عمدة الفقه - كتاب الحج [20]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد: أجاز بعض أهل العلم أن تكون الأضحية مقطوعة الإلية وقالوا: هذا لا بأس به؛ لأن هذا النقص يزيد من لحم البهيمة، وزيادة الشحم واللحم في البهيمة أولى من زيادته في الذنب أو في الإلية، وعلى هذا جوزوه، وقالوا: مثله مثل الخصي، البهيمة مثل الشاة أو الماعز الخصي أنفع بلحمه من غير الخصي، ولهذا اختلف العلماء في تجويزه كما سوف نذكر إن شاء الله، وبالتالي نقول: إن البهيمة إذا قطع شيء من إليتها مما يزيد في لحمها فإن ذلك لا بأس به -والله أعلم- قياساً على الخصي.

إجزاء الجماء والخصي

الشيخ: المؤلف يقول: ( وتجزئ الجماء ) الجماء: هي التي لم يخلق لها قرن، فتجزئ، وكذلك يجوز الخصي، والخصي: هو الذي رضت عروق خصيته بحيث لا يستطيع بعد ذلك أن ينزو على البهيمة أو ربما ينزو ولكنه لا يلقح هذه البهيمة، هذا معنى ما يسميه العلماء الخصي، وربما يكون مقطوع الخصيتين، فهو على كلام الفقهاء على معنيين: إما ربض عروق الخصيتين، وإما قطعهما.

يقول المؤلف: وتجوز؛ لأن قطعهما نقص في الظاهر، لكن العلماء قالوا: لا بأس بذلك؛ لأن ربض الخصيتين أو قطعهما يزيد من لحم الذكر، فهو أنفع للفقراء، وكلما كان أنفع للفقراء فهو أولى، والذي حجا بالمؤلف أن يذكر الخصي لأجل النقص، ولكننا نقول: لا بأس به، بل نقول: إن الأفضل أن يضحي بكبش موجوء، يعني: مقطوع الخصيتين، ودليل ذلك ما جاء عندنا من حديث أنس : ( ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين موجوءين )، وكون الرسول عليه الصلاة والسلام ضحى بهذين الكبشين دليل على جواز وجء خصيتي البهيمة، وإن كان ذلك يضرها، لكن لو كان ذلك ينفعها فإنه ينفع المستفيد منها في الغالب، هكذا قال الفقهاء.

أما الجماء فالمؤلف إنما ذكر الجواز؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما ضحى بكبشين أقرنين، وعلى هذا فالأفضل أن يضحي بكبش أقرن، ولو لم يكن فلا بأس بذلك إن شاء الله.

إجزاء مشقوقة الأذن أو ما قطع منها أقل من نصفها في الأضحية

الشيخ: يقول المؤلف: (وما شقت أذنها أو خرقت أو قطع أقل من نصفها)، من شقت أذنها فهذا لا بأس به، وهذا يصنعه بعض الرعاة حينما يريدون أن يسموا بعض بهائمهم؛ حتى لا تختلط مع البهائم الأخرى، وبعض العلماء اختلفوا في حكم وسم البهيمة في الرأس وفي الأذن أو قطع جزء منها، والأقرب -والله أعلم- منع ذلك؛ لأن إبليس بين أن هذا قصده لتغيير خلق الله، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه حاكياً عن إبليس: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119]، ولهذا نقول للرعاة: لا يجوز لكم أن تقطعوا شيئاً من آذان البهيمة أو أن تسموا بهائمكم على الوجه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر باجتناب الوسم بالوجه كما في صحيح مسلم ، وأما خرقها إن كان من عند نفسها، مثل: أن تتشابك مع بعض البهائم أو مع بعض أشباك حديدها وحائطها فإنه لا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لأن هذا غير مقصود، ولا ينقص من لحمها.

الشيخ: المؤلف يقول: ( وتجزئ الجماء ) الجماء: هي التي لم يخلق لها قرن، فتجزئ، وكذلك يجوز الخصي، والخصي: هو الذي رضت عروق خصيته بحيث لا يستطيع بعد ذلك أن ينزو على البهيمة أو ربما ينزو ولكنه لا يلقح هذه البهيمة، هذا معنى ما يسميه العلماء الخصي، وربما يكون مقطوع الخصيتين، فهو على كلام الفقهاء على معنيين: إما ربض عروق الخصيتين، وإما قطعهما.

