خطب ومحاضرات
عمدة الفقه - كتاب الحج [18]
الحلقة مفرغة
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
مشاهدينا الكرام في كل مكان! نحييكم بتحية الإسلام الخالدة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في هذا الدرس المبارك، في درس العمدة عمدة الفقه يسرنا باسمكم جميعاً أن نرحب بشيخنا الكريم الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي، الأستاذ المساعد بالمعهد العالي للقضاء؛ نرحب بشيخنا الفاضل أجمل الترحيب، فأهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ.
الشيخ: حياكم الله، وبالإخوة المستمعين والمستمعات.
المقدم: ويمتد ترحيبنا كذلك للإخوة الدارسين والدارسات في موقع الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، ونرحب كذلك من أعماقنا للإخوة الذين حضروا معنا هنا في الأستوديو، جزاهم الله خيراً على حضورهم وتفاعلهم.
مشاهدينا الكرام! نستقبل أسئلتكم وتفاعلاتكم على هواتف البرنامج التي تظهر أمامكم تباعاً، وعلى موقع الأكاديمية إسلام أكاديمي دوت نت.
كلنا شوق إلى أن نستمع من شيخنا الكريم استفتاحة هذا الدرس المبارك، فنترك المجال لشيخنا الفاضل، فتفضل يا شيخنا مشكوراً مأجوراً.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم علمنا ما ينفعنا! وانفعنا بما علمتنا! وزدنا علماً وعملاً يا كريم! اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه! وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه! ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل! وبعد:
وصلنا إلى باب أركان الحج والعمرة، ومن هنا سوف يكون شرحنا قليلاً بسبب أننا قد مررنا على كثير من المسائل هنا؛ ولكن هذا من باب المراجعة.
قال المؤلف رحمه الله: [ باب أركان الحج والعمرة:
أركان الحج: الوقوف بعرفة وطواف الزيارة؛ وواجباته: الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى الليل والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل والسعي والمبيت بمنى والرمي والحلق وطواف الوداع.
وأركان العمرة: الطواف. وواجباتها: الإحرام والسعي والحلق، فمن ترك ركناً لم يتم نسكه إلا به، ومن ترك واجباً جبره بدم، ومن ترك سنة فلا شيء عليه، ومن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج، فيتحلل بطواف وسعي، وينحر هدياً إن كان معه، وعليه القضاء، وإن أخطأ الناس فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك، وإن فعل ذلك نفر منهم فقد فاتهم الحج، ويستحب لمن حج زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه رضي الله عنهما ].
تعريف الركن
أركان: جمع ركن وهو ما لا يقوم الشيء إلا به، وهو ما كان داخل الماهية، كما يقوله بعض علماء المنطق، ومعنى (ما كان داخل الماهية) يعني: ما كان هذا الواجب أو هذا الركن داخلاً في ماهية العبادة، يعني في أصل العبادة، أما إذا كان هذا الواجب خارجاً عن العبادة فيسمى شرطاً، فاستقبال القبلة خارج عن الصلاة، وأما الركوع فهو داخل في الصلاة، وهذا معنى الركن.
ركنية الإحرام ودليل ذلك
والحج له أركان كما سبق، وله مستحبات، وله واجبات، فالمؤلف هنا قال: (أركان الحج: الوقوف بعرفة، وطواف الزيارة)، عد اثنين؛ الوقوف بعرفة، وطواف الزيارة. والأقرب -والله أعلم- أن أركان الحج ثلاثة: الركن الأول: الإحرام، ونعني بالإحرام، نية الدخول بالنسك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب ، فلا تتم عبادة إلا بالنية، والإحرام هو نية الدخول في النسك، وقد سبق معنا أن التجرد من المخيط ولبس ثياب الإحرام ليس هو الإحرام، إنما الإحرام هو نية الدخول في النسك، فجائز أن يلبس ثياب الإحرام ولو لم يدخل في النسك، وجائز أن يدخل في النسك ولو لم يخلع لباسه المعتادة، لكن هل عليه دم؟
نقول: لا، إذا كان قال: لبيك حجاً أو لبيك عمرة يشرع في الخلع ولا حرج عليه في ذلك كما مر معنا في حديث يعلى بن أمية حينما قال: ما ترى أصنع في عمرتي وقد لبس جبة؟ فقام فخلعها من أعلاها، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يمزقها، فترك ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بشيء، فدل ذلك على أنه لا يلزمه أن ينزعها أو يخلعها من أسفل، إنما يخلعها كالخلع المعتاد، هذا الركن الأول.
