برنامج يستفتونك - الاستغفار [2]


الحلقة مفرغة

المقدم: الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده، أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيهلا بكم إلى لقاء جديد من لقاءات برنامجكم الإفتائي المباشر يستفتونك، أرحب بكم وأرحب بمتابعتكم وأسئلتكم الثرية عبر شاشتكم الرسالة. أرحب في الوقت ذاته، وفي الشاشة ذاتها، وفي البرنامج ذاته باسمكم وباسم فريق العمل بضيف البرنامج ضيف اللقاء، والذي سيتولى مشكوراً مأجوراً التوضيح والبيان لموضوع هذه الحلقة، ومن ثم التكرم بالإجابة عن أسئلتكم واستفساراتكم.

أرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أهلاً بك صاحب الفضيلة.

الشيخ: حياكم الله يا شيخ ناصر! وحيا الله المشاهدين والمشاهدات في قناة الرسالة.

المقدم: الله يحسن إليك! إذاً حيا الله مشاهدي الكرام، وحيا الله شيخنا الكريم.

مشاهدينا الكرام مشاهداتي الكريمات! أشكر لكم عظيم حفاوتكم بما ذكره شيخنا في الحلقة الماضية حول الاستغفار وأهميته، واستجابة لطلبات الكثيرين، فإننا ربما نورد شيئاً من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إن أذن صاحب الفضيلة في الاستغفار تلكم العبادة العظيمة كيف كان هديه عليه الصلاة والسلام؟ كيف كان هدي السلف الصالح مع الاستغفار؟ ثم مزيد إيضاح لمعنى هذه الكلمة استغفار.

حاجة العبد إلى الاستغفار

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

سبق أن تحدثنا عن مسألة الاستغفار وأن العبد يسأل ربه المغفرة، ذلك أن المغفرة تختلف عن العفو.

فإن المغفرة هي طلب العفو مع ستر الله سبحانه وتعالى لعبده؛ ولهذا سمي الغفر والمغفر وهو الذي يوضع على الرأس، فكأن العبد يسأل ربه أن يعفو عنه وعن ذنبه وأن يستره يوم العرض عليه سبحانه وتعالى، وعلى هذا فإن الإنسان حينما يطلب ربه أن يغفر له فإنما يطلب من ربه سبحانه وتعالى أن يتجاوز عن سيئاته وألا يفضحه يوم العرض لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18]، هذا معنى الاستغفار؛ ولأجل هذا لا بد أن يستحضر العبد أنه في كل لحظة بحاجة إلى طاعة الله سبحانه وتعالى، فإن قصر أو تهاون في ذلك فهو بحاجة إلى استغفار، والله سبحانه وتعالى ليس له حاجة إلى أحد؛ ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه: ( يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي! إنما هي أعمالكم ثم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه )، ولأجل هذا أخبر عليه الصلاة والسلام أنه ليغان على قلبه فقال: ( إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم والليلة أو في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة )، وجاء في رواية البخاري من حديث أبي هريرة : ( أكثر من مائة مرة )، وهذا يدل على أن الإنسان بحاجة إلى أن يستغفر.

مواطن يستحب فيها الاستغفار

لقد جاء الاستغفار في مواطن منها: أن يكون المرء قد أعجب بنفسه، أو أن تكون هذه العبادة التي تقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى تحتاج إلى كمال وذلك بالاستغفار، أو أن يكون ذلك في وقت غفلة الناس، ولعلنا نذكر بعض المواطن.

الموطن الأول: استحب للإنسان أن يستغفر بعد صلاة الفريضة ـ أي: إذا سلم ـ يقول: ( أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام )، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها؛ والحكمة من الاستغفار بعد الفرض للدلالة على أن العبد بحاجة إلى أن يكمل النقص الحاصل في الفرض؛ لأن الفرض بحاجة إلى واجبات وإلى أركان وإلى مستحبات، فلربما أنقص بعض الواجبات، أو ربما أنقص بعض الأركان، أو ربما أنقص بعض المستحبات، أو ربما ضعف إقباله على ربه في هذا الفرض بأن حدث نفسه في الصلاة أو وسوس له، فاحتاج إلى أن يكثر من الاستغفار بأن يقول: أستغفر الله ثلاثاً بعد الفرض، هذا الموطن الأول.

الموطن الثاني: وقت قيام الليل، وهو وقت إجابة الدعوات؛ ولهذا ذكر الله الصالحين والعارفين حين يتقربون إلى الله في الليل فقال: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18]، قال أهل العلم: إنما جعل الاستغفار في مثل هذا الموطن لأن العبد ربما قصر في عبادته لله تعالى.

