خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/38"> الشيخ الدكتور سعد البريك . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/38?sub=65401"> مجموعة الشباب
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
دور الشباب في حمل رسالة الإسلام
الحلقة مفرغة
إقطاع الأرض غير المملوكة لا تكون إلا للحاكم أو من ينوب مكانه، وهو جائز بشرط أن لا يقطع أكثر مما يقدر على إحيائه وتعميره، فإذا لم يقدر على تعميرها استردها منه، كما أن من أقطع يجب عليه ألا يضر بأحد أو يؤذيه.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:1-2] الحمد لله على نعمه التي لا تحصى وعلى آلائه التي لا تنسى، نحمده أن هدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل خيرٍ سألناه أعطانا.
ثم الصلاة والسلام على رسوله وصفيه من خلقه محمد بن عبد الله، وعلى آله وأزواجه ومن اتبع هداه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أحبتي في الله: أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب، أن يجعل هذا الاجتماع للجميع خالصاً لوجهه، وأن يجعله في موازيننا: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].
أحبتي في الله: لستم بحاجة إلى أن أذكركم؛ لأن استحضار النية والاحتساب أمرٌ لا شك موجود لدى الجميع، ولكن ما جلس قومٌ يتلون كتاب الله ويتدارسونه إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكـرهم الله فيـمن عنده، وفي الحديث: (إن لله ملائكة سيارين يبتغون حلق الذكر ورياض الجنة، فإذا رأوا ذلك نادى بعضهم بعضاً أن هلموا -والحديث طويل- وفيه: أن الله جل وعلا يسأل ملائكته: علام اجتمع عبادي هؤلاء؟ فتقول الملائكة: يسألونك، ويقول الله جل وعلا: وما الذي يسألون؟ فتقول الملائكة: يسألون الجنة ...).
ووالله ما جاء بنا وما جاء بكم، وما أقض مضاجع العارفين إلا طلب الجنة، وطلب الرحمة النجاة من النار، ولما جاء ذلك الأعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم سأله قال: (يا أعرابي! ما تقول في صلاتك؟ قال: أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة
والله -أيها الإخوة- إن مجاهدة النفس لحضور مثل هذه المجالس الطيبة العطرة لَعبادة جليلة لا يغني عنها بديل، فلو أن آخر قال: أنا أستمع الشريط -مثلاً- ولا أريد الحضور، لا شك أن في استماعه الشريط خيراً وبركة ولكن لا ينال أجراً كأجر الذي جلس في هذه الروضة، واستمع وذكر، وسبح وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم .
فبادئ ذي بدء: وددت أن أذكركم بهذا ولا أظن أنه يخفاكم.
أحبتي في الله: أما موضوعنا فكما تعلمون وكما تفضل فضيلة الشيخ أنه مرتبطٌ أو متعلقٌ بواجب الشباب المسلم تجاه نفسه وحمل دينه، والحديث في هذا شيقٌ جداً.
وأول ما نبدأ به هذا الأمر -أيها الإخوة- نقول: ما هو هذا الدين الذي نحمله؟ وهذا الدين الذي نتحدث به ونتكلم عنه؟ ندين به لمن؟ إننا ندين به لله جل وعلا.
فحمل هذا الدين، والحرقة له، والاشتياق والولع والاشتغال بنشره فرعٌ عن معرفة الله جل وعلا الذي شرعه لنا، وإذا عرفتَ ربك حق المعرفة، كنت قائماً له حق القيام، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف، ومن علم خشي: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28].
أيها الأحبة: والله لو تفكرنا وتأملنا عظمة هذا الرب الجليل الذي شرع لنا هذا الدين لأدركنا أننا في كرامة ولأدركنا حقيقة قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الإسراء:70] والله إن الله كرمنا كرامة ما تفكرنا في حقيقتها، بل إن من الناس من ضلت به مذاهبه وأغوته شياطينه حتى رضي الخسة والدناءة والحضيض والهوان لنفسه، واشتراها بديلاً عن تكريم الله له ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها الإخوة: أسألكم سؤالاً واحداً:
أنتم الآن في هذه القاعة وفي هذه الصالة، كل واحد منكم ماذا يشغل من حيز هذه الصالة؟
هذه الصالة قرابة (20) متراً، أو (30×20) متراً.
هل تملأ متراً واحداً منها؟!
أنت تنظر إلى هذه الصالة معجباً مندهشاً لهذا الارتفاع والسعة وحسن البناء، هذه الصالة موجودة في مدينة الزلفي وهذه المدينة، أنت لا تشغل شيئاً منها بالنسبة للصالة.
ما الذي تشغله بالنسبة لمدينة الزلفي؟ لا تشغل شيئاً يذكر، أقل من متر!
وماذا تشغله بالنسبة للمملكة العربية السعودية بأكملها؟ أنت كذلك لا تشغل شيئاً يذكر.
والمملكة العربية بأكملها ما الذي تشغله بالنسبة لقارة آسيا ؟ شيء بسيط بالنسبة للقارة.
وقارة آسيا ما الذي تشغله بالنسبة للكرة الأرضية بجميع القارات؟ -أيضاً- هذه القارة جزءٌ يسيرٌ من الكرة الأرضية.
والكرة الأرضية أي حيز تشغله، أي مكان تشغله بالنسبة للمجرة المليئة بالكواكب الأخرى والتي تقاس المسافات بيننا وبينها بالسنين الضوئية لبُعد المسافة؟ أيضاً الكرة الأرضية لا تشغل شيئاً بالنسبة للمجرة.
والمجرة لا تشغل شيئاً بالنسبة لمجموع المجرات السابحة في السماوات.
يقول تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67] الله أكبر! هذه الأرضين والسماوات هي قبضة الله ومطوية بيمينه جل وعلا.
