برنامج يستفتونك - استغلال الإجازة


الحلقة مفرغة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

مشاهدينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله إلى لقاء يجمعنا بضيف كريم، صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الله بن ناصر السلمي عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء. باسمكم مشاهدينا الكرام، وباسم الزملاء أرحب بفضيلته، أهلاً وسهلاً بكم دكتور!

الشيخ: حياك الله أخي عبد العزيز ! وحيا الله المشاهدين والمشاهدات.

المقدم: أكرر الترحيب بكم ثانية، ونسعد بتواصلكم على الأرقام التي تظهر على الشاشة وعبر البريد الإلكتروني للبرنامج.

مشاهدينا الكرام! حديثنا في هذه الحلقة هو حديث مهم لكل البيوت تقريباً، الكل يريد أن يستفيد مما يوجه به فضيلة شيخنا حول موضوعنا، حديثنا صاحب الفضيلة! حول الإجازة، الإجازة الآن بدأت، وكثير من الآباء، يا شيخ! يريدون برنامجاً عملياً، هم يقولون: نحن نعرف بأنه يجب أن نستفيد من الإجازة، ويجب أن تستغل، لكن كيف يا شيخ؟ ولا سيما أن البيوت فيها أيضاً البنات، بعض الأحيان يركزون على البنين ويتجاهلون البنات، فما توجيهكم حفظكم الله؟

المفهوم الحقيقي لاستغلال الإجازة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

مسألة أن الناس يفهمون أنه لا بد من استغلال الإجازة، أنا أعتبر يا شيخ عبد العزيز أننا ما زلنا بحاجة إلى شحذ الهمم على أهمية الاستفادة من أوقاتنا؛ ولهذا فهم كثير من الناس أن العطلة هي مجرد الاستمتاع، وضياع الأوقات باللهو والمرح، بحيث تكون هذه هي جل مفهوم الناس في العطلة، وهذا أكبر خطأ أن نتصور أن اللهو هو غاية؛ وإنما هو وسيلة لما بعده، كما قال معاذ بن جبل: وإني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي، يعني: أنا حينما أنام إنما أنام لأجل أن أستعد لما بعد النوم، وليس النوم هو غاية، ولأجل هذا لم تبن الحضارات، ولم تبن الأمم، ولم تبن المثل باللهو أو بالمرح، أو بالكماليات، إنما بنيت باستغلال الأوقات، وبنيت بشحذ الهمم؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم كما تقول عائشة : (إذا نام في الليل فزع)، ولا والله ما قالت: قام، لماذا؟ لأنه كان يرسم الهدف ويكون أمامه، وهو عبادة الله سبحانه وتعالى، والتبتل إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنه جعل ذلك غاية اهتمامه، فلما رأت عائشة منه إصراره وحزمه، وشدته عليه الصلاة والسلام على نفسه؛ لأجل أن يحصل على الهدف الذي رسمه وهو طاعة الله ومرضاته في كل ما يأتي ويذر، قالت عائشة : (يا رسول الله! إني أحب قربك، قال: ذهب عهد النوم يا عائشة ).

فالذين يريدون أن يرسموا لأنفسهم عمراً ثانياً -لأن ذكر الإنسان عمر ثانٍ- فلا بد أن يستغلوا أوقاتهم، ولا بد أن يستغلوا أعمارهم.

رسم الأهداف الممكن تحقيقها في الإجازة

كثيرون هم الذين يقولون: نريد أن نستفيد، لكن قليل من ينجح، لماذا؟ لأن أكثر الناس عندهم الهمة، عندهم الرغبة، لكن ليس عندهم التخطيط؛ ولهذا يضعف كثير من الناس في الوصول إلى الهدف بسبب عدم رسم الهدف!

