خطب ومحاضرات
عمدة الفقه - كتاب النكاح [19]
الحلقة مفرغة
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المشاهدون الكرام متابعي قناة المجد العلمية! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس ضمن دروس الأكاديمية, حيث يشرح ضيفنا من خلاله كتاب النكاح من عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي رحمه الله, فنرحب في بدء هذا اللقاء بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي، وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية, فباسمكم جمعياً نرحب بالشيخ عبد الله , فأهلاً ومرحباً بكم.
الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات والحاضرين.
المقدم: ترحبينا موصول بكم، ونسعد كثيراً بتواصلكم ونشكركم على هذا التواصل المبارك.
ونسعد كثيراً بكم في هذه الحلقة, وبمداخلاتكم الهاتفية, أما التواصل عن طريق شبكة الإنترنت, فنظراً لوجود عطل في الشبكة نعتذر عن استقبال أسئلتكم، وكذلك عن استعراض إجابات سؤال الحلقة الماضية.
وهذه مقدمة أيضاً نعتذر من خلالها لكم -يا شيخ- عن عدم استعراض الإجابات, وأيضاً ما طلبتموه من الإخوة في الدرس الماضي.
الشيخ: الحرج مرفوع, والسبب في هذا هو العطل الذي حصل في الشبكة, ولا يستطيع الإخوة أن يتفادوا هذا الأمر, ولهذا تكون المداخلة من الإخوة عبر الهاتف إن شاء الله.
ولعل هذا الدرس يكون آخر درس إن شاء الله, إذا كنا قد أنهينا باب الخلع, وبالتالي نرجو من الإخوة أن تكون مداخلاتهم قريباً من انتهاء الدرس, حتى يتسنى لنا شرح هذا الكتاب كاملاً، والله أعلم.
المقدم: إذاً نطلب من الإخوة الراغبين في المداخلة معنا في هذا الدرس أن يرجئوا الاتصالات أو الأسئلة إلى ما بعد منتصف هذا الدرس, حتى يتسنى للشيخ بإذن الله تعالى إكمال هذا الجزء المقرر, ونفتح المجال بإذن الله تعالى لأسئلتكم, نستأذنكم يا شيخ عبد الله في القراءة.
الشيخ: تفضل.
المقدم: قال المصنف رحمه الله: [ باب الخلع:
وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وخافت ألا تقيم حدود الله في طاعته, فلها أن تفتدي نفسها منه بما تراضيا عليه, ويستحب ألا يأخذ منها أكثر مما أعطاها, فإن خلعها أو طلقها بعوض بانت منه, ولم يلحقها طلاقه بعد ذلك وإن واجهها به, ويجوز الخلع بكل ما يجوز أن يكون صداقاً وبالمجهول, فلو قالت: اخلعني بما في يدي من الدراهم, أو ما في بيتي من المتاع ففعل صح, وله ما فيهما, فإن لم يكن فيهما شيء فله ثلاثة دراهم, وأقل ما يسمى متاعا, وإن خالعها على عبد فخرج معيباً فله أرشه أو رده وأخذ قيمته, وإن خرج مغصوباً أو حراً فله قيمته, ويصح الخلع من كل من يصح طلاقه, ولا يصح بذل العوض إلا ممن يصح تصرفه في المال ].
تعريف الخلع لغة واصطلاحاً
وبعد:
فهذا هو باب الخلع, والخلع بضم الخاء, مأخوذ من النزع والإزالة, تقول: خلعت الثوب, أي نزعته وأزلته من جسدك.
وهو في الاصطلاح: فراق الزوجة على عوض منها أو من غيرها.
الأدلة من القرآن على مشروعية الخلع
أما الكتاب فقول الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229], وتفسير هذه الآية: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله, وحدود الله هي ما يجب لكل واحد من الزوجين على الآخر, فإن حدود الله هي الواجبات التي أوجبها الله سبحانه وتعالى في الشرع, ومن المعلوم أن رباط الزوجية رباط وثيق, وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21], وهذا الميثاق الغليظ له واجبات أوجبها الشارع الحكيم, مثل النفقة والكسوة والمبيت والسكنى للمرأة, وكذلك معاشرة الزوجة وبذلها نفسها لزوجها؛ لأن ذلك من واجبات النكاح.