يقول المؤلف: وتجوز؛ لأن قطعهما نقص في الظاهر، لكن العلماء قالوا: لا بأس بذلك؛ لأن ربض الخصيتين أو قطعهما يزيد من لحم الذكر، فهو أنفع للفقراء، وكلما كان أنفع للفقراء فهو أولى، والذي حجا بالمؤلف أن يذكر الخصي لأجل النقص، ولكننا نقول: لا بأس به، بل نقول: إن الأفضل أن يضحي بكبش موجوء، يعني: مقطوع الخصيتين، ودليل ذلك ما جاء عندنا من حديث أنس : ( ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين موجوءين )، وكون الرسول عليه الصلاة والسلام ضحى بهذين الكبشين دليل على جواز وجء خصيتي البهيمة، وإن كان ذلك يضرها، لكن لو كان ذلك ينفعها فإنه ينفع المستفيد منها في الغالب، هكذا قال الفقهاء.

أما الجماء فالمؤلف إنما ذكر الجواز؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما ضحى بكبشين أقرنين، وعلى هذا فالأفضل أن يضحي بكبش أقرن، ولو لم يكن فلا بأس بذلك إن شاء الله.

الشيخ: يقول المؤلف: (وما شقت أذنها أو خرقت أو قطع أقل من نصفها)، من شقت أذنها فهذا لا بأس به، وهذا يصنعه بعض الرعاة حينما يريدون أن يسموا بعض بهائمهم؛ حتى لا تختلط مع البهائم الأخرى، وبعض العلماء اختلفوا في حكم وسم البهيمة في الرأس وفي الأذن أو قطع جزء منها، والأقرب -والله أعلم- منع ذلك؛ لأن إبليس بين أن هذا قصده لتغيير خلق الله، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه حاكياً عن إبليس: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119]، ولهذا نقول للرعاة: لا يجوز لكم أن تقطعوا شيئاً من آذان البهيمة أو أن تسموا بهائمكم على الوجه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر باجتناب الوسم بالوجه كما في صحيح مسلم ، وأما خرقها إن كان من عند نفسها، مثل: أن تتشابك مع بعض البهائم أو مع بعض أشباك حديدها وحائطها فإنه لا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لأن هذا غير مقصود، ولا ينقص من لحمها.

السنة في ذبح الإبل

الشيخ: يقول المؤلف: ( والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى ).

ذكر المؤلف أن السنة في نحر الإبل أن تنحر وهي قائمة معقودة يدها اليسرى، وطريقة هذا النحر هو أن يطعنها بالحربة أو بالسكين في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، فتضرب من هنا وهي قائمة، وهذا هو السنة كما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه (أنه رأى رجلاً أناخ بدنته ليذبحها على هيئة ذبح الشاة، فقال: انحرها قياماً مقيدة؛ سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم)، وهذا هو الذي يسمى النحر، وقد بين الله سبحانه وتعالى ذلك في كتابه فقال: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا [الحج:36]، ومعنى (وجبت جنوبها) وجبت في لغة العرب تطلق على السقوط، يعني: فإذا سقطت جنوبها، يعني: إذا ضربها الإنسان بالحربة أو بالسكين فإنها سوف تسقط من الجنب الأيمن أو الجنب الأيسر.

