أرشيف المقالات

فوائد من جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب

مدة قراءة المادة : 19 دقائق .
فوائد من جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فمن أشهر مؤلفات الحافظ ابن رجب رحمه الله "جامع العلوم والحكم" الذي يعتبر أهم وأفضل شروح "الأربعين النووية" للإمام النووي رحمه الله، وقد أودع في هذا الشرح الكثير من الفوائد، وقد يسَّر الله الكريم لي فاخترت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفعني والقُرَّاء بها.

• عن زُبَيْد اليامي، قال: إني لأحبُّ أن تكون لي نية في كلِّ شيءٍ حتى في الطعام والشراب.
• عن سفيان الثوري: ما عالجت شيئًا أشدَّ عليَّ من نيتي؛ لأنها تتقلبُ عليَّ.
• قال ابن المبارك: رُب عملٍ صغير تُعظمه النية، ورُب عملٍ كبيرٍ تُصغره النية.
• قال سهل بن عبدالله: ليس على النفس شيء أشقّ من الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب.

• قال يوسف بن الحسين الرازي: أعزُّ شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، وكأنه ينبُتُ فيه على لون آخر.

• قوله صلى الله عليه وسلم في تفسير الإحسان: ((أن تعبد الله كأنك تراه)) يشير إلى أن العبد يعبد الله على هذه الصفة، وهي: استحضار قُربه، وأنه بين يديه كأنه يراه، وذلك يوجب الخشية، والخوف، والهيبة، والتعظيم، ويوجب أيضًا النصح في العبادة، وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها.

• قال بعضهم: خفِ اللهَ على قدر قُدرته عليك، واستحي منه على قدر قُربه منك.

• خاتمة السُّوء تكونُ بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، من جهة عمل سيئٍ، ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت.

• قال عبدالعزيز بن أبي رَوَّاد: حضرت رجلًا عند الموت يُلَقَّن "لا إله إلا الله"، فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول، ومات على ذلك، قال: فسألت عنه، فإذا هو مدمنُ خمرٍ.
فكان عبدالعزيز يقولُ: اتقوا الذنوب؛ فإنها هي التي أوقعته.


• كان سفيان يشتد قلقه، فكان يبكي، ويقول: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيًّا، ويبكي، ويقول: أخاف أن أُسْلَب الإيمان عند الموت.

• قال الحسن: ما زالت التقوى بالمتقين، حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام.

• قال سفيان بن عيينة: لا يُصيبُ العبدُ حقيقة الإيمان، حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزًا من الحلال، وحتى يدع الإثم، وما تشابه منه.


• قوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلا وهي القلب)) فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه للمحرمات، واتقائه للشبهات، بحسب صلاح حركة قلبه، فإن كان قلبه سليمًا، ليس فيه إلا محبة الله، محبة ما يحبه الله، وخشية الله، وخشية الوقوع فيما يكرهه، صلحت حركات الجوارح كلّها، ونشأ عن ذلك اجتنابُ المحرمات كلها، وتوقي الشُّبهات، حذرًا من الوقوع في المحرمات.
وإن كان القلب فاسدًا قد استولى عليه اتباع هواه، وطلبُ ما يحبُّه ولو كَرِههُ الله، فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعث إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب هوى القلب.

فلا صلاح للقلوب حتى تستقر فيها معرفة الله، وعظمته، ومحبته، وخشيته، ومهابته، والتوكل عليه، وتمتلئُ من ذلك، وهذا هو حقيقة التوحيد، وهو معنى " لا إله إلا الله" فلا صلاح للقلوب حتى يكون إلهها الذي تألههُ، وتعرفُه، وتحبُّه، وتخشاهُ، هو الله، وحده لا شريك له.

• قال الحسن: ما نظرت ببصري، ولا نطقت بلساني، ولا بطشت بيدي، ولا نهضت على قدمي، حتى أنظر على طاعة أو معصية، فإن كانت طاعة تقدمتُ، وإن كان معصيةً تأخرتُ.


