فقه العبادات - الطهارة [16]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إخوتي المشاهدين والمشاهدات!

وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل هذا اللقاء وهذا المجلس مجلس خير وبركة، تحفنا فيه الملائكة، وتغشانا فيه الرحمة، ويذكرنا ربنا فيمن ذكره في الملأ الأعلى.

أيها الإخوة والأخوات! كنا وما زلنا في صدد شرح مسائل كتاب الحيض، وكنا قد ابتدأنا في الأسبوع الماضي في أول مسائله، ولا شك أن صعوبة باب الحيض -كما قلنا- ليست في معرفة الحكم الشرعي أو معرفة الدليل، ولكن صعوبته في تطبيقه، لأن الدماء في الفقه والواقع أربعة:

الأول: الدم الأسود.

والثاني: الدم الأحمر.

والثالث: الصفرة.

والرابع: الكدرة.

لا يوجد دليل نقلي في تحديد أقل مدة الحيض أو أكثرها

الشيخ: كنا قد توقفنا على أن أكثر مدة الحيض هي خمسة عشر يوماً، وقلنا: هذا هو المشهور من مذهب الشافعية والحنابلة.

وقد قلنا أيضاً: إنه ليس ثمة دليل مرفوع ولا موقوف في أقل الحيض ولا في أكثره، لا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، وكل إمام يلتمس ما كان من عادة النساء، فإن وجد بعد الاستقراء أن المرأة تحيض أقل من ذلك أو تحيض أكثر من ذلك علق به حكماً، فإذا لم يعلم بنى الأمر على عادة النساء.

وقد قلنا: إن باب الحيض يحتاج إلى تأمل؛ وذلك لأن باب الحيض إنما علقت أحكامه على عادة النساء، كما جاء ذلك في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـحمنة بنت جحش : تحيضي في علم الله ستاً أو سبعاً كما تحيض النساء )، فعلق حيضها على عادة نسائها من قريباتها، كخالاتها، وعماتها، وأخواتها، وأمهاتها، هذا أمر.

أحكام الحيض في الشرع متعلقة بوجوده

الشيخ: الأمر الآخر: أن الشارع علق الحيض على وجوده، ورتب عليه أحكاماً، فقال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، فبين وحكم الشارع أن المرأة متى ما جاءها الأذى ثبتت أحكام الحيض، ومتى زال عنها هذا الأذى فقد زالت عنها أحكام الحيض، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي )، فعلق الحكم على إقبال الحيض وعلى إدباره، فإن أقبل الحيض منعت من الصلاة والصوم، وإن أدبر أمرت بالصلاة والصوم، وهذا هو الأصل: كلما وجد الدم فإن الشارع يعلق به حكم الحيض، لكن هذا الدم الذي علق الشارع به ربما لا يأتي المرأة في بلد إلا في يوم وليلة، أو لا يزيد عن خمسة عشر يوماً، فمن قال: إن هذا هو الأصل بناءً على أن ذلك غالب عادة النساء، فيكون هذا جمعاً بين الأدلة.

المرأة التي تخالف عادة النساء في حيضها

الشيخ: علق الشارع الحكم على وجود الأذى، وعلق الشارع الحكم على عادة النساء، فالغالب والأصل أن كل ما كان على عادة النساء وعلى ما ينتشر عند النساء فعليه المعول، فإن وجد امرأة تزيد أو تقل على أقل الحيض أو أكثره فإننا نقول: إن كان عادة نسائها على ما هي عليه فإنها تعتد به، وإن لم يكن فإنها تعتد بالعادة الأصلية التي هي عادة النساء ستاً أو سبعاً، فإن كان عادتها ثجة واحدة، وكان كذلك في الشهر الثاني والثالث وهكذا علمنا أن تلك هي عادتها، ولو كان أقل من غالب ما يأتي النساء.

