك الحجر بالشمال يكون خالف الأمر ومس الذكر باليمين؟

وقد ذكر الإمام الخطابي رحمه الله في شرح البخاري، وكذلك صاحب المغني ذكروا جواباً على هذا، لا أراه سائغاً ولا أرى فائدة من نقله في كيفية الاستنجاء، وفيه تكلف.

وأجاب بعضهم بأجوبة، لكن أحسن ما يمكن أن يقال في ذلك: هو أن يقال: إن الإنسان إن أراد أن يستنجي من الغائط فحينئذٍ لا إشكال بل يستنجي بالشمال، أما إن أراد أن يستنجي من البول فإما أن يمسك الحجر باليمين ويمسك الذكر بالشمال؛ لأنه حينئذٍ يكون من باب الحاجة إلى هذا، وهذا الذي رجحه صاحب المغني، وقال: هو أولى، وكذلك رجحه الحافظ ابن حجر في الفتح وقال: إن من زعم أن هذا من الاستنجاء باليمين فقد غلط؛ لأن هذا مثل ما لو صب الإنسان الماء بيمينه على شماله وهو يغسل ذكره.

وقال آخرون: بل يمسك ذكره بيمينه ويمسك الحجر أو غيره بشماله، لئلا يكون استنجى باليمين، والذي رجحه الشوكاني : أن الإنسان يفعل من هذين الأمرين ما يعتقد أنه أحفظ لليمين وأبعد لها عن النجاسة، ولكن بالنسبة لنا ما دام الآن ترجح قوله (وهو يبول)، يعني: حال خروج البول، فإن هذا البحث كله لا يرد؛ لأننا نقول: إن مس الذكر باليمين بعد انتهاء البول ليس فيه بأس، فلو مس ذكره بيمينه، وجعل الحجر أو غيره مما يستنجي به للشمال لا بأس، ولو عكس أيضاً لا بأس، والأحوال قد تختلف، فقد يستنجي الإنسان بما يخشى معه أن تصل رطوبة النجاسة إلى يده أحياناً، كما لو كان يستنجي بمنديل خفيف، أو خرقة، أو ما شابه ذلك، فيكون بالشمال أولى، وقد يخشى لو مسك ذكره بيمينه أن يصل إليها البول، فيكون مسك الحجر أو غيره مما يستنجي به باليمين حينئذٍ أولى، والأمران فيهما سعة.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 4784 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 4394 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 4213 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 4095 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 4047 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 4021 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 3974 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 3917 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 3900 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 3879 استماع