• كان السلف إذا أرادوا نصيحة أحدٍ، وعظوه سرًّا، حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس، فإنما وبَّخه.

• قال معمر: أنصح الناس لك مَنْ خاف الله فيك.

• قال عبدالعزيز بن أبي رَوَّاد: كان من كان قبلكم إذا رأى الرجلُ من أخيه شيئًا، يأمرُهُ في رفقٍ؛ فيؤجر في أمرِه ونهيهِ، وإنَّ أحدَ هؤلاء يخرقُ بصاحبه، فيستغضب أخاه، ويهتك سترهُ.


• الذي يتعين على المسلم الاعتناء به: أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم يجتهد في فهم ذلك، ثم يشتغل بالتصديق بذلك إن كان من الأمور العلمية، وإن كان من الأمور العملية بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر واجتناب ما يُنهى عنه، وتكون همته مصروفة إلى ذلك، لا إلى غيره.

فأما إن كانت همّته مصروفة عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع، فإن هذا مما يدخل في النهي، ويثَبِّطُ عن الجد في متابعة الأمر.

• سأل رجل ابن عمر عن استلام الحجر، فقال له: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستلِمُه ويُقبِّله، فقال له الرجل: أرأيت إن غُلِبْتُ عليه؟ أرأيت إن زُوحِمْتُ؟ فقال له ابن عمر: اجعل "أرأيت" باليمن، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستلِمُه ويُقبِّلُه.


ومراد ابن عمر رضي الله عنهما: ألا يكون له همٌّ إلا في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا حاجة إلى فرض العجز عن ذلك، أو تعسره قبل وقوعه، فإنه قد يفتُر العزم عن التصميم على المتابعة، فإن التفقُّه في الدين، والسؤال عن العلم إنما يحمد إذا كان للعمل، لا للمِراء والجدال.

ولهذا المعنى كان كثير من الصحابة والتابعين يكرهون السؤال عن الحوادث قبل وقوعها، ولا يجيبون عن ذلك، وكان زيد بن ثابت إذا سئل عن الشيء، يقول: كان هذا؟ فإن قالوا: لا، قال: دعوه حتى يكون.

• قال حسان بن أبي سنان: ما شيء أهون من الورع إذا رابك شيء فدعه.

وهذا إنما يسهل على مثل حسان رحمه الله.

• من حَسُنَ إسلامه تركَ ما لا يعنيه من قولٍ وفعلٍ، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال.

وأكثر ما يرادُ بترك ما لا يعني: حفظ اللسان من لغو الكلام.
قال عمر بن عبدالعزيز: "من عدَّ كلامه من عمله، قلَّ كلامه، إلا فيما يعنيه" وهو كما قال، فإن كثيرًا من الناس لا يعد كلامه من عمله، فيجازف فيه ولا يتحرى.

دخلوا على بعض الصحابة في مرضه، ووجهُهُ يتهلل، فسألوه سبب تهلل وجهِهِ، فقال: ما من عمل أوثق عندي من خصلتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي سليمًا للمسلمين.


• قال بعض السلف: "التواضع أن تقبل الحق من كل من جاء به، وإن كان صغيرًا" فمن قبل الحق ممن جاء به سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، وسواء كان يُحبه أو لا يحبه، فهو متواضع، ومن أبى قبول الحق تعاظمًا عليه، فهو متكبر.


• غمطُ الناس: هو احتقارهم وازدراؤهم، وذلك يحصل من النظر إلى النفس بعين الكمال، وإلى غيره بعين النقص.


• قال بعض السلف: يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره، فكل ساعةٍ لم يذكر الله فيها، تتقطع نفسه عليها حسرات.

فمن هنا يعلم أن ما ليس بخير من الكلام، فالسكوت عنه أفضل من التكلم به، اللهم إلا ما تدعو إليه الحاجة، مما لا بُدَّ منه.

وأيضًا فإن الإكثار من الكلام الذي لا حاجة إليه، يوجبُ قساوة القلب.

• النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالكلام بالخير، والسكوت عما ليس بخير، فليس الكلام مأمورًا به على الإطلاق، ولا السكوت كذلك، بل لا بد من الكلام بخير، والسكوت عن الشَّرِّ، وكان السلف كثيرًا ما يمدحون الصمت عن الشر، وعما لا يعني؛ لشدته على النفس، ولذلك يقع فيه الناس كثيرًا، فكانوا يعالجون أنفسهم ويجاهدونها على السكوت عما لا يعنيها.

• الغضب جماع الشر، والتحرز منه جماع الخير.

• قوله صلى الله عليه وسلم لمن استوصاهُ: ((لا تغضب)) يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون مراده: الأمر بالأسباب التي توجب حسن الخلق، فإن النفس إذا تخلقت بهذه الأخلاق، وصارت لها عادةً، أوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه.

والثاني: أن يكون مراده: لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك، بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه، والعمل بما يأمر به، فإذا لم يمتثل الإنسان ما يأمره به غضبه وجاهد نفسه على ذلك اندفع عنه شرُّ الغضب، وربما سكن عنه غضبه، وذهب عاجلًا، فكأنه حينئذٍ لم يغضب.

• أصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقايةً تقيه من ذلك، وهو فعل طاعته، واجتناب معاصيه.

• قال الشافعي: أعزُّ الأشياء ثلاثة: الجود من قلةٍ، والورع في خلوةٍ، وكلمةُ الحق عند من يُرجى ويُخاف.

• قال أبو سليمان: الخاسر من أبدى للناس صالح عمله، وبارز بالقبيح من هُو أقربُ إليه من حبل الوريد.

• كان الإمام أحمد رحمه الله ينشدُ:






إذا خلوت الدهر يومًا فلا تقل
خلوتُ ولكن قل علي رقيبُ


ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما يخفى عليه يغيبُ






 
• خرج الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، من حديث أبي بكر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من رجل يُذنبُ ذنبًا، ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 135].

• قال مالك بن دينار: البكاء على الخطيئة يحطُّ الخطايا، كما تحطُّ الريح الورق اليابس.

• قال صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخُلُقٍ حسن)) قوله صلى الله عليه وسلم: ((وخالق الناس بخُلُقٍ حسن)) هذا من خصال التقوى، ولا تتم التقوى إلا به، وإنما أفرده بالذكر، للحاجة إلى بيانه، فإن كثيرًا من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحق الله، دون حقوق عباده، فنص على الأمر بإحسان العشرة للناس.
والجمع بين القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيز جدًّا، لا يقوى عليه إلا الكُمَّلُ من الأنبياء والصدِّيقين.

وقد روي عن السلف تفسير (حسن الخلق):
فعن ابن المبارك قال: هو بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى.
وقال الإمام أحمد: حُسنُ الخُلُق: أن تحتمل ما يكون من الناس.


الحياء نوعان:
أحدهما: ما كان خُلُقًا وجبلةً غير مكتسب، وهو من أجل الأخلاق التي يمنحها الله العبد.

والثاني: ما كان مكتسبًا عن معرفة الله، ومعرفة عظمته، وقربه من عباده واطلاعه عليهم، فهذا من أعلى خصال الإيمان، بل هو من أعلى درجات الإحسان.

وقد يتولد الحياء من الله من مطالعة نعمه، ورؤية التقصير في شكرها.

فإذا سُلِبَ العبدُ الحياء المكتسب والغريزي، لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح، فصار كأنه لا إيمان له، والله أعلم.

• الصلاة نور مطلق، فهي نور للمؤمنين في قلوبهم وبصائرهم، وهي نور للمؤمنين في قبورهم، ولا سيما صلاة الليل، كما قال أبو الدرداء: "صلوا في ظُلَم الليل لظلمة القبور"، وهي في الآخرة نور للمؤمنين في ظلمات القيامة وعلى الصراط.

