خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/38"> الشيخ الدكتور سعد البريك . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/38?sub=65401"> مجموعة الشباب
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الشباب بين الشهوة والشبهة
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأسأل الله عز وجل بمنه وكرمه وجوده وفضله وأسمائه وصفاته، واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب: أن يجمعنا بكم في الجنة كما اجتمعنا في هذا المكان، وأسأله بمنه وكرمه وجوده وأسمائه وصفاته، واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب: أن يجمعنا بكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وأسأله بمنه وكرمه وفضله وجوده وأسمائه وصفاته، واسمه الأعظم الذي سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب: أن يبسط لنا ولكم في صلاح أعمالنا وإخلاص أفعالنا لوجهه، وصلاح ذرياتنا وسعة أرزاقنا، وعافية أبداننا إنه سميع مجيب.
أيها الأحبة! لو لم يكن في هذه المحاضرات سوى أن نعيش ساعة ونجدد العهد واللقاء ونؤكد الميثاق والولاء لله ورسوله وكتابه لكفى، ولو لم يكن في هذه المحاضرات إلا أن نجتمع على غير أهداف، إلا أن نجتمع على غير مطامع أو مصالح لكفى، ولم يكن في هذه المحاضرات إلا أن يتعلم بعضنا من بعض لكفى، ولو لم يكن أولاً وقبل كل شيء في هذه اللقاءات إلا أن تتنزل علينا السكينة، وتحفنا الملائكة، وتغشانا الرحمة، ويذكرنا الله فيمن عنده لكان ذلك كافياً، فما بالكم إذا اجتمعت هذه المنافع والمصالح في مثل هذه اللقاءات المباركة، وكيف لا يكون فيها من البركات والخيرات والذين يجتمعون في بيوت الله يذكرون الله يذكرهم الله في ملئه الأعلى، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبد بي، وأنا معه ما تحركت بي شفتاه، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه).
أيها الأحبة في الله! هل تجدون كرامة أعظم وأجل وأرفع وأكرم من أنكم الآن يا معاشر الحاضرين تذكرون في ملأ الله الأعلى، أليست هذه كرامة؟! أليست هذه منقبة؟! أليست هذه منزلة؟!
بلى والله. فيا حسرة الغافلين عن هذه البركات! ويا هنيئاً للمقتنصين لهذه الفرص المباركات!
أيها الأحبة في الله! في مستهل هذا اللقاء أشكر الله على ما مَنَّ به، ثم أشكر إدارة الإرشاد والتوجيه في الحرس الوطني على ما أكرموني به من شرف اللقاء والحديث إليكم والجلوس بين يديكم (فمن دل على هدى فله أجره وأجور من عمل به) كما أخص بالشكر في هذا المكان فضيلة الشيخ: محمد بن سالم الدوسري الذي كان له عناية ومتابعة طيبة في إكرامنا بهذا اللقاء المبارك.
أيها الأحبة في الله! حديثنا اليوم يتعلق بالشباب، وكلكم يعيش فترة الشباب أو ودعها أو يقبل عليها، فهي مرحلة لا بد أن يمر بها كل واحد منا، وفي ثنايا هذا الكلام رسالة إلى كل شاب يعيش سن المراهقة وآلامها أو يوشك أن يودعها، ورسالة إلى كل شاب صالح يسعى لإعفاف نفسه، ويدرك خطورة الشهوات والشبهات على نفسه ودينه وأمته، رسالة إلى كل شاب أطلق العنان لشهوته والزمام لنزوته ويبحث عن المخرج، ورسالة إلى كل شاب غافل لم يستفق بعد، وإلى كل مرب وأب وأم، وإلى كل من يعنيه واقع شباب الأمة، وإلى كل من يدرك أهمية العناية بالشباب، هذه كلمات وأشجان ووقفات أنثرها بين يديكم وأشنف بها أسماعكم.
معاول تهدم في كيان الشباب
من هنا كان لا بد أن نتحدث عن هذا الصدع، وعن معاول الهدم التي تهدد كيان الشباب، فلا بد من تشخيص الداء وبيان الدواء، ومعرفة العلة، وإن سقوط الشباب وانحرافهم لا يمكن أن يقع هكذا فجأة أو بين عشية وضحاها، كلا. بل هناك أسباب ومقدمات وإرهاصات وأدواء خفية، ومكر بالليل والنهار، ومكر كبار، ومكر تكاد أن تزول منه الجبال؛ من أجل تدمير وتخريب وإفساد الشباب، حتى لا تمتلئ بهم المساجد، حتى لا تضج أصواتهم بالتكبير، حتى يشتغلوا بالفن واللهو والطرب، حتى يهتموا بكل ساقط من القول ورديء من الكلام، حتى لا يكون همهم إلا راقصة ماجنة أو ممثلة خليعة أو قصة درامية، أو سم ما شئت من السهام التي وجهت إلى قلوب شبابنا، فأصبح بعضنا يعزي بعضاً في مصاب جلل وخطب فادح حينما نرى غاية اهتمام الشباب هو فتاة يعاكسها، أو حبيبة يواصلها، أو أغنية يرددها، أو صورة يعلقها أو ... أو ... إلى غير ذلك، وقُل ما شئت.
