أرشيف المقالات

البدائل بين المقاصد الشرعية وشكلية العقود

مدة قراءة المادة : 73 دقائق .
البدائل بين المقاصد الشرعية وشكلية العقود
 
قد يصنع البديل المصرفي من عقدٍ، أو من مجموعة عقودٍ تتوافق في ظاهرها وقصدها مع مقصود الشرع وأحكامه، وقد تُصبغ بعض البدائل بصبغةٍ، توافق العقد الشرعي شكلاً وظاهرًا، وتخالف مقصوده الذي شُرع لأجله، والغاية الشرعية منه.
 
فكيف ندرك مقصود الشرع ومقصود العاقد من العقد؟ ومتى نحكم بأن عدم توافق القصدين يؤثر سلبًا على حكم البديل المصرفي؟؛ لتجلية كلا الأمرين، أبسطهما في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: العلاقة بين البدائل والمقاصد الشرعية:
"قصدَ الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقًا لقصد الله في التشريع"،[1] فلا يكون الفعل موافقًا للشرع حتى يوافقه في الصورة والقصد، ومتى عزبت المقاصد الكلية للعقود الشرعية، والمقاصد الجزئية لكل عقدٍ من عقود المعاملات عن صانعي البدائل ابتعدت منتجـاتهم وصيغهم المبتكرة، أو المعدَّلة عن المشروعية، قال ابن تيمية: "ولا يجوز لأحدٍ أن يظنّ أن الأحكام اختلفت بمجرد اختلاف ألفاظٍ، لم تختلف معانيها ومقاصدها"[2].

وفي خصوص ما نحن فيه، يقول الدكتور يوسف الشبيلي: "وإن مما يعاب على المؤسسات المالية الإسلامية أن كثيرًا من البدائل المقدّمة لا تختلف في مآلاتها عما تقدمه المؤسسات التقليدية، مما جعل البعض ينظر نظر ريبة تجاه التعاملات المالية الإسلامية، ومدى قدرتها على حل المشكلات المالية، ومن المتعين على هيئات الرقابة المبادرة بإعادة النظر في بعض المنتجات، التي لا تتفق مع المقاصد الشرعية، وأن تجعل من ضمن أولوياتها المحافظة على المقاصد الشرعية، وإلزام الشركات بها"[3].

ولأجل التدقيق في مطابقة مقصد المكلف لمقصد الشرع من المعاملة، نحتاج لإبراز أمرين: أولها: معرفة مقصد الشرع من المعاملات المالية، وثانيها: معرفة مقصد المكلف من إنشائها.
 
أ‌- معرفة مقصد الشرع من المعاملات المالية:
ويتحدد ذلك بثلاثة أمور:
1- معرفة المقصد العام للشرع في حفظ الأموال:
وقد لخّص الطاهر بن عاشور مقاصد الشريعة في حفظ الأموال، من جهتي الوجود والعدم في قوله: "والمقصد الشرعي في الأموال كلها خمسة أمور: رواجها، ووضوحها، وحفظها، وثباتها، والعدل فيها"[4].
 
• فإذا اكتسبها العبد لاحظ حصولها بوجه حقٍٍ؛ كعملٍ، أو عوضٍ، أو تبرعٍ، أو إرثٍ؛ وهو الذي سمّاه ابن عاشور (العدل فيها)؛ لذا نجد أن الشرع قد وسّع "قاعدة تداول المال، واستثماره بإباحة المبادلات النافعة، والقصد لتفتيت الثروة؛ وجوبًا عبر الميراث، وندبًا عبر الوصية والوقف"[5].
 
• وإذا تصرف فيها، لوحظ ضرورة تقررها لأصحابها، بوجهٍ لا ضرر فيه ولا منازعة، فكلٌ يختص بملكه، وهو حرٌ في تصرفه، لا يضر بالغير، ولا ينتـزع منه ماله، والأصل في عقوده اللزوم، والأصل في شروطه الوفاء، مع دعوته لاجتناب الكنـز والبخل، وترشيد الاستهلاك، وتجنب السرف وإضاعة المال، وهذا الذي عناه بقوله: (إثباتها).
 
• وإذا انتفع أو احتفظ بها، حرص على إبعادها عن الضرر الناتج عن سوء الإدارة، أو تضييع الأمانة، وعلى إبعادها عن التعرض للخصومات - بقدر الإمكان - بالتوثيق، وإيجاب البيان بما يدفع الجهالة، وهذا هو (وضوحها).
 
• وإذا ثمّرها سعى إلى (رواجها)، ودورانها بين أيدي أكبر عددٍ من الناس، وحرص على ما فيه تنمية لماله، واستغلال لموارد مجتمعه فيما ينفعه، ومن ذلك أن يمتنع عما فيه مخاطرة محضة؛ كالميسر، أو استئثار للمال دون قيمةٍ مضافةٍ للمجتمع؛ كالاحتكار والربا.
 
• وهو في هذا كله يهدف لما تسعى له الشريعة من (حفظ الأموال) في جانب العدم كذلك؛ بمنع أكلها بالباطل، والاعتداء عليها[6].
 
1- معرفة مقاصد الشرع في فقه الاقتصاد الإسلامي، وأبواب المعاملات المالية خاصةً:
وعلى القواعد السابقة أسس الشارع أحكام المعاملات المالية؛ لينال الناس بها حظوظهم الدنيوية، فينعمون بنعم الله تعالى دون بطرٍ، أو طغيان، وفُرّعت عليها العديد من الضوابط المالية، والمبادئ الاقتصادية للشريعة الإسلامية، ومنها:
1- مبدأ الرواج والتداول للمنافع بين الناس، ومنع الاحتكار والاكتناز؛ فشرعت الأحكام الكفيلة بدوران المال في المجتمع بما يحقق التنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، ومن ذلك: الأمر بأداء الزكاة، والندب إلى المنافسة في أبواب الصدقة، والإباحة للمعاملات المالية النافعة، وتحريم المعاملات الضارة بالفرد والمجتمع[7].
 
2- مبدأ تبعية التمويل الشرعي للتملك، فلا بدّ من أن يتملك المموِّل موضوع التمويل، ثم يقوم بإعادة تمليك عينه، أو منفعته حالاً أو آجلاً، ولا بدّ أن يمر التمويل من خلال سلعٍ وخدمات تنتج، أو تتداول.[8]

3- مبدأ المال لا يلد المال، بل ينمو بفعل استثماره، والمشاركة في تحمل مخاطره.[9]

4- مبدأ الاعتماد على صيغ المشاركة بدرجةٍ أساسية؛ لبعدها عن الغرر، وتحقيقها لمقاصد التنمية.[10]

5- مبدأ الغنم بالغرم، أو الخراج بالضمان، فالشركاء لا يُضمن لهم من رأس المال شيء، بل يتحملون مخاطر الخسارة مقابل جنيهم للأرباح،[11] قال علي رضي الله عنه: "من قاسم الربح، فلا ضمان عليه"، أخرجه ابن أبي شيبة.[12]

6- مبدأ تجفيف منابع المديونية، والحذر من تشجيع التراكمات النقدية الناتجة عن الديون.[13]

7- ومن المبادئ الأساسية كذلك: أن يطلب العاقد من العقد ما هو موضوعٌ له، فمتى قصد العوض بعقود الإرفاق مثلاً؛ كالقرض، والكفالة، فقد أخرجها عن موضوعها،[14] وسعى بذلك في تعطيل جناحي الاقتصاد الناجح (النشاط الربحي وغير الربحي)، أو أحدهما.[15]

8- تجنب كل ما يثـير العداوة والبغضاء بين المسلمين،[16] قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾.[17]

2- معرفة مقصد الشرع في خصوص كل معاملة مالية:
لكل عقدٍ شرعي مقصدٌ خاص، ووظيفةٌ محددةٌ لا يجوز أن يطلب به غيرها،[18] فالبيع لنقل الملكية بعوض، والهبة لنقلها بغير عوض، والإجارة لتمليك المنافع بعوض، والإعارة لتمليكها بغير عوض، والرهن لتوثقة الحقوق بالأموال، والضمان لتوثقتها بالذمم، والشركة لطلب الاشتراك في الربح، والوديعة لطلب حفظ الأموال، والسبق لطلب الغلبة على الخصوم، والوكالة للنيابة عن الغير، ولكلٍ منها أنواع خاصة بحسب تأقيت العقد، أو نوع محله، وحلوله أو تأجيله، قال ابن تيمية: "ونكتة هذا: أن القصود والنيات معتبرة في العقود؛ كاعتبارها في العبادات, فإن الأعمال بالنيات, فكل من قصد بالعقد غير المقصود الذي شُرع له ذلك العقد، بل قصد به شيئاً آخر، أراد أن يتوسل بالعقد إليه فهو مخادعٌ, بمنـزلة المرائي الذي يقصد بالعبادات عصمة دمه وماله، لا حقيقة العبادة, وإن كان هذا مقصودًا تابعًا، لكنه ليس هو المقصود الأصلي".[19]

فإذا أدركنا مقصد الشريعة من العقد - مع استحضارنا لمقاصدها العامة في حفظ الأموال، وفي الفقه المالي على وجه الخصوص - انتقلنا لنختبر مطابقة ذلك مع مقصد المكلف.
 