إذاً: الراجح أن أقل الحيض يوم وليلة ما لم يأتها أقل من ذلك ويتكرر، فإن جاء أقل من ذلك وعاود هذا الأمر في أشهر أخرى فإنها تكون عادتها، وعلى هذا فقس، ولهذا قال الإمام الأوزاعي : كانت امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية، وكانوا يرون أن ذلك حيض، وهذا يدل على أن الأوزاعي رأى وأدرك امرأةً تحيض في كل شهر نصف يوم، أو يوماً دون ليلته، ليس أربعاً وعشرين ساعة، بل اثنتي عشرة ساعة تقريباً، وكل شهر على هذا المنوال، فهذه المرأة علق الشارع حكمها على عادتها، فنقول: إن عادتها أولى من عادة قريباتها، وأولى من عادة النساء؛ لأن الأصل والمعول على ما هو عادتها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( تحيضي في علم الله ستاً ).

إذاً: الراجح هو أن أقل الحيض الأصل فيه يوم وليلة، فإن رأت المرأة الدم على الطريقة المعتادة أقل من ذلك، واستمر كذلك كل شهر علمنا أن عادتها أقل من يوم وليلة.

وعلى هذا فنقول في أكثر مدة الحيض: الأصل هو مذهب الشافعية والحنابلة، وهو أن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً، فإن زاد على ذلك وتكرر كل شهر علمنا أن حيضها يزيد عن خمسة عشر يوماً إلى سبعة عشر يوماً أو ستة عشر يوماً، وعلى هذا فقس.

الشيخ: كنا قد توقفنا على أن أكثر مدة الحيض هي خمسة عشر يوماً، وقلنا: هذا هو المشهور من مذهب الشافعية والحنابلة.

وقد قلنا أيضاً: إنه ليس ثمة دليل مرفوع ولا موقوف في أقل الحيض ولا في أكثره، لا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، وكل إمام يلتمس ما كان من عادة النساء، فإن وجد بعد الاستقراء أن المرأة تحيض أقل من ذلك أو تحيض أكثر من ذلك علق به حكماً، فإذا لم يعلم بنى الأمر على عادة النساء.

وقد قلنا: إن باب الحيض يحتاج إلى تأمل؛ وذلك لأن باب الحيض إنما علقت أحكامه على عادة النساء، كما جاء ذلك في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـحمنة بنت جحش : تحيضي في علم الله ستاً أو سبعاً كما تحيض النساء )، فعلق حيضها على عادة نسائها من قريباتها، كخالاتها، وعماتها، وأخواتها، وأمهاتها، هذا أمر.

الشيخ: الأمر الآخر: أن الشارع علق الحيض على وجوده، ورتب عليه أحكاماً، فقال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، فبين وحكم الشارع أن المرأة متى ما جاءها الأذى ثبتت أحكام الحيض، ومتى زال عنها هذا الأذى فقد زالت عنها أحكام الحيض، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي )، فعلق الحكم على إقبال الحيض وعلى إدباره، فإن أقبل الحيض منعت من الصلاة والصوم، وإن أدبر أمرت بالصلاة والصوم، وهذا هو الأصل: كلما وجد الدم فإن الشارع يعلق به حكم الحيض، لكن هذا الدم الذي علق الشارع به ربما لا يأتي المرأة في بلد إلا في يوم وليلة، أو لا يزيد عن خمسة عشر يوماً، فمن قال: إن هذا هو الأصل بناءً على أن ذلك غالب عادة النساء، فيكون هذا جمعاً بين الأدلة.

الشيخ: علق الشارع الحكم على وجود الأذى، وعلق الشارع الحكم على عادة النساء، فالغالب والأصل أن كل ما كان على عادة النساء وعلى ما ينتشر عند النساء فعليه المعول، فإن وجد امرأة تزيد أو تقل على أقل الحيض أو أكثره فإننا نقول: إن كان عادة نسائها على ما هي عليه فإنها تعتد به، وإن لم يكن فإنها تعتد بالعادة الأصلية التي هي عادة النساء ستاً أو سبعاً، فإن كان عادتها ثجة واحدة، وكان كذلك في الشهر الثاني والثالث وهكذا علمنا أن تلك هي عادتها، ولو كان أقل من غالب ما يأتي النساء.