انحسار الهمم عند الشباب
كانت تلك هي الأماني، كانت الجنة ومجاورة النبي في الجنة، والجلوس في مجلس صدق عند مليك مقتدر، ولقاء الصحابة في الجنة، كانت تلك أعظم الأمنيات، وكانت أرقى الغايات، والآن سل شباب الإسلام عن أمانيهم: أحدهم يتمنى أن تكون الراقصة الفلانية حبيبة أو حضينة أو عشيقة أو زوجة له، والآخر يتمنى أن يصور ولو للقطة أو لحظة مع ذاك الماجن أو ذلك اللاهي، والآخر يتمنى أن يعيش ساعات أو أياماً في مكان العهر والفساد والفجور.
ما الذي غير الأحوال؟ ما الذي قلب الأماني؟ ما الذي فعل بالشباب هكذا؟
هل باتوا أبراراً فأصبحوا فجاراً؟
هل أصبحوا صالحين فأمسوا فاسقين؟
هل كانوا مهتدين وفجأة انقلبوا ضالين؟!
لا وألف لا. إنه كيد ومكر كبار وعمل دءوب، وتلك مشكلة عباد الله الصالحين؛ أن أعمالهم آنية، وردود أفعالهم مخفية، وتصرفاتهم غير مدروسة بخطط مستقبلية من أجل إصلاح واقعهم ومجتمعاتهم ودعوتهم، أما أهل الشر والباطل فيخططون مخططات بعيدة المدى، ربما لعشرين أو ثلاثين أو خمسين سنة قادمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم إنا نشكو إليك جلد الفاسق وضعف الثقة!
أيها الأحبة! إن أمراض الشباب إن تركت دون علاج وقضاء مبرم كان الهلاك كما قال القائل:
وللمنية أسباب من السقم |
وإن لم تبين توضح هذه الأمراض وهذه الأخطار والسهام التي تخترق الشباب وتختلف عليهم ذات اليمين وذات الشمال أوشكوا أن يقعوا فيها جاهلين بأنها أمراض معدية وسموم خبيثة مؤذية.
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا |
قضيتان خطيرتان: الشهوة والشبهة هي أس القضايا في شأن الشباب، وهي الداء العضال الفتاك الذي أخذ يسري في شباب الأمة الإسلامية على فترة من الجهل والمغريات، وفترة بدأت فيها غربة الدين تستحكم، والشباب يتأرجح بين الأمرين، وكثير من الصالحين في حيرة وغفلة، وبعضهم انقاد به الأمر إلى التجافي والعزلة، فالشباب إن سلموا من شبهة غامضة لم يسلموا من شهوة جامحة، وبعضهم إن سلم من الفتن الفكرية فلن يسلم من الإغراءات الجنسية العصرية.
إن الغالب فيمن ترون أن الواحد منهم ذاك الرجل الذي عايش مرحلة الشباب والقوة والعنفوان والحركة والعمل، والغالب فيمن ترون هو ذاك الرجل الذي مَرَّ بالمراهقة وأدرك ما يعانيه الشباب من صراع الشهوة والشبهة، وقَلَّ أن تجد شاباً إلا وقد اعترك غمار الشهوة وركب عُبابها، فمن شَطَّ في تلك المرحلة فاسأل عنه دور الأحداث والملاحظة، واسأل عنه سجلات جنح الأحداث، واسأل المعلمين والمعلمات، ومراكز الشرط، وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ تجد خبراء بما يعانيه شبابنا ذكوراً وإناثاً من سعار الشهوة المتلاطم، وموج الفتن المتعالي، ورياح الشبه والمزالق الفكرية العاصفة، سيما ونحن في زمن اشتدت كربته، وعظمت فتنته، وأصبح دعاة الباطل والشهوة والشبه يجلبون بخيلهم ورجلهم على شبابنا وفتياتنا مستخدمين كل وسيلة في سبيل إيقاع الشباب وإضلاله.
من هنا كان لا بد أن نتحدث عن هذا الصدع، وعن معاول الهدم التي تهدد كيان الشباب، فلا بد من تشخيص الداء وبيان الدواء، ومعرفة العلة، وإن سقوط الشباب وانحرافهم لا يمكن أن يقع هكذا فجأة أو بين عشية وضحاها، كلا. بل هناك أسباب ومقدمات وإرهاصات وأدواء خفية، ومكر بالليل والنهار، ومكر كبار، ومكر تكاد أن تزول منه الجبال؛ من أجل تدمير وتخريب وإفساد الشباب، حتى لا تمتلئ بهم المساجد، حتى لا تضج أصواتهم بالتكبير، حتى يشتغلوا بالفن واللهو والطرب، حتى يهتموا بكل ساقط من القول ورديء من الكلام، حتى لا يكون همهم إلا راقصة ماجنة أو ممثلة خليعة أو قصة درامية، أو سم ما شئت من السهام التي وجهت إلى قلوب شبابنا، فأصبح بعضنا يعزي بعضاً في مصاب جلل وخطب فادح حينما نرى غاية اهتمام الشباب هو فتاة يعاكسها، أو حبيبة يواصلها، أو أغنية يرددها، أو صورة يعلقها أو ... أو ... إلى غير ذلك، وقُل ما شئت.
