خطب ومحاضرات
فقه العبادات - الطهارة [6]
الحلقة مفرغة
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيها الإخوة! ها نحن قد عدنا في هذا الدرس المبارك، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعل العود أحمد، وأن يوفقنا لطاعته، وأن يعيننا على حسن عبادته.
أيها الإخوة في الله! كنا قد شرحنا بعض المستحبات التي هي من سنن الفطرة، واليوم نشرع في سنن الوضوء. فنقول: من المعلوم أن الشارع الحكيم أوجب على أمة محمد عليه الصلاة والسلام الوضوء، لكن هل الوضوء من خصائص أمة النبي صلى الله عليه وسلم، أم هو عام للناس؟ الذي يظهر والله أعلم أن الوضوء ليس خاصاً بأمة محمد، بل هو لكل الأمم، إلا أن وضوءنا بهذه الصفة، وبهذا الترتيب، وبهذه الكيفية التي جاءت في كتاب ربنا وبينها النبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله هي -كما ذكر أبو العباس بن تيمية - من خصائص هذه الأمة، وإلا فإن الوضوء من سنن المرسلين، فقد جاء عن إبراهيم أنه كان يتوضأ، وجاء أيضاً عن بعض الأنبياء، وهذا الوضوء المقصود به وضوء خاص.
وأما وضوء أمة محمد فهو وضوء بينه ربنا في كتابه فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] الآية، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم في السنة، ولأجل هذه الخصوصية: ( فإن من توضأ -بهذه الكيفية التي سوف نذكرها- ثم قام فصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ذنبه )، والحديث متفق عليه من حديث عثمان رضي الله عنه.
وقبل أن نشرع في سنن الوضوء نقول: أن الوضوء لغةً: من الوضاءة، وهي الحسن والجمال.
وأما في الاصطلاح الشرعي: فهو استعمال الماء في أعضاء مخصوصة بكيفية مخصوصة لخروج بعض العبادات، فبعض العبادات تحتاج إلى وضوء وبعضها لا تحتاج في وقت مخصوص.
ومعنى (وقت مخصوص) يعني: لعبادة مخصوصة.
وقلنا: (عبادة مخصوصة)؛ فالزكاة مثلاً عبادة ولا يتوضأ لها الإنسان، والصلاة عبادة لكن يتوضأ لها الإنسان. ولمس القرآن عبادة يتوضأ لها الإنسان، والصوم عبادة ولا يتوضأ لها الإنسان؛ إذاً: الوضوء يكون لعبادة مخصوصة، والله تبارك وتعالى أعلم.
التسمية
وأما الحديث الذي جاء فيه: ( لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله )، فإنه حديث يرويه يعقوب بن سلمة الليثي ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولا يصح في الباب حديث، وأنا أقول للإخوة والأخوات: إذا جاءت بعض المسائل وقلنا: لا يصح في الباب حديث -فأنتم تحفظون هذه الكلمة- فإذا سمعتم حديثاً يخالف هذا الأصل فاعلموا أنه حديث ضعيف، فإذا قلنا: لا يصح في وجوب التسمية على الوضوء حديث، فاعلم أن كل الأحاديث التي جاءت: ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله )، فهي أحاديث ضعيفة، وقد حكم بضعفها الإمام أحمد ، و أبو حاتم ، والدارقطني ، و أبو زرعة ، و ابن القطان ، وغير واحد من أهل العلم، فإنهم حكموا بضعف هذه الأحاديث.
وبالمناسبة قال البخاري : أحسن شيء في الباب حديث يعقوب بن سلمة ، عن أبيه، عن أبي هريرة ، فإذا قال المحدث الكبير الإمام المتقدم كـالبخاري و أحمد و ابن المديني : أحسن شيء في الباب حديث كذا، فهذا لا يفيد التصحيح، ومعنى كلامه: أن كل الأحاديث ضعيفة وأحسنها هذا، وهذا لا يدل على أنه صحيح، فمثلاً عندما أقول: أحسن طريق إلى مكة طريق كذا، فلا يعني أن هذا الطريق هو أفضل طريق، لكن هو أحسنها مقارنة بأسوئها، ولا يدل على أنه ليس فيه مشاكل ومنغصات، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
إذا ثبت هذا فإننا نقول: تستحب التسمية عند الوضوء، وهذا مذهب جمهور الفقهاء رحمهم الله تعالى.