السنة في ذبح البقر والغنم

الشيخ: طيب! المؤلف يقول: (وذبح البقر والغنم)، الأصل أن البقر تذبح والغنم يذبح، فلو خالف بأن ذبح الإبل ونحر البقر وهي قائمة، فنقول: خالف السنة وأجزأت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين من حديث أبي رافع : ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ) فالعبرة بإنهار الدم، وذلك بأن يقطع الودجين والمري والحلقوم، وإذا قطع أحد الودجين وأنهر الدم فإن الأقرب والله أعلم أنه يجوز؛ لأن العبرة هو إنهار الدم، وما جاء في بعض الأحاديث أنه يأمر بقطع الودجين فكل الأحاديث الواردة في هذا الباب ضعيفة، والأصل هو حديث أبي رافع : ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل )، لكننا نقول: السنة هو نحر الإبل وذبح البقر والغنم، ودليل ذبح البقر والغنم هو ما ثبت في حديث عائشة رضي الله عنها: ( عندما جيء بلحم في حجة الوداع، ودخل به على بيت أزواج النبي فقيل: ما هذا؟ قالوا: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بقرة )، فسماه ذبحاً.

حكم استقبال القبلة عند ذبح الأضحية

الشيخ: والمؤلف لم يذكر استقبال القبلة، فنقول: يستحب استقبال القبلة عند الذبح، وهذا قول عامة الفقهاء، وإن كان الأحاديث الواردة في هذا الباب ضعيفة، من ذلك ما رواه أبو داود من حديث جابر رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، فقال حين وجهها ...)، ومعنى: (وجهها) يعني: استقبل بها القبلة، وهذا الحديث في سنده ضعف، وروي عن ابن عمر ، وقال: (هي قبلتكم أحياءً وأمواتاً)، وهذا الحديث رواه البيهقي ، وفي سنده ضعف، لكن عليه العمل عند أهل العلم.

أما الأعسر -وهو الذي يستعمل اليسرى- فمعلوم أن الشاة أو البقرة إذا أريد لها أن تذبح فإنها تضجع على شقها الأيسر، ويستقبل بها القبلة، فهل يقال: هو سنة أم السنة هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة )؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم إنما وضعها على شقها الأيسر؛ لأن ذلك أسمح ليده اليمنى، فلو كان الشخص أعسر -يعني: يستعمل اليد اليسرى- ووضعها على شقها الأيمن فلا بأس بذلك إن شاء الله، ولو قيل بأن الرسول فعله فهو الأفضل، فلا حرج في ذلك، فالأولى أن يقال: الأفضل، أما أن يكون سنة فالله أعلم؛ لأن إثبات ذلك يحتاج إلى دليل صريح، وإن كان فعله عليه الصلاة والسلام كافٍ في ذلك، والعلم عند الله سبحانه وتعالى.

ما يقال عند ذبح الأضحية

الشيخ: طيب! يقول المؤلف: (ويقول عند ذلك: بسم الله والله أكبر)، أما البسملة فإنه يسمي الإنسان وجوباً؛ لقوله تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج:36]، وقال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، وهل التسمية شرط للذبيحة أو لجواز أكل الذبيحة أم هي من باب اجتناب المحظور فهي واجبة إذا ذكرها الإنسان وإذا نسي أجزأته؟

قولان عند أهل العلم:

فذهب عامة الفقهاء إلى أنها من باب اجتناب المحظور، فلو نسي التسمية أجزأته، وهذا قول الأئمة الأربعة أو المشهور عنهم.

وذهب أبو العباس بن تيمية ، وهي رواية عند الإمام أحمد إلى أن التسمية شرط، وعلى هذا فلو لم يسم فإنها لا تحل، والأقرب والله أعلم هو قول الجمهور؛ لقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، ومعنى (ولا تأكلوا) هذا نهي، والنهي هو اجتناب محظور، واجتناب المحظور يعفى عنه في الجهل والنسيان: ( عفي لأمتي الخطأ والنسيان رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، قال الله تعالى كما في صحيح مسلم : ( قد فعلت قد فعلت ).

طيب! يقول المؤلف: ( والله أكبر )، هذا سنة، فالتكبير في النحر أو في الذبح سنة.

والأقرب والله أعلم أن يقول الإنسان: بسم الله فقط، وأما ما يقوله بعض الناس: بسم الله الرحمن الرحيم، فنقول:

أولاً: خالفت سنة نبيك.