إذاً: الراجح أن أقل الحيض يوم وليلة ما لم يأتها أقل من ذلك ويتكرر، فإن جاء أقل من ذلك وعاود هذا الأمر في أشهر أخرى فإنها تكون عادتها، وعلى هذا فقس، ولهذا قال الإمام الأوزاعي : كانت امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية، وكانوا يرون أن ذلك حيض، وهذا يدل على أن الأوزاعي رأى وأدرك امرأةً تحيض في كل شهر نصف يوم، أو يوماً دون ليلته، ليس أربعاً وعشرين ساعة، بل اثنتي عشرة ساعة تقريباً، وكل شهر على هذا المنوال، فهذه المرأة علق الشارع حكمها على عادتها، فنقول: إن عادتها أولى من عادة قريباتها، وأولى من عادة النساء؛ لأن الأصل والمعول على ما هو عادتها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( تحيضي في علم الله ستاً ).

إذاً: الراجح هو أن أقل الحيض الأصل فيه يوم وليلة، فإن رأت المرأة الدم على الطريقة المعتادة أقل من ذلك، واستمر كذلك كل شهر علمنا أن عادتها أقل من يوم وليلة.

وعلى هذا فنقول في أكثر مدة الحيض: الأصل هو مذهب الشافعية والحنابلة، وهو أن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً، فإن زاد على ذلك وتكرر كل شهر علمنا أن حيضها يزيد عن خمسة عشر يوماً إلى سبعة عشر يوماً أو ستة عشر يوماً، وعلى هذا فقس.

الشيخ: إذا ثبت هذا فإن عندنا مسألة: ما أقل الحيض؟ نحن ذكرنا أكثر الحيض في الحلقة الماضية، والآن نتحدث عن أقل الحيض:

اختلف العلماء في ذلك:

فذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة إلى أن أقل الحيض يوم وليلة، وعلى هذا فلو وجد امرأة تحيض اثنتي عشرة ساعة فإنه لا يعد حيضاً، بل يكون دم فساد، فتتوضأ إذا جاءها ذلك الدم؛ لأنه في حكم الحدث.

دليلهم في هذا أنهم قالوا: إننا لم نجد امرأة تحيض أقل من ذلك، والمرجع في باب الحيض إلى عادة النساء، كما جاء في حديث حمنة بنت جحش : ( تحيضي في علم الله ستاً أو سبعاً ).

واستدلوا على ذلك بما رواه الدارمي من حديث عامر الشعبي ، عن علي بن أبي طالب : أن امرأةً جاءت علي بن أبي طالب رضي الله عنه تخاصم زوجها وقد طلقها، فادعت أنها انتهت من عدتها في شهر، ومعلوم أن العدة ثلاثة قروء، فقال علي لـشريح: ما تقضي فيها؟ فقال: إن جاءت بامرأة من بطانة أهلها يرضى دينها وأمانتها تشهد أنها تحيض يوماً وليلة، ثم تطهر وتغتسل وتصلي وإلا فلا، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قالون) أي: جيد!!

وجه الدلالة؛ قالوا: إنها ادعت أنها تطهر في يوم وليلة؛ لأن أقل الطهر بين الحيضتين: ثلاثة عشر يوماً، وهذا مذهب الحنابلة، فهي تحيض يوماً وليلة، ثم تطهر ثلاثة عشر يوماً، ثم تحيض يوماً وليلة، ثم تطهر ثلاثة عشر يوماً، فهذه ثمان وعشرون، ثم تحيض يوماً وليلة، فصارت تسعاً وعشرين، ثم بعد حيضها الثالث تطهر، فتكون قد انتهت من عدتها في شهر، هذا دليل من قال: إن أقل الحيض يوم وليلة.

ولا شك أن هذا الدليل وهذا الاستدلال محل نظر من وجهين:

أولاً: من حيث إسناده؛ وذلك أن الحديث ضعيف؛ لأن عامراً الشعبي رواه عن علي بن أبي طالب ، ولم يصح سماع الشعبي من علي ، فدل ذلك على أن الحديث منقطع، والله أعلم.

