برنامج يستفتونك - وقفات مع الدعاء


الحلقة مفرغة

المقدم: الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده, أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيهلاً بكم إلى لقاء جديد من لقاءات برنامجكم الإفتائي المباشر يستفتونك, ها هو ذا يطل عليكم من جديد عبر شاشتكم الرسالة، مرحباً بكم وبأسئلتكم الثروة الثرية, شاكراً لكم في بداية هذا اللقاء وكل اللقاءات تجشمكم المتابعة والإصغاء, ومرحباً في الوقت ذاته باسمكم وباسم فريق العمل بضيف حلقات هذا البرنامج, صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, أهلاً بكم صاحب الفضيلة!

الشيخ: حياك الله يا شيخ ناصر ! وحيا الله المشاهدين والمشاهدات.

المقدم: إذاً: حيا الله شيخنا وحياكم الله أينما كنتم وحيثما حللتم, ونرحب باتصالاتكم وبمهاتفتكم, كما أرحب بتواصلكم عبر تويتر على وجه الخصوص للسرعة والاختصار فيه أيضاً.

شيخي الكريم! مشاهدي ومشاهداتي هذا الشهر هو شهر الإنابة والإخبات والدعاء إلى الله جل وعلا, ما فتئ المسلمون يدعون الله عز وجل لقضاياهم العامة, ويدعونه أيضاً لقضاياهم الخاصة حتى يجد الواحد منهم والواحدة منهن تباطؤاً أو تخلفاً لإجابة الدعاء, فيقول القائل: دعوت دعوت فلم أر يستجب لي، فينحسر ويترك الدعاء, ترى هل من وقفات وإضاءات في هذا الخصوص، وفي هذا الموضوع بالذات، أحسن الله إليكم.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

من المعلوم أن رمضان هو شهر الدعاء, وما ذاك إلا لأن النسمات الربانية, والنفحات الإلهية تتنزل في رمضان ما لا تتنزل في غيره, ولا أدل على ذلك مما جاء عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة ), والله سبحانه وتعالى لا يعتق عبداً من عبيده من النار إلا لأنه قد عفا عنه وغفر له, وما ذاك أيضاً إلا لأن للعبد خصيصة تفضل الله سبحانه وتعالى بها عليه؛ ولهذا فإنه لم يشرك بالله تعالى؛ لأن الله يقول: ( يا ابن آدم! إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا, ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً, للقيتك بقرابها مغفرة ).

الاستجابة لأوامر الله

الله سبحانه وتعالى قد بين بعض آداب الدعاء, وبينها نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم, ولعل من أعظم الآيات الدالة على ذلك, قول الرب جل جلاله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186], فكل من استجاب أوامر الله واجتنب نواهيه فإن إجابة الدعاء في حقه قريبة.

الافتقار والفاقة والحاجة إلى الله سبحانه

بعض الناس ربما يؤدي بعض آداب الدعاء, ولربما كان مسافراً ولم يأكل حراماً, ولم يتغذ بحرام، ومع ذلك ربما يجد نوع تأخير في الإجابة, ولعل من أسباب ذلك هو قلة الافتقار والفاقة والحاجة إلى الله سبحانه وتعالى, ولأجل هذه القضية لا بد أن نلقي الضوء على ما كان عليه سلف هذه الأمة, على ما كان عليه أنبياء الله عليهم السلام, فإن أنبياء الله كان عندهم من الانكسار في القلب والخنوع والخشوع لله تعالى ما ليس عند غيرهم؛ ولهذا كان أعظم القلوب قلب محمد صلى الله عليه وسلم, كما جاء ذلك عند الإمام أحمد : ( إن الله اطلع على قلوب العباد فلم ير قلباً أخنع له من قلب محمد صلى الله عليه وسلم ), ولذا اختاره لختم نبوته, فلأجل هذا ينبغي أن نعيد النظر في دعائنا.

الله سبحانه وتعالى جعل من مسلمات الدعاء إجابة دعاء المضطر: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62], وإذا كان المضطر حتماً سوف يستجاب له، فإن ذلك إنما هو بسبب أنه قطع العلائق عن الخلائق واتصل بالخالق, وبهذا يكون العبد بإذن الله مستجاب الدعاء.