إذاً من أنت بالنسبة لعظمة الله؟!
من أنت بالنسبة لقوة الله؟!
من أنت بالنسبة لملكوت الله؟!
ما حجمك بالنسبة لجبروت الله جل وعلا؟!
ثم بعد ذلك تجهل أن الله يوم أن شرفك وأمرك ونهاك، تجهل أنها كرامة لك!
والله لو وقف أمامنا على هذه المنصة أربعة قلنا: هذا وهذا يعملان عند الأمير أو عند الملك أو عند الخليفة، وهذا وهذا يبيعان في السوق، لتبادر إلى أذهاننا أن الذي يعمل عند الأمير بحكم قربه من ذوي المناصب من خلافة أو ملك أو إمارة، أعظم في نظرنا، ولأن الخليفة أو الرئيس أو الملك أو الوزير يكلفه ويأمره وينهاه، ولا يأمر هذا ولا ينهاه لأن هذا له شرف ومقدرة ومكانة، ولذلك يُشَرَّف ويكلف بأن يفعل وبأن يُطلِق وبأن يتصرف فيما وُكِل إليه، نعرف أنها كرامة.
فأنت ألا تشعر بكرامة الله جل وعلا لك الذي أمرك؟! أليس هذا تكريماً؟! الذي نهاك! أليس هذا تكريماً؟! الذي فضلك! أليس هذا تفضيلاً؟!
لو وقف ذو منصبٍ عظيم وأخرج واحداً من بينكم وقال: أنت، قلت: نعم. لم يختر هذا من بيننا إلا لأن له شأناً.
فالله جل وعلا قد جعل لكل مسلمٍ شأناً وقدراً عظيماً إن هو عرف حقيقة الكرامة والفضل، وحقيقة العزة التي حباه بها، ولكن أكثر الناس لا يفقهون وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187].
بل إن من الناس من يريد أن يتقمص أو يطلب ويستحث ما يسميه كرامة من البشر، وما هي إلا ذلة والله قد كرمه فوق هذا كله.
فيا أحبتي في الله: ينبغي أن نشعر ونتفكر في عظم هذه المخلوقات، وفي عظم هذا الكون، وما فيه من مجراتٍ وسماواتٍ وجبالٍ وأرضينَ وظواهرَ كونية، وأمورٍ يعجز اللسان عن وصفها والقلم عن حصرها وذكرها، ثم ندرك أنها كلها في كنف الله جل وعلا وتحت أمر الله.
إذاً هذا الدين الذي شرعه الله ورضيه لنا وأمرنا أن نلتزم به دينٌ عظيمٌ؛ لأن الذي شرعه وأراده عظيم وهو الله جل وعلا.
أحبتي في الله: لنعلم أن كل أمرٍ وكل تكليف إنما هو مزيدٌ في الرفعة والكرامة، وإذا أردنا أن ننهض بديننا وأن نرفع بهذا الدين رأساً وأن نعتز به، وأن نتشرف في أن نبذل له الأوقات، ونضحي لأجله بالنفس والنفيس والغالي والرخيص؛ فلنعلم أن التزامنا بأحكامه وآدابه هو خير ما يجعلنا نرتفع بأنفسنا ونرتفع بديننا نحو انتشار أوسع وأفضل، فالقدوة المسلمة التي تطبق أحكام هذا الدين لا شك أنها تمارس دوراً عظيماً وبارزاً وفعالاً في السمو بهذا الدين وإدراك أهمية نشره ودعوة الناس إليه، أنت يوم أن تكون داعية مطبقاً لأحكام دينك في كل مكان هذا ارتفاعٌ بنفسك إلى درجة وسمو هذا الدين، وبذلٌ منك في نشر دينك بالقدوة الحسنة.
وكم عجبت لحادثة أخبرني بها أحد الأطباء، عن طبيبٍ في أحد المستشفيات في هذه البلاد سافر إلى أمريكا ليشهد مؤتمراً مدته ثلاثة أيام، وكان موضوع هذا المؤتمر يدور حول الكالسيوم ودوره في جسم الإنسان، لكن يخبرنا هذا الأخ الفاضل عن الطبيب الذي ذهب ليمثل بلاده ويقدم بحثه أو أطروحته في هذا المؤتمر قال: لما ركب الطائرة وحان الوقت قام فيها مؤذناً فعجب مَن حوله، فلما رأوا هذا التصرف العجيب أخبرهم قال: أنا في ميعاد محدد لا أتقدمه ولا أتأخر عنه أصلي لله جل وعلا، وهذه الصلاة يسبقها الأذان فلما عرفوا ما الذي يريد -يعني: كانوا يخافون أن يكون هذا إعلاناً لاختطاف الطائرة أو هبوط اضطراري، فتركوه وشأنه في الأذان- فعجب مَن حوله مِن فعله هذا وأخذوا يسألونه ويناقشونه وانتهى النقاش في هذه الطائرة إلى رغبة ملحة من أحد الركاب في أن يتعرف على هذا الدين وأن يقرأ عنه، وعلى أية حال لو كل مسلمٍ مارس وطبق واجتهد في أن يتأدب بآداب الإسلام وأن يلتزم بأحكامه لكان لذلك أثر عظيم، فلو أنني طرحت مسألة ثم ذهبت، وجاء آخر في رحلة أخرى ووافق هذا الذي تعجب واستغرب وأكمل الدور، وجاء رجل ثالث ورابع حتى يتواتر في أذهان الذين لا يعرفون عن هذا الدين شيئاً أن أمة ورجال هذا الدين أمة عزة وافتخار وشرفٍ بدينهم الذي ينتسبون إليه، لأصبح مجموع المسلمين يمثلون سلسلة متكاملة في الدعوة ولو لم يقدم أحدهم إلا موقفاً واحداً، إذ ليس من شرط المقابلة أن يسلم في أول لحظة، لكنك أثرت في ذهنه السؤال والبحث عن هذا الدين.