ركنية الوقوف بعرفة ودليل ذلك
ركنية طواف الإفاضة ودليل ذلك
طواف الزيارة يقصد بذلك طواف الإفاضة.
وطواف الإفاضة ركن، لا يصح الحج إلا به، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم، كما نقل ذلك ابن عبد البر في كتاب التمهيد قال: لا خلاف بين أحد من أهل العلم كافة أن طواف الزيارة -أو قال: طواف الإفاضة- ركن لا يتم الحج إلا به، وكذلك نقل الإجماع ابن قدامة و النووي ، وغير واحد من أهل العلم، ودليله: قوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33]، وقوله: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، ومما يدل على أنه لا يصح إلا به، قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة قالت: أفضنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطفنا يوم النحر، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم من صفية كما يريد الرجل من امرأته، فقيل: يا رسول الله! إنها حاضت، قال: ( عقرى، حلقى، أحابستنا هي؟ قالوا: يا رسول الله! إنها قد أفاضت، قال: فلتنفر إذاً )، وقوله عليه الصلاة والسلام: ( أحابستنا هي؟ ) دليل على أن من لم يطف بالبيت فإنه حابس حتى يفعله.
ابن قدامة رحمه الله قرر أن السعي ليس بركن، وجعله من ضمن الواجبات، وهذا هو الراجح كما سوف يأتي تفصيله.
المؤلف يقول: وواجباته، المؤلف فرق بين الركن وبين الواجب، والفرق بسيط، أما الاتفاق بينهما: فكله مأمور به على لسان الشارع من الكتاب أو من السنة أو من الكتاب والسنة، فتجد أن الواجب مأمور به، وتجد أن الركن مأمور به. ويفرق بين الركن وبين الواجب أن الركن دل دليل على أنه لا تصح العبادة إلا بوجوده، وأما الواجب فلم يدل دليل إلا على أصل الوجوب، فأنت ترى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الحج عرفة )، قال: ( فمن أدرك عرفة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج )، فهذا دليل زائد على أصل الوجوب، وهو أنه لا تصح العبادة إلا بوجود هذا الركن، فهذا هو الفرق بين الركن وبين الواجب، أما الواجب فغاية ما فيه أن الشارع أمر به، وكون الشارع يأمر بالشيء لا يدل على أنه لا يصح الشيء إلا به إلا بدليل ثان، فجائز أن يجبر كغيره من الأشياء التي تجبر، فأنت ترى أن واجبات الصلاة تجبر بسجود السهو، وواجبات الحج تجبر بالدم، كما ثبت ذلك من حديث عطاء عن ابن عباس : ( من ترك نسكاً فليهرق دماً ).
إذاً الواجب: إما أن يجبر بسجود سهو كالصلاة، وهذا يسمى البدل، ومثله أن يجبر بدم الحج.
وإما أن يسقط للعجز، كما قال ابن تيمية رحمه الله: وغاية الواجبات أنها تسقط بالعجز، لا بالنسيان، ودليله: قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، قال أبو العباس ابن تيمية : فدل ذلك على أن من فعل ما اتقى الله به كان من المتقين.
إذاً الواجب: إما أن يسقط، وإما أن يكون ببدل -إما جبره بدم، أو جبره بسجود سهو- وإما أن يفعل، وهذا قليل، من ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن ذبح قبل الصلاة فليعد مكانها أخرى )؛ لأنه يمكن له أن يفعله؛ لكن قال بعض العلماء: إن هذا من ضمن البدل، والبدل: إما أن يكون بالدم، وإما أن يكون بسجود سهو، وإما أن يفعل مثل ما ترك.
الشيخ: المؤلف يقول: (باب أركان الحج والعمرة).
أركان: جمع ركن وهو ما لا يقوم الشيء إلا به، وهو ما كان داخل الماهية، كما يقوله بعض علماء المنطق، ومعنى (ما كان داخل الماهية) يعني: ما كان هذا الواجب أو هذا الركن داخلاً في ماهية العبادة، يعني في أصل العبادة، أما إذا كان هذا الواجب خارجاً عن العبادة فيسمى شرطاً، فاستقبال القبلة خارج عن الصلاة، وأما الركوع فهو داخل في الصلاة، وهذا معنى الركن.