هذا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يقول ثلاثاً إذا هو أصبح, وثلاثاً إذا هو أمسى دعاءً فيه الافتقار واللجأ والانكسار والخنوع والخضوع لله تعالى، فكان يقول: ( يا حي يا قيوم! برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين, ولا إلى أحدٍ من خلقك ), هذا الافتقار الذي كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً إذا هو أصبح, وثلاثاً إذا هو أمسى, وينقطع عن العلائق ويتصل بالخالق, دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينكسر إلى ربه؛ ولذا استجاب الله دعاءه بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

وانظر إلى معركة بدر حيث وعده الله سبحانه وتعالى إحدى الحسنيين, يقول الله تعالى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ [الأنفال:7], ثم يقوم النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً بأصحابه فيخبرهم أن الله تعالى وعده إحدى الحسنيين، ومع ذلك يجلس في العريش, ويرفع يديه ويتبتل إلى ربه ويبتهل إليه, ويستغيث، حتى رُئي رافعاً يديه، ورئي بياض إبطيه وحتى سقط رداءه من شدة اللجأ والخنوع والخضوع لله, فيأتي أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة ينظرون، فيأخذ رداء النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يضعه على كتفيه, ويضمه وراءه ويقول: ( يا رسول الله! بأبي أنت كفاك مناشدتك ربك، فإن الله منجز لك ما وعدك, فينزل الله قرآناً يتلى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9] ).

يا أخي! الله سبحانه وتعالى يحب انكسارك، يحب فقرك, يحب فاقتك, يحب أن تتضرع إليه, يحب أن تنكسر بين يديه, ولأجل هذا كان أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ لأن فيه من حالة الخنوع والذل لله ما ليس في غير، ولأن فيه أنواع التوحيد الثلاثة، فسجوده ودعاؤه من توحيد الألوهية، وبمعرفته أن الله الذي يستجيب الدعاء إقرارٌ بتوحيد الربوبية؛ لأن الله هو الصمد، وهو الذي يعطي ويمنع، وهو الذي يرفع ويخفض، سبحان ربي جل جلاله وتقدست أسماؤه، وبدعائه بأسماء الله وصفاته فيه توحيد الأسماء والصفات؛ فلذلك كانت الإجابة في السجود لابد ولا محالة.

ولأجل هذا نحن بحاجة إلى أننا إذا أردنا أن ندعوا ربنا أن نتضرع بين يديه, فهل مرة في هذا الشهر الكريم دعوت لنفسك, لا تقل: دعوت مع الإمام في القنوت, أكثر الناس يرون شهر رمضان شهر الدعاء, إذا صلوا مع الإمام ودعوا في سجودهم, وفي التشهد الأخير, أو إذا قنت الإمام, لكن أسألك: هل صليت لله تتضرع إليه وأنخت مطاياك بجانب عفوه وكرمه وجوده وإحسانه:

الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب

الله يحب أن العبد يتذلل له؛ لأن الله يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].

ومما زادني شرفاً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك: يا عبادي! وأن صيرت أحمد لي نبيا

الله سبحان وتعالى أمرك أن تسترجع له, وأن تعرف النعمة منه وإليه، ولو كان في أقل القليل, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ليسترجع أحدكم ربه ولو في شسع نعله ) فإذا خرجت من المسجد وجدت نعليك قد قطعت سيورها فاسترجع، تجد أحدنا يقول: الحمد لله أشتري غيرها, لكن من الذي أنعم عليك لأجل أن تشتري, استرجع أولاً وقل: لا حول ولا قوة إلا بالله.

وهكذا من الذي أنعم عليك لأجل أن تذهب إلى سيارتك أو بيتك وأنت ليس عندك شيء, هو الله وحده, الناس يركبون الطائرة فيحدث خلل في الطائرة, ثم يقول الكابتن: أنا لا أستطيع أن أتحرك, ثم تسقط لهم الكمامات, فيجدون لا ملجأ لهم إلا الله فينادون الله, فيستجيب الله دعاءهم, من الذي أجاب دعاءهم؟ هو الله سبحانه وتعالى.

