خطب ومحاضرات
فقه العبادات - الطهارة [12]
الحلقة مفرغة
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أيها الإخوة والأخوات! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله مساءكم.
أيها الإخوة والأخوات! لعلنا نكمل ما كنا قد توقفنا فيه من نواقض الوضوء، وكنا أيها الإخوة والأخوات ذكرنا أن نواقض الوضوء على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: نواقض أجمع العلماء عليها، فهي تنقض الوضوء بالإجماع.
والثاني: نواقض مختلف في حكمها، والراجح النقض.
والثالث: نواقض مختلف في حكمها، والراجح عدم النقض.
وقد ذكرنا من النواقض التي أجمع العلماء عليها ناقضين:
الأول: الخارج من السبيلين. والثاني: زوال العقل.
إذاً النواقض المجمع عليهما اثنان: الخارج من السبيلين -كالريح والبول والغائط والمني، والمذي، والحيض- وكذلك زوال العقل.
النوع الثاني: النواقض المختلف في حكمها والراجح النقض، وذكرنا في الحلقة السابقة النوم، وقلنا: إن الراجح أن النوم إنما ينقض الوضوء إذا كان مستغرقاً، بحيث لا يشعر بنفسه ولا يشعر بالآخرين، أو ربما رأى رؤيا، فإن مثل هذه الأشياء تدل على استغراقه، فإن استغرق في نومه فقد انتقض وضوءه؛ لقول علي رضي الله عنه: ( العين وكاء السه )، وقد جاء ما يقويه عن معاوية بن أبي سفيان ، فيدل على أن الحديث له أصل، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
والناقض الرابع، وهو من القسم الثاني، أي: من النواقض المختلف فيها والراجح النقض بها، وهو ما يذكره العلماء بمسألة مس الذكر، أو مس القبل؛ وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول وهو مذهب جماهير أهل العلم، وجماهير الفقهاء، وهو مذهب بعض الصحابة والتابعين، وهو مذهب الشافعية والحنابلة: أن مس الذكر أو مس القبل للمرأة ناقض للوضوء؛ وذلك لأحاديث منها حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من مس ذكره فليتوضأ )، وهذا الحديث صححه الإمام أحمد و ابن معين ، وقال البخاري: إنه أصح شيء في الباب، وكذلك صححه الترمذي ، وصححه غير واحد من أهل العلم، وهو أصح من حديث طلق بن علي الذي رواه قيس بن طلق بن علي ، عن أبيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يمس ذكره؟ فقال: إنما هو بضعة منك )، إذاً فالراجح هو أن مس الذكر أو قبل المرأة ينقض الوضوء، وهذا هو مذهب جماهير أهل العلم، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
وأما مالك رحمه الله فيرى أن الوضوء من مس الذكر مستحب؛ يقول: لأن حديث طلق صحيح، وقد صحح حديث طلق علي بن المديني ، وكذلك ابن حبان ، و ابن حزم وغيرهم، فقالوا: إن حديث طلق صحيح، وحديث بسرة صحيح، وهو ( من مس ذكره فليتوضأ )، قال: فدل ذلك على أن الأمر يدل على الاستحباب، والبقاء على الأصل وقوله: ( إنما هو بضعة منك ) يدل على عدم الوجوب.
والذي يظهر والله أعلم هو أن حديث بسرة أولى من حديث طلق ؛ لأمور:
أولاً: لأن حديث بسرة أصح من حديث طلق ؛ وذلك لأن قيس بن طلق بن علي اختلف فيه، مع أنه اختلف في سماعه عن أبيه.
الثاني: أن حديث بسرة قد تلقاه الصحابة بالقبول، وبدءوا يروونه، ولهذا كان ابن عمر حينما بلغه حديث بسرة بنت صفوان رجع إليه، وكذلك سعد بن أبي وقاص .
الثالث: أنه جاءت أحاديث تعضد حديث بسرة ولم تأت أحاديث أخرى تعضد حديث طلق بن علي، فمن الأحاديث التي تعضد حديث بسرة حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من مس الفرج فليتوضأ )، وحديث ( إذا أفضى أحدكم إلى فرجه فليتوضأ )، وقال البخاري : حديث عبد الله بن عمرو -يعني عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده- هو عندي صحيح، وإن كان الإمام أحمد قد نقل عنه أنه ضعفه.
وكذلك جاء من حديث أم حبيبة، وصححه الإمام أحمد، وكذلك جاء من حديث أبي هريرة، فهذه أحاديث تدل على أن حديث بسرة بنت صفوان له أصل.
الرابع: أن حديث بسرة بنت صفوان يوجب الوضوء، وحديث طلق بن علي لا يوجب الوضوء، قالوا: وحديث طلق بن علي هو بناءً على الأصل، وحديث بسرة هو ناقل عن الأصل، فدل على أن حديث بسرة هو المتأخر، قالوا: والقاعدة في هذا: كل حديث ناقل عن الأصل هو أولى من الحديث الباقي على البراءة الأصلية.