الشيخ: المؤلف رحمه الله قال: (أركان الحج).
والحج له أركان كما سبق، وله مستحبات، وله واجبات، فالمؤلف هنا قال: (أركان الحج: الوقوف بعرفة، وطواف الزيارة)، عد اثنين؛ الوقوف بعرفة، وطواف الزيارة. والأقرب -والله أعلم- أن أركان الحج ثلاثة: الركن الأول: الإحرام، ونعني بالإحرام، نية الدخول بالنسك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب ، فلا تتم عبادة إلا بالنية، والإحرام هو نية الدخول في النسك، وقد سبق معنا أن التجرد من المخيط ولبس ثياب الإحرام ليس هو الإحرام، إنما الإحرام هو نية الدخول في النسك، فجائز أن يلبس ثياب الإحرام ولو لم يدخل في النسك، وجائز أن يدخل في النسك ولو لم يخلع لباسه المعتادة، لكن هل عليه دم؟
نقول: لا، إذا كان قال: لبيك حجاً أو لبيك عمرة يشرع في الخلع ولا حرج عليه في ذلك كما مر معنا في حديث يعلى بن أمية حينما قال: ما ترى أصنع في عمرتي وقد لبس جبة؟ فقام فخلعها من أعلاها، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يمزقها، فترك ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بشيء، فدل ذلك على أنه لا يلزمه أن ينزعها أو يخلعها من أسفل، إنما يخلعها كالخلع المعتاد، هذا الركن الأول.
الشيخ: الركن الثاني: الوقوف بعرفة: دليله: ما ثبت عند أهل السنن من حديث سفيان الثوري عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر أن أناساً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! كيف الحج؟ قال: ( الحج عرفة، فمن أتى عرفة قبل طلوع الشمس فقد تم حجه وقضى تفثه، أيام منى ثلاثة ...)، الحديث، وهذا الحديث من أفضل ما روى الثوري ، يقول محمد الذهلي : هذا الحديث من أفضل ما رواه الثوري يعني بذلك عن أهل الكوفة، وقال وكيع : هذا الحديث هو أم المناسك، وقد أجمع أهل العلم -ونقل الإجماع غير واحد من أهل العلم- على أن الوقوف بعرفة ركن.
الشيخ: الركن الثالث: يقول المؤلف: (وطواف الزيارة).
طواف الزيارة يقصد بذلك طواف الإفاضة.
وطواف الإفاضة ركن، لا يصح الحج إلا به، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم، كما نقل ذلك ابن عبد البر في كتاب التمهيد قال: لا خلاف بين أحد من أهل العلم كافة أن طواف الزيارة -أو قال: طواف الإفاضة- ركن لا يتم الحج إلا به، وكذلك نقل الإجماع ابن قدامة و النووي ، وغير واحد من أهل العلم، ودليله: قوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33]، وقوله: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، ومما يدل على أنه لا يصح إلا به، قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة قالت: أفضنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطفنا يوم النحر، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم من صفية كما يريد الرجل من امرأته، فقيل: يا رسول الله! إنها حاضت، قال: ( عقرى، حلقى، أحابستنا هي؟ قالوا: يا رسول الله! إنها قد أفاضت، قال: فلتنفر إذاً )، وقوله عليه الصلاة والسلام: ( أحابستنا هي؟ ) دليل على أن من لم يطف بالبيت فإنه حابس حتى يفعله.
ابن قدامة رحمه الله قرر أن السعي ليس بركن، وجعله من ضمن الواجبات، وهذا هو الراجح كما سوف يأتي تفصيله.