المهم: هذا الرجل -يعني: ليس هذا الشاهد من الحديث- الشاهد: أن هذا الطبيب لما حل ونزل بأرض المؤتمر وسمع الأبحاث التي طرحت أراد مقرر أو أمين ذلك المؤتمر أن يسند إليه الكلام في آخر يوم من أيام المؤتمر، قال: معنا ضيف من بلاد المملكة العربية السعودية، ونريد أن نسمع كلمته في هذا المقام، فقام ذلك الرجل حامداً ربه مصلياً ومسلماً على رسوله صلى الله عليه وسلم -وكم يؤسفنا أن هذه خصلة تُفْقَد في بعض المجامع والمنتديات، من واجب المسلم في أي مكان كان، وفي أي دولة كانت، وفي أي جهة كانت، أن يبدأ بحمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم- ثم قال: أشكر للسادة المؤتمِرين الأطباء هذه البحوث التي قدموها، ولكن أعرف أن هذا المؤتمر كان يدور حول دور الكالسيوم في جسم الإنسان، وسؤالي: ما هو دور الإنسان في الحياة؟ أريد أن أسأل ما هو دور الإنسان في هذه الحياة؟ هل هو: الأكل، والشرب، والنكاح، والنسل؟ فأثار استفساراً عجيباً في أذهانهم، ثم أخذ يحدثهم بما فتح الله عليه من كلامه ومما يفهمه ويعتقده من كلام ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى شرح الله صدور بعض المؤتمِرين، وكانت نهاية آخر يوم في المؤتمر أن أسلم على يده ستة من الأطباء وطبيبتان من النساء.
فهكذا المسلم دائماً إذا كان دينُه أمراً مهماً بالنسبة له في كل مكان، وحديث نفسه في أي موقفٍ يقفه؛ هل هذا يرضي الله؟ هل هذا لا يرضي الله؟ هل هذا يقربني من الله؟ هل هذا يبعدني من الله؟ هل يسرني أن ألقاه بين يدي الله؟ هل هذا يؤسفني ويخجلني أن ألقاه بين يدي الله؟ إذا كان هذا شأنك وموقفك والله تكون دائماً في رفعة بنفسك واعتزاز بدينك، وتقوم بدورٍ إيجابيٍ فعال في نشر هذا الدين الذي أنت تنتسب إليه.
المسألة الأخرى -أيها الأحبة- بعد القدوة الالتزام: لنعلم أن هذا الدين يحتاج إلى تطبيق وأنه دين عمل وليس دين كلام، لو كان هذا الدين دين كلام لاكتسح القارة كلها، لأنه لا يوجد أكثر من العرب -ولله الحمد- في الفصاحة والبيان، ولا أقول أكثر منهم في الكلام. كما يقول شاهد القوم:
إذا خسرنا الحرب لا غرابة .. |
لأننا ندخلها .. |
بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة .. |
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة .. |
الكلام كثير؛ لكن أين التطبيق وأين الالتزام؟ وأين البذل والتضحية؟
إذاً: فحتى نعرف واجبنا تجاه هذا الدين، وواجبنا للرقي بهذه الرسالة العظيمة ينبغي أن نطبق لأن التطبيق هو غاية العلم ومن علم ولم يعمل كان علمه بلا فائدة، والله جل وعلا يقول: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً [النساء:66] فالإنسان إذا عمل بما علمه كان خيراً له، والخير جاء نكرة خيراً مطلقاً عظيماً فيفتح الله عليه فتحاً لا حدود له، بل ويزيده الله تثبيتاً لهذا الدين، وإذا أردت أن تتفقه في مسألة من المسائل فقهاً طيباً جيداً فطبقها فإن تطبيق العلم يجعله أكثر رسوخاً ويفتح عليك أبواباً أخرى.
من عمل بما يعلم شرح الله صدره وهيأه، ويسر له علم ما لم يعلم.
فهذه مسألة مهمة، واجبنا -أيها الأحبة- تجاه هذا الدين الذي كلنا نعلم عنه الكثير أن نعمل به وأن نطبقه.
الصحابة رضوان الله عليهم، وهم ثلة طاهرة نقية قليلة جداً بسيوفٍ نحيلة وبِخَيْلٍ هزيلة، مع الفقر والجوع كسروا أمماً وحضارات جعلوها تتهاوى في الحضيض تحت صيحات التكبير والالتزام العملي بهذا الدين، والاستعداد والقدرة على التضحية، حينما يشعر أعداء الإسلام أن أبناء المسلمين بلغ بهم الأمر حرقة وحباً وتفانياً في دينهم إلى درجة أنهم يبايعون على الموت، ويساومون على الأرواح من أجل نشر دينهم؛ عند ذلك تنتهي مخططاتهم، لأن المخطط الماسوني والصهيوني الذي نراه يسري درجة درجة، ومرحلة مرحلة في شعوب المسلمين وأبنائهم سرى أمام عنصرٍ واحدٍ وضع في الحسبان وهو أن أبناء المسلمين قد أخلدوا إلى الأرض واتبعوا أهواءهم، ولكن يوم أن تحرك الجهاد في بقعة من بقاع المسلمين اختلفت الحسابات وانهارت المخططات، وأصبحت تظهر عليهم صور ما كانت في حسبانهم: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ [الحشر:2].
كان أعداء الإسلام يظنون أن مخططاتهم وأن انتشارهم ورقعتهم وقواهم الضاربة في كثيرٍ من بلدان المسلمين تمنعهم، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر:2] متى؟ يوم أن تحرك الجهاد في سبيل الله.