ب‌- معرفة مقصد المكلف من إنشاء المعاملة:
وإذا كان ما سبقت الإشارة إليه المقاصد الشرعية للمعاملات المالية، فإن من أبرز المحددات التي تكشف لنا عن قصد العاقدَين المنشئين للمعاملة أمرين:
الأول: باعث العاقد، ونيته من إجراء المعاملة، ومنه حُكم بتحريم نكاح التحليل؛ لعدم قصد العاقد لمقصود النكاح من الدوام.[20]

والثاني: مآل المعاملة وآثارها، فقد يكشف ما تؤول إليه المعاملة عن قصد العاقد من إنشائها، ومنه حَكم جمعٌ من الفقهاء بتحريم طلاق الرجل امرأته في مرضه المخوف؛ لما يؤول إليه من حرمانها من الميراث، فيُمنع منه لقصده السيئ.[21]

ولأجل توضيح هذين الأمرين في خصوص ما يتعلق بالمعاملات المالية سأستعرضهما فيما يلي:
1- أما الباعث، فقد عُرّف بأنه: "المقصود الحقيقي غير المباشر، المحرّك لإرادة المكلف نحو تصرفٍ ما"[22].
 
ومعرفة باعث العاقد من إنشاء العقد به يتحدد مقصود العقد، ويُرتب عليه أحكامه، وفي ذلك يقول ابن القيم: " فإيّاك أن تهمل قصد المتكلم، ونيته، وعرفه، فتجني عليه، وعلى الشريعة، وتنسب إليها ما هي بريئة منه، وتلزم الحالف، والمقرّ، والناذر، والعاقد ما لم يلزمه الله ورسوله به؛ ففقيه النفس يقول: ما أردتَ، ونصف الفقيه يقول: ما قلتَ".[23]

ويعرف باعث العاقد من المعاملة بأمور:
أولها: مسلك الإقرار؛ بأن يصرّح العاقد بقصده من إنشاء العقد، وهو أقواها.[24]

وثانيها: مسلك التواطؤ؛ بأن يُضمر العاقدان القصد الحقيقي من التعامل، ولا يصرحا به،[25] وقد اُختلف في تأثيره على حكم العقد على قولين:
مسألة: هل للمواطأة المتقدمة أثرٌ على العقد؟.
القول الأول: لا أثر للمواطأة على العقد، ما لم يصرح العقدان بها عند التعاقد.

وهو رواية عن أبي حنيفة،[26] ومذهب الشافعية في المشهور،[27] ورواية لأحمد،[28] واختاره ابن حزم[29].[30]

واستدلوا بدليلين:
الدليل الأول: بأن المواطأة قبل العقد لا تدل على توجه إرادة المتعاقدين إلى الالتزام بها، بدليل عدم تصريحهما بذلك عند التعاقد.[31]

ونوقش هذا الاستدلال: بأن اعتبار التلفظ في العقود إنما هو لدلالته على توجه إرادة المتعاقدين الباطنة إلى إنشاء العقد، فإذا دلّ على ذلك غير اللفظ كان معتبرًا؛ إذ القصود في العقود معتبرة.[32]

الدليل الثاني: أن العقود إنما تجري على الظاهر، والألفاظ تعبر عمّا في القلوب، والأصل فيها المطابقة والموافقة؛ كما حُكم بصحة إسلام الرجل بدون العلم بما في قلبه[33].

ونوقش هذا الاستدلال: بأن العبارات لما كانت مبيّنات لما في القلوب، لم يختلف ذلك بجمع الكلام في وقتٍ، أو تفريقه في وقتين، فلا فرق بين الشرط المتقدم المتواطئ عليه قبل العقد والشرط المقارن له، ومثل ذلك: مثل العالم يقول مثلاً: يجوز للرجل أن يوصي بثلث ماله، ولا يدخل في كلامه المجنون ونحوه؛ لأنه عُلم في موطنٍ آخر منه أن كلام المجنون لا حكم له في الشرع.[34]

القول الثاني: أن المواطأة على عقدٍ أو شرطٍ كالتصريح به؛ في وجوب الوفاء، والصحة، أو الفساد.


وهو مذهب المالكية،[35] والصحيح عند الحنابلة،[36] ورواية أخرى عن أبي حنيفة، وقول أبي يوسف،[37] ومحمد بن الحسن،[38] ووجه للشافعية،[39] واختاره ابن تيمية.
[40]

واستدلوا من الكتاب، والسنة، والمعقول:
(1) استدلوا من الكتاب: بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾.
[41]
ووجه الدلالة: أن الله تعالى أمر بالوفاء بالعقود وما يتبعها من الشروط، ولم يفرق في ذلك بين شرطٍ سابقٍ أو مقارن، ملحوظٍ أو ملفوظ.[42]

(2) واستدلوا من السنة: بما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم".[43]

ووجه الدلالة: أن المفهوم من لغة العرب أن الاتفاقات المتعلقة بالعقد - ولو تقدمت عليه- يطلق عليها اسم الشرط؛ كما يطلق على مقارنه؛ فتلزم.[44]

(3) واستدلوا من المعقول بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: أن الشرط العرفي كاللفظي سواء، فمن المعلوم في العادة أن العاقدين إذا اتفقا على أمرٍ، ثم تعاقدا، بدون إعادة ذكره عند التعاقد أنهما ما تراضيا إلا على ذلك.
[45]

ويمكن أن يناقش: باحتمال تغير نيتهما، أو أحدهما عند إنشاء العقد.
 
الدليل الثاني:أن في ذلك سدًا لباب التحايل على الشروط المحرمة؛ إذ لا يعجز العاقدان إذا أرادا شرطًا محرمًا أن يتواطآ عليه، ثم يسكتا عن ذكره في العقد؛ ليتمّ غرضهما.
[46]

ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال: أن في اعتبار المواطأة المتقدمة على العقد فتحًا لباب عدم استقرار المعاملات، واضطراب القضاء بين الناس.
 
الدليل الثالث:أن صورة القرض في الذمّة، وبيع النقد بمثله إلى أجل واحدة، والأولى قربة، والثانية معصية، فدلّّ ذلك على أن النية تؤثر في الفعل؛ حلاً وحرمةً، صحةً وفسادًا.[47]

ونوقش: أن الفارق بين القرض وبيع النقد لأجل إنما يُعرف من جهة اختلاف اللفظ.[48]

ويمكن أن يجاب من وجهين:
الأول: أن القصد كذلك اختلف؛ إذ قُصد في الأولى القرض، ومبناه على الإرفاق، وقُصد في الثانية المعاوضة، ومبناها على المشاحّة.
 
