أرشيف المقالات

الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه و النهار مبصراً - مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - أبو الهيثم محمد درويش

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} :
توحيد الله يدور حول معرفته حق المعرفة وعبادته حق العبادة , وكلما كان العبد أتم توحيداً كلما كان أقرب إلى ولاية الله ومحبته واصطفائه.
بأفعال الله المباركة يعرف العبد ربه سبحانه , من خلقه وتدبيره في ملكه وقيوميته وتصريف شئون الخلائق ونظم الكون وانتظامه .
ومن آياته أن جعل الليل مظلماً لتهدأ وتسكن فيه القلوب والأجساد والنهار مبصراً لتنشط فيه الخلائق طلباً للرزق وسعياً للمنافع .
وفضل الله على عباده واسع والقليل من العباد من يعرف الله ويعرف فضله والأقل من يصرف له الشكر ولا يبارزه بنعمه فاللهم اهدنا فيما هديت وعافنا فيمن عافيت.
قال تعالى:
{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} .
[غافر 61]
 
قال السعدي في تفسيره :
تدبر هذه الآيات الكريمات، الدالة على سعة رحمة الله تعالى وجزيل فضله، ووجوب شكره، وكمال قدرته، وعظيم سلطانه، وسعة ملكه، وعموم خلقه لجميع الأشياء، وكمال حياته، واتصافه بالحمد على كل ما اتصف به من الصفات الكاملة، وما فعله من الأفعال الحسنة، وتمام ربوبيته، وانفراده فيها، وأن جميع التدبير في العالم العلوي والسفلي في ماضي الأوقات وحاضرها، ومستقبلها بيد الله تعالى، ليس لأحد من الأمر شىء، ولا من القدرة شيء، فينتج من ذلك، أنه تعالى المألوه المعبود وحده، الذي لا يستحق أحد من العبودية شيئًا، كما لم يستحق من الربوبية شيئًا، وينتج من ذلك، امتلاء القلوب بمعرفة الله تعالى ومحبته وخوفه ورجائه، وهذان الأمران -وهما معرفته وعبادته- هما اللذان خلق الله الخلق لأجلهما، وهما الغاية المقصودة منه تعالى لعباده، وهما الموصلان إلى كل خير وفلاح وصلاح، وسعادة دنيوية وأخروية، وهما اللذان هما أشرف عطايا الكريم لعباده، وهما أشرف اللذات على الإطلاق، وهما اللذان إن فاتا، فات كل خير، وحضر كل شر.
فنسأله تعالى أن يملأ قلوبنا بمعرفته ومحبته، وأن يجعل حركاتنا الباطنة والظاهرة، خالصة لوجهه، تابعة لأمره، إنه لا يتعاظمه سؤال، ولا يحفيه نوال.
فقوله تعالى: 
{ {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ} } أي: لأجلكم جعل الله الليل مظلمًا، { { لِتَسْكُنُوا فِيهِ} } من حركاتكم، التي لو استمرت لضرت، فتأوون إلى فرشكم، ويلقي الله عليكم النوم الذي يستريح به القلب والبدن، وهو من ضروريات الآدمي لا يعيش بدونه، ويسكن أيضًا، كل حبيب إلى حبيبه، ويجتمع الفكر، وتقل الشواغل.
{ {و} } جعل تعالى { {النَّهَارَ مُبْصِرًا } } منيرًا بالشمس المستمرة في الفلك، فتقومون من فرشكم إلى أشغالكم الدينية والدنيوية، هذا لذكره وقراءته، وهذا لصلاته، وهذا لطلبه العلم ودراسته، وهذا لبيعه وشرائه، وهذا لبنائه أو حدادته، أو نحوها من الصناعات، وهذا لسفره برًا وبحرًا، وهذا لفلاحته، وهذا لتصليح حيواناته.
{ { إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ} } أي: عظيم، كما يدل عليه التنكير { {عَلَى النَّاسِ} } حيث أنعم عليهم بهذه النعم وغيرها، وصرف عنهم النقم، وهذا يوجب عليهم، تمام شكره وذكره، { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } بسبب جهلهم وظلمهم. { {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} }الذين يقرون بنعمة ربهم، ويخضعون للّه، ويحبونه، ويصرفونها في طاعة مولاهم ورضاه.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١