فحينما يوجد من المسلمين أمة تبرهن وتبرز وتحقق للعالم أننا على استعداد أن ننشر هذا الدين وأن نرفع به رأساً، وأن ندعو إليه، أياً كان الثمن، كما قال رستم القائد لأميره أو لرئيسه: هل المسلمون أكثر منكم؟
قال: لا. نحن أكثر منهم.
ولكن رستم لما جاءه أحد قادة المسلمين قال: [مال الذي تريدون؟ قال: ندعوكم بدعوة الإسلام، أن تدخلوا في هذا الدين ولكم ما لنا وعليكم ما علينا. قال: فإن أبينا؟ قال ذلك المسلم الذي كان فقيراً ضعيفاً هزيلاً يفاوض أكبر القواد قال: تعطون الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون. قال: وإن لم نعطكم؟ قال: إن لم تقبل بهذه ولا هذه فقد جئتك بقومٍ يحبون الموت كما تحبون الحياة. فلما أخبر
قومٌ يُربطون بالسلاسل حتى يثبتوا في أرض المعركة والقتال، وقومٌ يشترون ويشتهون الموت شهوةً ويتسابقون إليه.
فحينما نكون على درجة من الالتزام والحرقة والتطبيق والعمل لهذا الدين والله -يا أيها الأحبة- سينتشر، وكما يقول أحد مفكري الإسلام: إن البشرية لا تستجيب لمنهجٍ مقروء -الإسلام لو طبعنا منه ملايين الكتب- أو منهجٍ مسموع -أرسلنا منه آلاف الأشرطة إلى دول أوروبا وأمريكا وغيرها- وإنما تستجيب لمنهجٍ قد تمثل في صورة جماعة من البشر.
فإذا رأى الأعداء أن المسلمين قد طبقوا دينهم وإذا جاء أعداء الإسلام إلى أرض المسلمين فوجدوا المسلم لا يمكن أن يوجد فيه ثغرة من رشوة أو خيانة أو ضعف أو فساد أو فسق أو اختلاس أو أي جانبٍ من جوانب النقص والخزي والمحرمات والمخالفات، عند ذلك يعلمون أن هذه أمة قد أحاطت سوارها، وأحكمت إغلاقه، فلا يستطيع أحدٌ أن يدخل إليه، أما إذا وجدوا أمة قد فتحت أبوابها على مصارعها وقد رُسِّيت نوافذها مشرعة، استطاعوا أن يدخلوا مع النوافذ ومع الأبواب ويتفكهون حتى بتسلق الأسوار.
فإذا وجدت الأمة التي تكون نعم القدوة ونعم الالتزام لدينها؛ عند ذلك ترتفع بنفسها إلى كرامة أكرمها الله جل وعلا بها.
وفي المقابل فإن أي فردٍ أو أي مجتمعٍ أو أي أمة تخالف أمر الله وتسلك طريقاً معاكسة فيما شرع، والله إنها تختار لنفسها درجة مغرقة في الحضيض والهوان.
وكما يقول الحسن البصري رحمه الله: [إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، إلا أن ذل المعصية لا يفارق وجوههم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه].
ويقول جل وعلا، وقول الله أبلغ: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126].
فمن نُسِّي ونَسِيَه الله فهذا هوان وهذا انحطاط، وأنت تلاحظ يوم أن ينساك أحد أحبابك أو ينساك من هو حولك ولا يلتفت إليك ولا يعبر أو يلتفت لوجودك، فإنك تتضايق من هذا الشيء وتعرف أن هذا هوان واستهتار ونقص، فكذلك من نسيه الله جل وعلا -ولله المثل الأعلى- فهو في غاية الهوان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فغاية الأمر -أيها الأحبة- أننا حينما نريد أن نرتفع بأنفسنا لا بد أن نتمسك بهذا الدين جيداً.
هذه الحياة قافلة، من الناس من يمشي حافياً، ومن الناس من يمشي منتعلاً، ومنهم من يركب دراجة، ومنهم من يركب سيارة، ومنهم من يركب طائرة، فالناس بقدر تمسكهم بهذا الدين يحددون الدرجة والفئة التي هم فيها، فمن كان متهاوناً ضعيفاً، فهو كمن يمشي حافياً لا تسأل عما يجرحه من الشوك ويعترضه من القاذورات ونحوها، ومن التزم بدين الله جل وعلا فقد اختار لنفسه درجة عالية، وبقدر ما تسمو بنفسك في دين الله جل وعلا، فأنت تختار لها مكانة أسمى وأعلى، وكلٌ يضع نفسه حيث ما شاء؛ ولكن:
وإذا كانت النفوس كباراً تعبتْ في مرادها الأجسامُ |
من الناس من يقنعه حفنة من التراب، ودريهماتٍ معدودة، ودويرة صغيرة.
ومن الناس من أبت همته وشمخت عزته، فلا يريد غير النجوم مطلباً، فلا يريد غير أسمى الأماكن والدرجات العلا عند الله جل وعلا، وهي الجنة وثمنها؛ تعرفون أنه السير الحثيث: (من سار أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة).