الموطن الثالث: إذا تعارّ الإنسان من الليل، وهذه سنة يغفل عنها كثير من الناس؛ ولهذا جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله، ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله أكبر، وقال: رب اغفر لي أو دعا، غفر له)، وهذا يدل على أن مثل هذا الموطن موطن غفلة عن الذكر وإيثار للنوم، وقوله: (فإذا تعار من الليل)، أي: استيقظ من الليل فيكون الأفضل في حقه أن يكثر من الاستغفار اعترافاً بفضل الله عليه أن أحياه، وهذه سنة يغفل عنها الكثير من الناس، إذا نام الإنسان ثم قام من آخر الليل قبل أن يؤذن المؤذن لصلاة الفجر فإنه يتذكر ويقول: لا إله إلا الله إشارة بالوحدانية، فكأن العبد حين استيقظ قد أحياه الله بعدما أماته، فإذا أحياه الله يكون أول ذكر يقوله: لا إله إلا الله، فناسب ذلك أنه إذا كان في آخر حياته فإنه يقول: لا إله إلا الله وأول حياته يقول: لا إله إلا الله وهذا يدل دلالة واضحة على تعلق القلب بالإيمان وبوحدانيته وإفراده تعالى بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات.

قال صلى الله عليه وسلم: ( فإن قام وصلى قبلت صلاته )، وهذا يدل دلالة واضحة على أن الإنسان ينبغي له أن يكثر من الاستغفار في مثل هذا الموطن.

الموطن الرابع: مواطن الغفلة ومنها: مواطن السهو والمجالس التي يكثر الحديث فيها حول أمور دنيوية، ولربما طال الحديث وتشعب وحصل فيه من المنكرات والسباب والشتام، أو الغيبة والنميمة؛ فلذا ينبغي أن يكثر من الاستغفار في هذه المجالس؛ ولأجل هذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة ).

الموطن الخامس: مواطن الدعاء يستحب فيها الإكثار من طلب المغفرة؛ ولهذا كان خير الدعاء دعاء ذي النون، كما جاء ذلك في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما دعا بها مسلم إلا استجاب الله دعاءه)، وهو قول ذي النون عندما كان في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وفيه اعتراف بالضعف وطلب المغفرة.

الموطن السادس: بعد قضاء العبادات، فإن الإنسان إذا قضى صومه أو قضى حجه فإنه ينبغي له أن يكثر من الاستغفار ويكثر من الدعاء؛ ولأجل هذا كان عمر بن عبد العزيز الخليفة الخامس رضي الله عنه، كان يكتب إلى أهل الأمصار وإلى أمراء الأمصار أن يأمروا الناس بعد قضاء فرضهم من الصوم أن يكثروا من قول: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]، وأن يقولوا كما قال العبد الصالح نوح عليه السلام: قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [هود:47]، وهذا يدل على أن الإنسان بحاجة إلى أن يعبد الله سبحانه وتعالى وأن يكثر من الاستغفار.

فمن الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط

ولأجل هذا ينبغي أن يعلم أن لله ملائكة يعبدونه في الليل والنهار كما قال صلى الله عليه وسلم: ( أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك ساجد وملك قائم يسأل الله سبحانه وتعالى المغفرة، ويثني على الله بما هو أهله)، والله أعلم.

نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياكم للاستغفار دائماً وأبداً وأن يتقبل منا.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

سبق أن تحدثنا عن مسألة الاستغفار وأن العبد يسأل ربه المغفرة، ذلك أن المغفرة تختلف عن العفو.

فإن المغفرة هي طلب العفو مع ستر الله سبحانه وتعالى لعبده؛ ولهذا سمي الغفر والمغفر وهو الذي يوضع على الرأس، فكأن العبد يسأل ربه أن يعفو عنه وعن ذنبه وأن يستره يوم العرض عليه سبحانه وتعالى، وعلى هذا فإن الإنسان حينما يطلب ربه أن يغفر له فإنما يطلب من ربه سبحانه وتعالى أن يتجاوز عن سيئاته وألا يفضحه يوم العرض لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18]، هذا معنى الاستغفار؛ ولأجل هذا لا بد أن يستحضر العبد أنه في كل لحظة بحاجة إلى طاعة الله سبحانه وتعالى، فإن قصر أو تهاون في ذلك فهو بحاجة إلى استغفار، والله سبحانه وتعالى ليس له حاجة إلى أحد؛ ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه: ( يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي! إنما هي أعمالكم ثم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه )، ولأجل هذا أخبر عليه الصلاة والسلام أنه ليغان على قلبه فقال: ( إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم والليلة أو في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة )، وجاء في رواية البخاري من حديث أبي هريرة : ( أكثر من مائة مرة )، وهذا يدل على أن الإنسان بحاجة إلى أن يستغفر.