المؤلف يقول: وواجباته، المؤلف فرق بين الركن وبين الواجب، والفرق بسيط، أما الاتفاق بينهما: فكله مأمور به على لسان الشارع من الكتاب أو من السنة أو من الكتاب والسنة، فتجد أن الواجب مأمور به، وتجد أن الركن مأمور به. ويفرق بين الركن وبين الواجب أن الركن دل دليل على أنه لا تصح العبادة إلا بوجوده، وأما الواجب فلم يدل دليل إلا على أصل الوجوب، فأنت ترى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الحج عرفة )، قال: ( فمن أدرك عرفة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج )، فهذا دليل زائد على أصل الوجوب، وهو أنه لا تصح العبادة إلا بوجود هذا الركن، فهذا هو الفرق بين الركن وبين الواجب، أما الواجب فغاية ما فيه أن الشارع أمر به، وكون الشارع يأمر بالشيء لا يدل على أنه لا يصح الشيء إلا به إلا بدليل ثان، فجائز أن يجبر كغيره من الأشياء التي تجبر، فأنت ترى أن واجبات الصلاة تجبر بسجود السهو، وواجبات الحج تجبر بالدم، كما ثبت ذلك من حديث عطاء عن ابن عباس : ( من ترك نسكاً فليهرق دماً ).
إذاً الواجب: إما أن يجبر بسجود سهو كالصلاة، وهذا يسمى البدل، ومثله أن يجبر بدم الحج.
وإما أن يسقط للعجز، كما قال ابن تيمية رحمه الله: وغاية الواجبات أنها تسقط بالعجز، لا بالنسيان، ودليله: قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، قال أبو العباس ابن تيمية : فدل ذلك على أن من فعل ما اتقى الله به كان من المتقين.
إذاً الواجب: إما أن يسقط، وإما أن يكون ببدل -إما جبره بدم، أو جبره بسجود سهو- وإما أن يفعل، وهذا قليل، من ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن ذبح قبل الصلاة فليعد مكانها أخرى )؛ لأنه يمكن له أن يفعله؛ لكن قال بعض العلماء: إن هذا من ضمن البدل، والبدل: إما أن يكون بالدم، وإما أن يكون بسجود سهو، وإما أن يفعل مثل ما ترك.
الإحرام من الميقات
الآن عندنا إحرام، وهو نية الدخول في النسك، وعندنا تجرد من المخيط، وهذا يسمى أيضاً إحراماً، وعندنا إحرام من الميقات، ثلاثة أشياء لها علاقة بالإحرام، المؤلف رحمه الله جعل الإحرام من الميقات هو الإحرام للدخول في النسك، قال الشارح: أما الإحرام فهو أن ينوي الدخول في العبادة، وقلنا: إن هذا ليس من الواجب إنما هو ركن، فلعل فالمؤلف رحمه الله أراد به الاستطراد، وأما إذا أراد به الوجوب فلا، فقد أجمع أهل العلم على أن نية الدخول في النسك إنما هي ركن وليست بواجبة.
طيب، الإحرام من الميقات سبق معنا، وقد قلنا: إن قول عامة الفقهاء أن الإحرام من الميقات واجب، ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن المنازل)، ومعنى (يهل) خبر بمعنى الأمر، بل جاء ذلك صريحاً في صحيح مسلم من حديث ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة، وأمر أهل الشام ومصر أن يهلوا من الجحفة... ) الحديث، فهذا يدل على الأمر، والأمر يدل على الوجوب.
طيب، هذا الإحرام من الميقات، فلو أحرم من دون الميقات قلنا: إحرامه صحيح، ولكنه ترك واجباً، فيجبره بدم، كما سوف نأتي إلى أدلة من ترك واجباً فليجبره بدم.
الوقوف بعرفة إلى الليل
وكان الأولى بالمؤلف أن يقول: الوقوف بعرفة إلى الليل لمن دخلها نهاراً؛ لأنه لو أتاها ليلاً فحجه صحيح بإجماع الفقهاء، مثلما ثبت ذلك عند أهل السنن و أحمد من حديث عروة بن مضرس، فقد وقف بعرفة ليلاً، وأجزأه حجه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً )، أما المؤلف فيقول: (الوقوف بعرفة إلى الليل)، يعني: لمن دخلها نهاراً، فمن دخل عرفة نهاراً لا يجوز له أن يخرج منها حتى يغيب قرص الشمس، وهذا قول عامة الفقهاء، بل ذكر مالك أن ذلك ركن؛ أن يجمع بين النهار والليل ركن، أو يجمع بين الليل أصلاً وحده، وهذا قول مالك ، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن من أتى عرفة نهاراً وجب عليه أن يبقى إلى الليل، واستدلوا على ذلك بأدلة:
أولاً: قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس وقال: ( لتأخذوا عني مناسككم ).