• الصدقة برهان على صحة الإيمان، وسبب هذا أن المال تحبه النفوس، وتبخل به، فإذا سمحت بإخراجه لله، دلَّ على صحة إيمانها بالله، ووعده ووعيده.

• الله سبحانه إذا أراد توفيق عبد وهدايته، أعانه ووفقه لطاعته، فكان ذلك فضلًا منه، وإذا أراد خذلان عبدٍ وكله إلى نفسه وخلى بينه وبينها، فأغواه الشيطان لغفلته عن ذكر الله، ﴿ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]، وكان ذلك عدلًا منه.


الصدقة بغير المال نوعان:
أحدهما: ما فيه تعدية الإحسان إلى الخلق، فيكون صدقة عليهم، وربما كان أفضل من الصدقة من المال، وهذا كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه دعاء إلى طاعة الله، وكف عن معاصيه، وذلك خير من النفع بالمال، وكذلك تعليم العلم النافع، وإقراءُ القرآن، وإزالة الأذى عن الطريق، والسعي في جلب النفع للناس، ودفع الأذى عنهم، وكذلك الدعاء للمسلمين، والاستغفار لهم

النوع الثاني: ما نفعه قاصر على فاعله.

ومن أنواع الصدقة القاصرة على نفس العامل بها: أنواع الذكر، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وتلاوة القرآن.

ومنها أيضًا: محاسبة النفس على ما سلف من أعمالها، والندم، والتوبة من الذنوب السالفة، والحزن عليها، واحتقار النفس والازدراء عليها، والبكاء من خشية الله، والتفكر في ملكوت السموات والأرض، وفي أمور الآخرة، ونحو ذلك مما يزيد الإيمان في القلب، وينشأ عنه كثير من أعمال القلوب: كالخشية، والمحبة، والرجاء، والتوكل، وغير ذلك.


• البلاغة في الموعظة مُستحسنة؛ لأنها أقرب إلى قبول القلوب واستجلابها، والبلاغة: هي التوصل إلى إفهام المعاني المقصودة، وإيصالها إلى قلوب السامعين، بأحسن صورة من الألفاظ الدالة عليها، وأفصحها، وأحلاها للأسماع، وأوقعها في القلوب، وكان صلى الله عليه وسلم يقصّرُ خطبه، ولا يطيلها، بل كان يُبلغُ ويُوجزُ.

• فسر الزهد في الدنيا بثلاثة أشياء كلها من أعمال القلوب، لا من أعمال الجوارح.
أحدها: أن يكون العبد بما في يد الله، أوثق منه بما في يد نفسه، وهذا ينشأ من صحة اليقين وقوته.

الثاني: أن يكون العبد إذا أصيب بمصيبة في دنياه، من ذهاب مال، أو ولد، أو غير ذلك أرغب في ثواب ذلك، مما ذهب منه من الدنيا أن يبقى له، وهذا أيضًا ينشأ من كمال اليقين.

الثالث: أن يستوي عند العبد حامده وذامُّه في الحق، وهذا من علامات الزهد في الدنيا، واحتقارها، وقلة الرغبة فيها.

• قال الحسن: من أحب الدنيا وسرته، خرج حُب الآخرة من قلبه.
وبكل حال فالزهد في الدنيا شعار أنبياء الله، وأوليائه، وأحبائه.

• قال الحسن: لا تزال كريمًا على الناس، أو لا يزال الناس يكرمونك ما لم تَعاطَ ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك، استخفوا بك، وكرهوا حديثك، وأبغضوك.

فمن سأل الناس ما بأيديهم، كرهوه وأبغضوه؛ لأن المال محبوب لنفوس بني آدم، فمن طلب منهم ما يحبونه، كرهوه لذلك، وأما من زهد فيما في أيدي الناس، وعف عنهم، فإنهم يحبونه، ويكرمونه لذلك، ويسود به عليهم، كما قال أعرابي لأهل البصرة: من سيد أهل هذه القرية؟ قالوا: الحسن، قال: بمَ سادهم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم.

• من كلام يحيى بن معاذ الرازي: ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغُمَّهُ، وإن لم تمدحه فلا تذمه.