إن من أعظم الفجائع على الأمة: أن ترى الشباب انحسرت لديهم الهمم بعد أن كان شباب السلف الصالح أمانيهم عظيمة، أحدهم يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا
كانت تلك هي الأماني، كانت الجنة ومجاورة النبي في الجنة، والجلوس في مجلس صدق عند مليك مقتدر، ولقاء الصحابة في الجنة، كانت تلك أعظم الأمنيات، وكانت أرقى الغايات، والآن سل شباب الإسلام عن أمانيهم: أحدهم يتمنى أن تكون الراقصة الفلانية حبيبة أو حضينة أو عشيقة أو زوجة له، والآخر يتمنى أن يصور ولو للقطة أو لحظة مع ذاك الماجن أو ذلك اللاهي، والآخر يتمنى أن يعيش ساعات أو أياماً في مكان العهر والفساد والفجور.
ما الذي غير الأحوال؟ ما الذي قلب الأماني؟ ما الذي فعل بالشباب هكذا؟
هل باتوا أبراراً فأصبحوا فجاراً؟
هل أصبحوا صالحين فأمسوا فاسقين؟
هل كانوا مهتدين وفجأة انقلبوا ضالين؟!
لا وألف لا. إنه كيد ومكر كبار وعمل دءوب، وتلك مشكلة عباد الله الصالحين؛ أن أعمالهم آنية، وردود أفعالهم مخفية، وتصرفاتهم غير مدروسة بخطط مستقبلية من أجل إصلاح واقعهم ومجتمعاتهم ودعوتهم، أما أهل الشر والباطل فيخططون مخططات بعيدة المدى، ربما لعشرين أو ثلاثين أو خمسين سنة قادمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم إنا نشكو إليك جلد الفاسق وضعف الثقة!
أيها الأحبة! إن أمراض الشباب إن تركت دون علاج وقضاء مبرم كان الهلاك كما قال القائل:
وللمنية أسباب من السقم |
وإن لم تبين توضح هذه الأمراض وهذه الأخطار والسهام التي تخترق الشباب وتختلف عليهم ذات اليمين وذات الشمال أوشكوا أن يقعوا فيها جاهلين بأنها أمراض معدية وسموم خبيثة مؤذية.
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا |
قضيتان خطيرتان: الشهوة والشبهة هي أس القضايا في شأن الشباب، وهي الداء العضال الفتاك الذي أخذ يسري في شباب الأمة الإسلامية على فترة من الجهل والمغريات، وفترة بدأت فيها غربة الدين تستحكم، والشباب يتأرجح بين الأمرين، وكثير من الصالحين في حيرة وغفلة، وبعضهم انقاد به الأمر إلى التجافي والعزلة، فالشباب إن سلموا من شبهة غامضة لم يسلموا من شهوة جامحة، وبعضهم إن سلم من الفتن الفكرية فلن يسلم من الإغراءات الجنسية العصرية.
الشباب اليوم بين طامتين وداهيتن: بين رياح عاصفة من الشبه الفكرية، وأمواج من الشهوات المتلاطمة.
كيف اخترقت الشبهات صفوف المسلمين
ما يورده الأعداء من التشكيك، ومحاولة هز ثقة الشباب بدينه ومعتقده، ومحاولة فتنته عن دينه عقدياً وفكرياً.
وهذه القضية يجيئون عليها بوسائلهم المتعددة، ويسوقونها فتن تلو الفتن وشبهات تلو الشبهات، ويؤمها أذناب الغرب وأذيال الاستعمار من أهل العلمنة والحداثة والتفرنج الذين هم للفساد دعاة.
ولعل هذه الحرب؛ حرب الشبهات الحرب الجهرية تتمحور في الآتي:
لاحظوا وتأملوا الكلام الكثير حول الدعوة إلى زمالة الأديان، وتقارب الأديان، وتحاور الأديان، إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه صفحة من التوراة تغير وجهه وقال: (يا
وإن الله عز وجل قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] فالذين يكتبون عبر بعض الصحف، أو يتكلمون عبر بعض القنوات، أو يطنطنون في بعض الإذاعات بالمقولة التي أول من أثارها وشب أوارها وأشعل فتيلها طائفة من المستشرقين، وتبعهم بعض الأذناب حول قضية تزامل وتقارب وتجمع الأديان، تلك مصيبة من أعظم المصائب.