وهذا كما قلت هو مذهب الشافعية والحنابلة.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه لا يجب نقض الوضوء من مس الذكر، ولا من مس القبل، ورأى أن حديث طلق بن علي هو أصح في هذا الباب، ويرى هذا الأمر.
ولكن الذي يظهر لي -والله أعلم- وهو أحوط لإبراء ذمة العبد: أن مس الذكر أو مس قبل المرأة ينقض الوضوء.
مدى دخول حلقة الدبر في مس الفرج الناقض للوضوء
بعض أهل العلم يقول: إن الفرج إذا أطلق إنما يقصد به القبل، والذي يظهر لي -والله أعلم وهو أحوط- أن مس حلقة الدبر كمس القبل وهو مذهب الحنابلة.
المقصود بفرج المرأة الذي ينقض الوضوء بمسه
إذا ثبت هذا أيها الإخوة والأخوات! فإني أقول: إن اليد المقصود بها الكف، باطنها وظاهرها، وأما من مس فرجه بذراعه أو بساعديه فلا يعلق به حكم؛ وذلك لأن اليد في لغة العرب إذا أطلقت فإنما يراد بها الكف؛ لقول الله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، وقد حكم الصحابة وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن اليد هي الكف، والله أعلم.
انتقاض وضوء الماس للفرج دون الممسوس
مدى انتقاض الوضوء بمس عورة الطفل
للحنابلة روايتان: الأولى وهي فتوى الإمام أحمد في آخر أمره: أن الطفل ليس له عورة أصلاً، وبالتالي فإذا أرادت المرأة أن تنظف صبيها فمست عورته فإن وضوءها باق، وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم.
الرواية الأخرى: أن مس المرأة عورة صبيها ينقض الوضوء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من مس الفرج فعليه الوضوء )، فجعل الفرج عاماً؛ لأن (أل) تفيد الاستغراق.
ولا شك أن هذه المسائل ليس فيها شيء مقطوع به، ولهذا كان الأحوط بالمرأة أن تتوضأ، فإن لم تتوضأ فالذي يظهر لي والله أعلم أن الصبي لا عورة له، وهذا قول عامة أهل العلم، فهو مذهب الحنفية، وهو مذهب أحمد في رواية عنه، وللفائدة: حتى القائلين بنقض الوضوء من مس الفرج يقولون: الطفل لا عورة له، ولعل هذا القول أظهر، ولكن الأحوط أن المرأة تتوضأ، فإن شق ذلك عليها مثل أن تكون في نزهة برية، أو نزهة صحراوية، ويشق عليها الوضوء خاصةً في وقت البرد، فلو وضعت قفازين فهو أفضل، وإلا فإنه لا يلزمها الوضوء، هذا الذي يظهر، والله أعلم.
الشيخ: إذا ثبت هذا فإن قوله: ( من مس فرجه فليتوضأ ) هل يدخل فيه حلقة الدبر أم لا؟
بعض أهل العلم يقول: إن الفرج إذا أطلق إنما يقصد به القبل، والذي يظهر لي -والله أعلم وهو أحوط- أن مس حلقة الدبر كمس القبل وهو مذهب الحنابلة.
الشيخ: إذا ثبت هذا فإن قبل المرأة هو الأمر الداخل، أما ما كان بجانب عورتها فهذا لا ينقض الوضوء، يعني: الشفرتان لا ينقض مسهما الوضوء، وإنما الذي ينقض الوضوء هو المكان الذي فيه ختان المرأة، فهذا هو الذي ينقض الوضوء إذا قلنا بأن مس الفرج ينقض الوضوء؛ لقول عبد الله بن عمرو بن العاص : (أيما امرأة أفضت بيدها إلى فرجها فعليها الوضوء).
إذا ثبت هذا أيها الإخوة والأخوات! فإني أقول: إن اليد المقصود بها الكف، باطنها وظاهرها، وأما من مس فرجه بذراعه أو بساعديه فلا يعلق به حكم؛ وذلك لأن اليد في لغة العرب إذا أطلقت فإنما يراد بها الكف؛ لقول الله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، وقد حكم الصحابة وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن اليد هي الكف، والله أعلم.
الشيخ: إذا ثبت هذا فلنعلم أن الممسوس لا ينتقض وضوءه، ولكن الذي ينتقض وضوءه هو الماس، فلو أن رجلاً مس عورة امرأته فالمنتقض وضوءه هو الرجل؛ لأنه هو اللامس، وأما المرأة فلا ينتقض وضوءه. ولو أن امرأةً مست عورة زوجها فإنه ينتقض وضوءها، وأما الزوج فلا ينتقض وضوءه؛ لأن العبرة باللامس لا بالملموس، وهذا قول عامة أهل العلم القائلين بنقض الوضوء من مس الفرج.