ولهذا لا بد للإنسان أن يرسم أهدافه، ولا يلزم من ذلك أن تكتب كما يقول بعض علماء التطوير، أنا لا أرى إلزاماً، وإن كان الأفضل، لكني أرى أن يكون الهدف حياً ظاهراً، موجوداً في ضميرك موجوداً في عقلك، موجوداً في تصرفاتك، انظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه سراقة بن مالك قال: ( ما ظنك يا سراقة ، وأنا أعطيك سوارين من سواري آل كسرى )، لماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرسم الهدف، ويعلم أن النصر قريب، هذه الهمة العالية تجعل الإنسان يقترب من الزمن؛ لأنه يجعله حاضراً يعيش وقته، ولأجل هذا نحن نقول للإخوة والأخوات: لا بد أن نحرص على ما ينفعنا، وأن نستغل أوقاتنا، وأن نعلم أن النجاح ليس بكثرة المال ولا بكثرة الكماليات، وأن النجاح ليس بوجود لبسة أو ماركة، أو غير ذلك مما تتبجح به كثير من البيوتات، النجاح الحقيقي هو ذكر الإنسان وعمر الإنسان؛ ولهذا أنا أقول: يا إخوان! يا أخوات! يا أمهات! يا آباء! لماذا نجعل أولادنا يأخذون، أو يحصلون على ما يريدون من متاع الدنيا بلا جهد ولا اجتهاد.

كثيرون من الذين نعم الله عليهم بالمال بمجرد أن الابن يقول: أريد مثلاً آيفون، أو أريد آيبود، أو أريد آيباد، أو غير ذلك من الأجهزة، تجد أن الأب يعطيه من غير كد ولا اجتهاد، نحن بحاجة إلى أن نقول لأولادنا ليس من باب البخل، ولكن من باب التربية، نقول حينما يريد الابن شيئاً من متاع الدنيا: لا بد لحصول هذا من أن تحفظ بيتاً من أبيات شعر المتنبي ، أو تحفظ كتاباً، أو تقرأ كتاباً من الكتب التي تستفيد منها، أو تحفظ شيئاً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أو من كتاب الله سبحانه وتعالى، هذا سيجعل الابن متحمساً لأجل أن يحصل على ما يريد، ولو جلس يعلم أن جلوسه لأجل أن يستفيد، ويعلم أنه بجلوسه هنا سيحصل على هذا الأمر، فإذا حصل على هذا الأمر حصله بجد واجتهاد.

نحن بهذا الأمر ننمي قدرات أبنائنا وبناتنا، ننمي فيهم الاهتمام الشديد للحصول على ما يريدون بجد واجتهاد، بخلاف أن ينمى الطالب أو الابن على أن كل ما يريده يحصل لا محالة، فبمجرد أن يذهب إلى الأب ويطلب منه، أو يبكي عنده، أو يتعاطف معه سيحصل على ما يريد.

أنا أقول: يجب أن نبين لأبنائنا وبناتنا أن كل ما يريدونه لا بد أن يحصلوا عليه بجد واجتهاد، ولا بد أن يحصل بتعب، أياً كان ذلك التعب؛ تعلم الكمبيوتر، تعلم الخط، تعلم البيع، تعلم الشراء، تعلم مهارة من المهارات، بحيث ننمي في قدرات أبنائنا هذا الأمر، هذه نقطة.

النقطة الثانية: حينما نرسم أهدافنا لا بد أن تكون واقعية، أما أن نرسم أهدافنا لينفذها غيرنا فليس بصحيح، فمثلاً أنا قدراتي محدودة، فلا أقول: أقرأ عشرات المجلدات، وأنا لا أستطيع.

لكن عليَّ أن أعطي أبنائي وبناتي بعض الكتب التي تنمي عندهم حب الإيمان، تنمي عندهم المقدرة العقلية، تنمي عندهم حسن الحوار والأدب، تنمي عندهم حسن التعامل، فبعض الناس لا يحسن أدب الاتصال وأدب الحديث، كل هذا نحن بحاجة إلى أن نعطي أبناءنا جرعات منه وذلك بأن يقرأوا ويستفيدوا.

النقطة الثالثة حينما نقول: التخطيط مهم جداً؛ لأن الذي لا يخطط لا يمكن أن يصل، أنت لا تستطيع أن تقول للمقاول: ابن لي فلة، إن لم تكن قد خططت لها، ووضعت لها مخططاً هندسياً.