كان الناس فيما مضى إذا رأوا كافراً استحضروا قول الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28] فيرون نجاسة متحركة، لئن كانت النجاسة يؤنف منها وهي رابضة قابعة منـزوية فإن قلوب المسلمين فيما مضى كانت مليئة بالولاء للمؤمنين مليئة بالبراء من الكافرين، فإذا رأوا كافراً رأوه عذرة ونجاسة متحركة إلا من ندر فيمن لم يؤذ مسلماً ولم يخطط لتدميره وإيذائه، فذاك إن عاملوه عومل بنية دعوته، ونية إصلاحه، ونية تأليف قلبه، لا بنية حبه أو الثقة بما عنده.
أما الآن وفي ظل هذه الدعوة التي كما قال الأول: "اكذب الكذبة ثم رددها مائة مرة يصدقها الناس ويرددونها آلاف المرات" في ظل هذه الدعوة الخطرة أصبح كثير من الشباب يسأل ويحاور ويناقش أليس اليهود إخواننا؟ أليس النصارى إخواننا؟ ألسنا جميعاً أهل كتاب؟ لماذا هذه العداوة؟ لماذا هذه الفرقة؟ لماذا هذا الانفصام؟ لماذا لا نعيش في ظل السماء وفوق سطح الأرض على حب ووئام؟
وهكذا يقول من يقول: لم لا يحتضن الهلال الصليب؟ لما لا تمتد الأيادي بالمصافحة؟ لم ولم ولم ....؟؟!!
والله لو قيلت الكلمات البراقة والجمل القشيبة ليل نهار فإننا متمثلون قول الله عز وجل: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:109]، مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:105]، وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [البقرة:217]، وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاء [النساء:89].
مهما قلنا عن تقارب وتزامن وتحاور الأديان فإن مسألة الولاء يجب أن تبقى يقظة حية في النفوس، لأننا إذا أضعفنا المناعة تجاه الكفار، ويقابل ذلك الهوة التي تزداد توسعاً في شأن الولاء مع المؤمنين والمسلمين؛ أصبحنا بذلك لا يهمنا كثيراً ما يحل بالمسلمين، ولا يؤذينا ما يفعله الكافرون، وذلك عين التبلد، ومنتهى الجمود، وغاية ما يتمناه الأعداء.
إن أعداء الإسلام لا يمنعونكم من أن تدفنوا قتلاكم، وتداووا جرحاكم، وتسقوا الظمأى والعطشى، وتطعموا الجياع، وتكسوا العراة، لا بأس أن يكون دوركم يمتد إلى هذه الدرجة، أما أن يكون دوركم ابتدائياً إيجابيا فاعلاً لا رد فاعل؛ فإن ذلك أمر يأباه أعداء الإسلام، فماذا نقول إذاً في شأن أمة الإسلام وفي شأن المسلمين إذا كان مبدأ الولاء أخذ يضعف في ظل الدعوة إلى الزمالة والتقارب وغير ذلك؟!
إن هذه القنوات الفضائية التي تُصدِّر كثيراً من هذه الأفكار الخطرة والتي يجهل كثير من الناس خطرها على نفسه وعلى أهل بيته لتصب سماً زعافاً من هذا القبيل فمن الذي يَحذر؟ ومن الذي ينتبه؟ ومن الذي يدرك أن وراء الأكمة ما رواءها؟ البعض يعجبه حوار ورأي ورأي آخر واتجاه معاكس، ولا يعلم أن وراء القضية مخابرات يهودية، ولا يعلم أن وراء القضية من يسعى لصياغة العقل العربي والفكر المسلم حتى يعيش في ظل هذه الحوارات وفي ظل هذه الخيارات لا أن يستقل بنظر مستقل؛ ليس بالضرورة أن يوافق هذا أو يوافق هذا.
إننا نخشى أن نفقد الاستقلال بالرأي، وأن نتحول إلى حرية في ظل خيار محدود، فليست حرية مطلقة بل هي حرية في ظل خيار بين أمرين، أما أن تختار ثالثاً فذلك هو الذي لا يريده لك مقدم هذه القضية، أو الذي يحيلها أو يدير حوارها.
ترديد الآراء المذهبية الشاذة
بعض المسائل تطرح في حوار، ثم بعد ذلك يأتي شيخ اجتهد فأخطأ، أو رجل قصد له أن يجيء ليعلن قولاً مرجوحاً شاذاً من أجل أن يضلل الأمة، وليقول للناس هذا ليس بصواب، وهذا ليس بحق، وهذا لا ينبغي.
وعلى سبيل المثال: حينما يطرح على مجتمعنا هذا قضية كقضية الحجاب من خلال هذه القنوات الفضائية، ونحن نعرف أن السمت الغالب الظاهر في نساء بلادنا هذه هو تغطية الوجه، ثم يأتي من يطنطن على هذه القضية: لم لا تلبس المرأة حجاباً يكتفي بتغطية الرأس ويبرز الوجه ويكشفه، لم لا نعطي المرأة حقها أن تتنفس الهواء الطلق، لما لا نعطي المرأة حظها في أن ترى الحياة كما هي، غير ملزمين لها أن تلبس نظارة سوداء، لم ... ولم ... ؟؟ إلى غير ذلك.