الثاني: أن تأويل الحديث على أن حيضها كان يوماً وليلة محل نظر، فعلى مذهب الحنفية يقولون: إن أقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام، وأقل الحيض ثلاثة أيام، فقالوا: إنها تحيض ثلاثة أيام، ثم تطهر عشرة أيام، فهذه ثلاثة عشر، ثم تحيض ثلاثة أيام، ثم تطهر عشرة، فصار الجميع ستاً وعشرين، ثم تحيض ثلاثة أيام فهذه تسع وعشرون، ثم تطهر بعد ذلك فيكون حيضها وعدتها ثلاثة قروء في شهر، فليس فيه دلالة على أن أقل الحيض يوم وليلة، فجائز أن يكون ثلاثة أيام؛ ولهذا ذهب الحنفية إلى أن أقل الحيض ثلاثة أيام، فإن جاء الدم يوماً وليلة أو يومين فإنها لا تعتد به على مذهب الحنفية.

الراجح في أقل مدة الحيض

الشيخ: والراجح أنه ليس لأقل الحيض حد محدود، فجائز أن يكون حيض المرأة أقل من يوم وليلة، شريطة أن يعتاد هذا في حقها، فإن لم يعتد فالأصل والغالب أن الحيض لا يكون إلا يوماً وليلة، فنحن حينئذ أخذنا بأنه جائز أن تحيض المرأة أقل من ذلك؛ لأنهم استدلوا بالوجود.

وقد روي عن الأوزاعي أنه قال: كانت امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية، فهذا يدل على أن أقل الحيض يمكن أن يكون أقل من يوم وليلة، وهذا القول هو مذهب مالك، واختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله في الجملة، من حيث إنه لا حد لأقله، ونحن نقول: إن الأقرب أن أقل الحيض يوم وليلة؛ لأن هذا هو غالب عادة النساء، فإن جاء المرأة أقل من ذلك واستمر، كأن يأتيها اثنتي عشرة ساعة تقريباً ثم ينقطع، فإننا نقول: إن استمر كل شهر على هذا فإنها تعتبره حيضاً، وأما إن كان أقل الحيض في العادة يأتيها يوماً وليلة أو ثلاثة أيام، وفجأةً جاءها أقل من يوم، مثل بعض النساء، تطهر، وتأتيها القصة البيضاء، ثم بعد طهرها وقد اغتسلت تذهب إلى دورة المياه فتمسح فتجد خيوطاً حمراء، فتقول: هذا ليس بحيض، لأن الحيض لا يكون بهذه الطريقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تحيضي في علم الله كما تحيض النساء )، والنساء إنما حيضهن على الوجه المعتاد، وهو أن يكون ثجاً، ثم بعد ذلك يتراخى، بحيث لو مسحت وجدت دماً، ولكن متى ما حصل الجفاف ونزلت القصة البيضاء بعدها فهذا هو الطهر الذي لا طهر بعده.

أما هذه الخيوط، أو نزل الدم ثجة، ثم بعد ساعة ارتفع فهذا لا تعتبره حيضاً؛ لأن الأصل أن عادتها ستة أيام، أو خمسة أيام، أو أربعة أيام، فلا تعول عليه؛ لأن هذا إنما ينزل بسبب نفسيتها، أو بسبب جهدها وجهد بدنها، وعلى هذا فإننا لا نعول على المرأة التي لها عادة: خمسة أيام، أو ثمانية أيام، فإن طهرت بعد ذلك، ثم مسحت فوجدت خيوطاً حمراء، فإننا لا نعول عليها، بل نقول: هذا دم فساد، والله أعلم، وعلى هذا فقس.

أنواع ما يطلب الشرع تحديده وكيفية ذلك وعلاقته بأقل الحيض

الشيخ: إذا ثبت هذا وقلنا: إن الراجح أنه لا حد لأقل الحيض إذا تكرر، والأصل هو يوم وليلة ما لم يأت أقل من ذلك ويعتاد.