قرأت: أن في إحدى سنوات التخرج لجامعة كاليفورنيا طلبوا من الطلاب أن يكتبوا أمنياتهم، فثلاثة بالمائة من الطلاب المتخرجين قالوا: نحن نطمع إلى فعل شيء، قيل لهم: هل خططتم؟ قالوا: نعم، ثلاثة بالمائة خططوا، والبقية الذين هم سبعة وتسعون بالمائة لم يخططوا، لقد كانوا يعيشون في أحلام، أنا سوف أكون طياراً، أنا سوف أكون محامياً، أنا سوف أكون فيلسوفاً، أنا سوف أكون.. أياً كان هذا الأمر، فتجد أن هؤلاء حينما كتبوا أمنياتهم أعجبت بهم إدارة الجامعة فكتبت هؤلاء الثلاثة، وأخذت عناوينهم وأرقام هواتفهم، وأخذت أرقام السبعة والتسعين بالمائة، وبعد عشر سنوات طلبت هذه الجامعة من طلاب سنة كذا وكذا أن يحضروا لحفل تكريم هؤلاء الطلاب، فاجتمع كثير من هؤلاء الطلبة، وفوجئوا أن سبعة وتسعين بالمائة من الطلاب الذين كانوا يحلمون بأمنيات من غير تخطيط أصبح بعضهم فاشلاً في حياته، وبعضهم غارق في المخدرات، وبعضهم ليس فعالاً، وبعضهم همه وظيفته وبيته فقط، وأن الثلاثة بالمائة الذين خططوا وقت تخرجهم حصلوا على ما خططوا له، والسبب راجع إلى التخطيط.

وتعجبني قصة ذلك الرجل الذي كان مديراً لإحدى جامعات بريطانيا، وعمره ستون سنة، وبعد ما انتهى من خدمة الجامعة أقيم له حفل، فجاء الحفل، فطلب منه أن يقوم ويلقي كلمة، فشكر الحضور على حضورهم وتفاعلهم وتعاطفهم معه، وقال: أنا قد خططت لعشر سنوات قادمة عشر أمنيات، فضحكوا، قالوا: الآن هذا شخص عمره ستون سنة يخطط لسبعين سنة، ما كانت خطته؟ يقول: كانت خطتي:

أولاً: أن أوجد مدينة متكاملة تكنولوجياً في الاتصالات.

ثانياً: أحصل على مبنى لي ولأسرتي عشرة آلاف متر مربع.

ثالثاً: أن أحصل على مبلغ بقيمة تذاكر لأن تزورني بناتي وأولادي كل ثلاثة أشهر؛ لأن هذا بطبيعة أحوالهم عندهم تفككاً أسرياً، وذكر من الأمنيات عشراً، فجعل بعض الحضور يهمس ويتكلم: ما يريد، هذا ما يريد من حياة؟ هذه أمنية؟ سبحان الله العظيم! هذا الشخص بعد سنتين، وقد تفاعل في قضية الحصول على قطعة أرض لبناء وحدة، أو منطقة للاتصالات، قالوا له: لماذا؟ قال: لأني علمت أن بريطانيا استطاعت أن تحصل على استغلال واستعمار الهند حينما علمت أن التوابل هي أكبر شيء في النجاح في وقته، يقول: وعلمت اليوم أن النفط سوف ينتهي، وستكون القوة القادمة في الاتصالات، يقولون: بعد ثلاث سنوات جاءت رئيسة الوزراء في ذلك الوقت تاتشر فطلبت منه أن يقوم بإدارة مدينة متكاملة في بريطانيا فرفض، يعني: هذه أمنية فرفض، قالت له: لماذا؟ قال: لأني أنا في طريقي للحصول عليها، لكن عندي الآن مبنى عشرة آلاف متر مربع لم أحصل عليها، فقالت: نحن نعطيك إياها من قبل الحكومة شريطة أنك إذا مت يرجع للحكومة، قال: أنا راضٍ، فأخذ اثني عشر ألف مترٍ أفضل من أمنيته.