الثاني: أن الله أمر بذلك بقوله: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199]، وهذا يدل على وجوبها. و الشافعي كما مر معنا لا يرى الوجوب، إنما يرى الأفضلية، فلو وقف بعرفة ليلاً أو نهاراً -كما في حديث عروة - أجزأه حجه، نقول: أما إجزاء الحج فنعم، أما أنه ليس عليه شيء، فنقول: الأقرب -والله أعلم- أنه أساء، ولو جبره بدم فهو حسن، وما منعنا أن نقول بعدم وجوب الدم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( فقد تم حجه وقضى تفثه )، وإن كان لا ينبغي له أن يترك الوقوف إلى الليل، طيب، هذا الواجب الثاني.
المبيت بمزدلفة إلى نصف الليل
ذكرنا أن المبيت بمزدلفة بالجملة واجب، وهو قول الأئمة الأربعة أبي حنيفة ، و مالك، و الشافعي و أحمد ، إلا أن هؤلاء الأئمة الأربعة اختلفوا فيما بينهم؛ فـمالك يرى أن أصل الوجوب إنما هو بمقدار حق الرحال، فلو خرج بعدما جلس بمقدار حق الرحال أجزأه الوقوف بمزدلفة، فلو صلى المغرب والعشاء في مزدلفة، ثم خرج على رأي مالك أجزأه الأجر. و أبو حنيفة يرى أن الوجوب بمزدلفة هو من بعد طلوع الفجر إلى قبيل طلوع الشمس، فلو أتى مزدلفة ليلاً ما أداه إلا سنة.
أما الحنابلة والشافعية فيرون أن من أتى مزدلفة قبل منتصف الليل وجب عليه أن يبقى إلى منتصف الليل، ومن جاءها بعد منتصف الليل أجزأه بمقدار حق الرحال ثم يخرج، وقلنا: إن هذا التفصيل يحتاج إلى دليل صريح، وإلا فإن الأقرب -والله أعلم- هو أن الوجوب في مزدلفة هو أصل البقاء، ولا ينبغي له أن يخرج منها إلا بعد منتصف الليل؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام رخص لهم، ولم يحدد في ذلك وقتاً معلوماً لأجل الرخصة، إنما الرسول عليه الصلاة والسلام رخص في الخروج مطلقاً، فدل ذلك على أنه لا ينبغي له أن يخرج إلا لحاجة أو عذر، فإن فعل وخرج فقد أساء كما مر معنا تفصيل ذلك، وقلنا: إن قول المؤلف: (والمبيت بمزدلفة) محل تأمل، إذ أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة إطلاق البيتوتة على مزدلفة كما ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله، إنما إطلاق البيتوتة في حق منى، وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب في البيتوتة في منى، أما مزدلفة فلم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة إطلاق البيتوتة عليها، إنما فيها فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، وهذا يدلنا على وجوبها، ودليل الوجوب هو قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بقي فيها، وقال: (لتأخذوا عني مناسككم)، وقال: (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى نبدأ وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه).
السعي بين الصفا والمروة
المؤلف هنا ذكر السعي من الواجبات، وهذا هو قول أبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد اختارها ابن قدامة رحمه الله في المغني، و أبو يعلى ونصرها ابن تيمية رحمة الله تعالى على أئمة الإسلام جميعاً.
وجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، وهو قول عائشة و عروة رضي الله عن عائشة ، وغفر الله لـعروة : هو الركنية، واستدلوا على الركنية بأثر عائشة وبحديث.
إذاً القول بالركنية قول الجمهور، واستدلوا بما جاء في الصحيحين من أثر عائشة أنها قالت: ( فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة، وطاف المسلمون معه، فلعمري ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته ما لم يطف بين الصفا والمروة )، هذا قول عائشة ، وهذا الأثر في الصحيحين.
والحديث: ما رواه عبد الله بن المؤمل عن عمر بن عبد الرحمن بن محيصن عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة ( عن
المبيت بمنى
سبق أن ذكرنا أن المبيت بمنى واجب بالجملة، ودليل ذلك أمور أذكرها على عجل: حديث ابن عمر في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للعباس بن عبد المطلب عن البيتوتة من أجل سقاية الحجاج.