المسلم الذي ترتفع به الأمم وتعز به الدول، المسلم الذي نريده في هذا الزمان: ليس ذلك الظبي الجهول، ليس ذلك المسكين الذي إذا رأى منكراً قال: اللهم حوالينا ولا علينا، كأنه امرأة رأت رجالاً، إذا رأى أمراً مخالفاً لدين الله مر وكأن الأمر لا يعنيه، أو كأن محارم الله لم تنتهك، انظروا إلى أحدهم يقطع إشارة مرورية فيسلقه القوم بألسنة حداد، ويحرقونه ويزلقونه بأبصارهم، ما هذا التخلف، ما هذه الرجعية، إشارة مرورية عنوان التقدم، عنوان الحضارة، إشارة تُفُوهِم عليها دولياً، هذا الأبله المسكين المعتوه، لا يفهم التعامل معها؟! فما بالك بمن خالف أمر الله وشرع الله؟! من الناس من لا يلتفت، وغاية الأمر كما يقول العامة: (ذنبه على جنبه) لا. أراد أعداؤنا منا المسلمين أن يكون هكذا، السجادة.. ما هناك مانع، تريد أن تسبح.. سبح، خذ لك سبحة، اقرأ أورادك كلها، امش من البيت إلى المسجد ليس هناك مانع، لكن تريد أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر! تريد ألا يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً! تريد أن تكون كلمة الله هي العليا! هذا هو الذي لا يريده أعداء الإسلام، ولذلك في بعض الدول التي تحارب الإسلام عداوة وصراحة توجد بعض الجماعات التي تنتسب للإسلام، أو تدعي أنها تعمل للإسلام وما هو نوع التزامهم؟ إما على عقائد محرفة، أو على نوع التزام أو حصر مفهوم الدين في المحاريب والطقوس والعبادات المحددة، أكثر من ذلك لا يُسمح لهم بشيء.
فيا أحبتنا في الله: حينما نريد أن نسمو بهذه النفوس وأن نسمو بهذا الدين، لا بد أن نبذل ولا بد أن نضحي، ولا بد أن نقدم.
كذلك -أيها الأحبة- بعد التفكر في مخلوقات الله التي تنتهي بنا إلى عظمة الله جل وعلا، ثم عظمة هذا الدين الذي شرعه الله لنا، وقدر الكرامة التي كرمنا بها، بعد ذلك القدوة، وبعد القدوة التلقي للتنفيذ، العمل، الاجتهاد، الالتزام، بعد ذلك المحبة، جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا رسول الله متى الساعة؟ -وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يجيب السائل بما ينفعه؛ لأنه لو قال له: الساعة بعد ألف أو مليون سنة أو أقل، أو أكثر، يعني: ليس هذا الأعرابي موكَّلاً بالنفخ في الصور أو بفتح أبواب الجنان، أو بإيقاد النيران، ليس له شأن بذلك- متى الساعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وماذا أعددت لها؟ فقال: والله ما أعددت كثير عملٍ ولكني أحب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب) وجاء آخر وقال: (يا رسول الله! المرء يحب القوم لَمَّا يلحق بهم ...) ولَمَّا تفيد قرب حدوث الشيء إلا أنه لم يحصل، كما يقول الشاعر:
أزف الترحل غير أن ركابنـا لَمَّا تزل برحالنا وكأنْ قَدِ |
فقال صلى الله عليه وسلم: (أنت مع من أحببت يوم القيامة).
فمن هذا أيها الأحبة: إذا قصرت بنا الهمم عن أن نكون في مصاف الرجال والقادة والدعاة، والأساتذة والمربين في هذا الدين فلا أقل من أن نكون في عداد المحبين، والموالاة هي الحب والبذل، وأن نكون مع المحبوبين ظاهراً وباطناً، فلا أقل أن نكون معهم.
لا خيل عندك تهديها ولا مالُ فليُسْعِفِ النطقُ إن لم تسعف الحالُ |
إذا لم تستطع أن تكون من المجاهدين، أو من الدعاة إلى الله، أو من المربين، أو من الوعاظ، أو من الذين لهم دورٌ نافع؛ فلا أقل من أن تكون من الذين يدعون لهم بظهر الغيب، وينافحون عن أعراضهم، ويذبون عنهم قالَةَ السوء وأقوال الناس.
أيها الأحبة: يؤسفنا ويجرح قلوبنا أن نجد من أحبابنا وإخواننا من بني جلدتنا ويلبسون كملابسنا، ويتكلمون بمثل ألسنتنا، أن إذا ضمتهم المجالس كان حديثهم انتقاد الصالحين الطيبين، أو الحديث في أعراضهم، أو انتقاد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والنيل من جانبهم، هذا والله مما يزيد حظ الشيطان من نفوسهم ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإلا فإلم يكونوا قادة ومربين وعلماء وأساتذة، فلا أقل من أن يكونوا محبين، أن يكونوا داعين، لا تقل: عجائز المسلمين ونساؤهم فيما مضى خيرٌ من كثير من الناس في هذا الزمان، امرأة أرادت أن تشارك في الجهاد، ولم يكن لها سبيل، فأخذت المقص وقصت ضفيرتها وجاءت بها إلى قائد المجاهدين وقالت: [اجعل منه لجاماً لفرسك] تريد أن تشارك، تريد أن تقدم شيئاً.
جاءت سليمان يوم العرض قُنْبُرَة قد أقبلت بجرادٍ كان في فيها |
وأنشدت بلسان الحال قائـلةً إن الهدايا على مقدار مهديها |
لو كان يُهدى إلى الإنسان قيمتُه لكان قيمتك الدنيا وما فيها |
أرادت أن تشارك بما استطاعت، ولقد تجددت ولله الحمد والمنة هذه الصورة في هذا الزمان يوم أن يأتي الكلام عن الجهاد أو عن البذل في سبيل الله؛ تفاجأ بفتياتٍ يرسلن أساورهن وأقراطهن وحليهن.
موقف جميل جداً: جاء شاب عليه سيما ضيق الحال مثلما نقول: (مبروكة هذه المحدودة) قال: أنا أريد أن أتبرع بفروتي هذه للمجاهدين.
قلت: الله يكثر خيرك، هذه يلبسها مجاهد إن شاء الله ويستشهد فيها، ويُدْعى لك.