فإذا خشيت الزوجة ألا تقيم حدود الله, أي ألا تقيم الواجبات المنوطة بها من حقوق الزوجية, فإنها لها أن تفتدي نفسها.
والافتداء هنا سمي افتداء في الشرع؛ لأنها تفتدي نفسها من زوجها لكي يفارقها, كالأسير يفتدي لأن يطلق سراحه, ومن المعلوم أن المرأة في يد زوجها في حكم الأسير, فليس لها أن تخرج إلا بإذنه, كما قال صلى الله عليه وسلم: (فإنهن عوان عندكم)، بمعنى أسيرات.
وقوله تعالى: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229], أي: فيما دفعته لتفتدي به نفسها فيما دفعته, هذا الإطلاق يفيد أن لها أن تفتدي بما شاء وشاءت, سواء كان قليلاً أو كثيراً, ولم يحدد الشارع, والقاعدة الفقهية أن ما أطلقه الشارع فإن تقييده يحتاج إلى دليل, ولا دليل صحيح في هذا الباب.
ولهذا جاء عند أهل السنن كـابن ماجه وغيره, عن الربيع بنت معوذ أنها قالت: إني خالعت زوجي على مقدار عقاص من الرأس, يعني مقدار عقاصها الذي في رأسها, فقضى به عثمان رضي الله عنه, فهذا يدل على القليل.
الأدلة من السنة على مشروعية الخلع
قال: (أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم), هذا هو الحديث, وهذا هو الصحيح في هذا الحديث.
وقد جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم, وزيادة, قال: أما الزيادة فلا).
وهذا الحديث في سنده ضعف, قال الترمذي: هذا حديث حسن, والترمذي إذا قال في الحديث إنه حسن فإنه ليس إسناده بذاك, وإن كان ظاهر إسناده الصحة, فقد رواه أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان به.
وجاء مرسلاً بإسناد صحيح إلى عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأما ما زاد فلا), كما رواه البيهقي، ولكنه مرسل من قول عطاء .
وفي بعض الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة), وهذا الحديث يذكر كثيراً أنه رواه البخاري في صحيحه, ولكن البخاري رواه ليس رضاء به, ولكن لبيان ضعفه, ولهذا قال: حدثنا أزهر بن جميل حدثنا عبد الوهاب الثقفي , حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس , ثم ذكر الحديث وقال: ( وطلقها تطليقة ), قال: لا يتابع على هذه الرواية عن ابن عباس, فهذا يدل على أن البخاري حينما ذكر هذا الحديث إنما ذكره على سبيل الضعف.
ثم قال: حدثنا إسحاق الواسطي , حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس: (وأمره أن يطلقها), ثم قال: ورواه إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذه الروايات يذكرها الفقهاء (وأمره أن يطلقها) وهذا رواه البخاري, وكذلك رواية: (وطلقها تطليقة), قالوا: رواها البخاري , نعم البخاري رواه موصولاً, ولكن رواه لبيان ضعفه, بدليل قوله في الأول: لا يتابع عليه, والثاني قال: ورواه إبراهيم بن طهمان عن خالد عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فرجح البخاري أن لفظة الطلاق من النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي ضعيفة من حديث أزهر ومرسلة, هذا هو الصواب.
ورواه البخاري رضي الله عنه ورحمه بإسناد صحيح عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس وقال: (وأمره أن يفارقها), ولم يذكر لفظة الطلاق, هذه هي الأحاديث.
وجاء عند ابن ماجه من حديث ابن عباس: (أن امرأة
أنا جمعت لكم الأحاديث يا إخوان, حتى إذا قلنا هذا حديث ضعيف, وقد سبق أن ذكرناه يسهل علينا الرجوع إليه.