ما هي النتيجة؟
إن أخطاراً فادحة تنذر بشؤم مقبل إذا ألقت المرأة حجابها، حتى وإن تكلم من تكلم وقال ذلك رأي فيه خلاف أو مسألة فيها نظر، نحن لسنا بصدد الراجح والمرجوح، ولكن مادمنا الآن نعيش طمأنينة وراحة وستراً وانسجاماً في ظروف حياتنا في ظل هذا الحق، فلم نعيد طرح المسألة بأسلوب الغرض منه هو هدم الإسلام والتشكيك في تعاليمه.
حينما تطرح مثل هذه القضايا ويقال: أميطي الحجاب، ألقي الحجاب، اتركي الحجاب، دعي الحجاب، النتيجة لن تقف عند ذلك، والمراد لا يقف عند ذلك، وإنما أن تزول تلك الحواجز التي أوجدها الإيمان متمثلاً في الحياء والخشية والمراقبة، وتعظيم حرمات الله عز وجل؛ فإذا زال الحجاب اضطربت هذه النفوس، وضعفت هذه الحواجز، وكثر التماس، وحينئذٍ لا تسل عن ضلال الأمة وهلاك المجتمع.
شبهه تدار حول وضع المرأة الاجتماعي
وكل هذه العبارات التي يراد منها إسقاطاً نفسياً على المرأة لتقول: أنا مظلومة، أنا معقدة، أنا محبوسة، أنا مهلكة، أنا معذبة، أنا تعيسة، لم تمشي هذه المشية وأنا لا بد أن أمشي في العباءة؟
لما تخرج هذه في هذا الوقت وأنا لا بد أن أتقيد بوقت في الدخول والخروج؟
لما تصافح هذه وتكلم وتحدث وتناقش وتحاور من شاءت وأنا لا أحدث إلا ذوي محارمي ولا أتكلم إلا في ظل علاقات محدودة، وإن تكلمت مع غيرهم لا يسمح لي حتى بالضحك أو القهقهة أو اللين أو الخضوع في القول؟
حينئذٍ يتحول ما نرجوه من صحة المريض إلى جرم نرتكبه، ويتحول ما نخشاه على المريض من سقم إلى أمنية ينبغي أن نشجع المريض عليها، هل رأيتم أحداً يقول: لماذا أعيش في هذه الصحة والعافية وأين الطريق إلى المرض والسقم والبلاء والهدم؟!
ذلك ضرب من الجنون.
وقس هذه القضية على هذا المثال لتعلم أن الذين يطنطنون حول قضايا المرأة يريدون بها في ظل طرح الشبهات أن تكسر جدار الحياء، وأن تلقي جلباب العفاف، وأن تتحول فيما بعد إلى سلعة رخيصة يصل إليها من أرادها.
إن من الصعب اليوم على كثير من الناس أن يحدث امرأة مباشرة إلا بحجة وبرهان، كأن يكون قريباً أو محرماً أو لسبب شرعي، لكن إذا حرصنا على إزالة مثل هذه الأمور فحينئذٍ يمكن الحديث مع المرأة لأي سبب ولأتفه سبب وبدون سبب، وتلكم يا عباد الله من أعظم الأمور خطراً وضرراً.
ونحن بحمد الله عز وجل في هذه البلاد وما نراه من حرص وعناية من عامة المسلمين فيها وولاة الأمر فيها على ألا يضطرب الأمر، فإننا ينبغي أن نعقد الأكف والخناصر على أن نتواصى على التأكيد على هذه المسألة، أن نكرس الاهتمام والرعاية والعناية لجانب الحجاب حتى لا يلقى الحجاب تحت الأقدام بحجة أنه مسألة تاريخية، وقضية في عصر حجري مضى وانقضى، وقد آن للفتاة أن تخرج بدون ذلك.
طرح المسلَّمات للنقاش والحوار
وتلكم من أعجب العجائب، حينما يأتي أحد ويقول: تعال يا فلان ما اسمك؟ فتقول: اسمي فلان بن فلان بن فلان، أنت على يقين على أنك ولد فلان بن فلان وجدك فلان وأبوك فلان؟ نعم، يقول: نريد أن نضع هذه القضية للبحث، هل فلان ولد شرعي أو ابن زنا؟ هل أبوه لقيط أم دعي أم نسيب؟ هل أمه زانية أم فاجرة أم طاهرة؟ هل يقبل أحد أن يوقف بين الملأ ويقال: تعال يا فلان نسألك عن اسمك وأصلك ونسبك؟ هل أنت ابن زناً أو ابن شرعي؟
الجواب: لا.