والثاني: أن يناقش الاستدلال كذلك: بصورة الذبح؛ فهو للأكل حلال، ولغير الله حرام، وليس بينهما إلا اختلاف النية.[49]

وسبب الخلاف في المسألة يدور على أمرين:
الأول:هل للتواطؤ قوة ملزمة في العقود؛ كالتصريح؟.[50]
والثاني:هل الشرط السابق للعقد كالمقارن له؟.[51]

القول المخـتار:
اعتبار أثر المواطأة في العقود، ولو كانت سابقة للعقد؛[52] للاعتبارات التالية:
‌أ- أن إنشاء العقد على الصحيح - وهو قول الجمهور- [53] لا يشترط فيه التلفظ، بل يجري بكل ما دلّ على التراضي؛ كالمعاطاة، فكذلك الاتفاقات المتواطئ عليها.
 
‌ب- أن العادة جارية بذلك، وحمل العقود على معناها العرفي مقدمٌ على المعنى اللفظي.
[54]

‌ج- أن الشريعة لا تفرّق بين المتماثلات،[55] والشرط السابق كاللاحق؛ إذ مرور الأوقات ليس ناقضًا للاتفاقات، ما لم يدل على النقض دليلٌ معتبر.
 
‌د- أن "الأعمال بالنيات"،[56] والأصل استصحاب النية التي قصداها قبل العقد إلى وقت انعقاده، ما لم ينويا رفعها.
[57]

لكن يشترط في اعتبار المواطأة أن تدل عليها دلالةٌ ظاهرة؛ قطعًا للمنازعات، وتحصيلاً لاستقرار المعاملات.
 
وثالثها: مسلك القرائن، قال ابن قدامة[58]: " فإنما يحرم البيع، ويبطل، إذا علم البائع قصد المشتري ذلك؛ إما بقوله، وإما بقرائن مختصّة به، تدل على ذلك"،[59] ومن تلك القرائن:
‌أ- دلالة العرف والعادة؛ كدلالة اجتماع سلفٍ وبيعٍ بأقل من ثمن المثل على قصد محاباة المقرض لأجل القرض، قال الكاساني[60]: "العرف إنما يعتبر في معاملات الناس؛ فيكون دلالة على غرضهم".[61]

‌ب- دلالة الحال؛ وتشمل أمرين:
1- دلالة حال العاقد؛ ككونه خمّارًا، واشترى عنبًا، قال ابن عبد البر[62]: "ولا يباع شيءٌ من العنب، والتين، والتمر، والزبيب ممن يتخذ شيئًا من ذلك خمرًا؛ مسلمًا كان أو ذميًا، إذا كان البائع مسلمًا، وعرف المبتاع ببعض ذلك، أو يتنبذه، واشتهر به...
وبيع السلاح في الفتنة من أهل دار الحرب من هذا الباب".[63]

2- دلالة حال محل العقد؛ كبيع الجارية المعدّة للسفاح، أو الكبش النطّاح بأكثر من قيمتهما مجردين عن هذه الأوصاف، قال ابن قدامة: "قال أحمد فيمن مات، وخلّف ولدًا يتيمًا، وجاريةً مغنية، فاحتاج الصبي إلى بيعها: تباع ساذجة،[64] قيل له: إنها تساوي مغنية ثلاثين ألفًا، وتساوي ساذجةً عشرين دينارًا، قال: لا تباع إلا على أنها ساذجة".[65]

ج‌- كثرة إرادة المتعاملين بعقدٍ ما لمقصدٍ معين، ولو لم يُقصد ذلك في كل صورةٍ منه؛ كبيع العينة، وفي الشرح الصغير: "(يمنع) من البيوع (ما أدى لممنوعٍ يكثر قصده): للمتبايعين ولو لم يقصد بالفعل".[66]

مسألة: وهل تعتبر القرائن في الحكم على العقود؟.
اتفق العلماء على عدم جواز التذرع إلى ما هو محرم،[67] واختلفوا هل تعتبر القرائن دليلاً على إثبات هذا التذرع، أم لا؟.
 
وبالنظر في تطبيقات الفقهاء - رحمهم الله - تظهر ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: التضييق من اعتبار القرائن، فلا يعتبر إلا ما كان صريحًا في الدلالة على المقصود.
 
ويكثر هذا الاتجاه في تطبيقات الشافعية.[68]

بل نصّ الإمام الشافعي على ذلك، فقال: " أصل ما أذهب إليه أن كل عقدٍ كان صحيحًا في الظاهر لم أبطله بتهمةٍ، ولا بعادةٍ بين المتبايعين، وأجزته بصحة الظاهر، وأكره لهما النية؛ إذا كانت النية لو أُظهرت كانت تفسد البيع".[69]

واستدلوا بثلاثة أدلة:
الدليل الأول: أن اعتبار ظاهر العقد، وما صرَّح به العاقدان أوجب؛ لاستقرار المعاملات بين الناس.[70]

الدليل الثاني: أن اعتبار القرائن فيه سوء ظنٍ بالمسلمين، والأصل فيهم السلامة، وقد يظن بهم السوء، ولا يقع منهم، فعلى أيِّ وجهٍ يؤثر ذلك في العقد؟.[71]

الدليل الثالث: أن الأصل في المعاملات الصحة، فلا حرمة ولا بطلان، إلا إن تُيقن في شيءٍ بعينه موجبهما.[72]

ويمكن أن يناقش ما سبق: بأن غلبة الظن يعمل بها كذلك في الأحكام الفقهية.
 
الاتجاه الثاني: التوسط في اعتبار القرائن؛ بحسب غلبة الظن عند المجتهد، وخصوصًا ما يتعلق منها بقرائن العرف والحال.

وهو ظاهرٌ في تطبيقات الحنفية،[73] وأكثر منهم في ذلك الحنابلة.[74]

قال الكاساني عند الحديث عن بيع العينة: "ولأن في هذا البيع شبهة الربا؛ لأن الثمن الثاني يصير قصاصًا بالثمن الأول، فبقي من الثمن الأول زيادةٌ لا يقابلها عوضٌ في عقد المعاوضة، وهو تفسير الربا، إلا أن الزيادة ثبتت بمجموع العقدين، فكان الثابت بأحدهما شبهة الربا، والشبهة في هذا الباب ملحقة بالحقيقة، بخلاف ما إذا نقد الثمن؛ لأن المقاصة لا تتحقق بعد الثمن، فلا تتمكن الشبهة بالعقد، ولو نقدا الثمن كله إلا شيئًا قليلاً، فهو على الخلاف".[75]

وقال ابن تيمية: " فلا نحكم في عقدٍ أنه عقد تحليل, حتى يثبت ذلك؛ إما بإقرار الزوج, أو ببينةٍ تشهد على تواطئهما قبل العقد, أو تشهد بعرفٍ جارٍ بصورة التحليل, فإن العرف المطرد على كل حالٍ جارٍ مجرى الشرط بالمقال, لكنا وإن لم نحكم إلا بالظاهر، فلا يجوز لنا أن نعامل الله سبحانه إلا بالنيات الصحيحة؛ فإن الأعمال بالنيات, فلا يجوز أن ننوي بالشيء ما حرّمه الله سبحانه, وعلينا أن ننهى الناس عما نهاهم الله سبحانه عنه، ورسوله صلى الله عليه وسلم من النيات الباطنة, وإن لم نعتقد أنها فيهم, كما ننهاهم عن سائر ما حرّمه الله سبحانه".[76]

وقال في موضع آخر: "وبهذا التحرير تظهر علة التحريم في مسائل العينة وأمثالها، وإن لم يقصد البائع الربا; لأن هذه المعاملة يغلب فيها قصد الربا، فتصير ذريعةً، فيسد هذا الباب".[77]

واستدلوا من السنة، والأثر، والمعقول:
(1) استدلوا من السنة: بما أخرجه الشيخان عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً على صدقات بني سُليم، يدعى: ابن الْلَّتَبِيَّة، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم، وهذا هدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهلا جلستَ في بيت أبيك وأمك، حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا".[78]

ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر الدافع للإهداء في الحكم عليه بأنه غلول، وعرف الدافع إلى ذلك من جهة كون العاقد متصفًا بوصف العمل،[79] قال الخطابي[80]: "دليلٌ على أن كل أمرٍ يتذرع به إلى محظور فهو محظور، ويدخل في ذلك القرض يجر المنفعة، والدار المرهونة يسكنها المرتهن بلا كراء، والدابة المرهونة يركبها، ويرتفق بها من غير عوض...
وكل دخيلٍ في العقود يجري مجرى ما ذكرناه، على معنى قول: "هلا قعد في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه، أم لا"؛ فينظر في الشيء وقرينه إذا أفرد أحدهما عن الآخر، وفرّق بين قِرانها، هل يكون حكمه عند الانفراد كحكمه عند الاقتران، أم لا؟".[81]

(2) واستدلوا من الأثر: بما أخرجه مالك في موطئه عن أبي سلمة[82] قال: إن عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه طلّق امرأته البتة، وهو مريض، فورّثها عثمان رضي الله عنه منه، بعد انقضاء عدتها.[83]

ووجه الدلالة: أن عثمان استدل بحال عبد الرحمن رضي الله عنهما حال إنشاء الطلاق، وحكم بأن باعثه عليه كان قصد حرمان زوجه من الإرث، فعامله بنقيض قصده.[84]

(3) واستدلوا من المعقول بقاعدتين:
الأولى: قاعدة المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.[85]

والثانية: قاعدة سد الذرائع؛[86] فما غلب فيه قصد الحرام مُنع، وإن لم يُقصد في كل صورة؛ لئلا يتخذه الناس ذريعة إلى الحرام، ويقول القائل: لم أقصد به ذلك, ولئلا يدعو الإنسانَ فعلُه في المرة الأولى إلى أن يقصد المحرم في مرة أخرى, أو يُعتقد أن جنس هذه المعاملة حلال، ولا يميز بين القصد وعدمه.[87]

الاتجاه الثالث: التوسع في اعتبار القرائن والتهم؛ سواء كانت غالبة، أو كثيرة الوقوع.
 
وقد أكثر من ذلك المالكية في فروعهم.[88]

قال الحطاب: " (ومُنع للتهمة ما كثر قصده) أي ومُنع كل بيع جائز في الظاهر، يؤدي إلى ممنوع في الباطن؛ للتهمة أن يكون المتبايعان قصدا بالجائز في الظاهر التوصل إلى الممنوع في الباطن، وليس ذلك في كل ما أدى إلى ممنوع، بل إنما يمنع ما أدى إلى ما كثر قصده للناس"،[89] قال الدَّرْدِير[90]: "لأن التهمة على قصد ذلك تنـزل منـزلة اشتراط ذلك، والنص عليه بالفعل".
[91]هل العينة، واستدلوا - إضافة لما سبق - من الأثر بدليلين:
الدليل الأول: ما أخرجه البخاري عن أبي بردة[92] قال: أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فقال: ألا تجيء، فأطعمك سويقًا[93] وتمرًا، وتدخل في بيتٍ، ثم قال: إنك بأرضٍ الربا بها فاشٍ، إذا كان لك على رجلٍ حقٌ، فأهدى إليك حمل تبنٍ، أو حمل شعيرٍ، أو حمل قَتٍّ[94] فلا تأخذه، فإنه ربا.[95]

ووجه الدلالة: اعتبار عبد الله بن سلام رضي الله عنه انتشار الربا، وشيوعه بين الناس في الحكم على عقودهم.
 
ونوقش هذا الاستدلال: أنه من رأي عبد الله بن سلام رضي الله عنه، أو ورعه، ولا يكون من الربا إلا إذا شرطه.[96]

الدليل الثاني: ما أخرجه البيهقي وغيره عن العالية,[97] قالت: كنتُ قاعدة عند عائشة رضي الله عنها، فأتتها أم مُحِبة،[98] فقالت لها: يا أم المؤمنين أكنت تعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم, قالت: فإني بعته جاريةً إلى عطائه بثمانمائة نسيئة، وإنه أراد بيعها، فاشتريتها منه بستمائة نقدًا, فقالت لها: بئس ما اشتريتِ، وبئس ما اشترى، أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب".[99]

ووجه الدلالة: وجود التهمة " أن يكون إنما قصد دفع دنانيرٍ في أكثر منها إلى أجل، وهو الربا المنهي عنه، فزوّر لذلك هذه الصورة؛ ليتوصلا بها إلى الحرام، مثل أن يقول قائل لآخر: أسلفني عشرة دنانير إلى شهر، وأردّ إليك عشرين دينارًا، فيقول: هذا لا يجوز، ولكن أبيع منك هذا الحمار بعشرين إلى شهر، ثم أشتريه منك بعشرة نقدًا"،[100]فالمنع من هذا التصرف لا على أن البيعتين وقعتا بشرطٍ أو تواطؤ، بل جاء المنع من باب التوسع في سدّ ذرائع القصد إلى الفساد.[101]

ونوقش هذا الاستدلال من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: ضعف الحديث؛ من وجهين:
أ- جهالة العالية امرأة أبي إسحاق، وجهالة أم محبة.[102]

وأجيب: أن أم محبة لم ترو الحديث، وإنما هي صاحبة القصة، وأما العالية فهي تابعية، وقد روت قصةً حضرتها، وهذا أدعى لضبطها لها، وقد أثبت لها ابن سعد[103] السماع من عائشة رضي الله عنها،[104] وهي امرأة أبي إسحاق السبيعي، وهو أعلم بها، وروايته عنها كالتعديل لها.[105]

ب- أن لفظه منكر؛ لأن الأعمال الصالحة لا يحبطها الاجتهاد، وإنما يحبطها الارتداد، ومحال أن تقصد عائشة رضي الله عنها تكفير زيد رضي الله عنه بمسائل الخلاف.[106]

وأجيب: أن أم المؤمنين إن كانت قصدت أن هذا العمل كفر، فلا يلزم تكفيرها لزيد رضي الله عنه؛ لأنه معذور؛ إذ لم يعلم، لذا قالت: أبلغيه، ويحتمل أنها قصدت أن هذا العمل من الكبائر، التي يذهب إثمها بثواب الجهاد؛ بمنـزلة من عمل حسنةً، ثم سيئةً بقدرها.[107]

والوجه الثاني من المناقشة: أنه من قول عائشة رضي الله عنها، وقد خالفها في ذلك زيد بن أرقم رضي الله عنه، فلا حجة في قولها مع وجود المخالف لها من الصحابة.[108]

وأجيب من وجهين:
الأول: أن زيدًا رضي الله عنه لم يخالفها؛ لأنه لم يقل: هذا حلال، بل فعله، وفعل المجتهد لا يدل على قوله على الصحيح.[109]

والثاني: أن مثل هذا الوعيد لا يقال إلا عن سماعٍ من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن تنكر عائشة رضي الله عنها على زيدٍ رضي الله عنه رأيه بمجرد رأيها؛ فعُلم بذلك أنها إنما قالته عن توقيف.[110]

والثالث من المناقشات: أن إنكار عائشة رضي الله عنها قد يُحمل على أن زيدًا رضي الله عنه باع إلى العطاء، وهو أجلٌ مجهول.[111]

وأجيب: بأنه قد ثبت عن عائشة رضي الله عنها جواز البيع إلى العطاء، فلم ترد بإنكارها ذلك.[112]

القول المختـار:
للقرائن دلالةٌ معتبرةٌ شرعًا، دلت على ذلك العديد من النصوص الشرعية، وتطبيقات الفقهاء في كثيرٍ من الأبواب الفقهية،[113] حتى عند الشافعية أنفسهم،[114] ومتى ما قويت القرينة كان للنظر فيها اعتبار في الحكم الشرعي، يخرج به عن الأصل، وعن إجراء الحكم على ظاهره، وهذه القوة المعتبرة للقرائن تحصل من جهتين:
أولها: قوة دلالة القرينة على القصد؛ من جهة ظهورها، أو كثرة التوسل بها إلى المقصود، أو من جهة اتفاقهم، أو أكثرهم عليها، حتى يغلّب الحكم بالظاهر على الأصل.[115]

ثانيها: اجتماع عددٍ من القرائن في المعاملة الواحدة، بحيث يتقوى جانبٌ على الآخر.[116]

وكل هذا محل نظر المجتهد، وإنما يحكم بحسب غلبة ظنه.
 