طبعاً التبرعات النقدية أيسر بكثير من التبرعات العينية؛ لكن هذا الرجل جاء وما عنده إلا فروته نقول: توكل على الله ما نقبل منك شيئاً؟! على الأقل نشكر هذا الشعور الذي بلغ به أن يخلع معطفه أو فروته أو قميصه ثم يقول: خذوه للمجاهدين، فنريد -أقل الأحوال- أن يحدث هذا الشيء، أن تحدث الموالاة .. المحبة .. النصرة .. التأييد .. الذكر العاطر .. الدعوة بظهر الغيب، هذه من الأمور التي تجعلنا نرتفع بأنفسنا ونرتفع بديننا إلى ما يرضي الله جل وعلا، وديننا رفيع والحاجة لنا.
هذا الإسلام عـزيز قد أعزه الله جل وعلا وحفظ هذه الشريعة إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. (ليبلغن هذا الدين مبلغاً حتى لا يدع بيت شجرٍ ولا حجر ولا مدر إلا أدخله الله هذا الدين، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الشرك وأهله) هذا الدين منتصر: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرها من خذلها) إن نحن نمن على إسلامنا وعلى ديننا، من نحن؟! يقول الله جل وعلا: مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54] يتواضعون لإخوانهم المؤمنين، أعزة أقوياء في وجوه الكافرين، فنحن بحاجة إلى هذا الدين أن نرفع أنفسنا به.
قوة الإعداد العلمي
فحينما نكون على مستوى قوي واضح من العلم فلا تنتشر بيننا البدع ولا الخرافات، ولا تسري بيننا الأقوال الشاذة والأباطيل والخرافات، ولا يمكن أن يكون اضطراب أقوال الذي هم على هامش الإسلام أو يُنسبون إلى الإسلام لا يمكن أن تكون مصدر خلافٍ أو زعزعة بيننا، ولا يكون ذلك إلا بالقوة والإعداد، بقوة العلم وبقوة الفقه في دين الله، وهذا لا بد له من وسائل، يحتاج إلى طلب العلم، ويحتاج إلى حلق العلم، وإلى المزاحمة بالركب على المشايخ في حلق الذكر في المساجد، أو في بيوتهم، أو في مجامع الخير، ويحتاج إلى القراءة، وإلى البحث، والاستماع، ويحتاج إلى التنقيح والتحليل والتفكير.
كثيرٌ منا قد حفظ نظام التقاعد كالفاتحة، لأنه يعرف متى ينتهي، ومتى تنتهي الخدمة، وكم خُصِم من راتبه أيام كان يأخذ راتباً؛ لأنه فكر وقدر كثيراً في هذا الأمر حتى استوعبه وفهمه؛ لكن الكثير ما فكر كيف ينشر خُلُقاً حميداً أو فكرة نافعة في بيته أو في حارته أو في حيه أو مجتمعه، ولو أهمه الأمر لاشتغل به، لكن للأسف مجرد انتسابٍ، لا توجد عنده حرقة أو لهفٌ وشوقٌ إلى نشر هذا الدين.
فلا بد -أيها الأحبة- من أن نُعِد، لا بد من أن نُعِد، بقوة العلم .. بقوة التفقه .. بالحجة الظاهرة، والله إن العلم -أيها الأحبة- خير سلاح بعد رحمة الله جل وعلا يحفظ صاحبه من الانزلاق في المعصية، وكم زل وهلك وضاع من العُبَّاد! ولكن ما أندر -يعني: قلة- مِن الذين يحصل منهم الزلل والهلكة من العلماء! لأن العابد يُغْوَى أو يفتن بشبهة فلا يعرف كيف يتصرف، ثم ينساق في معصية لا يعرف أنه منذ بدايتها قد جنح وذهب مسلكاً بعيداً عما يرضي الله جل وعلا؛ لكن طالب العلم، المتفقه يعرف الأمور من بداياتها، فإن كانت بداية حسنة اتخذ سبيلاً مباركاً إليها، وإن كانت بداية مشبوهة، عرف أن الحق أبلج، والحق نظيفٌ عطرٌ طاهر لا يمكن أن تكدره شوائب.
وكم عجبت ذات يومٍ من شاب وقف بعد صلاة العشاء في يومٍ من الأيام يريد الحديث معي، فلما التفتُّ إليه أكلمه، أخذ يبكي وانهمرت دموعه غزيرة وانساق في بكائه، فقلت: أكيد في نفسه عبرات يريد أن يخرجها، لا نستعجل بالحديث معه دعه حتى يخرج بقية عبراته، فلما انتهى من بكائه التفتُّ إليه وقلت: ما الذي بك؟
قال: والله أنا مستقيم وكنت أشهد الصلاة في هذا المسجد وصلاة التراويح و.. و.. إلى آخره؛ إلا أني سافرت مع صديقٍ أراد مني أن أرافقه في السفر إلى مدينة ما، وسافرت معه وحصل مني الزنا -والعياذ بالله-!
قلت: سبحان الله العلي العظيم!
صدق الإمام الشافعي : لا تنظرن إلى بكائهم في السجود، ولكن انظرهم عند الحلال والحرام. كثرة الصياح والنواح والبكاء ليس بعلامة فارقة مميزة، لا شك أنها دليل على حضور القلب والإخبات والخشوع لمن خرج منه من غير تكلفٍ؛ لكن المقياس الحقيقي: أين هو عند الحلال والحرام؟ المقياس الحقيقي قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير : (ألا وإن لكل ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة ...) إلى آخر الحديث. فالإنسان تعرفه جيداً عند الحلال والحرام، فهذه من الأمور المهمة أيها الأحبة.