وهنا نقول: كل ما يأتي في الشرع يتطلب التحديد فلا يخرج عن ثلاثة أشياء:

الأول: ما جاء تحديده في الشرع، وذلك مثل أنصبة الزكاة، ومقدار نصاب المواريث، وعدد الركعات في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر والجمعة والاستسقاء، فهذا تحديده لم يجعل للبشر، إنما هو للشارع، فيجب المصير إليه.

الثاني: ما لم يأت تحديده بالشرع، وإنما جاء تحديده في اللغة، فيجب المصير إلى اللغة، مثل تحديد الشهر، فالشهر تسعة وعشرون يوماً، أو ثلاثون يوماً، والأسبوع سبعة أيام، واليوم والليلة أربع وعشرون ساعة، فهذا تحديده في اللغة.

القسم الثالث: ما لم يأت تحديده في الشرع ولا في اللغة، فالمعول على العادة والعرف، والمصير إليهما، وهذا مثل القبض، ومثل الحرز، فكل من سرق مالاً من حرز فإنه يجب أن تقطع يده، وتحديد الحرز إنما مصيره إلى العرف، ولهذا قال الناظم:

وكل ما أتى ولم يحدد بالشرع كالحرز فبالعرف أحدد

أي: فإنك تحيله إلى العرف، وهذا مثل له بعض أهل العلم بالسفر،كما ذكر ذلك ابن تيمية ، ونحن نقول: مثل الحيض والنفاس، فإن أكثر مسائل الحيض مردها إلى عرف النساء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ولهذا يقول الإمام ابن رجب رحمه الله: لم يصح عن الأئمة في هذا الباب -يعني تحديد أقل الحيض، وأكثر الحيض- حديث مرفوع ولا موقوف، وإنما المرجع إلى العادة.

وقد ذكر ذلك أيضاً أبو العباس بن تيمية رحمه الله، فالقاعدة إذاً أنه كل ما لم يرد تحديده في الشرع ولا في اللغة فإن المصير فيه إلى عرف الناس، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: والراجح أنه ليس لأقل الحيض حد محدود، فجائز أن يكون حيض المرأة أقل من يوم وليلة، شريطة أن يعتاد هذا في حقها، فإن لم يعتد فالأصل والغالب أن الحيض لا يكون إلا يوماً وليلة، فنحن حينئذ أخذنا بأنه جائز أن تحيض المرأة أقل من ذلك؛ لأنهم استدلوا بالوجود.

وقد روي عن الأوزاعي أنه قال: كانت امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية، فهذا يدل على أن أقل الحيض يمكن أن يكون أقل من يوم وليلة، وهذا القول هو مذهب مالك، واختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله في الجملة، من حيث إنه لا حد لأقله، ونحن نقول: إن الأقرب أن أقل الحيض يوم وليلة؛ لأن هذا هو غالب عادة النساء، فإن جاء المرأة أقل من ذلك واستمر، كأن يأتيها اثنتي عشرة ساعة تقريباً ثم ينقطع، فإننا نقول: إن استمر كل شهر على هذا فإنها تعتبره حيضاً، وأما إن كان أقل الحيض في العادة يأتيها يوماً وليلة أو ثلاثة أيام، وفجأةً جاءها أقل من يوم، مثل بعض النساء، تطهر، وتأتيها القصة البيضاء، ثم بعد طهرها وقد اغتسلت تذهب إلى دورة المياه فتمسح فتجد خيوطاً حمراء، فتقول: هذا ليس بحيض، لأن الحيض لا يكون بهذه الطريقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تحيضي في علم الله كما تحيض النساء )، والنساء إنما حيضهن على الوجه المعتاد، وهو أن يكون ثجاً، ثم بعد ذلك يتراخى، بحيث لو مسحت وجدت دماً، ولكن متى ما حصل الجفاف ونزلت القصة البيضاء بعدها فهذا هو الطهر الذي لا طهر بعده.