قال ابن القيم: "فالحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات، ودلائل الحال، ومعرفة شواهده، وفي القرائن الحالية والمقالية؛ كفقهه في جزئيات، وكليات الأحكام أضاع حقوقًا كثيرةً على أصحابها، وحكم بما يعلم الناس بطلانه، لا يشكون فيه، اعتمادًا منه على نوع ظاهرٍ، لم يلتفت إلى باطنه، وقرائن أحواله".[117]

2- وأما النظر الثاني: فاعتبار مآلات العقود والتصرفات:
وقد اعتبرت الشريعة الحكم على الشيء باعتبار مآله في صورٍ كثيرة:[118]
‌أ- ترك الفعل، أو الأمر بتركه؛ لما يؤول إليه من المفاسد؛ فمن الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، لولا أن قومك حديثو عهدٍ بشرك لهدمت الكعبة، فألزقتها بالأرض، وجعلت لها بابين؛ بابًا شرقيًا، وبابًا غربيًا، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشًا اقتصرتها حيث بنت الكعبة"، وفي رواية: "فأخـاف أن تنكر قلوبهم"،[119] ومن الثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ثم يغتسل منه"،[120] قال القرافي: "ومحمله عند علمائنا على سدّ الذريعة عن فساده؛ لئلا يتوالى ذلك، فيفسد الماء على الناس".[121]

‌ب- منع الفعل المباح إذا قُصد منه ترتب الممنوع؛ كمنع الوصية، والرجعة إذا قُصد منهما الإضرار، قال تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ﴾،[122] وقال سبحانه: ﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾.[123]

‌ج- الأمر بترك الفعل لكثرة إفضائه إلى الممنوع؛ كحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يومٍ، أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم"،[124] قال ابن تيمية: "ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تقدم رمضان باليوم واليومين، وعلل الفقهاء ذلك بما يخاف من أن يزاد في الصوم المفروض ما ليس منه، كما زاده أهل الكتاب من النصارى".[125]

‌د- الأمر بالفعل لما يؤول إليه من المصالح الراجحة؛ كقوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.[126]

وإذا كانت الشريعة قد اعتنت بفقه اعتبار المآل في أبواب الفقه بعامة، فإنها أولت ذلك مزيد اهتمامٍ في خصوص أبواب المعاملات المالية، ومن دقة الاعتناء بذلك:
‌أ- منع سلفٍ وبيع؛ لأنه يُتذرع به إلى محاباة المقرض.[127]

‌ب- منع بيع التمر بالتمر متفاضلاً؛ لأنه يتذرع به إلى ربا النسيئة.[128]

‌ج- منع مدّ عجوة ودرهم بمدٍّ ودرهم؛ لمنع التذرع إلى ربا الفضل.[129]

‌د- منع بيع العينة، وقد كان من فقه ابن عباس رضي الله عنهما لما سُئل عنها أن قال: درهمٌ بدرهم، وبينهما حريرة؛[130] أي أنها تؤول إلى ذلك.
 
ولاعتبار المآل شروط وضوابط يجب الأخذ بها:[131]
1- أن يكون المآل متحقق الوقوع؛ إما مقطوعًا به، أو كثيرًا غالبًا.
 
2- أن يكون المآل ظاهرًا منضبطًا، بحيث يمكن إناطة الحكم به، فلا يكون خفيًا، أو منتشراً مضطربًا.
 
3- أن لا يؤدي اعتبار المآل إلى تفويت مصلحةٍ راجحة، أو حصول ضررٍ أشد؛ كمنع سفر المرأة بلا محرم للهجرة، وإنكار المنكر إذا أدّى إلى مفسدةٍ أعظم.
 
وضبط النظر في هذا الباب من الأهمية بمكان؛ إذ الخلل فيه سينحرف بطرفٍ إلى التوسع في الإباحة نفيًا للذريعة، وبالآخر إلى التوسع في الحظر سدًا للذريعة المتوهمة، ومن رحمة الله أن جعل لذلك أدلة وقرائن يُهتدى بها، ومما تُنضبط به معرفة المآلات أمور:[132]

أولها: التصريح به من المشرع؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾.[133]

وثانيها: القرائن المحّتّفة بالمعاملة، وحقيقة القرينة المعتبرة كل ما يحصل به ظنٌ غالبٌ بالحكم، ومن ذلك:
‌أ- طبيعة المحل: فينظر في طبيعة المحل، وخصائصه الذاتية، وعوارضه الملازمة، وما قد يترتب من إجراء العقد عليه؛ لذا حرم اقتناء آنية الذهب والفضة؛ لما يؤول من استعمالهما.[134]

‌ب- دلالة العادة والعرف؛ كمنع بناء مصنعٍ في مدينة سكنية، أو فتح نافذةٍ تطل على عورات الجيران؛ لما يؤول إليه ذلك من الضرر،[135] قال الكاساني: "ولو اشترى قُمْرِيّة[136] على أنها تصوِّت، أو طيرًا على أنه يجيء من مكانٍ بعيد، أو كبشًا على أنه نطّاح، أو ديكًا على أنه مقاتل فالبيع فاسد عند أبي حنيفة...
ولأن هذه صفاتٌ يتلهى بها عادةً، والتلهي محظور، فكان هذا شرطًا محظورًا، فيوجب فساد البيع".[137]

‌ج- دلالة الحال؛ سواءً كان حال الشخص، ومنه نهي النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر رضي الله عنه أن يتولى مال يتيم،[138] أو كان حال الواقع؛ كمنع بيع السلاح زمن الفتنة.[139]

‌د- دلالة التجربة، وقد استدل بها موسى عليه الصلاة والسلام، ففي الحديث أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة فرض الصلاة: "وإني والله، قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف لأمتك"،[140] قال ابن حجر: "وفيه أن التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة"،[141] وقال العـز بن عبد السلام[142]: "وأما مصالح الدنيا، وأسبابها، ومفاسدها فمعروفةٌ بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات، فإن خفي شيءٌ من ذلك طُلب من أدلته"،[143] ومن أشهر الأحكام التي بناها أهل العلم على التجربة المتكررة تقدير أقل الحيض، وأكثره.[144]

وقد أنشئت في هذا العصر مراكز بحثية لاستشراف المستقبل، ومعرفة مآلات الأفعال، وأصبح هذا علمًا تُدرس قواعده، وتستنبط أحكامه، من خلال استطلاع الآراء، واستبانة مكنونات الأفراد والجماعات ودوافعهم، وجمع المؤشرات من واقع الأحداث والوقائع، وتحليل ذلك كله في ضوء القواعد القدرية للأسباب والنتائج، والأسس العلمية للنشوء والتطور.[145]

وقد تكون الخبرة بواقع الناس، وماضيهم مؤشرًا إلى ما ستؤول له الأمور بعدُ، ويعجبني أن أنقل كلامًا للدكتور يوسف الشبيلي في معرض استدلاله بقاعدة سد الذرائع، ردًا على من أجاز إلزام المدين المماطل بالتعويض، يقول: "خشية أن يؤول الأمر إلى استباحة الفوائد الربوية، بحجة أنها تعويض للدائن عما فاته من منافع، وقد كانت بداية استحلال الفائدة في الدول الغربية بمثل هذه الشبهة، فقد جاء على لسان توما الأكويني - أحد قدامى المنظرين الغربيين-، ثم نقل عبارته، ثم قال: ومما يقوي هذا القول أن المصرف حتماً سيفضل عدم الإلحاح على العميل في المطالبة طمعًا بالعوض الذي سيناله مقابل التأخير؛ لأن هذا العوض على أيّة حال لن يكون أقل مما سيحققه البنك من أرباحٍ خلال نفس الفترة، والعميل أيضاً سيستسهل المطالبة والتأخير، وتحمل العوض بدلاً من السداد؛ لأن ذلك لن يقابل بإلحاحٍ جادٍ من البنك، ومن ثم تنقلب الصورة مع مرور الزمن، وتواطؤ الناس على ذلك إلى اتفاقٍ ضمني على التأخير والتعويض، ولأن إرجاء تحديد مقدار التعويض إلى ما بعد السداد قد يؤدي إلى المنازعة والخلاف، مع ما يصحب ذلك من صعوبةٍ في التقدير، فليس من المستبعد أن يتم تحديد مقدار التعويض في بداية العقد، وأن يكون مربوطًا بعدد أيام التأخير، تمامًا كما تحسب الفائدة، الأمر الذي يؤدي إلى تجويز الفائدة المحرمة باتفاق المجتهدين، تحت غطاء التعويض عن التأخير".[146]



[1] الموافقات، للشاطبي، (2/ 331).