فشاهد الكلام: هذا الشاب لما بحثتُ معه عرفتُ أنه يحب الخير ويحب الطيبين، يُشكر على هذه المحبة وهذه الموالاة؛ لكنه ما زود نفسه بالعلم، ولو زود نفسه بالعلم ما زَلَّ هذا الزلل، ولكان العلم بإذن الله وبمشيئة الله ورحمته عاصماً يعصمه من الوقوع في الخنا والرذيلة والفاحشة.
فالعواطف -أيها الأحبة- لا تقوم عليها أمم، ولا تنتشر بها دعوات، ولا ينتشر هذا الدين ويتأثر الناس به إلا إذا رفعه علماء لديهم من العاطفة والحرقة ما يؤثر على الآخرين، لكن العلم.. العلم.. فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19] الله جل وعلا في شأن توحيده وألوهيته لم يرضَ بالمعرفة، أو تفكرْ أو تأملْ أو تثقفْ أو تعرفْ، ولكن، فَاعْلَمْ [محمد:19] فلا بد من العلم والعلم بالله أولاً ثم العلم بنبيه والعلم بأحكام الله جل وعلا، هذا مما يعصم الإنسان ويرفع منزلته ومكانته إلى خير حالة أو خير درجة تُرجى أن تكون للمسلم الذي يرجو ما عند الله جل وعلا.
قوة الوعي والفهم والاطلاع
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي |
فالرجل شك هل هي مديحة أم ذمة؟ ثم شكا إلى عمر بن الخطاب، فسأل عمر حسان بن ثابت قال: [أتظنه هجاه؟ قال: بل سلح عليه].
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي |
يعني: فهم الإنسان للعبارة لابد أن يكون فهماً ذا أبعاد، هذا أمر مهم بالنسبة لشباب المسلمين، وأنا أعلم أن الذين يكرمهم الله بالوعي هم ثلة وقلة، لكن لا يمنع أن تكون هذه الوجوه الطيبة وإخواننا في هذه القاعة ممن يكرمهم الله جل وعلا بالوعي والفهم ودقة التأمل فيما يكتب ويدور حول هذا الدين.
إن مما يعيننا على أن ننهض بأنفسنا لكي نكون على مستوى هذا الدين: الإعداد، والإعداد يكون بالعلم، والتفقه، والجهاد في سبيل الله.
فحينما نكون على مستوى قوي واضح من العلم فلا تنتشر بيننا البدع ولا الخرافات، ولا تسري بيننا الأقوال الشاذة والأباطيل والخرافات، ولا يمكن أن يكون اضطراب أقوال الذي هم على هامش الإسلام أو يُنسبون إلى الإسلام لا يمكن أن تكون مصدر خلافٍ أو زعزعة بيننا، ولا يكون ذلك إلا بالقوة والإعداد، بقوة العلم وبقوة الفقه في دين الله، وهذا لا بد له من وسائل، يحتاج إلى طلب العلم، ويحتاج إلى حلق العلم، وإلى المزاحمة بالركب على المشايخ في حلق الذكر في المساجد، أو في بيوتهم، أو في مجامع الخير، ويحتاج إلى القراءة، وإلى البحث، والاستماع، ويحتاج إلى التنقيح والتحليل والتفكير.
كثيرٌ منا قد حفظ نظام التقاعد كالفاتحة، لأنه يعرف متى ينتهي، ومتى تنتهي الخدمة، وكم خُصِم من راتبه أيام كان يأخذ راتباً؛ لأنه فكر وقدر كثيراً في هذا الأمر حتى استوعبه وفهمه؛ لكن الكثير ما فكر كيف ينشر خُلُقاً حميداً أو فكرة نافعة في بيته أو في حارته أو في حيه أو مجتمعه، ولو أهمه الأمر لاشتغل به، لكن للأسف مجرد انتسابٍ، لا توجد عنده حرقة أو لهفٌ وشوقٌ إلى نشر هذا الدين.
فلا بد -أيها الأحبة- من أن نُعِد، لا بد من أن نُعِد، بقوة العلم .. بقوة التفقه .. بالحجة الظاهرة، والله إن العلم -أيها الأحبة- خير سلاح بعد رحمة الله جل وعلا يحفظ صاحبه من الانزلاق في المعصية، وكم زل وهلك وضاع من العُبَّاد! ولكن ما أندر -يعني: قلة- مِن الذين يحصل منهم الزلل والهلكة من العلماء! لأن العابد يُغْوَى أو يفتن بشبهة فلا يعرف كيف يتصرف، ثم ينساق في معصية لا يعرف أنه منذ بدايتها قد جنح وذهب مسلكاً بعيداً عما يرضي الله جل وعلا؛ لكن طالب العلم، المتفقه يعرف الأمور من بداياتها، فإن كانت بداية حسنة اتخذ سبيلاً مباركاً إليها، وإن كانت بداية مشبوهة، عرف أن الحق أبلج، والحق نظيفٌ عطرٌ طاهر لا يمكن أن تكدره شوائب.
وكم عجبت ذات يومٍ من شاب وقف بعد صلاة العشاء في يومٍ من الأيام يريد الحديث معي، فلما التفتُّ إليه أكلمه، أخذ يبكي وانهمرت دموعه غزيرة وانساق في بكائه، فقلت: أكيد في نفسه عبرات يريد أن يخرجها، لا نستعجل بالحديث معه دعه حتى يخرج بقية عبراته، فلما انتهى من بكائه التفتُّ إليه وقلت: ما الذي بك؟
قال: والله أنا مستقيم وكنت أشهد الصلاة في هذا المسجد وصلاة التراويح و.. و.. إلى آخره؛ إلا أني سافرت مع صديقٍ أراد مني أن أرافقه في السفر إلى مدينة ما، وسافرت معه وحصل مني الزنا -والعياذ بالله-!
قلت: سبحان الله العلي العظيم!
