الحذر من الغيبة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده تعالى وأشكره، ألف بين قلوب المؤمنين، وجعلهم إخوة متحابين متراحمين على الخير متعاونين، لألسنتهم وجوارحهم حافظين، وعن الغيبة مبتعدين، وعن أعراض إخوانهم مدافعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، خاتم الأنبياء والمرسلين، وإمام المتقين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين الطيبين وعلى صحابته أجمعين، ومن اقتفى أثرهم ودعا بدعوتهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله! اتقوا الله ربكم، وترجموا التقوى إلى سلوك عملي في أمور حياتكم، يحملكم ذلك على حب الخير وإشاعته ودرء الشر وإقصائه.

عباد الله! من أهم ما يميز المجتمع الإسلامي أنه مجتمع مودة وتراحم، وتكافل وتلاحم، يقوم على أسس التعامل المشترك والتقدير المشاع بين أفراده، لا مكان فيه للأثرة الممقوتة، ولا للأنانية المقبوحة، قلوب أفراده مفعمة بالحب لإخوانهم، وألسنتهم تلهج بذكر محاسنهم وفضائلهم، حذرة من الوقوع في أعرضهم، والنيل من كرامتهم، كما وصفهم الله عز وجل بقوله: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29]، وقوله: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54].

لقد أحاط الإسلام المجتمع المسلم بسياج منيع من داخله يحول دون تصدع بنيانه، وتزعزع أركانه، فأقام الحصانات الكافية، الحائلة دون معاول الهدم والتخريب أن تتسلل إليه، وطالب القرآن والسنة المسلمين أن يرعوا حق الإيمان والأخوة، وأن يصلحوا ذات بينهم، وأن يحفظوا ألسنتهم من الوقوع في أعراض المؤمنين.

عباد الله! هناك مرض عضال، وداء خطير منتشر بين الناس، قل أن تسلم منه المجالس، ويندر أن ينفك منه مجتمع من المجتمعات، بل إنه يضرب أطنابه في كثير من مجالسنا إلا من رحم الله، ومع عظيم خطره على الإيمان والأخلاق، وكبير أثره على الأفراد والأسر والمجتمعات، نجد أن كثيراً من الناس رجالاً ونساء واقعين فيه، إنه داء الغيبة، ويا لها من خصلة ذميمة، تنمو عن ضعف الإيمان وحرارة اللسان، صاحبها يمثل ضعف الخلق وقلة الوازع.

الغيبة مصيبة على المجتمع، تفعل في القلوب والأرواح أفعالاً عجيبة، تؤثر على الأسر والمجتمعات آثاراً خطيرة، وتفعل بها فعل النار في الهشيم، تفرق بين الإخوة، وتباعد بين الأحبة، وتفسد العلاقات بين الزملاء، وتعكر المودة بين الأصدقاء، كم فرقت بين المرء وزوجه، وبين الابن وأبيه، وبين الأخ وأخيه، كم مزقت من أسر، وكم أذكت من أحقاد وأورثت من ضغائن، وأوغرت من صدور.

لقد جاء القرآن والسنة بتحريم الغيبة تحريماً قاطعاً، بل نقل القرطبي رحمه الله تعالى الإجماع على أن الغيبة من الكبائر، قورنت بالقتل والربا والزنا وسائر الكبائر، قال ابن حجر رحمه الله تعالى: الغيبة هي الداء العضال، والسم الذي في الألسن أحلى من الزلال، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)، فقرنها النبي صلى الله عليه وسلم بقتل النفس وسرقة المال وغصبه.

قال الحسن البصري رحمه الله: والله للغيبة أسرع في دين المؤمن من الأكلة في جسده، وقال الله عز وجل: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12].

فتأمل رحمك الله هذا الأسلوب البليغ في النهي المقرون بالمثال الذي يزيد الأمر شدة وتغليظاً، والعمل قبيحاً، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ، فإن أكل لحم الإنسان من أعظم ما يستقذر به النفس ولو كان كافراً، فكيف إذا كان أخاً في الدين؟ فإن الكراهة أعظم، بل فكيف إذا كان ميتاً وجيفة! فسبحان الله! سبحان الله! ما أعظم خطر الغيبة! ويا سبحان الله! ما أكثر تساهل الناس بها اليوم حتى لكأنها مائدة مجامعهم! فإنا لله وإنا إليه راجعون.