الثاني: ما ثبت عند الإمام مالك وأهل السنن من حديث ابن عاصم بن عدي عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة في البيتوتة خارجين عن منى، وقول عمر بن الخطاب : لا يبت أحد من وراء العقبة في أيام منى، فهذا يدل على وجوب المبيت بمنى، وقلنا: إنه يسقط مع العجز والعذر، فمن كان معه مريض مرافق له سقط عنه، ومن لم يجد مكاناً سقط عنه؛ لأن غاية الواجبات تسقط مع العجز وعدم القدرة.
رمي الجمار
ودليل وجوب الرمي قوله صلى الله عليه وسلم كما عند أهل السنن من حديث ابن عباس أنه قال: ( بمثل هذا فارموا، وإياكم والغلو )، وهذا قول عامة الفقهاء.
الحلق والتقصير
الأقرب -والله أعلم-: أنه محظور من محظورات الإحرام، وهو نسك من أنساك الحج، وقولنا: محظور من محظورات الإحرام، إذا جاء وفعله الحاج أو المعتمر قبل وقته، فإنه يعد محظوراً، فإذا كان قبل أن يطوف، وقبل أن يسعى فإنه يعد الحلق أو التقصير محظوراً، وإذا جاء وقته وهو بعد الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة فهو نسك يجب أن يفعله، وعلى هذا فالحلق نسك، يعني: أنه واجب، ودليل الوجوب: قوله صلى الله عليه وسلم لـأبي موسى : ( فطف بالبيت، واسع بين الصفا والمروة، وقصر، وأقم حلالاً )، وكذلك روي نحوه عند مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، هذا هو الواجب السابع من واجبات الحج.
طواف الوداع
طواف الوداع واجب، ودليل ذلك: حديث ابن عباس في الصحيحين: ( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض )، وهذا أمر، والأمر يدل على الوجوب، وبعض أهل العلم قال: هو أمر استحباب، بدليل أن الحائض لا تفعله، ولو كان واجباً لجبر ترك فعلها بدم، نقول: إن الحائض هنا لم يوجب عليها أصلاً حتى يقال: إنها تجبره بدم، الحائض لم يجب عليها أصلاً، ومعنى التخفيف تخفيف في عدم الوجوب، وليس تخفيفاً في الرخصة إلى التخفيف، وفرق بين الأمرين، فـالعباس بن عبد المطلب واجب عليه، ولكن خفف لأجل سقايته، أما الحائض فليس واجباً عليها أصلاً، والله أعلم.
المؤلف رحمه الله يقول: (وطواف الوداع)، هل طواف الوداع واجب أيضاً في العمرة؟
المؤلف ذكر أركان العمرة وواجباتها، ولم يذكر طواف الوداع، وقد اختلف الفقهاء في حكم طواف الوداع للعمرة، الآن قلنا: طواف الوداع واجب في الحج، وهل هو واجب في العمرة؟ لم يذكر المؤلف ذلك، والمسألة فيها خلاف، القول الأول: قول عامة الفقهاء، بل نقل بعضهم الإجماع -كبعض أصحاب أبي حنيفة - على أنه ليس بواجب في العمرة، هذا قول جماهير الفقهاء، واستدلوا على ذلك بما رواه الشافعي في مسنده من حديث ابن عمر : ( أمر الحاج أن يكون آخر عهده بالبيت الطواف )، فهذا أمر للحاج، وأما غير الحاج فلا يجب، وقالوا: ولو كان واجباً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، فقد اعتمر أربع عمر، ولم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه طاف للوداع.
القول الثاني في المسألة: قول الشافعي و ابن حزم، وقول بعض مشايخنا، قالوا بوجوب طواف الوداع في الحج، وكذا العمرة -والأقرب والله أعلم- هو عدم الوجوب؛ لأنه خص طواف الوداع بالحاج؛ لقوله: ( أمر الحاج )، أما استدلالهم للوجوب بما جاء في حديث يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما تصنع في عمرتك؟ قال: فاصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك )، الذين قالوا بالوجوب قالوا: فهذا لفظ عام، كل ما وجب في الحج وجب في العمرة، ولا يخرجه إلا نص أو إجماع، قالوا: فخرج وجوب الرمي عن العمرة بالإجماع فلا أحد يرمي في العمرة، قالوا: وكذا الهدي، وكذا الوقوف بمزدلفة، والوقوف بمنى، ويبقى ما شاركت العمرة الحج، وقلنا: هذا الدليل بهذا الاستدلال محل نظر؛ نقول: السبب: هو أنه جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما غشي عليه، ورفع عنه الوحي، قال: ( أين السائل عن العمرة؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: ما تصنع أنت في حجك؟ قال: أصنع في حجي: أخلع عني جبتي، وأغسل عني أثر الخلوق، قال: فاصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك )، فهذا يدل على أن هذا الدليل إنما هو في محظورات الإحرام، وليس في واجبات ولا في أركان الحج والعمرة، وهذا دليل قوي لمن تأمله.
