سلسلة منهاج المسلم - (165)


الحلقة مفرغة

الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم؛ ذلكم الكتاب الجامع للشريعة الإسلامية بكاملها عقيدة وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً، وها نحن مع الأحكام، وقد تقدم دراسة ثمان مواد وهي: القرض والوديعة والعارية والغصب واللقطة واللقيط والحجر والتفليس والوصية والوقف والآن [المادة التاسعة: في الهبة والعمرى والرقبى].

تعريف الهبة

[أولاً: الهبة:

أولاً: تعريفها: الهبة هي تبرع الرشيد] أما السفيه فلا يحق له أن يتبرع [بما يملك] أما إذا تبرع بما لا يملك فليس له ذلك [من مال أو متاع مباح] فلو تبرع بمصحف ليهودي أو نصراني لا يجوز، ولو تبرع بخمر أو باطل لا يجوز، ولكن عليه أن يتبرع بمباح [كأن يهب مسلم لآخر داراً أو ثياباً أو طعاماً، أو يعطيه دراهم ودنانير].

هذه هي الهبة: تبرع الرشيد بما يملك من مال أو متاع مباح، أما الحرام فلا يعطى ولا يوهب.

حكم الهبة

[ثانياً: حكمها: الهبة كالهدية مستحبتان] الهبة مثل الهدية مستحبة ليست واجبة ولا مكروهة ولا محرمة [إذ هما من الخير المرغب في فعله] الهدية والهبة من الخير المرغب فيه [والمسابقة إليه، بقوله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]] النفقة أو الهبات [وقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]] ومن التعاون على الخير الهبة والعطية [وقوله سبحانه: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى [البقرة:177]] على حبه أي: أعطى المال، وهذه هبة.

[وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( تهادوا )] أي: عباد الله! ليهدي بعضكم بعضاً [( تحابوا)] أي: وليحب بعضكم بعضاً [( وتصافحوا يذهب الغل عنكم )]. والغل هو الحقد والحسد والعياذ بالله، والمصافحة ليست بتقبيل الوجه، ولكن بمصافحة اليد، فالمصافحة تذهب الغل [وقوله صلى الله عليه وسلم: ( العائد في هبته كالعائد في قيئه )] وهذا دليل على مشروعية الهبة، وأنها حسنة مستحبة، فالذي يهب شيئاً ويرجع فيه كالذي يتقيأ ثم يأكل قيأه.

[وقول عائشة رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها )] كان صلى الله عليه وسلم يقبلها ويثيب عليها بأكثر منها [وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه )] (من سره) أي: أفرحه (أن يبسط له في رزقه) فيتوسع (وأن ينسأ له في أجله) أي: يؤخر عمره (فليصل رحمه) والهبة من الصلة.

إذاً: عرفنا حكم الهبة، فما هي شروطها؟

[أولاً: الهبة:

أولاً: تعريفها: الهبة هي تبرع الرشيد] أما السفيه فلا يحق له أن يتبرع [بما يملك] أما إذا تبرع بما لا يملك فليس له ذلك [من مال أو متاع مباح] فلو تبرع بمصحف ليهودي أو نصراني لا يجوز، ولو تبرع بخمر أو باطل لا يجوز، ولكن عليه أن يتبرع بمباح [كأن يهب مسلم لآخر داراً أو ثياباً أو طعاماً، أو يعطيه دراهم ودنانير].

هذه هي الهبة: تبرع الرشيد بما يملك من مال أو متاع مباح، أما الحرام فلا يعطى ولا يوهب.

[ثانياً: حكمها: الهبة كالهدية مستحبتان] الهبة مثل الهدية مستحبة ليست واجبة ولا مكروهة ولا محرمة [إذ هما من الخير المرغب في فعله] الهدية والهبة من الخير المرغب فيه [والمسابقة إليه، بقوله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]] النفقة أو الهبات [وقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]] ومن التعاون على الخير الهبة والعطية [وقوله سبحانه: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى [البقرة:177]] على حبه أي: أعطى المال، وهذه هبة.

[وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( تهادوا )] أي: عباد الله! ليهدي بعضكم بعضاً [( تحابوا)] أي: وليحب بعضكم بعضاً [( وتصافحوا يذهب الغل عنكم )]. والغل هو الحقد والحسد والعياذ بالله، والمصافحة ليست بتقبيل الوجه، ولكن بمصافحة اليد، فالمصافحة تذهب الغل [وقوله صلى الله عليه وسلم: ( العائد في هبته كالعائد في قيئه )] وهذا دليل على مشروعية الهبة، وأنها حسنة مستحبة، فالذي يهب شيئاً ويرجع فيه كالذي يتقيأ ثم يأكل قيأه.

[وقول عائشة رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها )] كان صلى الله عليه وسلم يقبلها ويثيب عليها بأكثر منها [وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه )] (من سره) أي: أفرحه (أن يبسط له في رزقه) فيتوسع (وأن ينسأ له في أجله) أي: يؤخر عمره (فليصل رحمه) والهبة من الصلة.

إذاً: عرفنا حكم الهبة، فما هي شروطها؟

[ثالثاً: شروطها: شروط الهبة هي]

أولاً: الإيجاب

[أولاً: الإيجاب، وهو إجابة الواهب من سأله شيئاً] من سألك شيئاً أجبه وأعطه، وإن سألت شيئاً وأعطاك الواهب فخذه، [وإعطاؤه إياه برضا نفس] أي: ليس بسخط ولا غضب.