ثانياً: أن الرحمن الرحيم في هذا الموطن لا يناسب، ولهذا نقول: الأقرب أن تقول: بسم الله فقط، ولا تقول: بسم الله الرحمن الرحيم لعدم وروده، ولمخالفته في مناسبة هذه الفعلة، ولهذا نقول: السنة أن تقول: بسم الله، ولو قلت: باسمك اللهم فإنه يكفي إن شاء الله؛ لأن هذا يصدق عليه التسمية، والتقيد بسنة محمد صلى الله عليه وسلم أولى وأخلق وأحرى.

طيب! المؤلف يقول: ( اللهم هذا منك ولك )، وهذا جائز، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البيهقي ، فإذا قال هذا فهذا حسن، وهو جيد.

استحباب الإسلام في ذابح الأضحية

الشيخ: طيب! المؤلف يقول: (ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم؛ لأنها قربة) فلو ذبحها غير مسلم هل يجزئ؟ ما تقولون؟

مداخلة: أقول يا شيخ! على قول المؤلف بالاستحباب معنى ذلك أنها تجزئ، ولكن الأفضل أن يكون مسلماً.

الشيخ: طيب على غير كلام المؤلف، فهل تستطيع أن تستدل لنا في هذه المسألة؟

مداخلة: الكافر.

الشيخ: الكافر مطلقاً.

مداخلة: لا، الأفضل أن يكون مسلماً.

الشيخ: طيب! أنت تقول: إنه يجزئ الكافر؟

مداخلة: نعم.

الشيخ: وفي هذا نظر، ماذا نقول يا فهد ؟

مداخلة: يا شيخ! يجزئ إن كان من أهل الكتاب.

الشيخ: أحسنت، تجزئ إذا كان الكافر من أهل الكتاب خاصة؛ لقوله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5]، أما غيرهما -يعني: غير اليهودي والنصراني- فلا يجزئ ألبتة إجماعاً، خلافاً لقول بعض الفقهاء، وهو أبو ثور حينما قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب في المجوس، وهذا قول شاذ، أنكره الأئمة رحمة الله تعالى عليهم، ولكننا نقول: الأفضل أن يذبحها مسلم، فإن لم يكن فليذبحها كتابي.

استحباب مباشرة المسلم ذبح أضحيته بنفسه

الشيخ: والأفضل أن يتولى المسلم ذبحها بنفسه، كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بيده ثلاثاً وستين.

وقوله: (يجوز لغيره) حينما أعطى علياً فنحر ما بقي، أما في الأضحية فإن النبي صلى الله عليه وسلم نحرها بيده؛ لأنه يستطيع هذا ولا يشق عليه، فنحرها بيده وسمى وكبر، كما يقول أنس : ( فنحرها بيده وسمى وكبر )، ولماذا لم نقل: إن التكبير واجب، كما قلنا: إن التسمية واجبة مع الذكر، ولم نقل ذلك في التكبير؟ نقول: لأن التكبير ثبت بالفعل، والتسمية ثبتت بالقول.

طيب! يقول المؤلف: ( وإن ذبحها صاحبها فهو أفضل )؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صنع ذلك، بل كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يأمر بناته إذا أردن أن يضحين أن ينحرن أضاحيهن بأنفسهن، وللمرأة أن تضحي، وللمرأة أن تذبح؛ سواء كانت طاهرة أم حائضاً خلافاً للعوام الذين يقولون: المرأة إذا كانت حائضاً فإنها لا تضحي أو لا تذبح، وهذا من كيسهم وعاداتهم، وأما سنة محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان يؤاكل النساء الحيض، ويشاربهن ولا يمنعهن من ذلك، إلا الوطء كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، كما في الصحيح وغيره.

وقت ذبح الأضحية

الشيخ: طيب! يقول المؤلف: (ووقت الذبح يوم العيد بعد صلاة العيد)، المؤلف الآن شرع في وقت الذبح، فقال: وقت الذبح بعد صلاة العيد -أو قدرها- إلى آخر يومين من أيام التشريق، والمؤلف فرق بين أمرين: بين المعذور وبين غير المعذور، فالمعذور يذبح حين مضي قدر الصلاة، ولذلك المرأة إذا كانت حائضاً لا يجب عليها أن تصلي، وكذلك الرجل المريض فإنه إذا مضى مقدار الصلاة فإنه له أن ينحر.

