أرشيف المقالات

هل للسن علاقة بطيب الرضا؟

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعد:
فإن من أسباب الرضا التقدمَ في العمر، وكِبَرَ السن، وبلوغ النضج العقلي، وها هنا سؤال: هل كبر السن النسبي - كعمر الستين - له دور في حسن الأخلاق ، وقوة الاحتمال، وحسن المعشر، والبشاشة وطيب الرضا بالقضاء، ونحو ذلك؟
 
الجواب: إن هذا هو الأصل ما لم يغلب من مورد آخر ذاتي؛ كضغوط حياتية خاصة، تسبب ضجره وضيق عَطَنِه، أو أمراض معينة، وبخاصة العصابية، أو المؤذية، أو حتى المزمنة؛ كالضغط والسكري ونحوه.
 
وقلنا: إن الأصل هو أن العمر في الأغلب مُفْضٍ لطيب الرضا؛ لأن متعلَّق الرضا هو العلم والعقل، وهذان يُفترَض اتساعهما مع العمر، خاصة بعد بلوغ النضج العقلي في الأربعين، أما العلمي، فهو متراكم على مرِّ السنين، حتى يصل العمر إلى مراحل النسيان، وبدايات الخَرَف، ونحوه، فقوة العقل واتساع العلم من أسباب طيب الرضا وقوته بإذن الله تعالى؛ لأن الإنسان يصل في هذه الأعمار إلى رؤية حقيقة الدنيا ، وتحتُّم فنائها، وضرورة الزهد في حُطامها، ويرى الغِلالة الرقيقة بين الدارين، ويُبصر العلاقة الحقيقية بين الأشياء، ويقارن المواقف والتجارِب مع حصيلته العمرية من العلوم والمعارف.
 
لذا فالغالب عند من تجاوز الستين أن نفسه تتغير فيه للأحسن، ويطيب عيشه المعنويُّ والإيماني والروحاني، ويميل فيه إلى التأمل الجميل، والمعاشرة الهادئة، والأذكار الطيبة، والخلق الدَّمِث؛ لأنه يرى ببصيرته معالم بدايات الآخرة، وقربه الزماني - في العادة – منها، هذا إن سلِم من غوائل الحرص، ودغائل طول الأمل، وأسقام حب الدنيا، وسم التهالك على تحصيلها.
 
والمقصود أن العمر الجميل، والسن الهادئ، والعقد الراضي هو سن الستين؛ فهو سن الهدوء والتأمل، والرضا والحب والتسليم.
 
وبالجملة؛ فالأصل أن تقدُّمَ العمر سببٌ لطيب الرضا، ما لم يعترض ذلك غفلة إيمانية، أو شرود علمي، أو سوءة مزاجية، وبالله التوفيق.
 
ومن باب ذكر الشيء بالشيء؛ فإن منتصف العمر عند الأطباء يكون عند الأربعين، وهناك مرحلة يسمُّونها بأزمة منتصف العمر، ولكنها في القرآن العظيم هي مرحلة الأشُدِّ، واستجماع القُوى، ونضوج العقل.
 
أما منتصف العمر في الحقيقة، فهو الثلاث والثلاثون؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك»[1]؛ وعليه فنصف معترك المنايا (٦٥)، ومنتصفها على التقريب (٣٣)، ومنه تبدأ رُسُل النضج والوقار، وهي علامات الشيب، وهو عمر أهل الجنة حين يدخلونها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل أهلُ الجنةِ الجنةَ جُرْدًا مُرْدًا مكحَّلين، أبناء ثلاث وثلاثين سنة»[2].
 
نسأل الله الكريم من فضله.
 [1] الترمذي (2815)، وابن ماجه (4236)، وصححه الألباني .
[2] أحمد (8505)، والترمذي (2545)، وصححه الألباني، ومعنى "جردًا": الأجرد هو الذي لا شعر على جسده، "مردًا": الأمرد هو الشاب الذي لا لحية له.
______________________________________________________
الكاتب: إبراهيم الدميجي

شارك الخبر

المرئيات-١