ثانياً: القبول

[ثانياً: القبول: وهو أن يقبل الموهوب له الهبة؛ بأن يقول: قبلت ما وهبتني، أو يتناولها بيده ليأخذها] ولو لم يتكلم [إذ لو أن مسلماً أعطى عطية، أو وهب هبة لأحد ولم يقبضها -منه- حتى مات الواهب فإنها تصبح من حقوق الورثة لا حق للموهوب له فيها] لأنه ما أخذها ولا قال: قبلتها [لفقدان شرطها، وهو القبول؛ إذ لو قبلها لقبضها بأي نوع من أنواع القبض] ما دام لم يقبضها فإنه لم يقبلها.

[أولاً: الإيجاب، وهو إجابة الواهب من سأله شيئاً] من سألك شيئاً أجبه وأعطه، وإن سألت شيئاً وأعطاك الواهب فخذه، [وإعطاؤه إياه برضا نفس] أي: ليس بسخط ولا غضب.

[ثانياً: القبول: وهو أن يقبل الموهوب له الهبة؛ بأن يقول: قبلت ما وهبتني، أو يتناولها بيده ليأخذها] ولو لم يتكلم [إذ لو أن مسلماً أعطى عطية، أو وهب هبة لأحد ولم يقبضها -منه- حتى مات الواهب فإنها تصبح من حقوق الورثة لا حق للموهوب له فيها] لأنه ما أخذها ولا قال: قبلتها [لفقدان شرطها، وهو القبول؛ إذ لو قبلها لقبضها بأي نوع من أنواع القبض] ما دام لم يقبضها فإنه لم يقبلها.

[رابعاً: أحكامها] عرفنا الهبة وشروطها، والآن مع أحكامها: [أحكام الهبة هي]

أولاً: إن كانت العطية لأحد الأولاد استحب إعطاء باقي الأولاد مثلها

[أولاً: إن كانت العطية لأحد الأولاد] مثل أن تعطي ولدك عيسى [استحب] من باب الاستحباب لا الوجوب [إعطاء باقي الأولاد مثلها] فإذا أعطيت لأحد ولدك بشتاً (المشلح) -مثلاً- أو عمامة أو قميصاً فإنه يستحب لك أن تعطي الآخرين مثله، وذلك [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم )] وفي إحدى الروايات: ( سووا بين أولادكم العطية، سووا بين أولادكم العطية )، لكن لو فعل لا يأثم، ولكنه فقد الأجر؛ لأن هذا مستحب، فإن كانت عطاءً فإنه يستحب إعطاء مثلها للآخرين.

ثانياً: يحرم الرجوع في الهبة

[ثانياً: يحرم الرجوع في الهبة] من وهب شيئاً لا يحل له أن يعود فيه [لقوله صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قيئه)] العائد في هبته كالذي يتقيأ ثم يأكل قيأه، فلهذا يحرم الرجوع فيها، والقيء هو ما يخرج من البطن [إلا أن تكون الهبة من والد لولده] إذ الولد وماله لوالده، فإذا أهدى الوالد لولده ثم استرجع فله ذلك [فإن له الرجوع فيها، إذ الولد وماله لوالده، ولقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للرجل أن يعطي العطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي لولده )] فإذا أعطاه ورجع فلا حرج، أما أن تسترجع من غير الولد فلا يجوز، حتى لو أعطيتها كافراً.

ثالثاً: تكره هبة الثواب

[ثالثاً: تكره هبة الثواب، وهي أن يهدي المسلم لآخر هدية ليكافئه عنها بأكثر منها] هدية الثواب هي أن تقدم هدية لتعطى أكثر منها، أو لتثاب بأكثر منها، وهناك من قال بجوازها ومن قال بأنها لا تجوز، ونحن جمعنا بين القولين وقلنا: تكره، ليست محرمة، ولكن تكره؛ لأنها جازت عند البعض [لقوله تعالى: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم:39]، والمهدى إليه بالخيار في قبولها ورفضها] فإذا جاءتك هدية فأنت حر، إن شئت قبلتها وإن شئت رددتها.

[وإذا قبلها وجب عليه مكافأة المهدي بما يساويها أو أكثر] كما كان الرسول الكريم يفعل [لقول عائشة رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها )، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه )] أي: كافئوه مقابل معروفه الذي فعله؛ فمن أهداك هدية ردها بأحسن منها [وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء )] وهذه سهلة علينا، فمن أهداك هدية قل له: جزاك الله خيراً ويكفي.

[أولاً: إن كانت العطية لأحد الأولاد] مثل أن تعطي ولدك عيسى [استحب] من باب الاستحباب لا الوجوب [إعطاء باقي الأولاد مثلها] فإذا أعطيت لأحد ولدك بشتاً (المشلح) -مثلاً- أو عمامة أو قميصاً فإنه يستحب لك أن تعطي الآخرين مثله، وذلك [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم )] وفي إحدى الروايات: ( سووا بين أولادكم العطية، سووا بين أولادكم العطية )، لكن لو فعل لا يأثم، ولكنه فقد الأجر؛ لأن هذا مستحب، فإن كانت عطاءً فإنه يستحب إعطاء مثلها للآخرين.