الشيخ: المؤلف يقول: (وواجباته: الإحرام من الميقات).
الآن عندنا إحرام، وهو نية الدخول في النسك، وعندنا تجرد من المخيط، وهذا يسمى أيضاً إحراماً، وعندنا إحرام من الميقات، ثلاثة أشياء لها علاقة بالإحرام، المؤلف رحمه الله جعل الإحرام من الميقات هو الإحرام للدخول في النسك، قال الشارح: أما الإحرام فهو أن ينوي الدخول في العبادة، وقلنا: إن هذا ليس من الواجب إنما هو ركن، فلعل فالمؤلف رحمه الله أراد به الاستطراد، وأما إذا أراد به الوجوب فلا، فقد أجمع أهل العلم على أن نية الدخول في النسك إنما هي ركن وليست بواجبة.
طيب، الإحرام من الميقات سبق معنا، وقد قلنا: إن قول عامة الفقهاء أن الإحرام من الميقات واجب، ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن المنازل)، ومعنى (يهل) خبر بمعنى الأمر، بل جاء ذلك صريحاً في صحيح مسلم من حديث ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة، وأمر أهل الشام ومصر أن يهلوا من الجحفة... ) الحديث، فهذا يدل على الأمر، والأمر يدل على الوجوب.
طيب، هذا الإحرام من الميقات، فلو أحرم من دون الميقات قلنا: إحرامه صحيح، ولكنه ترك واجباً، فيجبره بدم، كما سوف نأتي إلى أدلة من ترك واجباً فليجبره بدم.
الشيخ: الثاني من واجبات الحج: (الوقوف بعرفة إلى الليل).
وكان الأولى بالمؤلف أن يقول: الوقوف بعرفة إلى الليل لمن دخلها نهاراً؛ لأنه لو أتاها ليلاً فحجه صحيح بإجماع الفقهاء، مثلما ثبت ذلك عند أهل السنن و أحمد من حديث عروة بن مضرس، فقد وقف بعرفة ليلاً، وأجزأه حجه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً )، أما المؤلف فيقول: (الوقوف بعرفة إلى الليل)، يعني: لمن دخلها نهاراً، فمن دخل عرفة نهاراً لا يجوز له أن يخرج منها حتى يغيب قرص الشمس، وهذا قول عامة الفقهاء، بل ذكر مالك أن ذلك ركن؛ أن يجمع بين النهار والليل ركن، أو يجمع بين الليل أصلاً وحده، وهذا قول مالك ، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن من أتى عرفة نهاراً وجب عليه أن يبقى إلى الليل، واستدلوا على ذلك بأدلة:
أولاً: قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس وقال: ( لتأخذوا عني مناسككم ).
الثاني: أن الله أمر بذلك بقوله: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199]، وهذا يدل على وجوبها. و الشافعي كما مر معنا لا يرى الوجوب، إنما يرى الأفضلية، فلو وقف بعرفة ليلاً أو نهاراً -كما في حديث عروة - أجزأه حجه، نقول: أما إجزاء الحج فنعم، أما أنه ليس عليه شيء، فنقول: الأقرب -والله أعلم- أنه أساء، ولو جبره بدم فهو حسن، وما منعنا أن نقول بعدم وجوب الدم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( فقد تم حجه وقضى تفثه )، وإن كان لا ينبغي له أن يترك الوقوف إلى الليل، طيب، هذا الواجب الثاني.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] | 2651 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] | 2533 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] | 2450 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] | 2396 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] | 2316 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] | 2169 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] | 2166 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] | 2128 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] | 2110 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] | 2106 استماع |