القسم الثاني: الذي ليس له عذر، قال المؤلف: (لا يجوز له أن ينحر إلا بعد الصلاة)، وهذا هو قول الحنابلة والحنفية، وذهب الشافعية إلى أن العبرة بمقدار الصلاة، والذي جعل الحنابلة يقولون: لا يجوز إلا بعد صلاة العيد هو قوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث البراء ، قال: ( بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعل فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء )، وهذا الحديث متفق عليه، ورواه مسلم من حديث جرير بن عبد الله ، قال: ( ومن ذبح قبل الصلاة فليعد مكانها أخرى )، فلهذا قالوا: يجب أن يكون بعد الصلاة، هذا في حق القادر. فهذا مذهب الحنابلة، وذهب الشافعية إلى أنه بمقدار الصلاة. وأقول: إن السنة هو أن يمضي مقدار الصلاة، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فمن فعل فقد أصاب سنتنا ).

ثم قال: ( ومن ذبح قبل ) يعني: قبل الصلاة، ولم يقل: قبل أن يصلي، وفرق بين أن تقول: قبل الصلاة، وبين أن تقول: قبل أن يصلي، فدل ذلك على أن السنة ألا يذبح حتى يصلي، أما إذا لم يصل فلا بد من مضي مقدار الصلاة، وهذا هو قول الشافعية، وهو أولى، وعلى هذا نقول: السنة ألا يذبح أو ينحر حتى يصلي، ثم يذبح، فإن لم يصل سواء كان معذوراً أو غير معذور فقد خالف السنة، ولكن لا يجزئ حتى يمضي مقدار الصلاة.

طيب! إذا تعددت الصلاة ماذا نقول؟ نقول: أول إمام ينتهي من الصلاة؛ لأنه يصدق عليه أنه صلى، هذا هو الأقرب، والله أعلم، وفي المسألة خلاف لا داعي لذكره.

يقول المؤلف رحمه الله: (إلى آخر يومين من أيام التشريق)، وأيام التشريق هي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وهذا هو قول الجمهور من الشافعية والمالكية قالوا: إنه لا يجزئ أن يذبح في الأضحية ولا في الهدي إلا يوم العيد ويومان بعده، يعني: يوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر، واستدلوا لذلك بأدلة، من ذلك حديث سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه ألا يكنزوا يعني: الأضاحي بعد ثلاث قال: ( كنت نهيتكم عن الأضاحي فوق ثلاث، فكلوا ) يعني: التخزين، والأقرب والله أعلم هو القول الثاني في المسألة، وهو قول عند بعض الحنابلة، وهو اختيار الشافعي ، وهو اختيار مذهب ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه، ومما يدل على أن القول الثاني أقرب -وهو إلى مضي أيام التشريق كلها؛ وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ويوم العيد، فيكون أربعة أيام- حديث نبيشة الهذلي في صحيح مسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى )، وأما حديث سلمة هذا: ( فوق ثلاث ) إنما ذلك من أجل الدافة التي دفت، ومعنى الدافة يعني: الناس الذين جاءوا وفيهم حاجة وفقر مدقع، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يكنزوا بعد ثلاث حتى يطعموا هؤلاء الذين قدموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

الشيخ: يقول المؤلف: ( والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى ).

ذكر المؤلف أن السنة في نحر الإبل أن تنحر وهي قائمة معقودة يدها اليسرى، وطريقة هذا النحر هو أن يطعنها بالحربة أو بالسكين في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، فتضرب من هنا وهي قائمة، وهذا هو السنة كما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه (أنه رأى رجلاً أناخ بدنته ليذبحها على هيئة ذبح الشاة، فقال: انحرها قياماً مقيدة؛ سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم)، وهذا هو الذي يسمى النحر، وقد بين الله سبحانه وتعالى ذلك في كتابه فقال: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا [الحج:36]، ومعنى (وجبت جنوبها) وجبت في لغة العرب تطلق على السقوط، يعني: فإذا سقطت جنوبها، يعني: إذا ضربها الإنسان بالحربة أو بالسكين فإنها سوف تسقط من الجنب الأيمن أو الجنب الأيسر.