فهذا الحديث: (وأمرها أن تعتد بحيضة), حديث ضعيف, ضعفه الإمام أحمد و ابن معين و النسائي؛ لأن في سنده عمرو بن مسلم الجندي رواه عن عكرمة عن ابن عباس , و عمرو بن مسلم الجندي ضعيف كما ضعفه الإمام أحمد و ابن معين و النسائي رحمهم الله جميعاً.
وجاء في بعض الروايات ألفاظ ليست صحيحة, قالت جميلة : والله لولا مخافة الله لبصقت في وجهه إذا دخل علي, وهذا الحديث ضعيف؛ رواه الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, ولا يعول عليه, ويذكره بعض الفقهاء, وليس بجيد.
الحكمة من مشروعية الخلع
فالخلع هو تخليص الزوجة نفسها من زوجها على وجه -يعني بعوض- لا رجعة له عليها إلا برضاها وعقد جديد, وعلى هذا فلو خالعها وهي ما زالت في عدتها, فإنه ليس له أن يراجعها بعد ذلك, إلا برضاها وعقد جديد.
وهذا هو قول ابن عباس و عبد الله بن الزبير , ولا يعلم لهما مخالف كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله.
الخلع المكروه والمحرم والجائز
واستدلوا على ذلك بما جاء عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة), وهذا الحديث إلى الحسن أقرب, ورواه أبو أسماء الرحبي عن ثوبان , والبخاري يصحح مثل هذا الإسناد.
وذهب جمهور الفقهاء كالمالكية والشافعية والحنفية, ونسبه ابن هبيرة إلى الأئمة الأربعة، قال: واتفقوا على جواز الخلع في حالة استقامة الزوجين؛ لقوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4], قالوا: فإذا بذلت المرأة عوضها طيبة به نفسها فلها ذلك.
والأقرب والله أعلم أنه لا ينبغي الخلع إذا كانت حالة الزوجين مستقيمة, ولا يسوغ أن يسهل الوالدان هذا العقد بأن يطلب الوالد من القاضي -ولو كانت الزوجة غير راضية- أن يطلب الخلع بعلل واهيات, وحجج باطلات؛ لأن رباط الزوجية وما يترتب عليه ينبغي احترامه.
إلا أنه يستحب للزوج أن يقبل الخلع إذا تأذت المرأة ببقائها معه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما جاءت جميلة امرأة ثابت فقالت: يا رسول الله! والله ما أعيب على ثابت في خلق ولا دين, ولكني أكره الكفر في الإسلام, وفي رواية ابن جرير قالت: رأيته دميماً قصيراً ولا أرتاح له, وهذا الحديث في سنده بعض الضعف؛ لأن في سنده الحجاج بن أرطاة .
على كل حال إذا كرهت المرأة وتأذت ببقائها معه, فينبغي للزوج أن يقبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـثابت: ( اقبل الحديقة ), فهذا دليل على جواز واستحباب أن يقبل, وأقل ما تفيده الأوامر الاستحباب.
أما إذا كانت المرأة تتضرر ببقائها معه، مثل أن يكون غير عفيف, أو لا يؤدي حقها في المعاشرة, أو يكون سيئ الخلق, بأن يضربها أو مدمناً, وطلبت الخلع فمنع حتى تفتدي نفسها، فهذا ظلم لها, وهذا هو الأقرب، والله أعلم.
قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: الخلع الذي جاء به الكتاب والسنة, أن تكون المرأة كارهة للزوج تريد فراقه, فتعطيه الصداق أو بعضه فداء لنفسها كما يفتدي الأسير, وأما إذا كان كل منهما مريداً لصاحبه, فهذا الخلع محرم في الإسلام, فـابن تيمية يرجح مذهب الحنابلة ويخالف مذهب الجمهور.
إذا ثبت لنا هذا وبينا الأحاديث الواردة في هذا, فلنشرح باب الخلع, قال المؤلف: (وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل, وخافت ألا تقيم حدود الله في طاعته، فلها أن تفتدي نفسها منه), يعني: ولها مندوحة أن تفتدي؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعاتب امرأة ثابت حينما طلبت الخلع .
