كلمة الشباب


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

وبعــد:

أيها الإخوة: ما ثم فرق بيني وبينكم فأنا واحد منكم وشاب مثلكم، وفي الحقيقة قد يكون ما عندكم أكثر مما عندي ولم آت بجديد بالنسبة لكم، ولكن من الجميل أن يجتمع الشباب وأن يتذاكروا، وأن يتبادلوا النصيحة ويتباحثوا الفوائد بعضهم مع بعض، ففي بداية هذه الكلمة أحب أن أهنئكم ببلوغكم أواسط هذا الشهر الكريم، وأسأل الله جل وعلا أن يعيننا وإياكم على القيام والصيام، وأن يجعل لنا ولكم أوفر الحظ والنصيب.

كما لا يفوتني أن أذكركم بحديث نبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (يوم أن صعد المنبر ذات يوم، فقال: آمين، آمين، آمين، فعجب الصحابة رضوان الله عليهم من هذا، فقالوا: يا رسول الله! قلت: آمين، ثم آمين، ثم آمين، سألوه عن معنى هذا التأمين، فقال: جاءني جبريل، فقال: رغم أنف امرئ دخل عليه شهر رمضان ثم لم تغفر ذنوبه، فقلت: آمين، ورغم أنف امرئ أدرك والديه في الكبر أو أحدهما ولم يدخل الجنة، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف امرئ ذكرت عنده ولم يصلِّ عليك يا محمد، فقلت: آمين).

فيا معاشر الإخوة: إذا لم تنطلق أرواحنا بالعبادة والتوبة والاستقامة والإخبات والخشوع والتضرع لله سبحانه وتعالى في هذا الشهر المبارك، التي تضاعف فيه الحسنات، وترفع فيه للناس الدرجات، وتصفد فيه الشياطين، وتغل مردة الجن فلا يصلون إلى بني آدم فيما كانوا يصلون إليه سابقاً، إذا لم يتب الإنسان في هذه الفترات الفاضلة والأيام الجميلة، والليالي التي تسمو بأرواح العبادة، فمتى يتوب؟ ومتى يستغفر الله؟ ومتى يستقيم على جادة الخير والصواب؟!

أما بالنسبة حول الشباب فإن الشباب؛ بعضهم أدرى بمشاكل بعض، ولا شك أن أهم المشاكل التي تواجه أي شاب من الشباب:

أولها: اختيار الصديق.

وثانيها: الفراغ، لا شك أن الفرغ هو الذي يولد المشكلات ولاشك أن الفراغ كما يقول الشاعر:

إن الشباب والفراغ والجـده     مفسدة للمرء أي مفسده

فإذا وجد الشباب بحيويته وطاقته التي لم توجه، ووجد الفراغ، وأضيف إلى ذلك شيء من المال فإن الشاب -ولا حول ولا قوة إلا بالله- قد يقع في حضيض الهاوية، وقد يكون مع الذين لا خلاق لهم في الدنيا أو في الآخرة، ينبغي على كل شاب أن يحدد ما يملأ به فراغه، والشاب الذي لم يحدد هدفاً معيناً في حياته فإن أيامه ولياليه تذهب عليه سدى.

ومن المشاكل التي نواجهها لدى كثير من شبابنا، أنه يصبح .. يفطر .. يمسي .. يأكل .. ينام .. يخرج من البيت .. يدخل، وتدور الليالي والأيام والسنون والأعوام وما حدد هدفاً معيناً يصل إليه ولو كان بعيداً؛ المهم أن يحدد هدفاً، ولا تحقر نفسك أمام شيء، فإن من سار على الدرب وصل غايته، على أية حال أهم الأمور أن يعيش الإنسان لهدف ولغاية، ولا شك أننا بحمد الله جل وعلا مسلمون، وما خلقنا إلا لعبادة رب العالمين، ولكن أمامنا أهداف وغايات، وبين أيدينا وسائل توصلنا إلى هذه الأهداف والغايات، فمن منا حدد غايته في حياته؟! من منا حدد أمنيته وطموحه، وسعى جاداً بوسيلة مناسبة مشروعة ليصل إلى هذه الغاية وإلى هذا الطموح.

