سلسلة خطب الدار الآخرة (1): مقدمة عامة
مدة
قراءة المادة :
13 دقائق
.
سلسلة خطب الدار الآخرة (1)مقدمة عامة:
الحمد لله فاطر الأكوان وباريها، ومسير الأفلاك ومجريها، وخالق الدواب ومحصيها، ومقسم الأرزاق ومعطيها، سبحانه وبحمده، ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
إليه وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ
ومنه وإلا فالمؤمِّل خائبُ
وفيه وإلا فالغرامُ مضيَّع
وعنه وإلا فالمحدِّثُ كاذبُ
والصلاة والسلام على الصادق الأمين، المبعوث رحمةً للعالمين.
الله قد صلَّى عليه قديمَا
وحباه فضلًا من لدنه عظيمَا
واختاره في المرسلين مكرَّمَا
ذا رأفة بالمؤمنين رحيمَا
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله جل وعلا.
خَلِّ الذنوبَ صغيرَها
وكبيرَها ذاك التُّقى
واصنَعْ كماشٍ فوق أر
ضِ الشوكِ يَحذَرُ ما يرى
لا تحقرنَّ صغيرةً
إنَّ الجبال من الحصى
ألا وإن طول الأمل يُنسي الآخرة، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وقل: آمنتُ بالله، ثم استقم، ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58].
معاشر المؤمنين الكرام:
لقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، ومنحه سمعًا وبصرًا وعقلًا، وسخَّر له ما في السموات وما في الأرض، وأرسل من أجله الرسل، وأنزل الكتب، و﴿ خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]، فإما أن يهتدي الإنسان ويصل إلى أنوار الحقيقة فيسعد ويرقى، وإما أن يتيه في ظلمات الجهل والضلال فيشقى، وحينها فلا ينفع الندم ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10].
نعم أيها الكرام:
لقد كرم الله تعالى بني آدم وفضَّلهم، ورزقهم من الطيبات، ومنحهم نعم الحواس والمدارك، كل ذلك ليسمعوا وينظروا ويعقلوا مراد الله جل وعلا ثم يستجيبوا، تأملوا يا عباد الله قول الحق جل وعلا: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [العنكبوت: 20]، فكل ما في هذا الكون الهائلِ الفسيح من أدقِّ ذرة، وإلى أكبر مجرة، يشير إلى أنه إلى زوال وفناء ليس ببعيد، والعقل البشري يسلِّم لهذه الحقيقة العلمية ولا يعارضها، ولكن الغرور والاستكبار وبطر الحق يقف حائلًا أمام رؤية هذه الحقيقة الناصعة عند كثير من الناس، ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ [الأحقاف: 20].
أيها المسلمون:
الإيمان باليوم الآخر ركنٌ من أركان الإيمان، لا يصح إيمان بدونه، والأمر عظيم، فالدنيا بكل ما فيها فرعٌ صغير عن الآخرة، والآخرة هي الأصل، وهي الخلود، وهي الحياة الحقيقية، وما هذه الدنيا إلا رحلة قصيرة، ومرحلة يسيرة، يمر بها الإنسان ليؤدي فيها امتحانًا مؤقتًا، فإذا أنهى امتحانه، عاد إلى الأصل، عاد إلى آخرته؛ ليبقى فيها إلى ما لا نهاية، فمن الواجب معرفة أكبر قدرٍ ممكن من تفاصيل ذلك اليوم الطويل، وتلك الدار السرمدية الخالدة.
إذا علم هذا، فإن الاستيحاش والنفور من ذكر الموت وما بعده من أهوال القيامة وشدائد الآخرة هو نوع من الغفلة، لا يليق بمؤمن يوقن أنه لا بد أن يعايش تلك الأهوال والشدائد ويمر بها، كيف والقرآن الكريم قد أفاض في ذكر ذلك كثيرًا، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2]، ﴿ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ﴾ [المعارج: 8 - 10]، ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ﴾ [طه: 105 - 107]، ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾ [الانفطار: 1 - 5]، ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ﴾ [الزلزلة: 1 - 3]، ﴿ الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ﴾ [القارعة: 1 - 5]، ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 33 - 37]، ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾[الحاقة: 13 - 17]، وغيرها من الآيات الكثيرة.
فالآخرة - معاشر المؤمنين - هي التي تعطي للدنيا معناها وقيمتها، وهي التي تحدِّد دورها ووظيفتها، كما أن الإيمان باليوم الآخر ضرورة حتمية لتقويم النفس، وضبط السلوك، فإذا آمَنَ الإنسان باليوم الآخر صلَحتْ أعماله، وحسُنت أخلاقه، واستقامت أموره، تأمل: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾ [المؤمنون: 73، 74]، إذًا فدراسة علوم الآخرة، والتفقه فيها، أمر مهم جدًّا لترقيق القلوب، وتهذيب السلوك، وتخليص النفس من آفات الهوى وكدر الذنوب، وكل ما يبعد الإنسانَ عن خالقه وعما خُلِق له، فلا ينبغي للمسلم أن يولي اهتمامه للدينا الفانية، ويغفل عن الآخرة التي ستمتد فيها حياته إلى ما لا نهاية، في دار أبد، وخلود سرمدي لا ينفد.