قال: الأمنية الأخرى أريد تذاكر كل ثلاثة شهور لأجل أن يزورني أولادي وبناتي، قالت: سوف تحمل الحكومة هذا الأمر، فحصل على تسع من أمنياته خلال عشر سنوات، بعد عشر سنوات صار عمره سبعين سنة، وبعد عشر سنوات أقام أصحاب المبنى الذي هو الوحدة المتكاملة في الاتصالات حفلاً لتكريمه، فقام فتحدث، فقال: إني أشكركم على حضوركم، ولقد رسمت عشرة أهداف لعشر سنوات قادمة، يقول: فلم أجد أحداً يضحك مني؛ لأني قد حصلت على أكثر أمنياتي خلال عشر سنوات.

سؤال: ما الذي جعله في هذه الهمة؟ هو التخطيط، والإرادة، ورسم الهدف أمامه بين عينيه.

إذاً من المهم جداً أن نعلم أن كثرة اللهو، وكثرة المرح، وكثرة الاستمتاع بالحياة ومتعها لا تنجز شيئاً، ولن تنجح، إذ الحياة متعة لأجل أن تستفيد منها لما بعدها؛ ولهذا قال القائل:

إذا كان يلهيك حر المصيف ويبس الخريف وبرد الشتا

ويلهيك حسن جمال الربيع فأخذك للعلم قل لي متى؟

فالإنسان إذا جاء وقت الصيف قال: صيف وحر فأريد أن أذهب وأسافر، أريد أن أستمتع بالحياة، أنا سوف أجتهد بعدما أرجع ثم يضيع الصيف، فإذا جاء وقت الشتاء، قال: الشتاء وما أدراك ما الشتاء، فيه التزلج، وفيه الذهاب إلى البراري، وفيه المتعة، وفيه الضحك، وفيه وقدة النار كما يقولون، ثم يضيع الشتاء، فإذا جاء وقت الخريف، قال: الخريف هو تساقط الأشجار، وحسن النظر، وإذا جاء الربيع قال كذلك، فيضيع وقته.

ولهذا أنا أرى من الأهمية بمكان أن نجعل لأولادنا وبناتنا ونجعل لأنفسنا جدولاً، هذا الجدول مثل الجدول الدراسي، أنا أضعه لأولادي، أو الأم تضعه لأولادها، لكن لا بد أن يكون عن خبرة، وعن تجربة، وأن يكون واقعياً.

بعض الأسر تنام لتسهر إلى الفجر، هذا مع الأسف الشديد، لكنك لو طلبت منهم أن يناموا الساعة العاشرة ثم هم لن يحصّلوا فتكون قد فشلت في كل المشروع، أليس كذلك؟ فلأجل هذا نجعل جدولاً لكل أسرة على حسبها، فبعض الأسر تنام من الساعة العاشرة، وبعض الأسر تنام من الساعة الحادية عشرة، وبعض الأسر تنام من الساعة الثانية عشرة، وبعض الأسر تسهر إلى الفجر، أقول: تعالوا يا أولادي! أنتم تريدون أن تذهبوا إلى أخوالكم وأعمامكم، تعالوا فإن معنا بعد صلاة العشاء جدول لمدة ساعة تقريباً نحفظ شعراً، نحفظ أدباً، نتعلم، أو نأخذ دورة في العصر، أو في الصباح، بحيث يستطيع الأب أن يقول: ابني بإذن الله يستطيع أن يتحكم في جهاز الحاسب الآلي، ويستطيع أن يتعلم الوورد والأكسل وغير ذلك؛ لأننا إذا علمنا أولادنا في الثانوية أو في المتوسط أن يحسنوا التعامل مع جهاز الكمبيوتر، فإنهم في جامعتهم سوف تسهل عليهم عملية البحث، ويسهل عليهم عملية الكتابة والطباعة، فإذا عودت ولدي في العطلة أن يطبع، هذا بحد ذاته انتصار للنفس، إذا عودت ولدي أن يستغل أوقاته في حفظ أبيات من الشعر بحيث يستقيم لسانه هذا نوع من النجاح، إذا عودت ولدي أن يحفظ شيئاً من القرآن، وسنة سيد الأنام أنا أعتبر نفسي ناجحاً؛ ولهذا أيها الإخوة لا بد أن نعلم أن سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين لم يحصلوا على هذا العلم لسرعة حفظهم.