السواك
إذاً من مستحبات الوضوء أيضاً: السواك. والسواك إما أن يكون قبل البداءة بالوضوء، وإما أن يكون أثناء الوضوء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مع كل وضوء )، قال أهل العلم: لفظة (مع) تفيد أنه لو توضأ وشرع في الوضوء وتسوك فإنه يصدق عليه أنه تسوك مع الوضوء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
غسل الكفين
وهنا مسألة: قال العلماء: إن من لم يغسل الكفين في بداية الوضوء، لكنه حينما أراد أن يغسل يديه إلى المرفقين غسل كفيه مع يديه، فإن صلاته صحيحة، ووضوءه صحيح، أما لو لم يغسل الكفين في بداية الوضوء ثم غسل يديه إلى المرفقين إلا الكفين فلا يصح؛ لأنه لم يغسل الكفين، ولأنه حينما أراد أن يغسل اليدين إلى المرفقين لم يغسل عامة اليد، فهذا فيه فرق، والله أعلم.
البداءة بالمضمضة والاستنشاق
وهل ذكر الله البداءة بالمضمضة والاستنشاق في القرآن أم لم يذكرها؟
الجواب: الله عز وجل ذكر الوجه، ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، فدل ذلك على أن المضمضة والاستنشاق من ضمن الوجه، فلو غسل وجهه ثم تمضمض واستنشق جاز، لكن الأفضل أن يبدأ بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه، والله أعلم.
ومما يدل على البداءة بذلك ما جاء في الصحيحين من حديث عثمان رضي الله عنه ( ثم أدخل يده فاستخرجها فتمضمض واستنشق من كف واحدة، فعل ذلك ثلاثاً )، وفي حديث علي بن أبي طالب : ( فعل بثلاث غرفات )، وهذا يدل على أن البداءة بالمضمضة والاستنشاق سنة.
جعل المضمضة والاستنشاق بكف واحدة
وأما ما جاء في حديث طلحة بن مصرف ، عن أبيه، عن جده، ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين المضمضة والاستنشاق )، فهذا حديث باطل، يقول يحيى بن معين : أيش هذا؟! طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده؟! يعني: أن هذا الحديث منكر، ولا يوجد حديث بهذا الإسناد، والصحيح: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمضمض ويستنشق من كف واحدة ).
فعلى هذا نقول: إذا أراد الإنسان أن يتمضمض ويستنشق في الوضوء فإنه يأخذ بكفه فيجعل شيئاً من الماء في فمه، والشيء الآخر يستنشقه.
المبالغة في المضمضة والاستنشاق
وأما الاستنشاق فهو جذب الماء إلى الخيشوم، فإن استنثر فهذا أفضل؛ لما جاء عند أبي داود ، والإمام أحمد من حديث لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ).
والاستنشاق هو جذب الماء عن طريق الشهيق، المبالغة فيه أفضل، إلا حال الصوم فإنه لا يستحب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً )، فلا يستحب المبالغة حال الصوم، وأما في غير حال الصوم فإنه يستحب، والله تبارك وتعالى أعلم.
إذاً: المبالغة فيهما سنة من سنن الوضوء.
التيامن
ومعنى التيامن: أن يبدأ باليمين فيما فيه عضوان، فالسنة أن يبدأ بغسل اليد اليمنى قبل اليسرى، وأن يبدأ بغسل رجله اليمنى قبل اليسرى.
وقد جاء في حديث عن علي بن أبي طالب وإن كان في سنده بعض الكلام: ( لا أبالي غسلت رجلي اليسرى قبل اليمنى )، ولكن السنة أن يغسل يده اليمنى أولاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وقد قال الله: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ [المائدة:6]، فذكر الله لفظاً عاماً، والنبي صلى الله عليه وسلم بدأ باليمين، وفعله يدل على الاستحباب، والله أعلم.