أما مسائل العقيدة ومسائل الدين حتى ولو جاءت من الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بد أن تطرح للحوار، ما رأيك فيما قاله الله؟ ما رأيك فيما قاله رسول الله؟ هل يجوز لأحد أن يقول رأياً بعد قول الله؟! أو أن يطرح رأياً بعد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51]، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].
شبهة عمل المرأة
لماذا نحصر العمل للمرأة في إطار زوايا محدودة جداً ولا يمكن أن نوسع مجالات العمل؟
نحن عندنا قواعد وضوابط شرعية، وإن الله الذي خلق المرأة هو أدرى بما ينفعها ويضرها، ولذا جعل في كتابه وسنة نبيه الضوابط التي تكفل تحقيق الاستفادة من جهدها مع الحفاظ لها وعليها.
لسنا نخاف على المرأة فحسب، بل نخاف من بعض النساء، ونخاف على بعض النساء.
فمسألة عمل المرأة إذا كانت المرأة محتاجة لهذا العمل أو احتاج إليها المجتمع، وأمكن أداء ذلك في وضع لا يخدش حياءها، ولا يعرضها للفتنة، ولا يعرض الرجال إلى الفتنة بها، ولا يضيع مسئولياتها وواجباتها التي هي أهم من كل شيء بعد طاعة الله عز وجل، فحينئذٍ لا يقول أحد بمنعها، أما أن ننادي بأن نجعل المرأة مع الغادين والرائحين، وفي وجه الزائرين والمودعين، وأمام الذاهبين والآيبين، فذلك أمر نعلم من خلاله أنه شر يراد بالمرأة.
إذا بني ضرجوني بالدم من يلقى آساد الرجال يكلم |
شنشنة نعرفها من أخزم |
الذي يقرأ خطط العلمانية في إضلال الشعوب وحرب المجتمعات الحرب المخملية الباردة، وليست حرب كروز ولا حرب الصواريخ ولا الطائرات، بل حرب الوتر والطبلة والحفلة والرقصة والكأس والفجور والعهر والفساد، حينما تجدون مثل ذلك يتوسع فيه أبناء أمة غافلين عما شرع الله وما أمر الله منساقين وراء الشهوات؛ فاعلموا أنهم يعيشون مرحلة من الحرب ذات المحور القائم على الشبهات ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الحرية الشخصية وآثارها السلبية بين المسلمين
هل تعلمون أن منظمات حقوق الإنسان تناقش بلادنا هذه وتقول: إن من حق الإنسان أن يغير دينه، ولا يحق لكم أن تدخلوا في هذه القضية فهي مسألة حرية شخصية لا يجوز لأحد مهما بلغت سلطته أن يتدخل فيها.
وتقف هذه البلاد وقفة محمودة مشكورة من خلال حوارات جادة انتهت إلى الرفض التام المطلق لمثل هذا الطرح، ولكن لا يقف أمر وضع مسألة الحريات عند حد، فإذا كانوا يبحثون مسألة تغيير الدين وأنها قضية حرية شخصية بحتة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من بدل دينه فاقتلوه) ليقام عليه حد الردة وهم يقولون: لا، ما الذي ينبني على ذلك؟
أن ما دونه من الأحكام قابل أن يكون حرية شخصية، تشرب خمر أو لا تشرب فهي قضية شخصية بحتة ليس لأحد أن يتدخل فيها، تزني أو لا تزني فهذه مسألة حرية شخصية ليس لأحد أن يتدخل فيها، ترابي أو لا ترابي مسألة حرية شخصية أيضاً، تسافر أو لا تسافر فهذه مسألة حرية شخصية.
إنا لله وإنا إليه راجعون، نحن لله عبيد يتصرف فينا، نحن مُلكه ونحن عبيده، وليس للعبيد أن يتصرفوا حتى في أنفسهم إلا وُفق ما يراه مالكهم، ونحن ملك الله وعبيد الله، والله الذي خلقنا، والذي خلقنا شرع لنا ما يسعدنا فأمرنا به وحرم علينا ما يضرنا فنهانا عنه، ثم يأتي من يقول: لا. نحن لسنا لله ولسنا إليه راجعون، وليس له فينا أمر ولا نهي، قضيتنا مسألة حرية شخصية ليفعل كل بنفسه ما يشاء، تتحجبين أو لا تتحجبين قضية شخصية، تعاكسين أو لا تعاكسين قضية شخصية، تتبرجين أو لا تتبرجين قضية حرية شخصية، بل وعلى العكس من ذلك نجد حتى الذين في بلاد الغرب قالوا بأن هذه المسائل مسائل شخصية.
نعم. هي مسألة حرية شخصية في التبرج والزنا والخنا والدعارة والعهر والفساد لكن في الحياء والعفاف فليس بحرية شخصية؛ لأن فرنسا والتي انطلقت منها الحملات الصليبية، التي رفعت لواء حرية الإنسان تبيح العُري لمن أراد أن يسير عارياً، وفي أوروبا قانون يبيح للنساء في الصيف إن أرادت إحداهن أن تمشي سافرة الثديين فلا حرج عليها، وما بقي في محل النـزاع والحسم لدى أبناء القردة والخنازير إلا قضية: هل يسمح لأحد أن يسير في الشارع مبدياً عورته المغلظة أو لا؟ أما ما فوق فمسألة قد حسمت بأنها حرية شخصية.