قصص وأمثلة لعلو الهمة في استغلال الأوقات

أنا أذكر للإخوة قصة ذكرها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، يقول: خرج محمد بن إسحاق بن خزيمة الذي يسمى إمام الأئمة، وخرج محمد بن جرير الطبري وخرج محمد بن نصر المروزي ، وخرج رجل آخر يسمى محمداً لكن لا أحفظ اسمه، هم أربعة يسمون المحامد، وهم أصحاب حديث، خرجوا من بلادهم إلى بغداد، فسكنوا داراً واحدة وهم فقراء، يعني: يطلبون العلم، تعرف أنت إذا اجتهدوا في السفر يعني: أكثر المال يكلفهم في السفر، فذهبوا فجلسوا في بيت، فكانوا يذهبون إلى الدروس في الصباح، فإذا جاء العصر بدأوا يشتغلون في تسويد ما كتبوه، يقول: فجلسوا يوماً واحداً لم يأكلوا شيئاً؛ لأنهم لا يريدون أن يضيعوا أوقاتهم، اليوم الثاني كان أحدهم قد مر على السوق فوجد سمكة فاشتراها؛ لأنه كان عنده شيء من الدنانير أو الدراهم، فجلست هذه السمكة قرابة يوم كامل لم تطبخ؛ لأنه لا يوجد عندهم وقت للطباخة، ولم يكن لديهم خدم ليقوموا بطبخها، فلما كان اليوم الثالث أكلوها نيئة، فلما كانت النهاية اجتمعوا، قالوا: تعالوا نتواصى! نجتمع كلنا، قالوا: نضرب بيننا قرعة وسهم، من خرج عليه سهم يبحث لنا عن طعام، نحن الآن ثلاثة أيام لم نأكل شيئاً، اقترعوا بينهم، يقول ابن القيم : أعظم الجود ليس الجود بالمال وإنما الجود بالوقت؛ ولهذا لا تظن حينما تقول لواحد سوف أمرك إلى البيت لنذهب سوياً، قال: أنا ما عندي شيء تعال لي! هذا تراه فاشلاً في حياته، الذي عنده وقت واهتمام هو الذي يراعي وقته، ولا يسمح للثقلاء أن يضيعوا وقته كائناً من كانوا، هؤلاء اجتمعوا فيما بينهم، وقالوا: تعالوا نجتمع ونتواصى ونضرب بيننا قرعة وسهماً، فمن وقعت عليه القرعة والسهم فإنه سوف يبحث لنا عن طعام، فتشاوروا فضربت القرعة، فوقعت على محمد بن نصر المروزي فلما وقعت عليه قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! -يعني: بعض الإخوة يقول: لا، ينبغي للإنسان أن يخدم إخوانه، أنا أعرف، لكن أنا أذكر لكم صورة لشدة اهتمامهم بأوقاتهم، دون النظر إلى بعض السلبيات التي فيها مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أنا أذكر صورة من واقع موجود كان في ذلك الوقت- قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قال لإخوانه: اسمحوا لي أن أصلي ركعتين، هو لا يريد أن يبحث، وليس عنده شركة وجوه ليشتري بالدين؛ فذهب فصلى، يقولون: وكان في ذلك الوقت أوقاف لأهل الحديث، أوقاف للتقاة، أوقاف لكذا، يقولون: ما أن انتهى محمد بن نصر من صلاته وهو يتضرع إلا والباب يطرق، قال: فطرق الباب فجاء رسول الوالي، فقال: أثم محمد بن جرير الطبري ، قال: فقذف إليه صرة من ذهب، قال: أثم محمد بن سعد بن خزيمة قال: خذ، ومحمد ، قال: هذا الذي صار لي، فقذفه، قال: ما شأنك؟ قال: علم الوالي بأن أهل الحديث قد قدموا إلى بغداد، وكان ثمة وقف لأهل الحديث فأحب أن يضرب لهم بسهم، هذه القصة ذكرها الخطيب البغدادي بإسنادها، ولم يعقب عليها، أنا أعرف أن هذا ربما يكون عند بعضنا في زماننا ضرب من الخيال، لكن صدقني أنه يوجد في زماننا اليوم من لا يسهر الليل، ولم ير الساعة الحادية عشرة، وأنا أعرف من المشايخ الذين لهم كتب أكثر من أربعين كتاباً في السوق من الكتب المحكمة المتقنة لم ير الساعة الثانية عشرة، نعم يُرى الساعة الثانية والنصف ليلاً؛ لأنه كان يقوم الليل.