فسر النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة بقوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أتدرون ما الغيبة؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته)، رواه مسلم ، فكل ما يكرهه المسلم في خلقه أو خلقه أو في علمه أو في مركبه، فهذا داخل في الغيبة.

الأدلة من السنة على عظم خطر الغيبة

روى الإمام أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر من آمن بلسانه، ولما يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته).

وفي عقوبة المغتابين روى أبو داود عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم)، ولما قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: ( حسبك من صفية كذا وكذا؛ يعني أنها قصيرة، قال عليه الصلاة والسلام: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته )؛ أي: أنتنته وغيرت ريحه.

اسمعوا يا من تقعون في أعراض عباد الله! تخطئة وتجريحاً، إذ من الناس من ينصب نفسه حكماً أو خليقاً في كل وقت، بل في لحظة يخطئ هذا ويسفه ذاك، ويجهل هذا ويضلل ذاك، وهو أهون عليه من شرب الماء، وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور:15].

أين الخوف من الله؟ أين استشعار رقابة الله؟ أين رعاية حرمة حقوق عباد الله؟ مع الأسف لقد تحولت كثير من المجالس والمنتديات ومكالمات الهواتف إلى أسواق تروج فيها أعراض المسلمين، وتقدم لحومهم في أطباق من ذهب، ويتندر بأفعالهم وتصرفاتهم فاكهة في المجالس هي للنار والعياذ بالله.

تحذير السلف من الغيبة

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن العجب أن الإنسان يهول عليه الاحتراز عن كثير من المحرمات، ويحرم عليه التحفظ من حركة لسانه حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يزل بالواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب.

وقال الحسن رحمه الله: إذا رأيت الرجل يشتغل بعيوب غيره ويترك عيوب نفسه فاعلم أنه قد مكر به.

وقال بعض السلف: إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل، لقد أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته الأدب الرفيع، حيث قال: (لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر)، رواه أبو داود.

أين هذا من حال المفتونين بتتبع الزلات وتعقب الهفوات، يمتطون صهوة سوء الظن بإخوانهم، ورب كلمة تموت في حينها ولا تبارك مكانها، ورب كلمة صارت شرارة تعقبها نار ملتهبة تقضي على الأخضر واليابس.

ومنهج السلف رحمهم الله التناصح المحبوب لا التفاضح المذموم، قال عمر رضي الله عنه: عليكم بذكر الله فإنه شفاء، وإياكم وذكر الناس فإنه داء.

وقال بعض السلف: الغيبة أشد من الزنا، قيل: وكيف؟ قال: الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه، وصاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه.

وقال قتادة رحمه الله تعالى: ذكر لنا أن عذاب القبر ثلاثة أثلاث: ثلث من الغيبة، وثلث من البول، وثلث من النميمة.

واغتاب رجل آخر عند بعض السلف فنهره، فقال: يا هذا! إياك والولوغ ولوغ الكلاب.

عظم غيبة العلماء والأمراء

عباد الله! من أشد الغيبة خطراً وأعظمها ضرراً الوقوع في أعراض من له منصب ديني أو دنيوي، فالعلماء وأهل الدعوة والإصلاح لحومهم مسمومة، وغيبتهم مذمومة، ومن ابتلي بالوقوع فيهم والسلب لهم ابتلاه الله قبل موته بموت القلب والعياذ بالله كما قال ذلك الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى.

روى الإمام أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر من آمن بلسانه، ولما يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته).

وفي عقوبة المغتابين روى أبو داود عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم)، ولما قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: ( حسبك من صفية كذا وكذا؛ يعني أنها قصيرة، قال عليه الصلاة والسلام: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته )؛ أي: أنتنته وغيرت ريحه.