الشيخ: إذا ثبت هذا فإنني أقول: مس عورة الطفل هل ينقض الوضوء أم لا؟
للحنابلة روايتان: الأولى وهي فتوى الإمام أحمد في آخر أمره: أن الطفل ليس له عورة أصلاً، وبالتالي فإذا أرادت المرأة أن تنظف صبيها فمست عورته فإن وضوءها باق، وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم.
الرواية الأخرى: أن مس المرأة عورة صبيها ينقض الوضوء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من مس الفرج فعليه الوضوء )، فجعل الفرج عاماً؛ لأن (أل) تفيد الاستغراق.
ولا شك أن هذه المسائل ليس فيها شيء مقطوع به، ولهذا كان الأحوط بالمرأة أن تتوضأ، فإن لم تتوضأ فالذي يظهر لي والله أعلم أن الصبي لا عورة له، وهذا قول عامة أهل العلم، فهو مذهب الحنفية، وهو مذهب أحمد في رواية عنه، وللفائدة: حتى القائلين بنقض الوضوء من مس الفرج يقولون: الطفل لا عورة له، ولعل هذا القول أظهر، ولكن الأحوط أن المرأة تتوضأ، فإن شق ذلك عليها مثل أن تكون في نزهة برية، أو نزهة صحراوية، ويشق عليها الوضوء خاصةً في وقت البرد، فلو وضعت قفازين فهو أفضل، وإلا فإنه لا يلزمها الوضوء، هذا الذي يظهر، والله أعلم.
مستند من قال: الطفل لا عورة له
الجواب: استندوا على ما جاء في رواية: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى
لكننا نقول: وإن ضعفنا حديث فعل النبي صلى الله عليه وسلم بـالحسن أو الحسين ، لكن أجمع العلماء على أن الصبي حال ولادته ليس له عورة، فلا بأس بالنظر إليه، قالوا: فجواز النظر إليه دليل على أنه لا عورة له، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
مس الفرج من غير شهوة
الجواب: نحن قلنا: إنه ينقض الوضوء سواء كان بشهوة أم ليس بشهوة، هذا هو الذي يظهر والله أعلم، فأما إذا كان من غير قصد، فالذي يظهر لي أن ذلك يخفف فيه لأمور:
أولاً: لأن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أبي هريرة قال: ( من أفضى بيده إلى فرجه )، والإفضاء يكون مع قصد، وأما إذا كان من غير قصد فلا يقال: إنه أفضى بيده إلى فرجه، والقاعدة في هذا: أن يقصد مس الذكر سواء كان بشهوة أو ليس بشهوة، وهذا القول أحوط وهو أقعد من حيث البراءة الأصلية، ومن حيث النظر إلى مقاصد الشريعة، فإن الشريعة لا تعلق الأحكام إلا بالقصود.
حد الطفولة التي يعتبر فيها الطفل لا عورة له
الجواب: الطفل الذي ليس له عورة هو الذي لم يميز، فإذا أصبح ابن ست أو ابن سبع سنين فهذا مميز ويعتبر له عورة، أما ابن السنة أو السنتين فهذا لا عورة له، والله أعلم.
مس الذكر من وراء اللباس
الجواب: مسه من فوق اللباس لا حكم له، أي: إذا كان بينه وبين عورته حائل فإنه لا ينتقض وضوءه، وإنما الخلاف إذا لم يكن بين يده وفرجه حائل، وأما مع وجود الحائل فإنه -والله أعلم- لا ينقض الوضوء، وهذا هو الأحوط.
شروط الحائل بين مباشرة مس الذكر
الجواب: أهم شيء أنه حائل يمنع وصول اليد للفرج، سواء كان من بلاستيك أو غيره فالأصل أنه حائل، والله أعلم.
السؤال: أحسن الله إليك! قول الجمهور: إن الطفل ليس له عورة، على ماذا استندوا؟
الجواب: استندوا على ما جاء في رواية: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى
لكننا نقول: وإن ضعفنا حديث فعل النبي صلى الله عليه وسلم بـالحسن أو الحسين ، لكن أجمع العلماء على أن الصبي حال ولادته ليس له عورة، فلا بأس بالنظر إليه، قالوا: فجواز النظر إليه دليل على أنه لا عورة له، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فقه العبادات - الطهارة [4] | 2585 استماع |
فقه العبادات - الطهارة [17] | 2562 استماع |
فقه العبادات - الطهارة [5] | 2441 استماع |
فقه العبادات - الطهارة [15] | 2391 استماع |
فقه العبادات - الصلاة [9] | 2350 استماع |
فقه العبادات - الصلاة [11] | 2240 استماع |
فقه العبادات - الصلاة [16] | 2238 استماع |
فقه العبادات - الطهارة [7] | 2187 استماع |
فقه العبادات - الصلاة [14] | 2114 استماع |
فقه العبادات - الطهارة [14] | 2094 استماع |