وإذا كان الكافر الذي يعبد غير الله إذا تضرع إليه, وأناخ واستجار واستغاث بالله جل جلاله وتقدست أسماؤه، فإن الله بكرمه وجوده وإحسانه وعطائه يستجيب دعاء هذا الكافر, فما بالك بالموحد الذي لم يضع جبهته إلا لله, ولم يحنِ جبينه إلا لله, ولم يدع إلا الله, فالله أكرم لهذا الموحد من الكافر, ومع ذلك يقول الله: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت:65], وهذا يدل على أنهم ينجون من الكرب؛ لأنهم أخلصوا الدعاء لله, فأنا أقول: دعوة لتصحيح المسار, ودعوة لتقويم العثار, أن نقبل على الله سبحانه وتعالى, وأن نعلم جازمين أن الله يحب فاقتنا ويحب انكسارنا, ويحب تضرعنا، كما جاء في الحديث: ( وينظر إليكم أزلين -يعني: حزينين- فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب ), هذا التضرع هذا الخنوع هو المهم.

الإنسان ربما يصلي الليل, ربما يصوم النهار, لكن ليس عنده هذه الفاقة، وربما منّ بها على الله سبحانه وتعالى, وإذا رأى أحد الحليقين أو من يشرب الدخان، قال: أسأل الله أن يغفر له, كأن الله لا يغفر إلا لهذا الأمر, هذا الأمر فيه خطورة كبيرة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: في قصة الرجلين الذي قال: ( والله لا يغفر الله لفلان, قال الله تعالى: من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان؟ قد غفرت له وأحبطت عملك )؛ لأنه يمنّ على الله سبحانه وتعالى بطاعته كما قال الله: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ [الحجرات:17], فلأجل هذا نحن بحاجة إلى الانكسار بين يدي الله.

والدعاء هو العبادة, ولماذا صار الدعاء هو العبادة؟ لأن العبد حينما يدعو, إنما يدعو صمداً تصمد له الحوائج, فهو صمد بمعنى أنه لا يغضب أن تسأله؛ لأنه قادر بعزته وجبروته وقدرته أن يعطي الخلائق ما يريدون كما في الحديث القدسي: ( لو أن أولكم وآخركم, وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئاً, إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ), فإذا كان كذلك فاسأل ربك, ولا تتوقع أن الله سبحانه وتعالى يستكثر أن يعطي عبده شيئاً من دنياه.

ألا يخصص في دعائه طلب الدنيا فقط

بعض الناس إذا أراد أن يدعو لا يدعو إلا في دنياه, ولا يدعو في آخرته, وقد ذم الله الذين لا يدعون ربهم إلا في دنياهم فقال: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:200], وأثنى على الذي يجمع بين الأمرين فقال: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201], ثم قال الله: أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [البقرة:202], فمن تضرع إلى الله, وانكسر بين يديه وعرف فاقته وحاجته، فإن الله يعطيه خير الدنيا والآخرة, وتأملوا دعاء الصالحين المؤمنين, ذلك الرعيل الأول الذين قالوا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147], فكان جزاؤهم: فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ [آل عمران:148], ثم قال الله تعالى: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ [آل عمران:174].

المقدم: الله المستعان الحديث في شأن الدعاء صاحب الفضيلة، حقيقة في غاية الأهمية, لكن هل من وقفات مع بعض الأدعية التي وجه الله عز وجل بها نبيه في كتابه العزيز، ووجه بها الأمة، فإنه لا ينطق عن الهوى, وهذه الألفاظ التي أتت من الله عز وجل في كتابه وفي سنة نبيه هي من أجمل الألفاظ فلا داعي لأن تخترع شيئاً من عند نفسك, هل من تذكير للإخوة؟

الإكثار من الثناء على الله

الشيخ: يجب عندما يدعو الإنسان أن يكثر من الثناء على الله؛ لأن الثناء على الله أحب له من أن تسأله؛ لأن دعاء المسألة أن تقول: رب اغفر لي, اللهم أعطني, هذا دعاء فقط, لكن إذا أردت أن يستجيب الله دعائي، مثلاً: أن يحقق لي أمراً من الأمور، فأثني على الله وأنا أقصد أن يستجيب الله دعائي، فالله سبحانه وتعالى يعلم خلجات النفوس وخواطرها.