وإن أمة الإسلام لعلى خطر، وتجد هناك من يكتوي بنار مثل هذا الطرح، فتيات مغربيات لبسن الحجاب في بعض المدارس -والقصة مشهورة- فقامت قائمة فرنسا، وأصدر مسئول كبير من هناك قراراً وأمراً بفصلهن من المدارس. أين الحرية؟
حرية التبرج ممكنة وحرية العفاف محرمة، حرية السفور جائزة وحرية الحياء ممنوعة، إذا أخذنا نستلم هذه الحرب دون أن ننبه ونتناصح ونذكر، وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21]، سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى [الأعلى:10] ونطرح هذه القضايا ونحذر مجتمعنا وإلا فيوشك أن يقع بعض المسلمين وإن كان في قناعات داخلية أو ممارسات علنية يبدونها علانية حينما يودع أحدهم حدود بلاده.
أيها الأحبة! قضية الحرية الشخصية لا يريد أحدهم فيها على نفسه سلطاناً من دين أو عرف أو عادة أو تقليد، تطرح كل هذه الشبهات في حين فترة من أهل العلم، وفي حين إعراض كثير من الشباب عن العلم الشرعي، وهجر للكتاب والسنة، كل ذلك يغلف بأغلفة زاهية براقة ناهيك عن قضايا السياحة والرياضة والفن التي استطاعوا من خلالها التقرب .. بل الوصول إلى الشباب المسلم من خلال هذه القنوات التي أشعلت في الناس سعير الاهتمام بهذه المسائل.
الحق أن أهل الإسلام -ومنهم الشباب على وجه الخصوص- لم يؤتوا ولم تتسور جدرانهم ولم تخترق بيوتهم إلا من طريق استطاع أعداء الله إحسان استعمالها، وهي:
ما يورده الأعداء من التشكيك، ومحاولة هز ثقة الشباب بدينه ومعتقده، ومحاولة فتنته عن دينه عقدياً وفكرياً.
وهذه القضية يجيئون عليها بوسائلهم المتعددة، ويسوقونها فتن تلو الفتن وشبهات تلو الشبهات، ويؤمها أذناب الغرب وأذيال الاستعمار من أهل العلمنة والحداثة والتفرنج الذين هم للفساد دعاة.
ولعل هذه الحرب؛ حرب الشبهات الحرب الجهرية تتمحور في الآتي:
لاحظوا وتأملوا الكلام الكثير حول الدعوة إلى زمالة الأديان، وتقارب الأديان، وتحاور الأديان، إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه صفحة من التوراة تغير وجهه وقال: (يا
وإن الله عز وجل قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] فالذين يكتبون عبر بعض الصحف، أو يتكلمون عبر بعض القنوات، أو يطنطنون في بعض الإذاعات بالمقولة التي أول من أثارها وشب أوارها وأشعل فتيلها طائفة من المستشرقين، وتبعهم بعض الأذناب حول قضية تزامل وتقارب وتجمع الأديان، تلك مصيبة من أعظم المصائب.
كان الناس فيما مضى إذا رأوا كافراً استحضروا قول الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28] فيرون نجاسة متحركة، لئن كانت النجاسة يؤنف منها وهي رابضة قابعة منـزوية فإن قلوب المسلمين فيما مضى كانت مليئة بالولاء للمؤمنين مليئة بالبراء من الكافرين، فإذا رأوا كافراً رأوه عذرة ونجاسة متحركة إلا من ندر فيمن لم يؤذ مسلماً ولم يخطط لتدميره وإيذائه، فذاك إن عاملوه عومل بنية دعوته، ونية إصلاحه، ونية تأليف قلبه، لا بنية حبه أو الثقة بما عنده.
أما الآن وفي ظل هذه الدعوة التي كما قال الأول: "اكذب الكذبة ثم رددها مائة مرة يصدقها الناس ويرددونها آلاف المرات" في ظل هذه الدعوة الخطرة أصبح كثير من الشباب يسأل ويحاور ويناقش أليس اليهود إخواننا؟ أليس النصارى إخواننا؟ ألسنا جميعاً أهل كتاب؟ لماذا هذه العداوة؟ لماذا هذه الفرقة؟ لماذا هذا الانفصام؟ لماذا لا نعيش في ظل السماء وفوق سطح الأرض على حب ووئام؟
وهكذا يقول من يقول: لم لا يحتضن الهلال الصليب؟ لما لا تمتد الأيادي بالمصافحة؟ لم ولم ولم ....؟؟!!
والله لو قيلت الكلمات البراقة والجمل القشيبة ليل نهار فإننا متمثلون قول الله عز وجل: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:109]، مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:105]، وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [البقرة:217]، وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاء [النساء:89].