وقيام الساعة - يا عباد الله - هو الحدث الضخم المجلجل العظيم، إنها نهاية الحياة الدنيا، ونهاية هذا الكون الهائل، بكل ما فيه من أجرام ضخمة، وكل ما فيه من حياة وحركة ونشاط؛ ولذا فينبغي أن يكون هذا الأمر الجلل من أعظم ما يهتم له الإنسان، وما أنزل الله تعالى من كتاب ولا أرسل من رسول ولا نبي إلا وأنذَرَ قومه قيام الساعة وما يحدث فيها من جلائل الأمور، وعظائم الأهوال.
ومن رحمة الله بعباده أنْ جعل لهذه الساعة المهولة علامات كثيرة، وأمارات متعددة تسبق حدوثها، وتبيِّن قرب وقوعها، قال تعالى: ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ﴾ [محمد: 18]، وقال تعالى: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 1]، فأشراط الساعة وعلامتاها بمثابة أجراس الخطر، التي توقظ النائم، وتنبِّه الغافل، وتذكِّر الناسي، وتنذر المستهتر، وتتوعد المعرض.
وما أعظم أن تكون الآخرة بكل أحداثها وأهوالها وشدائدها حاضرةً في حس المسلم، فيستقيم على الجادة ولا يطغى، ويوازن بين بقائه المؤقت في الدنيا، وبقائه الدائم في الدار الأخرى، فيعطي كلًّا منهما قدرها وحقها، كما قال جل وعلا: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77]، وقال تعالى: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 16، 17].
فمقارنة المؤقت بالأبدي، تجعل الدنيا برمتها رقمًا تافهًا جدًّا؛ إذ إن أبدية الآخرة سرمدية بلا نهاية، ولو قورن بها أكبرُ نصيب من الدنيا فالنتيجة لن تتعدى جَناحَ البعوضة، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى منها كافرًا شربة ماء)).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [التوبة: 38]، بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين.
معاشر المؤمنين الكرام:
مفهوم الإيمان بالآخرة هو بوابة فهم كتاب الله تعالى وتدبره، ونيل أنواره وهداياته، لنتأمل: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 1 - 5]، والمعنى أنه لا حصول على الهداية والتقوى إلا بعد الإيمان بالغيب والإيقان بالآخرة، كما أن مفهوم الإيمان بالآخرة هو الذي يخرج الإنسان من كونه عبدًا لشهواته، يتمحور حولها، يعيش ويكدح من أجلها، إلى كونه عبدًا صالحًا، هدفه الأعظم رضا الله تعالى والفوز في الآخرة، كما أن مفهوم الآخرة هو الذي يهوِّن على الإنسان أن يتجاوز لحظات الضعف واليأس والإحباط التي كثيرًا ما تصيبه جراء تعرضه للمصائب والحوادث، وما النعيم الذي يعيشه المؤمنون بالله واليوم الآخر والاستقرار النفسي والروحي الذي يجدونه، إلا ثمرةً لهذا الإيمان المبارك، والذي لا يعرفه غيرهم، ممن عميت أبصارهم، وطمست بصائرهم، تأمل: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47]، ولقد أقسم الله تعالى بنفسه العلية على بعث العباد ومحاسبتهم ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [التغابن: 7]، فالساعة وقيامتها وعد إلهيٌّ لا يتخلف، قال جل وعلا: ﴿ إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [غافر: 59].
نعم أيها الكرام:
فمن لا يؤمن بالآخرة، فالموت بالنسبة له حقيقة صعبة، ومصير مجهول، وأما المؤمن فإيمانه بالبعث يجعل موته شهادة، ويدخله إلى رضوان الله تعالى وجنته، تأمل: ﴿ يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30].
وعالم الآخرة عالم واسع جدًّا، وتفاصيله كثيرة وغزيرة، وأحداثه متنوعة ومتشعبة، بدءًا من أشراط الساعة الصغرى والوسطى ثم الكبرى، ثم الموت وحياة البرزخ، ثم البعث والنشور وأهوال القيامة، ثم الحشر والحوض والشفاعة، ثم العرض على الله تعالى والقيام لربِّ العالمين، ثم الحساب والميزان والصحف والصراط ثم الجنة والنار.
وبإذن الله وعونه وفضله سيكون لنا وقفات تفصيلية تمتد لخطب كثيرة، بل سلسلة من الخطب المتواصلة، نبيِّن فيها بإذن الله تعالى ما أمكن من تلك المواقف والأحداث العظيمة، من خلال آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الصحيحة، وما ثبت من أقوال الصحابة والتابعين، وآراء المفسرين الموثقين، مع الاستفادة من بعض العلوم الحديثة كعلم الفلك والفيزياء والجيولوجيا، وما ذكرناه اليوم فهو بمثابة المقدمة لهذه السلسلة المباركة بإذن الله.
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم، أن يفتح لنا جميعًا من خزائن جوده وكرمه فتحًا مبينًا، وأن يمدنا بعونه وتوفيقه وتسديده مددًا كريمًا، وأن يجعل ذلك كله خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله صوابًا، وأن يتقبله عنده بقَبول حسن كريم، وأن يجعل فيه النفع العظيم، اللهم آمين.
ويا بن آدم، عش ما شئت فإنك ميت، وأَحبِبْ من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به، البِرُّ لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.
اللهم صلِّ على محمد.