[2] بيان الدليل، ص(95).


[3]الرقابة الشرعية على شركات التأمين التعاوني، ص(30).


[4] مقاصد الشريعة الإسلامية، ص(464).


[5] المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، لإحسان مير، (2/ 789).


[6] ينظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص(464-477)، الإسلام وضرورات الحياة، لعبد الله القادري، ص(129-184)، مقاصد الشريعة الخاصة بالتصرفات المالية، لابن زغيبة، ص(106-325)، مقاصد الشريعة والمعاملات الاقتصادية والمالية، لعبد اللطيف الصباغ، ص(180).


[7] ينظر: البنوك الإسلامية بين الحرية والتنظيم، لجمال الدين عطية، ص(138).


[8] ينظر: الاقتصاد الإسلامي علم أم وهم، لمنذر قحف، ص(187-194).


[9] ينظر: أساسيات الصناعات المصرفية الإسلامية، لصادق الشمري، ص(225)، التورق المصرفي، لحسين شحاتة، منشور في مجلة الاقتصاد الإسلامي، العدد 274، ص(30).


[10] ينظر: خاطرات حول المصرفية الإسلامية، للحصين، ص(111)، قضايا في الاقتصاد، للسويلم، ص(90).


[11] ينظر: أساسيات الصناعات المصرفية الإسلامية، لصادق الشمري، ص(225).


[12] في مصنفه، (6/ 402)، برقم 21872، وعبد الرزاق، (8/ 253)، برقم 15113، ورجال إسناده ثقات.


[13] ينظر: المبسوط، للسرخسي، (20/ 88)، تفسير القرطبي، (3/ 417)، فتح الباري، لابن حجر، (4/ 468)، إغاثة اللهفان، لابن القيم، (2/ 13)، نيل الأوطار، للشوكاني، (5/ 358).


[14] ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي، (5/ 41)، الذخيرة، للقرافي، (6/ 271)، مواهب الجليل، للحطاب، (4/ 391)، المهذب، للشيرازي، (1/ 304)، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، (2/ 102)، تفسير الرازي، (7/ 77)، التحرير والتنوير، لابن عاشور، (3/ 85).


[15] ينظر: مدخل إلى أصول التمويل الإسلامي، لسامي السويلم، ص(31-32).



[16] ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي، (3/ 314)، الفواكه الدواني، للنفراوي، (2/ 108)، الحاوي الكبير، للماوردي، (5/ 345)، مجموع فتاوى ابن تيمية، (29/ 48).


[17] [المائدة: 90-91].


[18] ينظر: المدخل الفقهي العام، للزرقا، (1/ 400).


[19] بيان الدليل على بطلان التحليل، ص(386).


[20] ينظر: القوانين الفقهية، لابن جزي، ص(140)، المغني، لابن قدامة، (7/ 181)، وهو قول الشافعية كذلك إذا شرطه في العقد صريحًا، ينظر: مغني المحتاج، للشربيني، (4/ 300)، وكرهه أبو حنيفة، ولم يبطله، ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (3/ 187).


[21] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (3/ 218)، الذخيرة، للقرافي، (13/ 68)، المغني، لابن قدامة، (6/ 395)، وهو المذهب القديم للشافعي، ينظر: روضة الطالبين، للنووي، (8/ 75).


[22] حقيقة الباعث في الفقه، لخالد الخشلان، ص(20)، وينظر: نظرية التعسف في استعمال الحق، لفتحي الدريني، ص(207).


[23] إعلام الموقعين، (3/ 48).


[24] ينظر: بدائع الصنائع، (5/ 176)، الذخيرة، للقرافي، (4/ 77)، المجموع، للنووي، (9/ 374)، المغني، لابن قدامة، (4/ 162).


[25] ينظر: مقاييس اللغة، لابن فارس، (6/ 121)، المواطأة على إجراء العقود المتعددة، لنزيه حماد، ص(75)، حقيقة الباعث، للخشلان، (58-65).


[26] ينظر: المبسوط، للسرخسي، (18/ 124)، بدائع الصنائع، للكاساني، (3/ 187)، و(5/ 176)، حاشية ابن عابدين، (5/ 273)، (6/ 251).


[27] ينظر: الحاوي، للماوردي، (10/ 331)، الوسيط، للغزالي، (3/ 65)، البيان، للعمراني، (5/ 137)، الشرح الكبير، للرافعي، (8/ 225)، المجموع، للنووي، (9/ 374)، أسنى المطالب، لزكريا الأنصاري، (2/ 93)، مغني المحتاج، للشربيني، (4/ 300)، البجيرمي على الخطيب، (3/ 290)، الفتاوى الفقهية الكبري، لابن حجر الهيتمي، (2/ 157).


[28] ينظر: الفروع، لشمس الدين بن مفلح، (4/ 35)، الإنصاف، للمرداوي، (4/ 265).


[29] هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، أبو محمد الظاهري، فقيه أصولي محدث متكلم شاعر، نشأ شافعي المذهب، ثم انتقل إلى المذهب الظاهري، له عدة مصنفات، من أشهرها: المحلّى بالآثار، والإحكام في أصول الأحكام، توفي سنة 456هـ، مترجم له في سير أعلام النبلاء، للذهبي، (18/ 184)، وفيات الأعيان، لابن خلكان، (3/ 325-330).


[30] ينظر: المحلى، لابن حزم، (8/ 412).


[31] ينظر: المبسوط، للسرخسي، (18/ 124).


[32] ينظر: إعلام الموقعين، لابن القيم، (3/ 77).


[33] ينظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، (3/ 355).


[34] ينظر: المصدر السابق، (3/ 353).


[35] ينظر: التاج والإكليل، للمواق، (4/ 405)، شرح خليل، للخرشي، (2/ 215)، حاشية الدسوقي، (1/ 496)، بلغة السالك، للصاوي، (1/ 428).


[36] ينظر: الكافي، (2/ 125)، المغني، لابن قدامة، (4/ 42)، الفروع، لشمس الدين بن مفلح، (4/ 125)، شرح الزركشي، (2/ 402)، المبدع، لبرهان الدين بن مفلح، (4/ 209)، الإنصاف، للمرداوي، (4/ 337)، كشاف القناع، للبهوتي، (3/ 268).


[37] هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، أبو يوسف الحنفي، فقيه أصولي مجتهد محدث، تفقه على أبي حنيفة، ولي القضاء ببغداد، ودُعي بقاضي القضاة، من تصانيفه: كتاب الخراج، توفي سنة 182هـ، مترجم له في التاريخ الصغير، للبخاري، (2/ 208)، الجواهر المضية، لابن أبي الوفاء القرشي، (3/ 611-613).


[38] ينظر: المبسوط، للسرخسي، (18/ 124)، بدائع الصنائع، للكاساني، (5/ 176)، حاشية ابن عابدين، (5/ 274).


[39] ينظر: الوسيط، للغزالي، (3/ 65)، الشرح الكبير، للرافعي، (8/ 225)، أسنى المطالب، لزكريا الأنصاري، (2/ 93).


[40] ينظر: مجموع الفتاوى، (39/ 336).


[41] [المائدة: 1].


[42] ينظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، (3/ 351).