مهما قلنا عن تقارب وتزامن وتحاور الأديان فإن مسألة الولاء يجب أن تبقى يقظة حية في النفوس، لأننا إذا أضعفنا المناعة تجاه الكفار، ويقابل ذلك الهوة التي تزداد توسعاً في شأن الولاء مع المؤمنين والمسلمين؛ أصبحنا بذلك لا يهمنا كثيراً ما يحل بالمسلمين، ولا يؤذينا ما يفعله الكافرون، وذلك عين التبلد، ومنتهى الجمود، وغاية ما يتمناه الأعداء.
إن أعداء الإسلام لا يمنعونكم من أن تدفنوا قتلاكم، وتداووا جرحاكم، وتسقوا الظمأى والعطشى، وتطعموا الجياع، وتكسوا العراة، لا بأس أن يكون دوركم يمتد إلى هذه الدرجة، أما أن يكون دوركم ابتدائياً إيجابيا فاعلاً لا رد فاعل؛ فإن ذلك أمر يأباه أعداء الإسلام، فماذا نقول إذاً في شأن أمة الإسلام وفي شأن المسلمين إذا كان مبدأ الولاء أخذ يضعف في ظل الدعوة إلى الزمالة والتقارب وغير ذلك؟!
إن هذه القنوات الفضائية التي تُصدِّر كثيراً من هذه الأفكار الخطرة والتي يجهل كثير من الناس خطرها على نفسه وعلى أهل بيته لتصب سماً زعافاً من هذا القبيل فمن الذي يَحذر؟ ومن الذي ينتبه؟ ومن الذي يدرك أن وراء الأكمة ما رواءها؟ البعض يعجبه حوار ورأي ورأي آخر واتجاه معاكس، ولا يعلم أن وراء القضية مخابرات يهودية، ولا يعلم أن وراء القضية من يسعى لصياغة العقل العربي والفكر المسلم حتى يعيش في ظل هذه الحوارات وفي ظل هذه الخيارات لا أن يستقل بنظر مستقل؛ ليس بالضرورة أن يوافق هذا أو يوافق هذا.
إننا نخشى أن نفقد الاستقلال بالرأي، وأن نتحول إلى حرية في ظل خيار محدود، فليست حرية مطلقة بل هي حرية في ظل خيار بين أمرين، أما أن تختار ثالثاً فذلك هو الذي لا يريده لك مقدم هذه القضية، أو الذي يحيلها أو يدير حوارها.
أيها الأحبة! ومن المخاطر التي سلطت على الشباب في باب الشبهات: ترديد الآراء المذهبية الشاذة والمرجوحة في بعض القضايا الخطرة.
بعض المسائل تطرح في حوار، ثم بعد ذلك يأتي شيخ اجتهد فأخطأ، أو رجل قصد له أن يجيء ليعلن قولاً مرجوحاً شاذاً من أجل أن يضلل الأمة، وليقول للناس هذا ليس بصواب، وهذا ليس بحق، وهذا لا ينبغي.
وعلى سبيل المثال: حينما يطرح على مجتمعنا هذا قضية كقضية الحجاب من خلال هذه القنوات الفضائية، ونحن نعرف أن السمت الغالب الظاهر في نساء بلادنا هذه هو تغطية الوجه، ثم يأتي من يطنطن على هذه القضية: لم لا تلبس المرأة حجاباً يكتفي بتغطية الرأس ويبرز الوجه ويكشفه، لم لا نعطي المرأة حقها أن تتنفس الهواء الطلق، لما لا نعطي المرأة حظها في أن ترى الحياة كما هي، غير ملزمين لها أن تلبس نظارة سوداء، لم ... ولم ... ؟؟ إلى غير ذلك.
ما هي النتيجة؟
إن أخطاراً فادحة تنذر بشؤم مقبل إذا ألقت المرأة حجابها، حتى وإن تكلم من تكلم وقال ذلك رأي فيه خلاف أو مسألة فيها نظر، نحن لسنا بصدد الراجح والمرجوح، ولكن مادمنا الآن نعيش طمأنينة وراحة وستراً وانسجاماً في ظروف حياتنا في ظل هذا الحق، فلم نعيد طرح المسألة بأسلوب الغرض منه هو هدم الإسلام والتشكيك في تعاليمه.
حينما تطرح مثل هذه القضايا ويقال: أميطي الحجاب، ألقي الحجاب، اتركي الحجاب، دعي الحجاب، النتيجة لن تقف عند ذلك، والمراد لا يقف عند ذلك، وإنما أن تزول تلك الحواجز التي أوجدها الإيمان متمثلاً في الحياء والخشية والمراقبة، وتعظيم حرمات الله عز وجل؛ فإذا زال الحجاب اضطربت هذه النفوس، وضعفت هذه الحواجز، وكثر التماس، وحينئذٍ لا تسل عن ضلال الأمة وهلاك المجتمع.