للأسف أن البعض أو أن الكثير يعيشون بلا غاية ولذلك لا غرابة أن نجد بعض شبابنا -ولعل من ينتسبون إلى بيوت الشباب أمثالكم ليسوا من أولئك- لا دراسة .. ولا عمل .. ولا وظيفة .. لا برنامج .. لا دورات تدريبية .. لا نشاط، لم ينخرط في تجنيد، في عسكرية، أو في أعمال فنية أو تدريبات مهنية، إنما هو عالة وعبء على المجتمع، بالعكس هؤلاء كما تقول التقارير والأبحاث العسكرية أنهم يشكلون النصاب الأعظم بالنسبة للجرائم أياً كان نوعها، تكثر هذه الجرائم مع الذين لا نصيب لهم لا في التعليم ولا في العمل ولا في الدورات التدريبية أو التعليمية أو العسكرية وغيرها.

إذاً: فلابد من تحديد الهدف والغاية، والذي لا غاية له في حياته يا إخوان لا قيمة له، أي: أنت تعيش لتأكل، والبهيمة تعيش ونسمنها لتأكل وإذا جاء وقت الحاجة ذبحناها وأكلناها، فلا فرق بين الإنسان الذي لا هدف له ولا غاية ولا يشعر أنه مسلم، يشعر بعقيدة ويشعر بإسلام ودين يعتز به ويسعى إلى دعوة الناس إليه، فإن هذا قد يكون من رعاع، وكما يقول إبراهيم بن أدهم: حينما حدد أناساً ينبغي أن يكون الإنسان واحداً منهم، يقول:

إذا ما مات ذو علم وتقـوى     فقد ثلمت من الإسلام ثلمه

وموت الحاكم العدل المولـى     بحكم الأرض منقصة ونقمه

وموت فتى كثير الجود مـحل     فإن بقاءه خصب ونعمه

وموت الفارس الضرغام هـدم     فكم شهدت له بالنصر عزمه

وموت العابد القوام ليلاً     يناجي ربه في كل ظلمه

فحسبك خمسة يبكى عليهـم     وباقي الناس تخفيف ورحمه

وباقي الخلق همج رعاعٌ     وفيه إيجادهم لله حكمه

لله جل وعلا حكمة فيما ترون من الكثير من الرعاع، ومن الناس الذين لا يدركون حياة ذات هدف يسعون إليه ليشعروا بالحياة الكريمة، ولذلك فالإنسان الذي لا هدف له تجد أنه يشعر بشيء من الخضوع والذلة في نفسه، أنت حينما تأتي إلى إنسان منضبط في الوظيفة فيقول: والله -يا أخي- أنا منضبط بعملي، يشعر بكرامة نفسه وباحترام وقته، لكن إنسان لا عمل له مستعد أن يخرج مع هذا، ويسافر مع هذا، ويذهب مع هذا، ويقبع في البيت يومين ثلاثة مع هذا ولا نتيجة له، وفي يوم من الأيام قد يموت الذي يعوله فيعيش في أكثر المشاكل.

بتحديد الهدف والعمل له يقضى على الفراغ

يا إخواني .. يجب أن نقضي على أهم مشكلة في مشاكل الشباب وهي الفراغ بتحديد الغاية والهدف، وفي نفس الوقت سلوك الوسيلة المناسبة المشروعة إلى ذلك، ولست أحدد هدف الشاب بشيء معين، ينبغي لكل شاب أن يكتشف الجانب الذي تبرز نفسه فيه، والمواهب والطاقات الكامنة في نفسه فيتوجه إليها، قد يحب أن يكون عسكرياً تحب أن تكون طياراً .. تحب أن تكون قائداً .. تحب أن تكون جندياً .. تحب أن تكون مدرساً، طبيباً، مهندساً، مهنياً، أي تخصص ينبغي أن تكتشف مواهبك في البداية، وفي الحقيقة لاَ أمْثلَ من بيوت الشباب والمراكز الصيفية ومراكز الأنشطة الدراسية وغيرها، فهي تكتشف الشباب وتكتشف مواهبهم، وبعد ذلك يستطيعون أن ينموا هذه المواهب فعلى ذلك:

النقطة الأولى: تحديد الغاية والهدف، تحديد الوسيلة التي نسلكها، في نفس الوقت ينبغي ألا نلزم أنفسنا، يعني: هل ينبغي أن نكون كلنا علماء شرعيين، أو ينبغي أن نصير كلنا تجاراً، أو كلنا نصير أطباء أو مهندسين؟ لا .. وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً [الزخرف:32] رب العالمين جل وعلا وزع هذه المواهب والطاقات بين الناس لحكمة، ولو كان من شاء أن يصل إلى أمر معين وصل لم يخدم أحدٌ أحداً ولم ينفع أحدٌ أحداً، كل الناس يبقون في درجة واحدة وتفسد مصالح الحياة، وبعد ذلك لا يبقى سبيل إلى عمارة الأرض، ولذلك جعل ربنا جل وعلا الناس والمواهب والطاقات درجات ليخدم فيها بعضنا بعضاً:

الناس للناس من بدو وحاضرة     بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

أكبر إنسان في الدولة وأصغر إنسان فيها لابد أن يكون خادماً لبعض، هذا مدرس، وهذا مسئول، وهذا قائد، وهذا حاكم وهذا قاضٍ، وهذا وهذا، وكلٌ منهم يقدم خدمات للبعض، وبذلك يتكامل البنيان الاجتماعي والبنيان الإنساني في أي مجتمع من المجتمعات سواء كانت صغيرة أو كبيرة.

يا إخواني .. يجب أن نقضي على أهم مشكلة في مشاكل الشباب وهي الفراغ بتحديد الغاية والهدف، وفي نفس الوقت سلوك الوسيلة المناسبة المشروعة إلى ذلك، ولست أحدد هدف الشاب بشيء معين، ينبغي لكل شاب أن يكتشف الجانب الذي تبرز نفسه فيه، والمواهب والطاقات الكامنة في نفسه فيتوجه إليها، قد يحب أن يكون عسكرياً تحب أن تكون طياراً .. تحب أن تكون قائداً .. تحب أن تكون جندياً .. تحب أن تكون مدرساً، طبيباً، مهندساً، مهنياً، أي تخصص ينبغي أن تكتشف مواهبك في البداية، وفي الحقيقة لاَ أمْثلَ من بيوت الشباب والمراكز الصيفية ومراكز الأنشطة الدراسية وغيرها، فهي تكتشف الشباب وتكتشف مواهبهم، وبعد ذلك يستطيعون أن ينموا هذه المواهب فعلى ذلك:

النقطة الأولى: تحديد الغاية والهدف، تحديد الوسيلة التي نسلكها، في نفس الوقت ينبغي ألا نلزم أنفسنا، يعني: هل ينبغي أن نكون كلنا علماء شرعيين، أو ينبغي أن نصير كلنا تجاراً، أو كلنا نصير أطباء أو مهندسين؟ لا .. وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً [الزخرف:32] رب العالمين جل وعلا وزع هذه المواهب والطاقات بين الناس لحكمة، ولو كان من شاء أن يصل إلى أمر معين وصل لم يخدم أحدٌ أحداً ولم ينفع أحدٌ أحداً، كل الناس يبقون في درجة واحدة وتفسد مصالح الحياة، وبعد ذلك لا يبقى سبيل إلى عمارة الأرض، ولذلك جعل ربنا جل وعلا الناس والمواهب والطاقات درجات ليخدم فيها بعضنا بعضاً:

الناس للناس من بدو وحاضرة     بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

أكبر إنسان في الدولة وأصغر إنسان فيها لابد أن يكون خادماً لبعض، هذا مدرس، وهذا مسئول، وهذا قائد، وهذا حاكم وهذا قاضٍ، وهذا وهذا، وكلٌ منهم يقدم خدمات للبعض، وبذلك يتكامل البنيان الاجتماعي والبنيان الإنساني في أي مجتمع من المجتمعات سواء كانت صغيرة أو كبيرة.

الإنسان كما يقول علماء الاجتماع: اجتماعي بطبعه ولابد له من جلساء، ولابد له من أصدقاء.

وعند ذلك تأتي مشكلة ثانية من مشاكل الشباب، وهي اختيار الجليس والصديق، ولو أردنا أن نسأل أنفسنا الآن من بداية مراحل الدراسة الإعدادية -فلنترك الابتدائية لأنها في الغالب مراحل طفولة- أو بداية مراحل الثانوية إلى الجامعة إلى ما بعد التخرج، كم صديق تعرفنا عليه، والله في الحقيقة لنعجز أن نحصر هؤلاء الأصدقاء، ولكن هل ينطبق عليهم قول القائل: زينة في الرخاء، وعدة عند البلاء. في الحقيقة النادر والقليل القليل من هؤلاء الذين نجدهم في هذا الزمن.