أما هذه الخيوط، أو نزل الدم ثجة، ثم بعد ساعة ارتفع فهذا لا تعتبره حيضاً؛ لأن الأصل أن عادتها ستة أيام، أو خمسة أيام، أو أربعة أيام، فلا تعول عليه؛ لأن هذا إنما ينزل بسبب نفسيتها، أو بسبب جهدها وجهد بدنها، وعلى هذا فإننا لا نعول على المرأة التي لها عادة: خمسة أيام، أو ثمانية أيام، فإن طهرت بعد ذلك، ثم مسحت فوجدت خيوطاً حمراء، فإننا لا نعول عليها، بل نقول: هذا دم فساد، والله أعلم، وعلى هذا فقس.

الشيخ: إذا ثبت هذا وقلنا: إن الراجح أنه لا حد لأقل الحيض إذا تكرر، والأصل هو يوم وليلة ما لم يأت أقل من ذلك ويعتاد.

وهنا نقول: كل ما يأتي في الشرع يتطلب التحديد فلا يخرج عن ثلاثة أشياء:

الأول: ما جاء تحديده في الشرع، وذلك مثل أنصبة الزكاة، ومقدار نصاب المواريث، وعدد الركعات في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر والجمعة والاستسقاء، فهذا تحديده لم يجعل للبشر، إنما هو للشارع، فيجب المصير إليه.

الثاني: ما لم يأت تحديده بالشرع، وإنما جاء تحديده في اللغة، فيجب المصير إلى اللغة، مثل تحديد الشهر، فالشهر تسعة وعشرون يوماً، أو ثلاثون يوماً، والأسبوع سبعة أيام، واليوم والليلة أربع وعشرون ساعة، فهذا تحديده في اللغة.

القسم الثالث: ما لم يأت تحديده في الشرع ولا في اللغة، فالمعول على العادة والعرف، والمصير إليهما، وهذا مثل القبض، ومثل الحرز، فكل من سرق مالاً من حرز فإنه يجب أن تقطع يده، وتحديد الحرز إنما مصيره إلى العرف، ولهذا قال الناظم:

وكل ما أتى ولم يحدد بالشرع كالحرز فبالعرف أحدد

أي: فإنك تحيله إلى العرف، وهذا مثل له بعض أهل العلم بالسفر،كما ذكر ذلك ابن تيمية ، ونحن نقول: مثل الحيض والنفاس، فإن أكثر مسائل الحيض مردها إلى عرف النساء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ولهذا يقول الإمام ابن رجب رحمه الله: لم يصح عن الأئمة في هذا الباب -يعني تحديد أقل الحيض، وأكثر الحيض- حديث مرفوع ولا موقوف، وإنما المرجع إلى العادة.

وقد ذكر ذلك أيضاً أبو العباس بن تيمية رحمه الله، فالقاعدة إذاً أنه كل ما لم يرد تحديده في الشرع ولا في اللغة فإن المصير فيه إلى عرف الناس، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: إذا ثبت هذا فهنا مسألة، وهي: أقل الطهر بين الحيضتين.

أقل الطهر بين حيضتين المقصود به أن المرأة إذا جاءها الحيض في عادتها ثم طهرت، فأقل الطهر حتى يأتي الحيض الآخر كم مدته؟ بحيث لو جاءها الدم بعد الطهر بأسبوع فهل تعول على هذا وتعتبره دم حيض أم لا؟

مثاله: لو أن امرأةً عادتها ثمانية أيام، فجاءها الحيض ثمانية أيام، ثم طهرت أسبوعاً، ثم جاءها دم آخر، فهل تعول على هذا الدم أو لا تعول عليه؟

فإن قلنا: لا تعول عليه؛ فلأن أقل الطهر هو خمسة عشر يوماً، أو ثلاثة عشر يوماً، على الخلاف.

وإن قلنا: تعول عليه، فإنها تعتبره حيضاً، هذه المسألة.

إذاً أقل الطهر بين الحيضتين اختلف العلماء فيه:

فذهب جماهير أهل العلم من الحنفية والشافعية والمالكية ورواية عند الإمام أحمد إلى أن أقل الطهر خمسة عشر يوماً؛ قالوا: لأن أكثر الحيض هو خمسة عشر يوماً، فيكون أكثر الطهر بين الحيضتين هو خمسة عشر يوماً، والله أعلم.