هذه الهمة العالية منهم من أصبح عمره الآن ثلاثاً وستين سنة على هذا المنوال:

نفس عصام سودت عصاماً

وعلمته الكر والإقداما

وصيرته ملكاً هماماً

الفرق الذي بيني وبينك يا عبد العزيز! همتك وضعف همتي، الفرق بين الإخوة هي الهمة، و صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ [الرعد:4]، فإنك ربما تجد أخوين أحدهما صاحب همة عالية، ما الذي جعله ينجح؟ ما الذي جعله يحصل على الشهادات العالية؟ ما الذي جعله يرتقي في سلم العلم والطلب؟ ما الذي جعله يحصل على كثير من العلم، وغيره ممن يكبرونه لم يحصلوا؛ لأنه لم يكن يرتاح مثل راحتهم، كان يحفز الهمم للحصول على ما يريد.

أنا أذكر قصة للزمخشري ، كان هو وأحد زملائه يطلبون العلم، فكان الزمخشري حثيثاً على طلب العلم، وصاحبه اهتم بالعلم ثم انتقل إلى التجارة، وكبر هذا في التجارة، وكبر جار الله الزمخشري في علمه، يقول: فجمع بينهم مجلس، فكان الناس يسألون جار الله الزمخشري ويجيب، وكأنه ما شاء الله نهر يتدفق، فكان هذا زميله التاجر ينظر إليه بشوق ولهف، فلما انتهى من مجلسه، قال: والله لوددت أني بذلت كل مالي لأن أحصل على مثل هذا المجلس يا جار الله ، يعني: مثلما حصلت على هذا، فضحك جار الله الزمخشري يقول: فقال: والله إني لصادق، يعني: لا تظن أني أهزل فضحك، قال: لا، ولكني أقول:

أأبيت سهران الدجى وتبيته نوماً وتبغي بعد ذلك لحاقي

الذي يريد النجاح لا بد أن يبذل وقته، أن يبذل جهده؛ ولهذا قال يحيى بن أبي كثير كما روى مسلم في صحيحه: ( لا يستطاع العلم براحة الجسد ).

المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ! وجزاكم خيراً على هذا التوجيه المبارك، استقبل اتصالات، الأخ مبارك من المغرب، ونعتذر لأخينا مبارك والأخ أبو عبد الله لأننا أطلنا عليهما، تفضل أخي مبارك ؟

المتصل: السلام عليكم.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. تفضل أخي مبارك .

المتصل: الوالد مريض عيان. نسألك الدعاء.

المقدم: طيب! شفاه الله وعافاه، لديك سؤال آخر أخي مبارك .

المتصل: نعم. إذا كان يشرب منه ويتوضأ فهل هذا جائز أم غير جائز؟

المقدم: طيب واضح، شكراً أخي مبارك!.

الأخ أبو عبد الله من السعودية تفضل.

المتصل: ألو السلام عليكم.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصل: وجزاكم الله ألف خير على البرنامج.

المقدم: وإياك، تفضل أبا عبد الله .