إذاً: فاختيار الصديق من أهم المشاكل التي تواجه الشاب، وكثيراً ما نجد شباباً وثقوا بأصدقاء وجلساء، وبعد ذلك وجدوا يوماً من الأيام أنهم أصيبوا بخيبة أمل وانتكاسة شعور حينما وجدوا أن هذا الصديق صديق مصلحة، وصديق تجارة وصديق هدف وغاية، ولا حول ولا قوة إلا بالله! قد تكون هذه الغاية في مرحلة من مراحل العمر دنيئة وسيئة وخبيثة.

إذاً: فلننتبه إلى مسألة الجليس كما يقول الشاعر:

إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم     ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه      فكل قرين بالمقارن يقتدي

إذاً: لابد أن نمتثل قول الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28] إذا كان هذا خطاب الله جل وعلا لنبيه المعصوم صلى الله عليه وسلم وخاتم الأنبياء والمرسلين وأفضل الخلائق أجمعين، أليس من باب أولى أن نتخذ نحن جلساء صالحين أخياراً، وأريد أن أحدد مقياس الصلاح -والكمال لله جل وعلا- حينما تجد صديقاً كما يقول ابن قدامه في مختصر منهاج القاصدين: وخير الأصدقاء من غلبت حسناته على مساوئه، أهم شيء في هذا الصديق أن يكون صديقاً في الحق لا معيناً على الباطل، أن يذكرك إذا نسيت أمراً من أمور الدنيا والآخرة، وأن يعينك إذا ذكرت هذا الأمر، وبعد ذلك فالزم هذا الصديق وتمسك به فإنه نادر في هذا الزمان، وما كثرة الأصدقاء في هذه الأيام إلا وبال وقد تكون على البعض مصائب، كما يقول القائل:

عدوك من صديقك مستفاد     فلا تستكثرن من الصحاب

فإن الداء أكثر ما تراه     يكون من الطعام أو الشراب

الطعام والشراب الذي هو محبب للنفس كثير من الأمراض هي بسببها، إذاً: فهذا الصديق وكثرة الأصدقاء الذين لم نصاحبهم على أساس وعلى مبدأ معين فإننا في يوم من الأيام سنتأسف لصداقتهم ونعض على أصابع الندم والخيبة والويل لأننا صاحبناهم أو جالسناهم، وكم من صديق كان سبباً في هلاك صديقه.

هناك أناس لم يحددوا ميزان الصداقة وجالسوا أناساً لم يعرفوا حقائق نواياهم، وبعد ذلك وجدوهم في يوم من الأيام أصحاب مصائب وأصحاب أمور محظورة، يعني: ليس بعيداً عنكم أصحاب مخدرات وأصحاب مشاكل، ويوم من الأيام يقبض على هؤلاء ويقبض على من حولهم وكما يقال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم.

من كان مع الأخيار فله حظ معهم، ومن كان مع الأشرار فينال مما ينالون إما من سوء السمعة، وإما أن يكون شريكاً معهم في العقاب والعذاب عياذاً بالله.

إذاً: علينا -يا معاشر الإخوة- أن نكون دقيقين في تحديد الأصدقاء، ولو أراد الإنسان أن يحدد الصديق الذي يجده عند الحاجة والله إنك لن تجد صديقاً، لو ألمت بك حاجة من حاجات الدنيا اليسيرة وكتبت قائمة بأسماء الذين تعرفهم، تقول: أذهب إلى فلان؟ لا، والله لا آمن عليه، أذهب لفلان؟ ما عنده شيء، أذهب لفلان، ذاك لا يستطيع أن يساعدني، إذاً أين أصدقاؤك الذين تذهب معهم وتسافر معهم، يعني: الأصدقاء معك في حال نعمتك بعيدين عنك في حال حاجتك، ليس والله هؤلاء بأصدقاء، وإنما هم أعداء، وسرعان ما يتكشف لك أن صداقتهم سحابة صيف عن قريب تنقشع، وكما يقول الشاعر:

شيئان ينقشعان أول وهلة     شرخ الشباب وخلة الأشرار

والأمر الثالث: فترة الشباب، وهي الفترة الذهبية؛ شباب العقل والقوة .. شباب الجسم والفهم، كل ذلك في مرحلة الشباب، من استطاع أن يستفيد في مرحلة شبابه فهو بإذن الله جل وعلا يستقيم على جادة سليمة وعلى طريق مستقيم إلى أن يتوفاه الله جل وعلا من هذه الدنيا بعد عمر طويل وأعمال صالحة، لكن الإنسان الذي ما استطاع أن يغلب نفسه في مرحلة القوة وفي مرحلة الشباب هل يستطيع أن يغلب نفسه في مرحلة الضعف؟ إذا قلنا: مرحلة الشباب هي أقوى مرحلة تستطيع أن تتخذ فيها القرار، وتستطيع أن تنفذ وأن تخطط وأن تعد الوسائل لأمنياتك، هذه مرحلة الشباب إذا كنت عاجزاً عن تحقيق أمانيك في مرحلة شبابك، فهل تحققها بعد أن تكون هرماً وبعد أن تكون في الأربعين والخمسين؟

إذاً -يا إخواني- ينبغي أن نستغل مرحلة الشباب، وأنا في الحقيقة أقول: إن الذي خرج من العشرين وصار إلى الثلاثين ولم يحدد هدفه ولم يحدد مركزه الاجتماعي في مجتمعه، ولم يحدد مستواه المالي ولا أقول: المال هو هدف، لا. وإنما تعيش عيشاً هنيئاً كريماً فإن هذا يعيش خبالاً ووبالاً، أو يعيش كما يعيش كثير من الناس بلا هدف وبلا غاية، من العشرين إلى الثلاثين في الحقيقة ينبغي أن يسخر الشباب أهم نشاطاته ولا يعني أن يهمل المرحلة فيما قبلها.

ومرحلة الشباب هي أفضل مراحل العبادة، وهي أفضل مراحل الإنابة، وهي أفضل مراحل التوبة إلى الله عز وجل، والذي لم يتب إلى الله في شبابه لا يستطيع أن يتوب في المستقبل، لماذا؟ لأن النفس تشب على ما عودتها:

والنفس كالطفل إن تهمله شب علـى     حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

فالطفل لولا تعود أنه ينفطم عن ثديها وعما نسميه بالرضاعة وغيره، قد يكبر ويعيش وهذا الحليب معه في هذه القنينة أو في هذه الزجاجة إلى أن يكبر، ولا يرده إلا الناس، يستحي منهم وإذا عاد إلى بيته استعملها؛ لأن الشاب تعود على ذلك، النفس كالطفل إذا أهملتها شبت على كل ما ترتاح إليه من الخور والكسل والهوان وشهوات النفس، والذي يغلب نفسه هو الذي يفوز بالفلاح والنجاة إن شاء الله، يقول الشاعر:

وكل امرئ والله بالناس عالـم     له عادة قامت عليها شمائله

تعودها فيما مضى من شبابـه     كذلك يدعو كل أمر أوائله

علماء السلف في طلب العلم يقولون: من كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة، لكن الذي بدايته ضياع هل يجني من الشوك عنباً؟ لا والله ما يجني إلا شوكاً ومراً وغسليناً.

إذاً -يا إخواني- لا أحب أن نكثر الحديث وأحب أن أستفيد، والله إنها لفرصة سعيدة أن ألتقي بكم، وأسأل الله جل وعلا أن ينفع أمتنا بكم، وأن ينفع أمة الإسلام بالشباب.

حاجة الأمة إلى شبابها

والله -يا إخوان- نحن في أمس الحاجة إلى شباب أمتنا، ونحن في انتظار اليوم الذي نشهد جميع الميادين يملؤها شباب، ونشهد جميع الميادين العسكرية والمدنية والفنية والاجتماعية والشرعية والتعليمية والقضائية يملؤها شباب، ولا أعني بذلك عصبية لشبابنا دون غيرهم، وإنما أقول: إننا في هذه البلاد -ولله الحمد- قد تيسر لنا ما لم يتيسر لكثير من شباب العالم على الإطلاق، غيرنا لا يعيش شبابه إلا بين النار والبارود والزناد والصاروخ والقنابل وغير ذلك.