اسمعوا يا من تقعون في أعراض عباد الله! تخطئة وتجريحاً، إذ من الناس من ينصب نفسه حكماً أو خليقاً في كل وقت، بل في لحظة يخطئ هذا ويسفه ذاك، ويجهل هذا ويضلل ذاك، وهو أهون عليه من شرب الماء، وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور:15].

أين الخوف من الله؟ أين استشعار رقابة الله؟ أين رعاية حرمة حقوق عباد الله؟ مع الأسف لقد تحولت كثير من المجالس والمنتديات ومكالمات الهواتف إلى أسواق تروج فيها أعراض المسلمين، وتقدم لحومهم في أطباق من ذهب، ويتندر بأفعالهم وتصرفاتهم فاكهة في المجالس هي للنار والعياذ بالله.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن العجب أن الإنسان يهول عليه الاحتراز عن كثير من المحرمات، ويحرم عليه التحفظ من حركة لسانه حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يزل بالواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب.

وقال الحسن رحمه الله: إذا رأيت الرجل يشتغل بعيوب غيره ويترك عيوب نفسه فاعلم أنه قد مكر به.

وقال بعض السلف: إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل، لقد أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته الأدب الرفيع، حيث قال: (لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر)، رواه أبو داود.

أين هذا من حال المفتونين بتتبع الزلات وتعقب الهفوات، يمتطون صهوة سوء الظن بإخوانهم، ورب كلمة تموت في حينها ولا تبارك مكانها، ورب كلمة صارت شرارة تعقبها نار ملتهبة تقضي على الأخضر واليابس.

ومنهج السلف رحمهم الله التناصح المحبوب لا التفاضح المذموم، قال عمر رضي الله عنه: عليكم بذكر الله فإنه شفاء، وإياكم وذكر الناس فإنه داء.

وقال بعض السلف: الغيبة أشد من الزنا، قيل: وكيف؟ قال: الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه، وصاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه.

وقال قتادة رحمه الله تعالى: ذكر لنا أن عذاب القبر ثلاثة أثلاث: ثلث من الغيبة، وثلث من البول، وثلث من النميمة.

واغتاب رجل آخر عند بعض السلف فنهره، فقال: يا هذا! إياك والولوغ ولوغ الكلاب.

عباد الله! من أشد الغيبة خطراً وأعظمها ضرراً الوقوع في أعراض من له منصب ديني أو دنيوي، فالعلماء وأهل الدعوة والإصلاح لحومهم مسمومة، وغيبتهم مذمومة، ومن ابتلي بالوقوع فيهم والسلب لهم ابتلاه الله قبل موته بموت القلب والعياذ بالله كما قال ذلك الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى.

على المرأة المسلمة أن تجتنب الغيبة، وأن تحذر من ذلك أشد الحذر، فإن الغيبة في مجالس النساء كثيرة، في فلان وفلانة، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أكثر أهل النار من النساء كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

فاتقوا الله عباد الله! ولا تجعلوا للمرتابين عندكم رواجات، واحذروا تشديقهم في فلان وغيره إلا بعد التبين والتثبت، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6]، احفظوا أعراض إخوانكم، احملوهم وإن خالفوكم على المحامل الحسنة، واحذروا أن يوقع الشيطان بينكم فإنه يئس أن يعبده المصلون، فعمل على التحريش بينهم، ولا يفسد ذات بينكم الأدعياء والجهلة والسفهاء.

كونوا عباد الله يداً واحدة في الخير والصلاح، فاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال:1].

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحكام الصيام 2892 استماع
حقيقة الإيمان - تحريم التنجيم 2514 استماع
مداخل الشيطان على الإنسان 2495 استماع
الأمن مطلب الجميع [2] 2438 استماع
غزوة الأحزاب 2376 استماع
نصائح وتوجيهات لطلاب العلم 2366 استماع
دروس من قصة موسى مع فرعون 2354 استماع
دروس من الهجرة النبوية 2352 استماع
شهر الله المحرم وصوم عاشوراء 2211 استماع
حقوق الصحبة والرفقة 2182 استماع