المتصل: عندي بعض الأسئلة:

السؤال الأول: ما حكم قول: الله يقرفك! يعني: واحد لما يرى حاجة يقرف منها يقول: الله يقرفك لشخص، فما هو الحكم؟

السؤال الثاني: العمرة في رمضان تعدل حجة، فهل لو اعتمرت مرتين يكون الأجر كأجر حجتين أو لا؟

السؤال الثالث: نعرف أن المذاهب الفقهية أربعة، وهناك ناس يضيفون المذهب الظاهري، فما أدري هل هو مذهب خامس أم لا؟ وهذه الأسئلة شكراً.

المقدم: شكراً أبا عبد الله .

الأخت أم سلسبيل من الجزائر!

المتصل: السلام عليكم.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضلي!

المتصل: عندي سؤالان فضيلة الشيخ!

المقدم: ما هما؟

المتصل: السؤال الأول عندي عقيقة مع قرب السكن في البيت الجديد، فهل لنا أن نؤخرها إلى حين السكن في البيت الجديد كما يريد الزوج؟

السؤال الثاني: اللحية هل هي سنة أم واجب؟

المقدم: طيب شكراً لك أختي أم سلسبيل .

طيب! شيخ! الأخ مبارك من المغرب هو يقول: والده مريض يرجو منكم أن تدعو له ولسائر المسلمين يا شيخ!

الشيخ: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفي والده، وأن يلبسه ثوب الصحة والعافية، وأن يجعل ما أصابه تكفيراً لذنوبه، ورفعة لدرجاته، وأن يجعله في أعلى عليين، وأن يجعل ذلك تكفيراً لسيئاته إن شاء الله، اللهم آمين، اللهم آمين.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

مسألة أن الناس يفهمون أنه لا بد من استغلال الإجازة، أنا أعتبر يا شيخ عبد العزيز أننا ما زلنا بحاجة إلى شحذ الهمم على أهمية الاستفادة من أوقاتنا؛ ولهذا فهم كثير من الناس أن العطلة هي مجرد الاستمتاع، وضياع الأوقات باللهو والمرح، بحيث تكون هذه هي جل مفهوم الناس في العطلة، وهذا أكبر خطأ أن نتصور أن اللهو هو غاية؛ وإنما هو وسيلة لما بعده، كما قال معاذ بن جبل: وإني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي، يعني: أنا حينما أنام إنما أنام لأجل أن أستعد لما بعد النوم، وليس النوم هو غاية، ولأجل هذا لم تبن الحضارات، ولم تبن الأمم، ولم تبن المثل باللهو أو بالمرح، أو بالكماليات، إنما بنيت باستغلال الأوقات، وبنيت بشحذ الهمم؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم كما تقول عائشة : (إذا نام في الليل فزع)، ولا والله ما قالت: قام، لماذا؟ لأنه كان يرسم الهدف ويكون أمامه، وهو عبادة الله سبحانه وتعالى، والتبتل إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنه جعل ذلك غاية اهتمامه، فلما رأت عائشة منه إصراره وحزمه، وشدته عليه الصلاة والسلام على نفسه؛ لأجل أن يحصل على الهدف الذي رسمه وهو طاعة الله ومرضاته في كل ما يأتي ويذر، قالت عائشة : (يا رسول الله! إني أحب قربك، قال: ذهب عهد النوم يا عائشة ).

فالذين يريدون أن يرسموا لأنفسهم عمراً ثانياً -لأن ذكر الإنسان عمر ثانٍ- فلا بد أن يستغلوا أوقاتهم، ولا بد أن يستغلوا أعمارهم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
برنامج يستفتونك - فقه الخلاف [2] 2741 استماع
برنامج يستفتونك - الاستغفار [1] 2015 استماع
برنامج يستفتونك - وقفات مع الدعاء 1831 استماع
برنامج يستفتونك - الزكاة [3] 1802 استماع
برنامج يستفتونك - الزكاة [2] 1733 استماع
برنامج يستفتونك - الاستغفار [2] 1703 استماع
برنامج يستفتونك - الزكاة [1] 1652 استماع
برنامج يستفتونك - فقه الخلاف [1] 1471 استماع
برنامج يستفتونك - أحكام المسح على الجورب 1376 استماع
برنامج يستفتونك - الزكاة [4] 1080 استماع