• روي عن بعض السلف، قال: أدركتُ قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب الناس، فذكر الناس لهم عيوبًا، وأدركت أقوامًا كانت لهم عيوب، فكفوا عن عيوب الناس، فنُسيت عيوبهم! أو كما قال.

• لا طريق إلى معرفة الله، وإلى الوصول إلى رضوانه، والفوز بقربه، ومجاورته في الآخرة، إلا بالعلم النافع، الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه.

• جميع المعاصي محاربة لله جل جلاله، فإن من عصى الله فقد حاربه، لكن كلما كان الذنب أقبح كان أشد محاربةً لله، ولهذا سمى الله أكلة الربا وقُطَّاع الطريق محاربين لله ورسوله؛ لعظيم ظلمهم لعباده، وسعيهم بالفساد في بلاده.
وكذلك معاداةُ أوليائه، فإن الله يتولى نُصرة أوليائه ويحبهم ويؤيدهم، فمن عاداهم فقد عادى الله وحاربه.

• من أحبّهُ الله رزقهُ محبته، وطاعته، والاشتغال بذكره، فأوجب ذلك القرب منه، والزلفى لديه، والحظوة عنده.

• قال يحيى بن معاذ: ليس بصادق من ادَّعى محبة الله جل جلاله، ولم يحفظ حدوده.

لبعض المتقدمين:






تعصى الإله وأنت تزعمُ حُبَّهُ
هذا لعمري في القياس شنيعُ


لو كان حبُّك صادقًا لأطعته
إن المُحبَّ لمن يُحبُّ مُطيعُ






 
فجميع المعاصي تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله.


• أصل كل داءٍ التخم...وقلة الغذاء توجب رقة القلب، وقوة الفهم، وانكسار النفس، وضعف الهوى والغضب، وكثرة الغذاء توجب ضدّ ذلك.

قال سفيان الثوري: إن أردت أن يصح جسمك ويقل نومك فأقل من الأكل.

وعن مالك بن دينار قال: لا ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر همِّه، وأن تكون شهوته هي الغالبة عليه.

كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجوعون كثيرًا، ويتقللون من أكل الشهوات، وإن كان ذلك لعدم وجود الطعام، إلا أن الله لا يختار لرسوله إلا أكمل الأحوال وأفضلها.

• قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خاصم فجر)) ويعني بـ "الفجور" أن يخرج عن الحق عمدًا، حتى يصير الحق باطلًا، والباطل حقًّا، فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة على أن ينتصر للباطل، ويخيل للسامع أنه حق، كان ذلك من أقبح المحرمات وأخبث خصال النفاق.
 
• لما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو اختلاف السر والعلانية، خشي بعضهم على نفسه أن يكون إذا تغير عليه حضور قلبه ورقته وخشوعه عند سماع الذكر، برجوعه إلى الدنيا، والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال، أن يكون ذلك منه نفاقًا.


• قال الحسن: أحبُّ عباد الله إليه أكثرهم ذكرًا.
وقال كعب: من أكثر ذكر الله برئ من النفاق.
وقال الربيع بن أنس عن بعض أصحابه: علامةُ حبِّ الله كثرة ذكره، فإنك لن تُحبُّ شيئًا إلا أكثرت ذكره.

وقول عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه.
المعنى: في حال قيامه، ومشيه، وقعوده، واضطجاعه، وسواء كان على طهارة أو حدث.

كلما قويت المعرفة صار الذكر يجري على لسان الذاكرين من غير كلفةٍ؛ ولذا يُلهم أهلُ الجنة التسبيح، كما يُلهمون النفس، وتصير "لا إله إلا الله" لهم كالماء البارد لأهل الدنيا.

أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: ((رجل ذكر الله خاليًا، ففاضت عيناه)).

الذكر لذة قلوب العارفين، قال الله جل جلاله: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
قال مالك بن دينار: ما تلذذ المتلذذُون بمثل ذكر الله.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