برنامج يستفتونك - فقه الخلاف [2]


الحلقة مفرغة

المقدم: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيهلاً بكم إلى منبر العلم والإفتاء، إلى حلقة من حلقات برنامجكم الإفتائي المباشر يستفتونك، ها هي هذه الحلقة تطل عليكم من جديد عبر شاشتكم الرسالة، مرحبة بكم وبأسلتكم الثرية، شاكرة لكم كريم استجابتكم ومتابعتكم لدقائق وثواني هذا اللقاء، ومرحبة في الوقت ذاته بالغ الترحيب بطاقمها العامل فيها وباسمكم أيضاً بضيف هذا اللقاء ضيف البرنامج صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي ، أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أهلاً بكم صاحب الفضيلة!

الشيخ: حياك الله يا شيخ ناصر! وحيا الله المشاهدين والمشاهدات.

المقدم: إذاً حيا الله شيخنا الكريم، وحياكم الله، وحيا الله أسئلتكم واستفساراتكم، دوماً حلقاتنا مع شيخنا الكريم حول هديه عليه الصلاة والسلام في التعامل والمعاملة، حديثنا عن هديه عليه الصلاة والسلام في التعامل مع المخالف.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

من المعلوم أن المنهج الرباني في القرآن الكريم حينما ذكر لنا سبحانه وتعالى تعدد القصص، وطريقة تعامل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع من خالفهم، كان هذا من الأهمية بمكان لأجل أن نستفيد منها دروساً وعبراً؛ ذلك أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بمن سبقه من الأنبياء والصالحين، كما قال الله تعالى: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام:90]، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أدبه ربه فأحسن تأديبه؛ ولهذا قال الله تعالى في حق نبيه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وقالت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم ، حينما سألها سعد بن هشام : ( ماذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قال: نعم، قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القرآن ).

وهذا يدل دلالة واضحة على أن الله سبحانه وتعالى أمر المؤمنين بأن يحسنوا للناس قولاً، فقال تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83]، وقوله سبحانه وتعالى فيه دلالة واضحة على أن هذا الخطاب وهو الحسنى يعم الكافر والمسلم؛ ذلك أن الكلمة الطيبة لها من التأثير في القلب الشيء العظيم؛ ولأجل هذا كنا بحاجة أن نتدارس تعامل وهدي النبي صلى الله عليه وسلم مع من خالفه، فإننا نجد أن الأمة الإسلامية، والمجتمع الإسلامي، والجماعة في المسجد الواحد بل إن الأسرة الواحدة ربما يختلفون اختلافاً منقطع النظير بسبب أمر تافه.

ولهذا تتعجب حين تجد كثيراً من المسلمين يجتهد في أن يأتي إلى المسجد مبكراً، ويقرأ شيئاً من الآيات، أو يصوم النهار ويقوم الليل، لكنه لم يفتش عن قلبه وينظر ما فيه من غل وإحن وبغضاء؛ ولأجل هذا قال ابن القيم رحمه الله: إن أعمال القلوب هي الإكسير الذي يتفاضل العباد به أمام ربهم، ولهذا لو قيس إيمان الصحابة بإيمان من جاء من بعدهم، لرأينا بإجماع أهل العلم أن إيمان الصحابة يفوق إيمان من جاء بعدهم، لما منحهم الله سبحانه وتعالى من صدق الإيمان، وصدق التوكل عليه.

الغرض من الإنكار على المخالف

لقد كانت معاملة النبي صلى الله عليه وسلم مع المخالف لتهذيبه وإبعاده عن الذنب وإرجاعه إلى الطاعة، وهذا أمر مهم جداً، حينما أرى منكراً من أخي فليست القضية أن أسجل موقفاً أني أنكرت عليه، فإن ذلك يجيده كل أحد، لكن القضية كل القضية أن هذا المنكر أسعى جاهداً أن أزيله وأقلبه إلى معروف، فإن لم أستطع؛ فإنني أسعى بإزالته، وليست القضية أنني لابد أن أباشر هذا الأمر؛ لأن المباشرة ليست هي المقصودة بذاتها، إنما المقصود الكلي هو إزالة المنكر واستبداله بمعروف، فإذا كنت أعلم أن واقع المنكر لا يتأثر بي ولا يستجيب لي، لكنه ربما يتأثر بك فإن من أهم المهمات أن أسعى معك لأجل أن تزيل هذا المنكر، وليس لأجل أن نسجل موقفاً، فإن بعض الناس مع الأسف الشديد -وهذا أقوله من واقع- ربما يقع الإنسان في المسجد في منكر، فإذا رأى الناس أن هذا قد واقع المنكر وهو شريف في قومه تركوه دون إنكار، كأن تكون نغمة جواله فيها موسيقى قوية فتجد أن الناس يتغاضون ويتجاهلون وكأنهم لم يسمعوا، أما إذا كان الرجل غير عربي من إخواننا مثلاً في الهند، أو إخواننا من البنجال أو من باكستان، تجد أن بعض الناس حينما يعلم أن هذا هو الذي وقع منه المنكر يرفع صوته في المسجد، وربما لحقه وأنكر عليه، طيب أليس حق هؤلاء من الإنكار مثل حق من وقع من أهل بيتك أو من قرابتك؟ إذاً يجب علينا ألا يكون همنا تسجيل المواقف، إنما لأجل إعادة ترتيب أولويات الدين ومحبته في نفوس الخلق، فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما جاء عدي بن حاتم ، ماذا فعل له النبي صلى الله عليه وسلم؟ وعدي بن حاتم كان كافراً، ولكنه صلى الله عليه وسلم عندما جاء عدي قال: ( اطرحوا لـعدي وسادة )، هذا نوع من التكريم والرفعة؛ ولهذا جاء عند أبي داود من حديث عائشة وإن كان في سنده بعض الضعف: ( أنزلوا الناس منازلهم )، فإن من إنزال الناس منازلهم، تقدير ذي الشيبة، تقدير السلطان، تقدير العالم، تقدير الكبير، وحتى لو وقع في منكر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ).

تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن أبي

كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع المخالفين أحسن من تعاملنا مع أصحابنا! كان صلى الله عليه وسلم يتلطف مع عبد الله بن أبي بن سلول ، وربما لقبه بأحسن الألقاب حينما ذهب إلى سعد بن عبادة وقال: ( أما سمعت ما قال أبو الحباب ؟ )، يقصد بذلك عبد الله بن أبي بن سلول .

تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته عند الاختلاف

لقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع من يخالفه حتى في الرأي، من زوجاته، نحن الآن لا نتحمل أن ترد علينا زوجاتنا، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )؛ ولهذا تجد المخالفات الموجودة في الأسرة ربما تكون أكثر من غيرها؛ لكثرة الاحتكاك وكثرة المخالطة، ولأجل هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى أحسن من ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي )؛ ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بينما أنا في أمر أتأمّره إذ قالت لي امرأتي: يا عمر ! لو أنك صنعت كذا وكذا، قال: مالك أنت ولما ها هنا، وما تكلفك في أمر أريده؟ - عمر بطبيعته قال هذا الكلام- قالت امرأته: عجباً لك يا ابن الخطاب ! ما تريد أن تراجع أنت، وإن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنه حتى يظل يومه غضبان، قال عمر: ماذا؟ يراجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان؟ قالت: نعم، قال: فأخذ رداءه فانطلق إلى حفصة ، فدخل على حفصة فقال: يا حفصة ! أكنت تراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان؟ قالت: نعم يا أبي، قال: إني أحذرك غضب الله وغضب رسوله، لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، يعني بذلك عائشة .

فهذا يدل على أن الرسول كان يراجع نساءه، وكن نساؤه يختلفن معه، وكان عليه الصلاة والسلام يتلطف معهن. بل حتى أبا بكر لماذا نال هذه المنزلة؟ لم يكن لينال هذه المنزلة لأنه صاحب النبي صلى الله عليه وسلم فقط، بل لأن الله حباه بقلب رحيم رؤوف صادق؛ ولهذا قال الله تعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [الزمر:33]، صدق به يعني: أبا بكر رضي الله عنه.

لقد كانت معاملة النبي صلى الله عليه وسلم مع المخالف لتهذيبه وإبعاده عن الذنب وإرجاعه إلى الطاعة، وهذا أمر مهم جداً، حينما أرى منكراً من أخي فليست القضية أن أسجل موقفاً أني أنكرت عليه، فإن ذلك يجيده كل أحد، لكن القضية كل القضية أن هذا المنكر أسعى جاهداً أن أزيله وأقلبه إلى معروف، فإن لم أستطع؛ فإنني أسعى بإزالته، وليست القضية أنني لابد أن أباشر هذا الأمر؛ لأن المباشرة ليست هي المقصودة بذاتها، إنما المقصود الكلي هو إزالة المنكر واستبداله بمعروف، فإذا كنت أعلم أن واقع المنكر لا يتأثر بي ولا يستجيب لي، لكنه ربما يتأثر بك فإن من أهم المهمات أن أسعى معك لأجل أن تزيل هذا المنكر، وليس لأجل أن نسجل موقفاً، فإن بعض الناس مع الأسف الشديد -وهذا أقوله من واقع- ربما يقع الإنسان في المسجد في منكر، فإذا رأى الناس أن هذا قد واقع المنكر وهو شريف في قومه تركوه دون إنكار، كأن تكون نغمة جواله فيها موسيقى قوية فتجد أن الناس يتغاضون ويتجاهلون وكأنهم لم يسمعوا، أما إذا كان الرجل غير عربي من إخواننا مثلاً في الهند، أو إخواننا من البنجال أو من باكستان، تجد أن بعض الناس حينما يعلم أن هذا هو الذي وقع منه المنكر يرفع صوته في المسجد، وربما لحقه وأنكر عليه، طيب أليس حق هؤلاء من الإنكار مثل حق من وقع من أهل بيتك أو من قرابتك؟ إذاً يجب علينا ألا يكون همنا تسجيل المواقف، إنما لأجل إعادة ترتيب أولويات الدين ومحبته في نفوس الخلق، فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما جاء عدي بن حاتم ، ماذا فعل له النبي صلى الله عليه وسلم؟ وعدي بن حاتم كان كافراً، ولكنه صلى الله عليه وسلم عندما جاء عدي قال: ( اطرحوا لـعدي وسادة )، هذا نوع من التكريم والرفعة؛ ولهذا جاء عند أبي داود من حديث عائشة وإن كان في سنده بعض الضعف: ( أنزلوا الناس منازلهم )، فإن من إنزال الناس منازلهم، تقدير ذي الشيبة، تقدير السلطان، تقدير العالم، تقدير الكبير، وحتى لو وقع في منكر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ).

كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع المخالفين أحسن من تعاملنا مع أصحابنا! كان صلى الله عليه وسلم يتلطف مع عبد الله بن أبي بن سلول ، وربما لقبه بأحسن الألقاب حينما ذهب إلى سعد بن عبادة وقال: ( أما سمعت ما قال أبو الحباب ؟ )، يقصد بذلك عبد الله بن أبي بن سلول .