صدق الإمام الشافعي : لا تنظرن إلى بكائهم في السجود، ولكن انظرهم عند الحلال والحرام. كثرة الصياح والنواح والبكاء ليس بعلامة فارقة مميزة، لا شك أنها دليل على حضور القلب والإخبات والخشوع لمن خرج منه من غير تكلفٍ؛ لكن المقياس الحقيقي: أين هو عند الحلال والحرام؟ المقياس الحقيقي قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير : (ألا وإن لكل ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة ...) إلى آخر الحديث. فالإنسان تعرفه جيداً عند الحلال والحرام، فهذه من الأمور المهمة أيها الأحبة.
فشاهد الكلام: هذا الشاب لما بحثتُ معه عرفتُ أنه يحب الخير ويحب الطيبين، يُشكر على هذه المحبة وهذه الموالاة؛ لكنه ما زود نفسه بالعلم، ولو زود نفسه بالعلم ما زَلَّ هذا الزلل، ولكان العلم بإذن الله وبمشيئة الله ورحمته عاصماً يعصمه من الوقوع في الخنا والرذيلة والفاحشة.
فالعواطف -أيها الأحبة- لا تقوم عليها أمم، ولا تنتشر بها دعوات، ولا ينتشر هذا الدين ويتأثر الناس به إلا إذا رفعه علماء لديهم من العاطفة والحرقة ما يؤثر على الآخرين، لكن العلم.. العلم.. فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19] الله جل وعلا في شأن توحيده وألوهيته لم يرضَ بالمعرفة، أو تفكرْ أو تأملْ أو تثقفْ أو تعرفْ، ولكن، فَاعْلَمْ [محمد:19] فلا بد من العلم والعلم بالله أولاً ثم العلم بنبيه والعلم بأحكام الله جل وعلا، هذا مما يعصم الإنسان ويرفع منزلته ومكانته إلى خير حالة أو خير درجة تُرجى أن تكون للمسلم الذي يرجو ما عند الله جل وعلا.
كذلك -أيها الإخوة- من القوة في الإعداد: الوعي والفهم والاطلاع، ومن الناس من يعتبر دار الإذاعة البريطانية بالنسبة له متفقٌ عليه، يعني: ما تقوله هو الصحيح، لا يعرف أن الذي يدير هذه الإذاعة رجلٌ يهوديٌّ حاقدٌ مارقٌ فاجر، من الناس من تجد عنده اطلاع لكن من غير وعي، ما تقوله الجرائد والمجلات هو الحجة، وما يقوله أصحاب الكلمات الزائفة والعبارات الجوفاء هو الحجة، لا. لا بد أن يكون لديك وعي، لا بد أن يكون للمسلم فهم، والمسلم الذكي هو الذي إذا قرأ سطراً قرأ ما وراء السطر، وما تحت السطر، وما خلف الأحرف، هو ذلك الواعي الذي يعرف أبعاد الكلمة وأهدافها ومقاصدها، ليس ذلك المسكين الذي تقال له العبارة ولا يفهم ما فيها، ومن جميل ما يذكر في ذلك أن الحطيئة لما رأى الزبرقان بن بدر قال:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي |
فالرجل شك هل هي مديحة أم ذمة؟ ثم شكا إلى عمر بن الخطاب، فسأل عمر حسان بن ثابت قال: [أتظنه هجاه؟ قال: بل سلح عليه].
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي |
يعني: فهم الإنسان للعبارة لابد أن يكون فهماً ذا أبعاد، هذا أمر مهم بالنسبة لشباب المسلمين، وأنا أعلم أن الذين يكرمهم الله بالوعي هم ثلة وقلة، لكن لا يمنع أن تكون هذه الوجوه الطيبة وإخواننا في هذه القاعة ممن يكرمهم الله جل وعلا بالوعي والفهم ودقة التأمل فيما يكتب ويدور حول هذا الدين.
كذلك -أيها الإخوة- مما يعيننا على حمل رسالة هذا الدين وواجبنا نحوه: أن نرتب جهودنا، وأن نوحد صفوفنا، لو أن رجلاً عنده أرض زراعية مساحتها: (كيلو×كيلو)، وأحضر مائة عامل لكي يحرثوها، فعامل أخذ يحرث في الزاوية الشمالية، وعشرون يحرثون في الجنوبية، وواحد في الوسط، لأصبحت مقابر وليس أرضاً زراعية، كل يحفر في طريق وفي مكان لم تنسق ولم تنظم ولم ترتب هذه الجهود في الأرض، ولو ترتبت جهود هؤلاء العمال لاستطاعوا أن يمشطوا هذه الأرض وأن ينظفوها من الأحجار والأشواك، وأن يعدوها وأن يبذروها بأيسر جهدٍ وأقل وقت.
فأقول: ومما يؤسف له أن جهود المسلمين في هذا الزمان جزءٌ منها مبعثر وغير مرتب يجعلهم كالذي نثر عمالاً من غير ترتيب ولا إعداد ولا كيفية منظمة، هذا يحفر وادياً، وهذا يحفر خندقاً، وهذا يحفر بركة، وهذا يحرث، وهذا يمشط، ربما تمضي سنة وتفوت مواسم الزراعة ولم يزرعوا شيئاً، والأرض قد خُرِّبَت، لكن لو كان هناك ترتيب في هذه الجهود، لكانت في وقتٍ قليل وجهدٍ أقل قد أصبحت خضراء مصانة مورقة، وجنى الناس ثمار زراعتها، لكن نتيجة لخبطة الجهود التي تحصل في كثيرٍ من أبناء المسلمين هي التي تجعلهما -وللأسف- جهوداً ضائعة وأشد من هذا: التنافر أو البغضاء ولا حول ولا قوة إلا بالله!