[43] أخرجه أبو داود في كتاب الأقضية، باب الصلح، (3/ 304)، برقم 3594، والترمذي في كتاب الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس، (3/ 28)، برقم 1352، وفي إسناد أبي داود كثير ابن زيد الأسلمي، روى عنه مالك وحماد بن زيد، وقال عنه أبو زرعة: صدوق فيه لين، ينظر: تهذيب التهذيب، لابن حجر، (8/ 413-415)، وفي إسناد الترمذي كثير بن عبد الله المزني، وقد أجمعوا على ضعفه، ويرويه عن والده، وهو مجهول، ينظر: خلاصة البدر المنير، لابن الملقن، (2/ 87)، قال ابن حجر في تغليق التعليق، (3/ 282): "وكثير بن زيد، أسلمي...
فحديثه حسن في الجملة، وقد اعتضد بمجيئه من طريق أخرى".


[44] ينظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، (3/ 351).


[45] ينظر: المصدر السابق، (3/ 222).


[46] ينظر: المغني، لابن قدامة، (4/ 43)، مجموع فتاوى ابن تيمية، (39/ 336)، المواطأة على العقود، لنزيه حماد، ص(103).


[47] ينظر: فتح الباري، لابن حجر، (12/ 328-329).


[48] ينظر: بداية المجتهد، لابن رشد، (3/ 162).


[49] ينظر: فتح الباري، لابن حجر، (12/ 328-329).


[50] ينظر: المواطأة على العقود، لنزيه حماد، ص(97).


[51] ينظر: إعلام الموقعين، لابن القيم، (3/ 77).


[52] ينظر: المعايير الشرعية، ص(420).


[53] ينظر: البحر الرائق، لابن نجيم، (5/ 292)، حاشية الدسوقي، (3/ 3)، المغني، لابن قدامة، (3/ 481)، وهو وجه عند الشافعية، ينظر: مغني المحتاج، للشربيني، (2/ 326).


[54] ينظر: الفروق، للقرافي، (1/ 176)، البحر المحيط، للزركشي، (5/ 86).


[55] ينظر: المستصفى، للغزالي، ص(300)، الإحكام، للآمدي، (4/ 62).


[56] أخرجه البخاري في باب بدء الوحي، (1/ 2)، برقم 1، ومسلم في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنية، ويدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال، (3/ 1515)، برقم 1907.


[57] يراجع: الموافقات، للشاطبي، (1/ 218)، كشاف القناع، للبهوتي، (1/ 511).


[58] هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الحنبلي، موفق الدين، أبو محمد، كان عالمًا فقيهًا أصوليًا، من تصانيفه: المغني شرح الخرقي، ولمعة الاعتقاد، توفي سنة 620هـ، له ترجمة في سير أعلام النبلاء، للذهبي، (22/ 166)، الذيل على طبقات الحنابلة، لابن رجب، (4/ 133-149).


[59] المغني، (4/ 168).


[60] هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني، علاء الدين، وكاسان، وقيل: كاشان، بلدة وراء الشاش، لُـقب بملك العلماء، تفقه على علاء الدين السمرقندي، وتزوج ابنته، وكان مهرها كتابه بدائع الصنائع، توفي سنة 587هـ، انظر ترجمته في تاج التراجم، للسُودُوني، ص(327-329)، طبـقات الحنـفية، للرومي، ص(243-246).


[61] بدائع الصنائع، (1/ 262-263).



[62] هو يوسف بن عبد الله بن محمد، أبو عمر النمري القرطبي الحافظ، تولى قضاء الأشبونة وشنترين، له شرحان على الموطأ: التمهيد، والاستذكار، توفي سنة 463هـ، ترجمته في الديباج المذهب، لابن فرحون، ص(357-359)، الوافي بالوفيات، للصفدي، (29/ 99-100).


[63] الكافي، لابن عبد البر، (2/ 677).


[64] قال في لسان العرب (2/ 297): "حجة ساذجة، بالفتح، غير بالغة، قال ابن سيده: أراها غير عربية، إنما يستعملها أهل الكلام فيما ليس ببرهان قاطع، وقد يستعمل في غير الكلام والبرهان، وعسى أن يكون أصلها سادة، فعُرّبت كما اعتيد مثل هذا في نظيره من الكلام المعرّب".


[65] المغني، (10/ 155).


[66] مع حاشية الصاوي، (3/ 117)، وينظر: الشرح الكبير، للدردير، مع حاشية الدسوقي، (3/ 77)، المغني، لابن قدامة، (4/ 133).


[67] ينظر: الموافقات، للشاطبي، (4/ 200)، نظرية التعسف، للدريني، ص(179).


[68] ينظر: الأم، للشافعي، (3/ 39)، الشرح الكبير، للرافعي، (8/ 232)، روضة الطالبين، للنووي، (3/ 417)، أسنى المطالب، لزكريا الأنصاري، (2/ 41)، مغني المحتاج، للشربيني، (4/ 300).


[69] الأم، (3/ 74).


[70] يراجع: المجموع، للنووي، (9/ 261).


[71] ينظر: الأم، للشافعي، (3/ 74).


[72] ينظر: نهاية المحتاج، للرملي، (3/ 477).


[73] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (1/ 262-263)، (5/ 143)، تبيين الحقائق، للزيلعي، (6/ 28-29)، عمدة القاري، للعيني، (13/ 156)، البحر الرائق، لابن نجيم، (8/ 152).


[74] ينظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، (3/ 274)، إغاثة اللهفان، لابن القيم، (1/ 363)، الفروع، لشمس الدين ابن مفلح، (2/ 506)، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، (2/ 102)، كشف المخدرات، للبعلي، (1/ 417).


[75] بدائع الصنائع، (5/ 199).


[76] بيان الدليل على بطلان التحليل، ص(431).


[77] المصدر السابق، ص(255).


[78] أخرجه البخاري، في كتاب الحيل، باب احتيال العمل ليهدى له، (9/ 36)، برقم 6979، ومسلم، في كتاب الإمارة، باب تحريم هدايا العمال، (3/ 1463)، برقم 1832.


[79] ينظر: إرشاد الساري، للقسطلاني، (10/ 117).


[80] هو حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي، أبو سليمان الخطابي، له: غريب الحديث، ومعالم السنن في شرح أبي داود، توفي سنة 388هـ، له ترجمة في سير أعلام النبلاء، للذهبي، (73/ 23-28)، البداية والنهاية، لابن كثير، (11/ 236-237).


[81] معالم السنن، (3/ 8).


[82] هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، حدّث عن أبيه قليلاً، وعن جمع من الصحابة رضي الله عنهم، كان ثقة فقهيًا كثير الحديث، توفي سنة 94هـ، مترجم له في الطبقات، لابن سعد، (5/ 155-156)، سير أعلام النبلاء، للذهبي، (4/ 287-292).


[83] أخرجه مالك في الموطأ، في كتاب الطلاق، باب طلاق المريض، (4/ 822)، برقم 15523، والبيهقي في السنن الكبرى، في كتاب القسم والنشوز، باب ما جاء فى توريث المبتوتة فى مرض الموت، (7/ 362)، برقم 14903، وصححه ابن الملقن في البدر المنير، (8/ 121)، والألباني في إراواء الغليل، (6/ 159)، على شرط البخاري.


[84] ينظر: حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني، (2/ 505)، تحفة المحتاج، لابن حجر الهيتمي، (8/ 47).


[85] ينظر: مجلة الأحكام العدلية، المادة (43)، ص(21).


[86] ينظر: الموافقات، للشاطبي، (3/ 305)، إرشاد الفحول، للشوكاني، ص(411).


[87] ينظر: بيان الدليل، لابن تيمية، ص(431).


[88] ينظر: المدونة الكبرى، لمالك، (9/ 89)، المقدمات الممهدات، لابن رشد الجد، (2/ 42)، بداية المجتهد، لابن رشد، (2/ 106)، مختصر خليل، ص(177)، شرح الخرشي على خليل، (5/ 94)، حاشية الدسوقي، (3/ 77)، بلغة السالك، للصاوي، (3/ 129).


[89] مواهب الجليل، (4/ 390).


[90] هو أحمد بن محمد بن أحمد العدوي الأزهري، الشهير بالدردير، أبو البركات، فقيه مالكي، من مصنفاته: أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك، توفي سنة 1201هـ، ينظر: الأعلام، للزركلي، (1/ 244)، معجم المؤلفين، لكحالة، (2/ 67).