الشيخ: طيب! المؤلف يقول: (وذبح البقر والغنم)، الأصل أن البقر تذبح والغنم يذبح، فلو خالف بأن ذبح الإبل ونحر البقر وهي قائمة، فنقول: خالف السنة وأجزأت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين من حديث أبي رافع : ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ) فالعبرة بإنهار الدم، وذلك بأن يقطع الودجين والمري والحلقوم، وإذا قطع أحد الودجين وأنهر الدم فإن الأقرب والله أعلم أنه يجوز؛ لأن العبرة هو إنهار الدم، وما جاء في بعض الأحاديث أنه يأمر بقطع الودجين فكل الأحاديث الواردة في هذا الباب ضعيفة، والأصل هو حديث أبي رافع : ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل )، لكننا نقول: السنة هو نحر الإبل وذبح البقر والغنم، ودليل ذبح البقر والغنم هو ما ثبت في حديث عائشة رضي الله عنها: ( عندما جيء بلحم في حجة الوداع، ودخل به على بيت أزواج النبي فقيل: ما هذا؟ قالوا: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بقرة )، فسماه ذبحاً.

الشيخ: والمؤلف لم يذكر استقبال القبلة، فنقول: يستحب استقبال القبلة عند الذبح، وهذا قول عامة الفقهاء، وإن كان الأحاديث الواردة في هذا الباب ضعيفة، من ذلك ما رواه أبو داود من حديث جابر رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، فقال حين وجهها ...)، ومعنى: (وجهها) يعني: استقبل بها القبلة، وهذا الحديث في سنده ضعف، وروي عن ابن عمر ، وقال: (هي قبلتكم أحياءً وأمواتاً)، وهذا الحديث رواه البيهقي ، وفي سنده ضعف، لكن عليه العمل عند أهل العلم.

أما الأعسر -وهو الذي يستعمل اليسرى- فمعلوم أن الشاة أو البقرة إذا أريد لها أن تذبح فإنها تضجع على شقها الأيسر، ويستقبل بها القبلة، فهل يقال: هو سنة أم السنة هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة )؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم إنما وضعها على شقها الأيسر؛ لأن ذلك أسمح ليده اليمنى، فلو كان الشخص أعسر -يعني: يستعمل اليد اليسرى- ووضعها على شقها الأيمن فلا بأس بذلك إن شاء الله، ولو قيل بأن الرسول فعله فهو الأفضل، فلا حرج في ذلك، فالأولى أن يقال: الأفضل، أما أن يكون سنة فالله أعلم؛ لأن إثبات ذلك يحتاج إلى دليل صريح، وإن كان فعله عليه الصلاة والسلام كافٍ في ذلك، والعلم عند الله سبحانه وتعالى.

الشيخ: طيب! يقول المؤلف: (ويقول عند ذلك: بسم الله والله أكبر)، أما البسملة فإنه يسمي الإنسان وجوباً؛ لقوله تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج:36]، وقال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، وهل التسمية شرط للذبيحة أو لجواز أكل الذبيحة أم هي من باب اجتناب المحظور فهي واجبة إذا ذكرها الإنسان وإذا نسي أجزأته؟

قولان عند أهل العلم:

فذهب عامة الفقهاء إلى أنها من باب اجتناب المحظور، فلو نسي التسمية أجزأته، وهذا قول الأئمة الأربعة أو المشهور عنهم.

وذهب أبو العباس بن تيمية ، وهي رواية عند الإمام أحمد إلى أن التسمية شرط، وعلى هذا فلو لم يسم فإنها لا تحل، والأقرب والله أعلم هو قول الجمهور؛ لقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، ومعنى (ولا تأكلوا) هذا نهي، والنهي هو اجتناب محظور، واجتناب المحظور يعفى عنه في الجهل والنسيان: ( عفي لأمتي الخطأ والنسيان رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، قال الله تعالى كما في صحيح مسلم : ( قد فعلت قد فعلت ).