الخلع حق للمرأة أم للزوج
الأقرب والله أعلم أنه حق للمرأة, إلا أنه لا يسوغ ولا يجوز لها أن تطلبه في حال استقامة الزوجية, ورضاهما, واعتدال مزاج كل واحد مع الآخر, فإن ذلك مؤذن بخراب الأسر، والشارع الحكيم أمر ببقاء الأسرة, ونهى عن التسرع في الطلاق, مما يدل على أن الشارع الحكيم يراعي بقاء الأسرة أيما مراعاة.
المقدم: عفواً يا شيخ عبد الله ! ذكرتم قبل الدخول في باب الخلع, أن المرأة إذا كانت تتضرر من زوجها, قد يكون مثلاً يضربها أو أنه مدمن مخدرات أو غير ذلك, فهل تلجئ إلى الخلع, أم أنها تلجئ إلى الفسخ مثلاً؟
الشيخ: أحياناً تطلب الفسخ, لكنها ليس عندها أدلة بأن زوجها يضربها, أو لا يعطيها حقها, فلا تستطيع أن تجد أدلة على هذا, فتطلب أن تفتدي نفسها.
الشيخ: جزاك الله خيراً, بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد:
فهذا هو باب الخلع, والخلع بضم الخاء, مأخوذ من النزع والإزالة, تقول: خلعت الثوب, أي نزعته وأزلته من جسدك.
وهو في الاصطلاح: فراق الزوجة على عوض منها أو من غيرها.
الشيخ: وأما مشروعيته فإنه ثابت في الكتاب والسنة, وقول عامة أهل العلم, وإن خالف بعض أهل العلم في ذلك.
أما الكتاب فقول الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229], وتفسير هذه الآية: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله, وحدود الله هي ما يجب لكل واحد من الزوجين على الآخر, فإن حدود الله هي الواجبات التي أوجبها الله سبحانه وتعالى في الشرع, ومن المعلوم أن رباط الزوجية رباط وثيق, وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21], وهذا الميثاق الغليظ له واجبات أوجبها الشارع الحكيم, مثل النفقة والكسوة والمبيت والسكنى للمرأة, وكذلك معاشرة الزوجة وبذلها نفسها لزوجها؛ لأن ذلك من واجبات النكاح.
فإذا خشيت الزوجة ألا تقيم حدود الله, أي ألا تقيم الواجبات المنوطة بها من حقوق الزوجية, فإنها لها أن تفتدي نفسها.
والافتداء هنا سمي افتداء في الشرع؛ لأنها تفتدي نفسها من زوجها لكي يفارقها, كالأسير يفتدي لأن يطلق سراحه, ومن المعلوم أن المرأة في يد زوجها في حكم الأسير, فليس لها أن تخرج إلا بإذنه, كما قال صلى الله عليه وسلم: (فإنهن عوان عندكم)، بمعنى أسيرات.
وقوله تعالى: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229], أي: فيما دفعته لتفتدي به نفسها فيما دفعته, هذا الإطلاق يفيد أن لها أن تفتدي بما شاء وشاءت, سواء كان قليلاً أو كثيراً, ولم يحدد الشارع, والقاعدة الفقهية أن ما أطلقه الشارع فإن تقييده يحتاج إلى دليل, ولا دليل صحيح في هذا الباب.
ولهذا جاء عند أهل السنن كـابن ماجه وغيره, عن الربيع بنت معوذ أنها قالت: إني خالعت زوجي على مقدار عقاص من الرأس, يعني مقدار عقاصها الذي في رأسها, فقضى به عثمان رضي الله عنه, فهذا يدل على القليل.
الشيخ: أما من السنة فقد جاءت أحاديث, وأصح شيء في الباب ما جاء في صحيح البخاري و مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه: أن امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي بعض الروايات أن اسمها جميلة قالت: (يا رسول الله! ما أنقم على
قال: (أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم), هذا هو الحديث, وهذا هو الصحيح في هذا الحديث.