وأسأل الله جل وعلا أن يرد بلادهم إليهم وأن ينصرهم، أضرب مثلاً بالشباب الفلسطينيين، والله -يا إخوان- لو أردتم أن تعرفوا أين شباب فلسطين الآن؛ جزء في ألمانيا .. جزء في تونس .. جزء في مصر ، متفرقون، ومع ذلك وجدت من بينهم شباباً يتنافسون على أرقى المستويات العلمية والتعليمية، ويجتمعون ويجتهدون ولا زالت الآمال تداعب خواطرهم والحقائق تسعى إليهم رويداً رويداً -بإذن الله ثم بجهادهم واستعدادهم وتدربهم- إلى أن يعودوا إلى بلادهم؛ لأن المؤمن منهم والتقي الذي يؤمن بكتاب الله وسنة رسوله يعلم صدقاً وحقاً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود) وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم! ورائي يهودي فاقتله) فالمستقبل للمسلمين.

وهذه الدنيا والبداية الحقيقة للدنيا هي يوم بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن ما قبل ذلك ليست بحياة، فالحياة الحقيقية هي حياة الإسلام الذي نظم تلك الأمم التي كانت تعيش شريعة الغاب، قويها يقتل ضعيفها، والبقاء للأقوى، فقد كان هذا هو مقياس الحياة حينما بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريباً ثم قوي واشتد في صدر الإسلام وتوسعت رقعة الخلافة، ثم انحسر مد الإسلام.

أنتم تعرفون أن مد الإسلام وصل حدود فرنسا، ووصل أماكن كثيرة جداً، ثم انحسر ذلك بسبب ضعف المسلمين، كان للدولة العثمانية أثراً عظيماً في بقاء اسم الخلافة الإسلامية سنين طويلة، وكان لبعض الدويلات التي تلت عصور الطوائف وعصور الأندلس وغيرها كان لها أثراً في بقاء اسم الخلافة الإسلامية، الآن لا نكاد نجد بلاداً تحكم بشريعة الإسلام وتطبقها في أهم أمورها وملزمون بتطبيقها بصغيرها وكبيرها إلا هذه البلاد فقط، أما بقيتها فتطبق القوانين الرومانية والفرنسية، القاتل يسجن حتى يموت إلا إذا كان له محامٍ ذكي، وابتكر طريقة معينة وأخرج بها هذا القاتل يقوى الثاني والثالث والرابع، هاتوا بلاداً القاتل فيها يقتل، والسارق تقطع يده، الذي يقف إلى الناس ويخوفهم في طريقهم يقام عليه حد الحرابة: أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ [المائدة:33] الزاني يجلد والمحصن يرجم.

هذا -يا إخوان- نادر من كثير من بلدان العالم، قد يقول البعض: لا. لدينا بعض القصور في تطبيق بعض الجوانب، نقول: نحن بشر ولسنا ملائكة، والبشر -إن شاء الله وبعون الله جل وعلا- يسيرون نحو الكمال والتمام.

إذاً: نحن في فرصة لا يعيشها أي فئة وأي طائفة من شباب دول العالم أجمع، تعليم مجاني بجميع مراحله؛ روضة وابتدائي وإعدادي وثانوي، وجامعي وماجستير ودكتوراه وأعلى من ذلك، والدولة تبعث من تجد فيهم الكفاءة والبركة ليحضروا التخصصات التي ليست موجودة ولكي ينفعوا البلاد من جديد.

يا إخوان: ماذا بقي علينا؟! والله ما بقي علينا إلا أن نقدم وننفع ونجود، وأن نعيد ما استفدناه وما تربينا به أو فيه من ظل سماء هذه البلاد الطيبة ومن خيراتها وما فيها؛ لكي نرد شيئاً من الواجب وليس فيه منة، بل المنة لله جل وعلا والفضل لله جل وعلا الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ولا أحب أن أطيل وأحب أن أسمع منكم ما تود به نفوسكم أن تقولوه والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أيها الشاب! حاول وأنت الحكم [الحلقة الأولى] 2463 استماع
أيها الشاب! من أنت؟! 2223 استماع
الشباب اللاهثون 2194 استماع
الشباب والرياضة 1692 استماع
الشباب بين الشهوة والشبهة 1677 استماع
الشباب بين الواقع والأمل 1668 استماع
شباب مشغولون بلا مهمة 1568 استماع
الشباب والتجدد 1311 استماع
الشباب بين فقه الطيور والجهاد 1146 استماع
الشباب بين غرور النفس واحتقار الذات(1-2) 1103 استماع