وكل الذين رووا أحاديث وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه كان يبدأ باليمين، وهذا فعل، والفعل يدل على الاستحباب، ولم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك فدل على أنه ليس بواجب، لكن السنة البداءة باليمين؛ لأنه (كان يحب التيمن في تنعله، وفي طهوره)، والله أعلم.
إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإنه لو غسل رجله اليسرى قبل اليمنى فهل هو جائز أم ليس بجائز؟
الجواب: جائز. ولو غسل يده اليسرى قبل اليمنى فجائز أيضاً، والله أعلم.
مدى كون مسح الأذنين بماء جديد من سنن الوضوء
الجواب: ذهب بعض العلماء إلى أن أخذ ماء جديد للأذنين سنة، وهو المذهب عند الحنابلة.
والقول الثاني في المسألة: أن ذلك ليس بسنة، بل يكتفي بالماء الذي أخذه لرأسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه أخذ ماءً جديداً لأذنيه، والحديث الوارد في ذلك ضعيف، فإن في سنده رجلاً يقال له: عبد الله بن محمد بن عقيل ، والصحيح أن الحديث خطأ، وليس فيه أخذ ماء جديد لأذنيه، وإنما أخذ ماءً غير الماء الذي من يديه، وهذا فيه فرق في المعنى، وهذا ترجيح كثير من أهل الحديث من المتقدمين، فدل ذلك على أن حديث: ( أخذ ماءً جديداً لأذنيه )، حديث ضعيف، وهو حديث الربيع بنت معوذ .
وكذلك جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، وكل حديث وارد في هذا ضعيف، وأصح شيء في الباب ما رواه مسلم : ( أنه أخذ ماءً لرأسه غير الماء الذي فضل من يديه )، هذا هو أصح حديث، وأما أن يأخذ ماءً جديداً لأذنيه، فالصحيح أن الأذنين من الرأس، وإذا كانت الأذنان من الرأس فإنهما تمسحان بالماء الذي أخذ للرأس، والله أعلم، وعلى هذا فليس من السنة. أ×ذ ماء جديد للأذنين.
التثليث في الأعضاء المغسولة
وأنا أقول للإخوة -وهذا من العجائب- أن تجد من يعصي الله سبحانه وتعالى ولا يذهب فيتوضأ ويصلى صلاة التوبة، وهذا من السنن الغائبة، فإن صلاة التوبة معروفة، كما جاء عند الإمام أحمد من حديث علي بن أبي طالب أنه قال: ( كان إذا حدثني أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استحلفته إلا
ومن المعلوم أن الوضوء أيها الإخوة! سنة يغفل الناس عنها، فإذا قلت لأحد: توضأ عند كل صلاة: يقول: أنا طاهر، نحن نقول: وإن كنت طاهراً فالأفضل أن تعيد الوضوء لصلاة ثانية؛ لأن العبد المسلم كما جاء في صحيح مسلم : ( إذا توضأ العبد المسلم سقط من وجهه كل خطيئة نظرتها عيناه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، وإذا غسل يديه خرجت كل خطيئة من بطشتها يده مع الماء أو مع آخر قطرة من الماء، فإذا غسل رجليه.. )، الحديث، وهذا يدل على أنه يستحب للإنسان أن يجدد الطهارة لكل صلاة؛ ذكرنا حديثاً أنه كان في أول الإسلام يجب أن يتوضأ الإنسان لكل صلاة، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أمرت بالوضوء لكل صلاة طاهراً أو غير طاهر، فلما شق ذلك على أمته أمر بالسواك عند كل وضوء )، وهذا الحديث يرويه عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر ، وقلنا: إن الحديث رواه الإمام أحمد و أبو داود و ابن خزيمة ، وإسناده جيد.