طيب! يقول المؤلف: ( والله أكبر )، هذا سنة، فالتكبير في النحر أو في الذبح سنة.

والأقرب والله أعلم أن يقول الإنسان: بسم الله فقط، وأما ما يقوله بعض الناس: بسم الله الرحمن الرحيم، فنقول:

أولاً: خالفت سنة نبيك.

ثانياً: أن الرحمن الرحيم في هذا الموطن لا يناسب، ولهذا نقول: الأقرب أن تقول: بسم الله فقط، ولا تقول: بسم الله الرحمن الرحيم لعدم وروده، ولمخالفته في مناسبة هذه الفعلة، ولهذا نقول: السنة أن تقول: بسم الله، ولو قلت: باسمك اللهم فإنه يكفي إن شاء الله؛ لأن هذا يصدق عليه التسمية، والتقيد بسنة محمد صلى الله عليه وسلم أولى وأخلق وأحرى.

طيب! المؤلف يقول: ( اللهم هذا منك ولك )، وهذا جائز، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البيهقي ، فإذا قال هذا فهذا حسن، وهو جيد.

الشيخ: طيب! المؤلف يقول: (ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم؛ لأنها قربة) فلو ذبحها غير مسلم هل يجزئ؟ ما تقولون؟

مداخلة: أقول يا شيخ! على قول المؤلف بالاستحباب معنى ذلك أنها تجزئ، ولكن الأفضل أن يكون مسلماً.

الشيخ: طيب على غير كلام المؤلف، فهل تستطيع أن تستدل لنا في هذه المسألة؟

مداخلة: الكافر.

الشيخ: الكافر مطلقاً.

مداخلة: لا، الأفضل أن يكون مسلماً.

الشيخ: طيب! أنت تقول: إنه يجزئ الكافر؟

مداخلة: نعم.

الشيخ: وفي هذا نظر، ماذا نقول يا فهد ؟

مداخلة: يا شيخ! يجزئ إن كان من أهل الكتاب.

الشيخ: أحسنت، تجزئ إذا كان الكافر من أهل الكتاب خاصة؛ لقوله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5]، أما غيرهما -يعني: غير اليهودي والنصراني- فلا يجزئ ألبتة إجماعاً، خلافاً لقول بعض الفقهاء، وهو أبو ثور حينما قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب في المجوس، وهذا قول شاذ، أنكره الأئمة رحمة الله تعالى عليهم، ولكننا نقول: الأفضل أن يذبحها مسلم، فإن لم يكن فليذبحها كتابي.

الشيخ: والأفضل أن يتولى المسلم ذبحها بنفسه، كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بيده ثلاثاً وستين.

وقوله: (يجوز لغيره) حينما أعطى علياً فنحر ما بقي، أما في الأضحية فإن النبي صلى الله عليه وسلم نحرها بيده؛ لأنه يستطيع هذا ولا يشق عليه، فنحرها بيده وسمى وكبر، كما يقول أنس : ( فنحرها بيده وسمى وكبر )، ولماذا لم نقل: إن التكبير واجب، كما قلنا: إن التسمية واجبة مع الذكر، ولم نقل ذلك في التكبير؟ نقول: لأن التكبير ثبت بالفعل، والتسمية ثبتت بالقول.

طيب! يقول المؤلف: ( وإن ذبحها صاحبها فهو أفضل )؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صنع ذلك، بل كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يأمر بناته إذا أردن أن يضحين أن ينحرن أضاحيهن بأنفسهن، وللمرأة أن تضحي، وللمرأة أن تذبح؛ سواء كانت طاهرة أم حائضاً خلافاً للعوام الذين يقولون: المرأة إذا كانت حائضاً فإنها لا تضحي أو لا تذبح، وهذا من كيسهم وعاداتهم، وأما سنة محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان يؤاكل النساء الحيض، ويشاربهن ولا يمنعهن من ذلك، إلا الوطء كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، كما في الصحيح وغيره.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] 2651 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] 2532 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] 2449 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] 2396 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] 2315 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] 2168 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] 2165 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] 2127 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] 2109 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] 2105 استماع