وذهب الحنابلة في المشهور عنهم إلى أن أقل الحيض ثلاثة عشر يوماً استدلالاً بقصة علي التي مضت، وفيها: إن جاءت ببطانة من أهلها لها أمانة وعدل، تشهد أنها تحيض يوماً وليلة ثم تطهر ثم تحيض ... ، فهذا دليل على أن أقل الطهر ثلاثة عشر، بحيث إنها تحيض يوماً وليلة، ثم تطهر ثلاثة عشر، ثم تحيض يوماً وليلة، ثم تطهر ثلاثة عشر، ثم تحيض يوماً وليلة، ثم تطهر، فتكون قد انتهت من عدتها، ولكننا نقول: إن هذا الحديث ضعيف، والله أعلم.

وذهب أبو العباس بن تيمية إلى أنه لا أقل لمدة الحيض.

والذي يظهر والله أعلم أنه لا بد من تحديد أقل الحيض؛ لأنه لا يمكن ضبطه بذلك، وأما أن نقول: هو حيض ما لم تعبر أكثره، فكيف تعبر أكثره وهي لا تعرف؟ فإذا علقنا على عادتها فإنها تقول: أنا لا أدري ما عادتي! فلا بد أن نحدد ذلك بمدة، ولا يسع الناس إلا هذا، ولهذا قال الحنفية: لا بد أن يضبط وإلا وقع الناس في حرج وتكليف بما لا يستطيعونه، فلا بد من تحديد!

فالذي يظهر لي والله أعلم أن أقل الطهر هو إما ثلاثة عشر يوماً لأنه أقل ما وجد، وإن كان الغالب هو خمسة عشر يوماً، وعلى هذا فإنه لا يعول على ثلاثة عشر يوماً إلا إذا تكرر منها كل شهر، والله أعلم.

وعلى هذا فإذا كانت عادة المرأة ثمانية أيام، ثم اغتسلت، وبعد أسبوع أو أسبوع ونصف جاءها دم، وهذا يحصل دائماً في وقت الحج أو العمرة؛ حيث تطهر المرأة من عادتها، وليس عندها إشكال، لكن بسبب اضطراب نفسيتها ربما ينزل بعض الدم، فهذا الدم الذي بعد الطهر لا تعول المرأة عليه؛ لأن أقل الطهر ثلاثة عشر يوماً، فإذا كان الطهر ثلاثة عشر يوماً ثم جاء دم فإنها تعتبره حيضاً، وإن كان أقل من ذلك فلا تعتبره شيئاً، وهذه هي القاعدة، إلا إذا كان لها تمييز أو عادة، مثل ما إذا جاءها الدم على ما هو معتاد: دم أسود، ثخين، له رائحة كريهة، فإنها تعتبره حيضاً، أما إذا كانت لا تعرفه، وترى دماً في القطنة أو في القطعة التي تضعها في مكان الدم فإننا لا نعول عليه، فإذا ضبطت المرأة هذه المسألة فإنها بإذن الله لا يقع عندها إشكال.

أعيد فأقول: إن الدم الذي يأتي بعد الطهر، فإن كان الدم جاء بعد الطهر في أقل من ثلاثة عشر يوماً فإنها لا تعتبره حيضاً ما لم يكن هذا الدم فيه أوجاع الحيض، وهو دم أسود ثخين وله رائحة، أو كان ذلك هو عادتها.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه العبادات - الطهارة [4] 2563 استماع
فقه العبادات - الطهارة [17] 2558 استماع
فقه العبادات - الطهارة [5] 2436 استماع
فقه العبادات - الطهارة [15] 2385 استماع
فقه العبادات - الصلاة [9] 2345 استماع
فقه العبادات - الصلاة [11] 2235 استماع
فقه العبادات - الصلاة [16] 2197 استماع
فقه العبادات - الطهارة [7] 2181 استماع
فقه العبادات - الصلاة [14] 2108 استماع
فقه العبادات - الطهارة [14] 2084 استماع