[91] الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي، (3/ 76).


[92] هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، قاضي الكوفة، اسمه الحارث، وقيل: عامر، روى له الجماعة، توفي سنة 104هـ، ينظر: الكاشف، للذهبي، (7/ 407)، البداية والنهاية، لابن كثير، (9/ 231).


[93] هو دقيق الشعير، أو السلت المقلي، ينظر: فتح الباري، لابن حجر، (1/ 312).


[94] أرضٍ: هي أرض العراق، وفاشٍ: شائع كثير، من الفشو، حمل قت: بفتح القاف، وتشديد التاء، نوع من علف الدواب، ينظر: عمدة القاري، للعيني، (16/ 277)، فتح الباري، لابن حجر، (7/ 131).


[95] أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه، (5/ 47)، برقم 3814.


[96] ينظر: فتح الباري، لابن حجر، (7/ 131).


[97]هي العالية بنت أيفع بن شراحيل، امرأة أبي إسحاق السبيعي، ينظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد، (8/ 487).


[98] أم محبة، بضم الميم، وكسر الحاء، هكذا ضبطه الدارقطني، سمعت من ابن عباس رضي الله عنه، وروى عنها أبوإسحاق السبيعي، ينظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد، (8/ 488)، نصب الراية، للزيلعي، (4/ 15).


[99] أخرجه عبد الرزاق (8/ 184)، برقم 14812، والدارقطني، في كتاب الحج، باب المواقيت، (3/ 52)، برقم 211، والبيهقي في السنن الكبرى، في كتاب البيوع، باب الرجل يبيع الشيء إلى أجل ثم يشتريه بأقل، (5/ 330)، برقم 11113.


[100] بداية المجتهد، لابن رشد، (3/ 161).


[101] ينظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد الجد، (2/ 55)، التاج والإكليل، للمواق، (6/ 271).


[102]ينظر: المحلى، لابن حزم، (9/ 49)، الاستذكار، لابن عبد البر، (6/ 272).


[103]هو محمد بن سعد بن منيع الزهري مولاهم، أبو عبد الله البصري، كاتب الواقدي، محدث حافظ، من تصانيفه: الطبقات الكبرى، توفي سنة 230هـ، ينظر: تاريخ بغداد، للخطيب، (5/ 321)، تذكرة الحفاظ، للذهبي، (2/ 425).


[104]ينظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد، (8/ 487).


[105] ينظر: التحقيق في أحاديث الخلاف، لابن الجوزي، (2/ 184)، تهذيب سنن أبي داود، لابن القيم، (9/ 246).


[106] ينظر: الاستذكار، لابن عبد البر، (6/ 272).


[107] ينظر: تهذيب سنن أبي داود، لابن القيم، (9/ 246).


[108] ينظر: الأم، للشافعي، (3/ 39) .


[109] ينظر: تهذيب سنن أبي داود، لابن القيم، (9/ 246).


[110] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (5/ 199)، المغني، لابن قدامة، (4/ 132).


[111] ينظر: الأم، للشافعي، (3/ 39) .


[112] ينظر: البناية، للعيني، (8/ 174).


[113] ينظر: الإثبات بالقرائن في الفقه الإسلامي، لإبراهيم الفائز، ص(77-124)، القضاء بالقرائن، لعبد الرحمن أبو البصل، منشور في مسائل في الفقه المقارن، ص(283-290).


[114] ينظر: روضة الطالبين، للنووي، (3/ 525)، حاشية قليوبي على شرح المحلي للمنهاج، (2/ 193).


[115] ينظر: الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص(64)، القواعد، لابن رجب، ص(389)، المعايير الشرعية، ص(421).


[116] ينظر: نظرية التعسف، للدريني، ص(208).


[117] الطرق الحكمية، ص(4-5)، وينظر: فتح الباري، لابن حجر، (12/ 328).


[118] ينظر: اعتبار مآلات الأفعال وأثرها الفقهي، لوليد الحسين، (1/ 81-147).


[119] أخرجه البخاري في كتاب التمني، باب ما يجوز من اللو، (9/ 106)، برقم 7243، ومسلم في كتاب الحج، باب نقض الكعبة وبنائها، (2/ 969)، برقم 1333، عن عائشة رضي الله عنها.


[120] أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب البول في الماء الدائم، (1/ 68)، برقم 238، ومسلم في كتاب الطهارة، باب النهي عن البول في الماء الراكد، (1/ 235)، برقم 282.


[121] الذخيرة، (1/ 202).


[122] [النساء: 12].


[123] [البقرة: 231].


[124] أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم، ولا يومين، (3/ 35)، برقم 1914.


[125] اقتضاء الصراط المستقيم، (1/ 286).


[126] [البقرة: 216].


[127] ينظر: بيان الدليل، لابن تيمية، ص(261).


[128] ينظر: زاد المعاد، لابن القيم (4/ 78).


[129] ينظر: إعلام الموقعين، لابن القيم، (2/ 109).


[130] أخرجه مالك في المدونة، (3/ 161)، وابن أبي شيبة، في كتاب البيوع والأقضية، باب من كره العينة، (6/ 47)، برقم 20527، وقد قوّاه ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود، (9/ 241)، وصححه ابن التركماني في الجوهر النقي، (5/ 331).


[131] ينظر: اعتبار مآلات الأفعال، لوليد الحسين، (1/ 217-334).


[132] ينظر: اعتبار مآلات الأفعـال، لوليد الحسين، (1/ 246-254)، اعتبار المـآلات ومراعاة نتـائج التصـرفات، لعبد الرحمن السنوسي، ص(381-395).


[133] [الأنعام: 108]، وينظر: تفسير ابن كثير، (2/ 165)، تفسير القرطبي، (7/ 61) بيان الدليل، لابن تيمية، ص(256).


[134] ينظر: حاشية ابن عابدين، (6/ 341)، الذخيرة، للقرافي، (1/ 167)، المهذب، للشيرازي، مع المجموع، (1/ 247)، المغني، لابن قدامة، (7/ 285).


[135] ينظر: شرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص(205).


[136] القمري: نوعٌ من الحمام، مطوق، حسن الصوت، والأنثى قمرية، ينظر: لسان العرب، لابن منظور، (5/ 115)، المعجم الوسيط، (2/ 758).


[137] بدائع الصنائع، (5/ 169).


[138] ولفظه: يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم"، أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة، (3/ 1457)، برقم 1826، عن أبي ذر رضي الله عنه.


[139] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (5/ 233)، مواهب الجليل، للحطاب، (4/ 254)، المجموع، للنووي، (9/ 354)، المغني، لابن قدامة، (4/ 168).


[140] أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة، باب المعراج، (5/ 69)، برقم 3887 عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه.


[141] فتح الباري، (7/ 218).


[142] هو عبد العزيز بن عبد السـلام بن أبي القاسم السلمي الدمشـقي الشافعي، عز الدين، أبو محمد، المعروف بابن عبد السلام، كان يلقب بسلطان العلماء وبائع الملوك، فقيه أصولي مفسر، تولى رئاسة القضاء بمصر، من مؤلفاته: القواعد الكبرى، ومختصر صحيح مسـلم، توفي سنة 660هـ، له ترجمة في البداية والنهاية، لابن كثير، (13/ 235)، وطبقات الشافعية الكبرى، للسبكي، (8/ 209-255).


[143] قواعد الأحكام، (1/ 8).


[144] ينظر: المبسوط، للسرخسي، (2/ 16)، الذخيرة، للقرافي، (1/ 133)، روضة الطالبين، للنووي، (1/ 143)، الإنصاف، للمرداوي، (1/ 362).


[145] ينظر: مآلات الأفعال وأثرها في فقه الأقليات، للنجار، ص(20).


[146] الخدمات الاستثمارية في المصارف، (1/ 651-652)، وانظر كلامًا نفيسًا في هذا للدكتور سامي السويلم حول التورق، في كتابه قضايا في الاقتصاد، ص(359-364).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