مثال ذلك: انظر إلى هذا المثال العظيم ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة حينما يفصل الله بين الخلائق، وكل نبي من أولي العزم يقول: ( إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب مثله قبله, ولن يغضب بعده مثله, نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري, فيذهبون إلى آدم فيقول مثل ذلك, فيذهبون إلى نوح فيقول مثل ذلك, فيذهبون إلى إبراهيم فيقول مثل ذلك, فيذهبون إلى موسى فيقول مثل ذلك, ثم يذهبون إلى عيسى فيقول: اذهبوا إلى محمد فإن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, فيأتون محمداً، فيقولون: يا محمد! ألا ترى ما نحن فيه, ألا ترى ما قد أصابنا, ألا تستشفع لنا عند ربك, قال: فأقول: أنا لها, أنا لها, فآتي فأقع تحت العرش فيلهمني ربي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه لأحد بعدي, أو قال: لأحد قبلي, ثم قال: يا محمد! ارفع رأسك ), هذا كلام ربنا, ( ارفع رأسك, سل تعط, واشفع تشفع, فيقول: رب أمتي أمتي ), هذا الثناء الذي أثنى به النبي صلى الله عليه وسلم على الله سبحانه وتعالى قد رضي الله به وذهب غضب ربنا جل جلاله وتقدست أسماؤه, غضباً يليق بجلاله وعظمته, فيقول الله: ( يا محمد! سل تعط, واشفع تشفع )؛ ولأجل هذا فإن العبد بحاجة إلى أن يكثر من الثناء على الله سبحانه وتعالى.

واليوم تجد أن الناس أحياناً يقبلون على الدعاء ابتداءً, وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود و أحمد وغيرهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً جلس فدعا فقال: عجل هذا, ثم دعاه فقال: إذا جلس أحدكم فليثنِ على الله بما هو أهله, ثم ليصل علي ثم ليدع ), فهذا يدل على أن الثناء على الله سبحانه وتعالى من الأهمية بمكان.

والثناء على الله سبحانه وتعالى يرضي ربنا, وقد قال ابن مسعود , وروي مرفوعاً ولا يصح: ( من شغله ذكر الله عن مسألته, أعطاه الله أكثر مما يعطي السائلين )؛ ولهذا كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة وهو أفضل الدعاء: ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة, وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ).

بعض الناس إذا أذنب يقول: ماذا أصنع؟ نقول: أكثر من الثناء على الله واستغفر, لكن أكثر من الثناء على سبحانه وتعالى؛ لأن الثناء على الله بإذن الله يذهب غضب الرب, وإذا كانت الصدقة تذهب غضب الرب, فإن الثناء على الله بما هو أهله يذهب غضب الرب؛ ولهذا كان في رمضان الثناء على الله من الأهمية بمكان, ولا أدل على ذلك من إقبال السلف والرعيل الأول على تلاوة كتاب الله، فإن ذلك من الثناء, فإن هذا نوع من الإقرار بالوحدانية والإقرار بالأسماء والصفات, والإقرار بأن الله يتكلم كلاماً يليق بجلاله وعظمته، فهذا نوع ثناء على الله سبحانه وتعالى.

ومن الثناء على الله سبحانه وتعالى ما جاء عن الصحابة، وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم, فمما جاء عن الصحابة كما كان عمر رضي الله عنه يقنت فيقول: اللهم إنا نستعينك ونستهديك, ونستغفرك ونتوب إليك, ونثني عليك الخير كله, نشكرك ولا نكفرك, ونخلع ونترك من يكفرك, اللهم إياك نعبد, ولك نصلي ونسجد, وإليك نسعى ونحفد, نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق.

ومن الثناء على الله ما جاء في الصحيحين في حديث صلاة الليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق وقولك حق, ولقاؤك حق, والنار حق, والجنة حق, والنبيون حق, اللهم لك أسلمنا... ), الحديث.

ومن الثناء على الله سبحانه وتعالى ما جاء في الحديث، وإن كان في سنده بعض الكلام؛ والراجح أنه مرسل, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قصة ذهابه إلى الطائف: ( أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات, وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة, أن يحل بي غضبك, أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى, ولا حول ولا قوة إلا بك ), والأحاديث في هذا كثيرة.