وقد جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم, وزيادة, قال: أما الزيادة فلا).
وهذا الحديث في سنده ضعف, قال الترمذي: هذا حديث حسن, والترمذي إذا قال في الحديث إنه حسن فإنه ليس إسناده بذاك, وإن كان ظاهر إسناده الصحة, فقد رواه أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان به.
وجاء مرسلاً بإسناد صحيح إلى عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأما ما زاد فلا), كما رواه البيهقي، ولكنه مرسل من قول عطاء .
وفي بعض الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة), وهذا الحديث يذكر كثيراً أنه رواه البخاري في صحيحه, ولكن البخاري رواه ليس رضاء به, ولكن لبيان ضعفه, ولهذا قال: حدثنا أزهر بن جميل حدثنا عبد الوهاب الثقفي , حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس , ثم ذكر الحديث وقال: ( وطلقها تطليقة ), قال: لا يتابع على هذه الرواية عن ابن عباس, فهذا يدل على أن البخاري حينما ذكر هذا الحديث إنما ذكره على سبيل الضعف.
ثم قال: حدثنا إسحاق الواسطي , حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس: (وأمره أن يطلقها), ثم قال: ورواه إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذه الروايات يذكرها الفقهاء (وأمره أن يطلقها) وهذا رواه البخاري, وكذلك رواية: (وطلقها تطليقة), قالوا: رواها البخاري , نعم البخاري رواه موصولاً, ولكن رواه لبيان ضعفه, بدليل قوله في الأول: لا يتابع عليه, والثاني قال: ورواه إبراهيم بن طهمان عن خالد عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فرجح البخاري أن لفظة الطلاق من النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي ضعيفة من حديث أزهر ومرسلة, هذا هو الصواب.
ورواه البخاري رضي الله عنه ورحمه بإسناد صحيح عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس وقال: (وأمره أن يفارقها), ولم يذكر لفظة الطلاق, هذه هي الأحاديث.
وجاء عند ابن ماجه من حديث ابن عباس: (أن امرأة
أنا جمعت لكم الأحاديث يا إخوان, حتى إذا قلنا هذا حديث ضعيف, وقد سبق أن ذكرناه يسهل علينا الرجوع إليه.
فهذا الحديث: (وأمرها أن تعتد بحيضة), حديث ضعيف, ضعفه الإمام أحمد و ابن معين و النسائي؛ لأن في سنده عمرو بن مسلم الجندي رواه عن عكرمة عن ابن عباس , و عمرو بن مسلم الجندي ضعيف كما ضعفه الإمام أحمد و ابن معين و النسائي رحمهم الله جميعاً.
وجاء في بعض الروايات ألفاظ ليست صحيحة, قالت جميلة : والله لولا مخافة الله لبصقت في وجهه إذا دخل علي, وهذا الحديث ضعيف؛ رواه الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, ولا يعول عليه, ويذكره بعض الفقهاء, وليس بجيد.
الشيخ: وأما الحكمة من مشروعية الخلع, فهو تخليص الزوجة من زوجها على وجه لا رجعة له فيها إلا برضاها وعقد جديد.
فالخلع هو تخليص الزوجة نفسها من زوجها على وجه -يعني بعوض- لا رجعة له عليها إلا برضاها وعقد جديد, وعلى هذا فلو خالعها وهي ما زالت في عدتها, فإنه ليس له أن يراجعها بعد ذلك, إلا برضاها وعقد جديد.
وهذا هو قول ابن عباس و عبد الله بن الزبير , ولا يعلم لهما مخالف كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله.
الشيخ: والخلع إما أن يكون مكروهاً, ومثاله: إذا كانت حالة الزوجين مستقيمة, فإن طلب ذلك إما أن يكون محرماً أو مكروها, هذا هو مذهب الحنابلة.
واستدلوا على ذلك بما جاء عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة), وهذا الحديث إلى الحسن أقرب, ورواه أبو أسماء الرحبي عن ثوبان , والبخاري يصحح مثل هذا الإسناد.