وعلى هذا أيها الإخوة! فإننا نقول: ينبغي للإنسان إذا لم يشق ذلك عليه أن يتوضأ لكل صلاة، وقد قال الشافعي في تفسير قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:6]، قال: فهذا يدل على الأمر بأن يتوضأ الإنسان عند إرادة كل صلاة، فلما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بوضوء واحد جميع الصلوات، دل على أن هذا الأمر للاستحباب، والله تبارك وتعالى أعلم.
أن يبدأ في مسح الرأس بمقدمه
يعني: إذا أراد أن يمسح الرأس فليبدأ بمقدم رأسه حتى ينتهي بيديه إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، كما ورد ذلك في الصحيح من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم رحمه الله ورضي عنه، وعلى هذا فهذا سنة.
ولو أنه مسح رأسه بأي طريقة مثل: أن يمسحه بيد واحدة وعمم رأسه، أو جميع اليدين بطريقة أخرى، فكل ذلك جائز؛ لأن الواجب هو مسح كل الرأس أو غالب الرأس كما هو مذهب المالكية والحنابلة، خلافاً للشافعية و أبي حنيفة رحمهم الله، كما سوف يأتي إن شاء الله بيان ذلك.
الدلك والإسباغ
وأما حديث جابر عند الدارقطني : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار الماء على مرفقه )، فهذا حديث ضعيف، فإن دلك فهذا داخل في عموم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبغ الوضوء، وإسباغ الوضوء عبادة، خاصةً في وقت شدة الصيف أو في شدة الشتاء؛ لأن الناس أحياناً بسبب شدة البرد ربما يتألمون من الماء البارد، فربما أدخلوا أيديهم سريعاً ثم أخرجوها فلا يسبغون الوضوء، وهذا موجود في البراري، فإذا ذهب الناس إلى البراري في شدة البرد تجد أنه يتوقى كثيراً وقوع الماء على يديه، فربما إذا أوقعها أخرجها سريعاً ثم بدأ يمسح، وهذا ليس من السنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات، ويحط به الخطايا -ثلاثاً- إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط ).
ومعنى إسباغ الوضوء على المكاره: أن يسبغ الوضوء في وقت المكاره، وهو شدة الحر أو شدة البرد.
ولهذا نحن نقول للإخوة: ينبغي أن يعلموا أن الإسباغ عبادة، ولكن ليس معنى ذلك أنه إذا كان الإنسان في بيته، وعنده أجهزة تسخن هذا الماء يذهب إلى الماء البارد ويترك الماء الحار؛ لأن المشقة ليست مقصودة بذاتها.
وهذا مهم جداً أن نعلم أن المشقة لا تقصد في العبادة لذاتها، لكنها إن كانت متطلبة لأجل فعل العبادة فلا حرج، مثل: شخص مسجده بعيد، فيستطيع أن يركب السيارة، ولكنه يريد أن يمشي، فنقول: المشي أفضل، وإن كان فيه تعب فهذا التعب تؤجر عليه، لكن هذا التعب ليس مقصوداً، ولو كان مقصوداً لأمر بالجري، ولكنه ليس من السنن، فدل ذلك على أن المشقة ليست مقصودة بذاتها، لكن عبادة فيها مشقة ليست مثل عبادة ليس فيها مشقة؛ لأن أجرك على قدر نصبك، وليس المقصود بالعبادة أن الشارع يريد أن يعبد الناس ربهم لأجل مشقة، فما يفعله بعض الطوائف حينما يجوع نفسه أو يضرب جسده أو يضربه بالأرض، أو بالجدار، أو يبدأ يلطخ وجهه، كل ذلك محرم ولا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن لنفسك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه )، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
إذا ثبت هذا فإن الراجح أنه يستحب أن يدير الماء لأجل أن يسبغ الوضوء في جميع المكاره، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الشيخ: والآن نشرع في سنن الوضوء فنقول: من المعلوم أن ثمة سنناً للوضوء قبل أن يتوضأ الإنسان، وأول هذه السنن التسمية، والتسمية سنة عند جمهور أهل العلم، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها واجبة، والراجح أنها سنة، وقد جاء عند البيهقي ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه حينما نبع الماء من بين أصابعه، وكانوا قد عطشوا وليس عندهم ماء، فقال لهم: توضئوا بسم الله )، فهذا يدل على أنه يشرع للإنسان أن يسمي الله سبحانه وتعالى عند الوضوء.