الدعاء بما ورد

المقدم: إذاً صاحب الفضيلة تلكم كانت نماذج للثناء على الله عز وجل, ثمة سؤال أختم به, ماذا عما ورد من مجمل الأدعية وأجملها وأروعها؟

الشيخ: أولاً ينبغي للدعاة الذين يريدون أن يدعوا ربهم خاصة الأئمة جزاهم الله خيراً, أن يهتموا بالأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم, فلرب دعاء يقوله النبي صلى الله عليه وسلم سطراً خير من دعاء يدعو به غير النبي صلى الله عليه وسلم بصفحة كاملة, والناس أحياناً لا يفقهون, يظنون أن حسن الدعاء بتحريك القلوب فقط، أو بالسجعات، وقد نهي عن التكلف في السجع.

والرسول صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم؛ ولهذا قال لـجويرية : ( ما زلت في المجلس الذي فارقتك منه؟ قالت: نعم, قال: لقد قلت بعدك كلمات, لو وزنت بما قلت لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه, ورضا نفسه، وزنة عرشه, ومداد كلماته ), هذه الأربع الكلمات خير مما قالت جويرية التي جلست من بعد صلاة الفجر حتى تعالى النهار, فهذا يدل على أن الإنسان ينبغي له أن يختار الأدعية الواردة؛ ولهذا كان الإمام أحمد عندما سأله بعض طلابه, فقال السائل: يا أبا عبد الله ! الرسول صلى الله عليه وسلم بم كان يدعو؟ قال: يدعو بما ورد, قال: أو لم يقل رسولنا صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن مسعود : ( ثم ليتخير من الدعاء ما شاء ), قال: ما شاء بما ورد, فهذا يدل على أن الإمام أحمد يحب أن يقتصر الإنسان في أدعيته على ما ورد, لكن لا مانع أن يدعو الإنسان بخيري الدنيا والآخرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل حينما رآه يثني على الله سبحانه وتعالى كما جاء عند أهل السنن من حديث أنس رضي الله عنه: ( فقال: اللهم لك الحمد أنت بديع السماوات والأرض يا منان! يا ذا الجلال والإكرام! ), ثم قال: ( ادع فثم الإجابة ), فهذا يدل على أن الإنسان له أن يدعو بخيري الدنيا والآخرة, لكن لا ينبغي أن يكثر من التفصيل؛ لأن بعض الناس أحياناً يدعو دعاء يريد به تحريك القلوب فيكثر من التفصيل في الدعاء, مثلما أذكر أن أحد الأئمة كان يدعو في قنوته فقال: اللهم ارحمنا إذا كفننا أهلونا, اللهم ارحمنا إذا هم غسلونا, اللهم ارحمنا إذا على أكتافهم حملونا, اللهم ارحمنا إذا وضعونا في قبورنا, فالناس بدءوا يبكون؛ لأنهم بدءوا يستشعرون هذه الحال.

ومن الأخطاء في الدعاء أن يقول الداعي: يا ابن آدم! تذكر وأنت في القبر, فهذا الكلام باطل؛ لأنه كلام إنشائي، وليس له علاقة بالدعاء, وهذا يجعل الإنسان أحياناً وقت الدعاء يخطئ, فلا ينبغي التفصيل الدقيق ولو حرك قلوب الناس، وقد وجد من بعض تابعي التابعين من كان يبكي حتى بعضهم سمي شهيد القرآن من الصعق والدعاء, وهذا ليس من السنة, فالسنة خير وأحب، والله أعلم.

الله سبحانه وتعالى قد بين بعض آداب الدعاء, وبينها نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم, ولعل من أعظم الآيات الدالة على ذلك, قول الرب جل جلاله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186], فكل من استجاب أوامر الله واجتنب نواهيه فإن إجابة الدعاء في حقه قريبة.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
برنامج يستفتونك - فقه الخلاف [2] 2744 استماع
برنامج يستفتونك - الاستغفار [1] 2019 استماع
برنامج يستفتونك - الزكاة [3] 1806 استماع
برنامج يستفتونك - استغلال الإجازة 1750 استماع
برنامج يستفتونك - الزكاة [2] 1735 استماع
برنامج يستفتونك - الاستغفار [2] 1706 استماع
برنامج يستفتونك - الزكاة [1] 1654 استماع
برنامج يستفتونك - فقه الخلاف [1] 1476 استماع
برنامج يستفتونك - أحكام المسح على الجورب 1380 استماع
برنامج يستفتونك - الزكاة [4] 1086 استماع