وذهب جمهور الفقهاء كالمالكية والشافعية والحنفية, ونسبه ابن هبيرة إلى الأئمة الأربعة، قال: واتفقوا على جواز الخلع في حالة استقامة الزوجين؛ لقوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4], قالوا: فإذا بذلت المرأة عوضها طيبة به نفسها فلها ذلك.
والأقرب والله أعلم أنه لا ينبغي الخلع إذا كانت حالة الزوجين مستقيمة, ولا يسوغ أن يسهل الوالدان هذا العقد بأن يطلب الوالد من القاضي -ولو كانت الزوجة غير راضية- أن يطلب الخلع بعلل واهيات, وحجج باطلات؛ لأن رباط الزوجية وما يترتب عليه ينبغي احترامه.
إلا أنه يستحب للزوج أن يقبل الخلع إذا تأذت المرأة ببقائها معه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما جاءت جميلة امرأة ثابت فقالت: يا رسول الله! والله ما أعيب على ثابت في خلق ولا دين, ولكني أكره الكفر في الإسلام, وفي رواية ابن جرير قالت: رأيته دميماً قصيراً ولا أرتاح له, وهذا الحديث في سنده بعض الضعف؛ لأن في سنده الحجاج بن أرطاة .
على كل حال إذا كرهت المرأة وتأذت ببقائها معه, فينبغي للزوج أن يقبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـثابت: ( اقبل الحديقة ), فهذا دليل على جواز واستحباب أن يقبل, وأقل ما تفيده الأوامر الاستحباب.
أما إذا كانت المرأة تتضرر ببقائها معه، مثل أن يكون غير عفيف, أو لا يؤدي حقها في المعاشرة, أو يكون سيئ الخلق, بأن يضربها أو مدمناً, وطلبت الخلع فمنع حتى تفتدي نفسها، فهذا ظلم لها, وهذا هو الأقرب، والله أعلم.
قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: الخلع الذي جاء به الكتاب والسنة, أن تكون المرأة كارهة للزوج تريد فراقه, فتعطيه الصداق أو بعضه فداء لنفسها كما يفتدي الأسير, وأما إذا كان كل منهما مريداً لصاحبه, فهذا الخلع محرم في الإسلام, فـابن تيمية يرجح مذهب الحنابلة ويخالف مذهب الجمهور.
إذا ثبت لنا هذا وبينا الأحاديث الواردة في هذا, فلنشرح باب الخلع, قال المؤلف: (وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل, وخافت ألا تقيم حدود الله في طاعته، فلها أن تفتدي نفسها منه), يعني: ولها مندوحة أن تفتدي؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعاتب امرأة ثابت حينما طلبت الخلع .
الشيخ: وهل الخلع حق للمرأة أم حق للزوج؟
الأقرب والله أعلم أنه حق للمرأة, إلا أنه لا يسوغ ولا يجوز لها أن تطلبه في حال استقامة الزوجية, ورضاهما, واعتدال مزاج كل واحد مع الآخر, فإن ذلك مؤذن بخراب الأسر، والشارع الحكيم أمر ببقاء الأسرة, ونهى عن التسرع في الطلاق, مما يدل على أن الشارع الحكيم يراعي بقاء الأسرة أيما مراعاة.
المقدم: عفواً يا شيخ عبد الله ! ذكرتم قبل الدخول في باب الخلع, أن المرأة إذا كانت تتضرر من زوجها, قد يكون مثلاً يضربها أو أنه مدمن مخدرات أو غير ذلك, فهل تلجئ إلى الخلع, أم أنها تلجئ إلى الفسخ مثلاً؟
الشيخ: أحياناً تطلب الفسخ, لكنها ليس عندها أدلة بأن زوجها يضربها, أو لا يعطيها حقها, فلا تستطيع أن تجد أدلة على هذا, فتطلب أن تفتدي نفسها.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] | 2652 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] | 2536 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] | 2451 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] | 2398 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] | 2317 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] | 2171 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] | 2167 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] | 2130 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] | 2112 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] | 2108 استماع |