وأما الحديث الذي جاء فيه: ( لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله )، فإنه حديث يرويه يعقوب بن سلمة الليثي ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولا يصح في الباب حديث، وأنا أقول للإخوة والأخوات: إذا جاءت بعض المسائل وقلنا: لا يصح في الباب حديث -فأنتم تحفظون هذه الكلمة- فإذا سمعتم حديثاً يخالف هذا الأصل فاعلموا أنه حديث ضعيف، فإذا قلنا: لا يصح في وجوب التسمية على الوضوء حديث، فاعلم أن كل الأحاديث التي جاءت: ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله )، فهي أحاديث ضعيفة، وقد حكم بضعفها الإمام أحمد ، و أبو حاتم ، والدارقطني ، و أبو زرعة ، و ابن القطان ، وغير واحد من أهل العلم، فإنهم حكموا بضعف هذه الأحاديث.
وبالمناسبة قال البخاري : أحسن شيء في الباب حديث يعقوب بن سلمة ، عن أبيه، عن أبي هريرة ، فإذا قال المحدث الكبير الإمام المتقدم كـالبخاري و أحمد و ابن المديني : أحسن شيء في الباب حديث كذا، فهذا لا يفيد التصحيح، ومعنى كلامه: أن كل الأحاديث ضعيفة وأحسنها هذا، وهذا لا يدل على أنه صحيح، فمثلاً عندما أقول: أحسن طريق إلى مكة طريق كذا، فلا يعني أن هذا الطريق هو أفضل طريق، لكن هو أحسنها مقارنة بأسوئها، ولا يدل على أنه ليس فيه مشاكل ومنغصات، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
إذا ثبت هذا فإننا نقول: تستحب التسمية عند الوضوء، وهذا مذهب جمهور الفقهاء رحمهم الله تعالى.
الشيخ: ومن سنن الوضوء السواك، فيستحب السواك عند الوضوء، ودليل ذلك حديث: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء ). والحديث رواه مالك في الموطأ، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
إذاً من مستحبات الوضوء أيضاً: السواك. والسواك إما أن يكون قبل البداءة بالوضوء، وإما أن يكون أثناء الوضوء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مع كل وضوء )، قال أهل العلم: لفظة (مع) تفيد أنه لو توضأ وشرع في الوضوء وتسوك فإنه يصدق عليه أنه تسوك مع الوضوء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الشيخ: أيضاً من سنن الوضوء: غسل الكفين، ودليل أن غسل الكفين سنة في الوضوء، ما جاء في الصحيحين من حديث حمران مولى عثمان ، عن عثمان رضي الله عنه: ( أن
وهنا مسألة: قال العلماء: إن من لم يغسل الكفين في بداية الوضوء، لكنه حينما أراد أن يغسل يديه إلى المرفقين غسل كفيه مع يديه، فإن صلاته صحيحة، ووضوءه صحيح، أما لو لم يغسل الكفين في بداية الوضوء ثم غسل يديه إلى المرفقين إلا الكفين فلا يصح؛ لأنه لم يغسل الكفين، ولأنه حينما أراد أن يغسل اليدين إلى المرفقين لم يغسل عامة اليد، فهذا فيه فرق، والله أعلم.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فقه العبادات - الطهارة [4] | 2581 استماع |
فقه العبادات - الطهارة [17] | 2561 استماع |
فقه العبادات - الطهارة [5] | 2438 استماع |
فقه العبادات - الطهارة [15] | 2389 استماع |
فقه العبادات - الصلاة [9] | 2348 استماع |
فقه العبادات - الصلاة [11] | 2238 استماع |
فقه العبادات - الصلاة [16] | 2235 استماع |
فقه العبادات - الطهارة [7] | 2185 استماع |
فقه العبادات - الصلاة [14] | 2112 استماع |
فقه العبادات - الطهارة [14] | 2091 استماع |